أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد سيد رصاص - التفسير الثقافي للسياسة















المزيد.....

التفسير الثقافي للسياسة


محمد سيد رصاص

الحوار المتمدن-العدد: 5327 - 2016 / 10 / 29 - 10:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



في كانون الثاني عام 2014 قتل مؤسس تنظيم «داعش» الفعلي سمير الخليفاوي (الملقب بـ«حجي بكر»)، في بلدة تل رفعت شمال حلب على يد فصيل مسلح سوري معارض. فوجئ المهاجمون لبيته حيث قتل بأن المنزل لا يحوي نسخة من المصحف بل كومبيوترات وكروت «سيم» وجهاز GPS مع مخطط تفصيلي لبنية «داعش» مكتوب بخط يده مع مهمات تنفيذية محددة لأجهزة التنظيم.

في التحقيق المطول الذي نشرته مجلة «دير شبيغل» الألمانية، عن ذلك بما فيها صور الوثائق، يوم 18 نيسان 2015، يروي صحافي عراقي شيعي عن ابن عمه الذي كان يخدم معه كضابط مخابرات في قاعدة الحبانية الجوية بفترة ما قبل سقوط بغداد بيد الأميركي الوصف التالي للخليفاوي: «لم يكن إسلامياً بل ذو نزعة قومية». عندما سرح الحاكم الأميركي، بول بريمر، الجيش العراقي وألغاه كمؤسسة، اشتغل العقيد السابق في المخابرات سائق تكسي ثم سرعان ما التحق بالزرقاوي مؤسس «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين» عام 2004، وبعد مقتل الأخير عام 2006 دخل الخليفاوي إلى سجن بوكا حتى 2008 حيث تعرف إلى أبو بكر البغدادي، وعندما قتل جميع أفراد قيادة «دولة العراق الإسلامية» في نيسان 2010 بغارة أميركية على مقر اجتماع تلك القيادة قام الخليفاوي باستدعاء البغدادي وتنصيبه «أميراً» وشكّل مجلس القيادة الجديد، وكان نصفه من ضباط الجيش والاستخبارات العراقية السابقين، وأصبح هو المسؤول العسكري، وكان هو من أقنع البغدادي بإرسال الجولاني إلى سورية أواخر 2011، ثم ذهب إلى هناك أواخر 2012 وعندما رأى نمو «جبهة النصرة» الكبير قام بإقناع البغدادي لكي يعلن «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) يوم التاسع من نيسان 2013.


عند السني المتدين هناك «عِدّة» في المنزل: المصحف وصحيح البخاري وسجادة الصلاة، وبخاصة في منزل رجل يعيش سراً ولا يختلط بالناس ولا يذهب إلى المسجد. لم تكن تلك العدّة موجودة في ذلك المنزل في تل رفعت. هناك روايات تتداول شفهياً وصلت إلى الصحف الأجنبية، بأن الخليفاوي لم يكن فقط غير متدين في زمن صدام حسين بل كان يشرب الخمر. لا يمكن تفسير تحوله في مرحلة ما بعد سقوط بغداد بيد المحتل الأميركي يوم 9 نيسان 2003 (لاحظوا إعلان تأسيس «داعش» في الذكرى العاشرة لذلك اليوم) عبر الثقافة و«الهداية الدينية» بل عبر ممرٍّ من مسربين: المحتل الأميركي والأحزاب الشيعية السياسية التي تولّت الحكم بفعل التحالف الأميركي ــ الإيراني في العراق المغزو والمحتل بكل ما تعنيه السلطة والحكم من مصالح اقتصادية ــ اجتماعية. لا يمكن تفسير خلعه القميص العروبي من دون هذا الممر وارتدائه القميص السلفي الإسلامي الجهادي: جاءت إسلاميته الجديدة رد فعل على ذلك.
مع ظاهرة انتشار «داعش»، هناك آراء تطلق بأن «داعش» يفسر بـ «القرآن» و«السيرة النبوية» وابن تيمية وابن عبد الوهاب وحسن البنا وسيد قطب. الغريب أن أصحاب هذا التفسير للسياسة عبر النصوص هم من الماركسيين حيث تفسر السياسة عند ماركس بوصفها بنية فوقية تستند إلى بنية تحتية اقتصادية ــ اجتماعية. الماركسي غير معذور بذلك. أما آخرون، من ليبراليين وغيرهم، فيمكن أن يكونوا في إطار التفسير الثقافي للسياسة. ولو أن الليبرالية في الغرب قد تجاوزت ذلك، وأصبحت تسلّم بالتفسير الماركسي وإن كانت تأخذه لحسابها الخاص. لا يستطيع هؤلاء الماركسيون، ويجب وضعهم بين العديد من الأقواس، تفسير اضمحلال الحزب الشيوعي العراقي بين يوم 1 أيار 1959، عندما أنزل مليون شخص (أغلبهم شيعة) لشوارع بغداد وانتخابات عام 2005، عندما فازت الأحزاب والحركات الشيعية العراقية بأغلبية مقاعد البرلمان، ولم يستطع الحزب الشيوعي أن ينال سوى مقاعد معدودة كانت أقل من أصابع اليد الواحدة، حملوا حملاً عبر قائمة مشتركة مع آخرين، كما لا يستطيعون تفسير ارتفاع حزب الدعوة من كتاب مؤسسه السيد محمد باقر الصدر: «فلسفتنا» عام 1959 الذي يبنى على التضاد الفلسفي مع الماركسية إلى حزب يتولى السلطة مع نوري المالكي وحيدر العبادي. هذه «الماركسية» تنحدر إلى مسارات تحليلية لا علاقة لها بالماركسية، تفسر السياسة بالثقافة، وتفسر تحولات الناس الفكرية – السياسية بـ«الجهل» و«التخلف» و«ضعف الثقافة»، وبأنهم «غنم» أو «طرش»، وهي مصطلحات لا يمكن أن يتبناها إلا فاشيون ونازيون على طراز موسوليني وهتلر، ينظرون إلى الناس والمجتمع من منظار «القائد الملهم»: الدوتشي والفوهرر ويقتلون المخالف الفكري ــ السياسي تماماً كما يفعل الداعشيون، وليس ماركسيون يؤمنون بالجماهير وبصراع الطبقات وبالديموقراطية.
ينتشر هذا التفسير الثقافي للسياسة أيضاً عند آخرين من غير الماركسيين. موجة بدأت مع انحسار «الإسلام السياسي» منذ سقوط حكم مرسي في القاهرة، حيث قدرت إحدى الصحف الغربية بأن «حكم الإخوان المسلمين قد أنتج مليون ملحد بين المسلمين المصريين في عام واحد»، تماماً كما أنتج البعثيون في بغداد ودمشق موجة من النفور من العروبة، وأيضاً كما يلاحظ كل من يزور إيران الخمينية ــ الخامنئية، بأن الشباب الإيراني أقل تديناً بكثير من الشباب العرب. هذه الموجة تنتج رد فعل فكري ــ ثقافي ــ سياسي يأخذ شكل «إلحاد سطحي» و«يسارية طفولية» و«علمانية» لا تقوم على بنائية فكرية بل على رفضية فكرية لـ«آخر»، وتتحدد كمضمون من خلال الرفضية وليس البناء المضموني الذي يقوم ليس بدلالة (الآخر)، بل بدلالة (الذات). يمكن أن يكون ذلك ليس فقط مؤشراً على انحسار الإسلاميين، وإنما على بدء موجة يسارية جديدة، ولكن إن لم يتم تحويلها من «رفضية» إلى (بنائية)، فإن مصيرها سيكون التلاشي مثلما حصل مع «اليسار الجديد» الذي نشأ عند العرب كرد فعل على هزيمة حزيران 1967، أحزاب وحركات قومية: «حركة القوميين العرب» التي تحولت كل فروعها للماركسية، مثلاً، ثم انتهى ذلك لتبدأ موجة إسلامية في فترة ما بعد وفاة الرئيس عبدالناصر عام 1970.
في السبعينيات كانت بلدة الموحسن، على الفرات قرب مدينة ديرالزور جنوباً، تسمى بـ «موسكو الصغرى» بسبب طغيان وجود الشيوعيين هناك على أي اتجاه سياسي آخر بما فيه حزب البعث الحاكم. وفي انشقاق 3 نيسان 1972 وقف شيوعيو الموحسن كلهم مع جناح خالد بكداش الموالي للسوفيات، برغم الأرجحية الواضحة لجناح المكتب السياسي، في مدينة ديرالزور. في عامي 2012 و2013 كان هناك نمو كبير لـ«جبهة النصرة» في الموحسن ثم لاقى «داعش» أرضاً خصبة هناك في عام 2014. هل يفسر هذا التحول الفكري ــ السياسي بـ«الثقافة» أم من خلال تفسيره بالتهميش الاقتصادي ــ الاجتماعي لسكان منطقة الفرات حيث الثروات الأساسية لسوريا: الماء والقطن والنفط؟



#محمد_سيد_رصاص (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الانزياح التركي: حقيقة أو مناورة؟
- الخلاف الأميركي - الروسي في سورية
- ألم يفشل مشروع رياض الترك؟
- استدعاء الماضي
- نقد العقل السوري المعارض
- الطائفية... محاولة لتحديد المفهوم
- الثورات الفاشلة
- الموجة اليمينية العالمية
- ديموقراطية المكوِّنات
- باراك أوباما في مدينة هوشي منه
- لماذا أتت روسيا إلى سورية؟
- مسار الحركة الشيوعية العربية:محاولة للمراجعة
- - السوريون في الأزمة -
- نموذج الحزبي الشيوعي
- الماركسيون السوريون
- بناء السياسة بدلالة مركز خارجي
- صعود القوى الإقليمية يواكب انكفاء واشنطن عن الشرق الأوسط
- المنتصرون عام 1989... وتداعي قوة أفكارهم
- سطحية الإلحاد العربي الحديث والمعاصر
- فلاديمير بوتين وروسيا الجريحة


المزيد.....




- ما علاقته بمرض الجذام؟ الكشف عن سر داخل منتزه وطني في هاواي ...
- الدفاع المدني في غزة: مقتل 7 فلسطينيين وإصابة العشرات بقصف إ ...
- بلينكن يبحث في السعودية اتفاق إطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق ...
- مراسل بي بي سي في غزة يوثق أصعب لحظات تغطيته للحرب
- الجهود تتكثف من أجل هدنة في غزة وترقب لرد حماس على مقترح مصر ...
- باريس تعلن عن زيارة رسمية سيقوم بها الرئيس الصيني إلى فرنسا ...
- قبل تصويت حجب الثقة.. رئيس وزراء اسكتلندا يبحث استقالته
- اتساع رقعة الاحتجاجات المناصرة لغزة في الجامعات الأمريكية.. ...
- ماسك: مباحثات زيلينسكي وبايدن حول استمرار دعم كييف -ضرب من ا ...
- -شهداء الأقصى- تنشر مشاهد لقصف قاعدة -زيكيم- العسكرية


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد سيد رصاص - التفسير الثقافي للسياسة