|
علاقات خاصة
أحمد هيهات
الحوار المتمدن-العدد: 5321 - 2016 / 10 / 22 - 06:28
المحور:
الادب والفن
علاقات خاصة عاد كريم من عمله المضني الذي يقضيه متجولا بين صفحات الانترنت باحثا عن كل إبداع أو جديد يقدمه المهندسون المختصون في تطوير واجهات المنتوجات الغذائية من أجل استلهامه في ابتكار تصاميم جديدة ومتجددة لمنتوجات الشركة الصناعية التي يعمل لحسابها منذ أكثر من 15سنة، عاد بعد مرور أكثر من ساعتين على انقضاء وقت الدوام، وذلك بعد أن أفرغ رأسه التي تكاد تنفجر من كثرة الصور التي تتراقص وتتماوج في ذاكرته، ويريح عينيه من كثرة الأشعة المختلفة الناجمة عن الألوان الفاقعة التي تتسم بها مختلف الصور والرسوم التي يقضي نهاره هائما على وجهه فيها، هاربا من كثرة الحركة والضوضاء التي تميز مكاتب العمل وغابة الملفات وأجهزة الحاسوب التي تغرق المكان. وصل إلى شقته الفاخرة وسط ذلك الحي العصري الراقي وركن سيارته في مكانها المعتاد دون أن ينتبه إليه الحارس الشاب الذي كان قد أدخل سماعتي الهاتف في أذنيه وكاد يدخل رأسه الأسطواني المرتب بعناية في شاشة الهاتف الذكي، أدار مفاتيح باب الشقة ودلف إليها ثم صفق بيده ثلاث مرات لإخبار أفراد أسرته الصغيرة التي تتكون من زوجته وابنتيه بعودته من العمل، ولكن تصفيقه لم يحدث أثرا في نفوس زوجته وابنتيه فأعاد الكرة لعل الصوت كان منخفضا فلم تسمعنه، وبعد التصفيق بصوت أكثر ارتفاعا لم يحصل على النتيجة التي كان يتوقعها، فتوجه إلى المطبخ ليطلب من زوجته عصيرا باردا يخفف به وطأة التعب والضغط الذي يعانيه في العمل، فوجدها تتابع أحد برامج قناة الطبخ الحبيبة إلى قلبها فناداها بأحب الأسماء إليها ليستدر عطفها وانتباهها، فأجابته مسرعة : - من فضلك عزيزي انتظر قليلا حتى أتمكن من الاستماع الجيد فهذه أهم فقرة في الحلقة كلها لأن فيها سر صناعة هذه الأكلة التي كنت أنتظرها منذ أسبوع. لم يستطع النطق بكلمة واحدة من هول الصدمة الناجمة عن الاستقبال البارد والاهمال المقصود فما كان منه إلا أن جر أذيال الخيبة والاحباط وانسحب من المطبخ بهدوء وتوجه إلى غرفة ابنتيه لإلقاء التحية والحصول على جرعة العطف والحنان والاهتمام التي افتقدها عند زوجته المنشغلة بأهمية البرنامج التلفزيوني وكله يقين بأن استقبال ابنتيه الحار سينسيه برودة استقبال زوجته، فأزال بصعوبة التقطيب من على جبينه والكآبة من عينيه، وحاول استعادة بعض الحيوية والنشاط، ثم طرق باب الغرفة بشكل فيه إيقاع خفيف بهيج، وابتسامة عريضة تعلو شفاهه اليابسة التي لم تتخلص بعد من آثار الجفاف الذي اجتاحها بسبب المقابلة الصادمة التي تلقاها من زوجته. انتظر بشوق رد فعل ابنتيه المنشغلتين بالأجهزة الالكترونية فطال انتظاره ولم يحظ بالاهتمام المنتظر، فاقترب من ابنته الكبيرة التي تبلغ من العمر حولي عشر سنوات وحاول أن يحضنها ويحملها ليدور بها بعض الدورات كما كان يفعل منذ أعوام، فصرخت ابنته بقوة وكأنها أصيبت بنوبة صرع حادة قائلة: - حرام عليك يا أبي ألم تكن تستطيع الانتظار قليلا فقد أضعت علي جهد أكثر من شهرين من العمل المتواصل حتى بلغت هذه الجولة من لعبتي المفضلة على الانترنت والتي كانت ستؤهلني إلى المستوى الأخير لأفوز باللعبة، وبالمقابل أعطيت الفرصة لمنافسي حتى يتغلب علي. تلقى الأب من خلال هذا الكلام صفعة أقوى من الصفعة التي نالها في المطبخ فأسرها في نفسه ولم يبدها لابنته التي عادت إلى الحاسوب المحمول محاولة استدراك النقط الثمينة التي خسرتها، وقد أجبرته هذه الصدمة على استحضار الصدمة السابقة فعادت علائم وأمارات الحزن وخيبة الألم وخيمت على وجهه الأبيض فأصبح أقرب إلى الأزرق بسبب صعوبة التنفس التي عاناها والتي صاحبتها حالة من عسر التفكير واستيعاب الموقف الغريب الذي لم يكن ينتظر أن يقفه في يوم من الأيام. لبث كريم مليا قبل أن يعود إلى النظر بعينيه بعد أن قضى دقائق ذوات العدد ينظر بفؤاده الحزين وعقله العاجز عن الاستيعاب، فركز ناظريه على ابنته الصغرى التي كانت بدورها منهمكة في مداعبة اللوح الالكتروني، تردد الأب كثيرا في التوجه إليها يمنعه الخوف من النكسة المقبلة التي ستحل به إن عاملته بالبرودة والاهمال نفسيهما، وفي مقابل ذلك كان يدفعه أمل كبير في أن تداوي جرحه العاطفي الغائر الذي يكتوي بلظاه وحده دون أن يحس به أو يشاركه أحد. قبل أن ينتهي من رحلة التفكير الطويلة التي انخرط فيها ومراجعة الأفكار التي ترد عليه وتطرق عقله ابتدرته ابنته الصغيرة بالنداء، فتهللت أساريره وانتشر الدم وتدفق بسرعة في مختلف أوصاله واعترته قشعريرة قوية وحالة غريبة وفريدة من الفرح والسرور، فهرول إلى الاستماع إليها والانتباه لكلامها على عكس ما كان من زوجته وابنته الكبرى موقنا من اختلاف موقفها عن موقفهما، وكله استعداد لتلبية كل طلباتها ورغباتها ما دامت ستسليه وتنسيه ما به من هم وكدر، فقالت: - لقد مللت من الألعاب والفيديوهات التي تختارها وتثبتها لي على اللوح الالكتروني وكل صديقاتي يخترن ما يردن من الفيديوهات ويثبتن ما يشأن من ألعاب، فلم لا تسمح لي بالدخول إلى الانترنت كباقي صديقاتي وقد بلغت من العمر أكثر من ست سنوات. قبل أن ينبس ببنت شفة قامت البنت الصغرى ورمت اللوح الالكتروني على السرير دون الانتباه إلى إمكانية سقوطه على سطح الأرض وتكسره وقالت: - أعرف أنك ستقول أن الدخول إلى الأنترنت خطير على الصغار وأن الآباء الذين يسمحون لأبنائهم بذلك غير مسؤولين ولا يريدون الخير لهم، وقد مللت من هذا الكلام ولا حاجة لي بعد اليوم إلى اللوح الالكتروني إذا لم يكن مرتبطا بالانترنت. ثم خرجت مسرعة وتوجهت إلى أريكة البهو واستلقت عليها مدخلة رأسها في الوسادة وقد أحاطتها بيديها الصغيرتين، تجمد الدم في عروق الأب ولم يعد يستطيع التركيز في تفكيره أيخصصه للمشكل الأصلي أم للمشكل الجديد الذي أنهى وقطع خيوط الأمل الواهنة الواهية التي كان يتشبث بها، وتوقف الزمن في نظره وكف الكون عن الدوران، ولم يستطع أن يجد للموقف تفسيرا أو حلا ولم يجد أمامه إلا باب الشقة الذي قصده وخرج باحثا عن أرض رحبة بعد أن ضاقت به شقته الفسيحة. قصة قصيرة 21-10-2016 أحمد هيهات
#أحمد_هيهات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحزب الحقيقي الذي يستحق أصوات المغاربة
-
وضع الكحل في عيني الأسد
-
الخوف الذي يأبى الموت
-
الخبز الاسفنجي المُحَلَّى
-
الانتخابات المغربية والطريق الضائعة إلى الديمقراطية
-
الموقعة الخاسرة
-
في معايير اختيار المؤلفات في التعليم الثانوي
-
الشمس تستسلم مرة أخرى
-
المسيد أو العصا بدون جزرة
-
أقساط غير مريحة
-
الطائرة الحقيقية
-
من البيت الأحمر إلى البيت الابيض - البوصلة التائهة -
-
القلوب الباردة (قصة قصيرة)
-
مثلث البيتزا
-
كواليس الذاكرة
-
النساء أجمل وأكرم وأقوى
-
الشذوذ في الشعر العربي : انحراف أم ثورة ؟
-
إكسير السعادة
-
مكر النهايات
-
القطعة
المزيد.....
-
روسيا.. تدريب روبوت على الرسم بأسلوب الفنان التشكيلي
-
في الذكرى السنوية للسابع من أكتوبر.. خامنئي يغرّد باللغة الع
...
-
شموع وصلوات وموسيقى في إسرائيل لإحياء ذكرى هجوم 7 أكتوبر
-
-يلا غزة-.. فيلم يروي صمود وأحلام الفلسطينيين رغم الحصار وا
...
-
القاص سعيد عبد الموجود فى رحاب نادى أدب قصر ثقافة كفر الزيات
...
-
مهاتير: طوفان الأقصى نسف الرواية الإسرائيلية وجدد وعي الأمة
...
-
باللغة العربية.. تعليق -هزلي- من جيرونا على تصدي حارسه لثلاث
...
-
ميكروفون في وجه مأساة.. فيلم يوثق التحول الصوتي في غزة
-
عبد اللطيف الواصل: تجربة الزائر أساس نجاح معرض الرياض للكتاب
...
-
أرقام قياسية في أول معرض دولي للكتاب في الموصل
المزيد.....
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال
...
/ مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
-
المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر
...
/ أحمد محمد الشريف
-
مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية
/ أكد الجبوري
-
هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ
/ آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
-
توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ
/ وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
-
مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي
...
/ د. ياسر جابر الجمال
-
الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال
...
/ إيـــمـــان جــبــــــارى
-
ظروف استثنائية
/ عبد الباقي يوسف
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل
...
/ رانيا سحنون - بسمة زريق
المزيد.....
|