|
متاهة السياسة الدولية الجديدة وتداعياتها
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 5311 - 2016 / 10 / 11 - 13:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من غير المعقول بشيء الزعم أن سوريا هي ، محور الصراع العالمي المعاصر ، وما يسمى بالأزمة السورية فيها ، قد قسم العالم إلى محورين متصارعين . إذ أن قدراتها بعامة ، والاقتصادية خاصة ، هي أقل بكثير من أن تؤهلها ، لتكون قطباً دولياً تنافسياً ، يستطيع أن يقوم بلعبة التجاذب التنافسي ، وسط تكتلات دولية عملاقة تملك الكثير من القدرات
إن ما أكدت عليه مجريات أحداث الحرب السورية ، إن أخذت خلافاتها الداخلية بالاعتبار أو لم تؤخذ ، هي بعد انهيار المعسكر الاشتراكي ، وفرض عبودية النظام الرأسمالي المطلقة على العالم ، ونشوء عالم أحادي القطبية منفلت من معايير التوازن الدولي ، ومن القوانين الدولية ، هي ضحية المتغيرات والمخططات الدولية عامة ، وهي مستهدفة ، لتميزها الجغرافي السياسي ، ودعمها للمقاومة العربية التحررية في فلسطين وغيرها ، والتمسك باستعادة الجولان المحتل ، والتمرد على سيناريوهات الشرق الأوسط الجديد .
ولذا ، إن الحرب السورية انطلقت من رحم بنية النظام الدولي الجديد التنافسية ، ومن مقتضيات ، الوحدة والتنافس ، والانقسام والتمحور ، والتناقض والتفاهم ، دون الوصول إلى الحرب والتصفيات الممنوعة ، بقوة الردع النووي المتبادل ، مع بقاء قوانين أسلوب الإنتاج الرأسمالي ، وإفرازاته الناتجة عن دورة الإنتاج ، مثل توزيع فائض القيمة ، والتحكم بالناتج الإجمالي ، لصالح القوى المالكة لوسائل الإنتاج ، وسيدة الاستثمارات ، واقتصاد لسوق حسب الظروف الجديدة .
وتتحرك مفاعيل التمايز الطبقي الحاد ، والانقسام الاجتماعي ، واستغلال الشعوب المستضعفة ، حركتها المعتادة ، منذ أن هيمنت الرأسمالية وتحولت إلى نظام متكامل ، مهيمن على الدولة والمجتمع . بيد أن تحرك هذه المفاعيل ، يتخذ مع " العولمة " الرأسمالية السائدة ، طابعاً وآليات جديدة ، هي الأكثر توحشاً ، ويشكل السمة العامة ، للنظام الدولي الجديد .
بعد سلسلة من الصراعات الباردة بين مراكز النظام الجديد العريقة والنامية ، دخل هذا النظام مرحلة الانقسام إلى تكتلين أساسيين ، وشرع ينقل تداعياته المتنوعة المقلقة ، إلى البلدان المصنفة على هوامشه ، كمخازن للطاقة ، والثروات الطبيعية ، وأسواقاً للتصريف السلعي .
ومن هنا يمكن فهم خلفية ، تفكيك الاتحاد اليوغسلافي ، وحروب الخليج المتنوعة الذرائع الكاذبة ، الأولى والثانية والثالثة ، والثورات البرتقالية التي انتشرت في بلدان عدة ، وخاصة في أوكرانيا ، وجورجيا ، وتشيك سلوفاكيا ، ولبنان ، وفهم خلفية ما سمي " الربيع العربي " ، ونشوء الجماعات الدولية الإرهابية المسلحة ، وتوظيفها في نشر هذا الربيع المدمر ، تحت قيادة تكتل رأسمالي ، يضم أميركا والاتحاد الأوربي ، وأستراليا ، وكندا ، مقابل تكتل دولي نام في مقدمته مجموعة دول " بريكس " التي تضم روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا .
وهذا الانقسام صار في السنوات الأخيرة ، وخاصة مع هجوم أعاصير " الربيع العربي " الذي امتدت أذرعه إلى أفريقيا ، وطالت أصابعه بلداناً في أوربا ، صار يفعل ، ويتفاعل ، ويتدخل بشكل تنافسي بارد ، في مختلف البلدان ذات الأهمية الاستراتيجية اللافتة ، جغرافياً ، واقتصادياً وسياسياً ، وعسكرياً ، وانتشرت عالمياً حالة من المتاهة السياسية الدولية ، الفاقدة ، رغم توفر التكنولوجيا ، والعلوم الفضائية ، لأفق الاستقرار والمسارات المطابقة لاحتياجات العصر الحضارية والإنسانية ، معبرة أصدق تعبير عن التناقض الأساسي في النظام الرأسمالي ، وهو الدقة والرقي في التنظيم والفوضى والظلم في التوزيع .
وعليه ، كان أسلوب التدخل الدولي في سوريا متميزاً ، وخلافاً للتدخلات الدولية في البلدان الأخرى ، التي تربعنت " نسبة للربيع " وتوترت أوضاعها ، وخسرت استقرارها ، مثل ، مصر ، وتونس ، واليمن ، والعراق ، أو فقدت استقلالها مثل ليبيا ، إذ قلب هذا التدخل الدولي " الربيعي " ، استقرار سوريا إلى فوضى مدمرة ، وأمنها إلى مجازر متوحشة ، بواسطة أكثر من أربعمئة ألف إرهابي مسلح ، وهدد جديا المصير والوجود السوري بأسوأ المخاطر . ما استدعى أن تطلب سوريا من روسيا ، مشاركتها في مواجهة جيوش " الربيع " الإرهابية ، وأن تستجيب روسيا ، حرصاً على أمنها القومي ، وتضع ثقلها العسكري والسياسي ، والدبلوماسي ، في مواجهة التكتل الدولي الآخر الداعم لحرب الإرهاب الدولي على سوريا بقيادة أميركا .
وحسب مقتضيات السمة العامة للنظام الدولي الجديد ، القائم على بنية تنافسية باردة ، لا حسم فيها للصراعات ، بين التكتلين الأعظم بالحرب المباشرة بينهما ، فإن العالم دخل ، نتيجة هذا التناقض المستعصي ، في مرحلة من الفوضى السياسية الجديدة ، وخاصة عند البحث عن حل " سياسي " لتناقضات حادة، مثل الحل المطلوب للحرب على سوريا ، حل يجمع بين مصالح القوى الدولية القابضة على قرار الحرب ، دعماً ، واستمراراً ، وتوقفاً ، وبين مصالح سوريا ، التي تحددها الوقائع العسكرية الميدانية .
ومن أجل أن يتحقق ذلك ، شهدت الساحة السورية ، تآمراً نوعياً دولياً واسعاً ، لتجنيد وتدريب وتسليح مئات آلاف المرتزقة " إلهياً " ومادياً ، من أكثر من مئة دولة ، وأرسلتهم لذبح الشعب السوري ، وتشريده ، وتدمير عمرانه ، ودولته . وقد أدى ذلك بالفعل ، خلال خمس سنوات ونيف ، إلى تدمير الكثير .. الكثير ، من العمران ، والبنى التحتية ، وقتل وتشريد ملايين السوريين بمقاييس وحشية .
وبالتوازي وبالتزامن مع حركة التدمير والموت ، كان السباق السياسي والدبلوماسي ، نتاج عقلية النظام الدولي الجديد ، ينشط في عقد المؤتمرات المشتركة والمنفصلة بين التكتلين الدوليين . المؤتمرات اللافتة أكثر ، كانت مؤتمرات " أصدقاء سوريا " ، التي كانت تخرج القرارات والخطط المعادية لسوريا ، والداعمة للإرهاب ، وللمعارضات الموالية لها . ثم كانت عشرات اللقاءات الدبلوماسية الثنائية " الروسية الأميركية " مباشرة ، بمواعيد مقترحة ، أو عابرة ، أو عبر الاتصالات الهاتفية ، والمؤتمرات الخماسية والعشرية واكثر الدولية ، بين الدول ذات الصلة المباشرة بالحرب . وكانت مؤتمرات جنيف وفيينا تحت رعاية الأمم المتحدة . وعقدت المعارضات السورية عشرات المؤتمرات واللقاءات ، في استانبول ، وباريس ، وموسكو ، والقاهرة ، والدوحة والرياض . اتسمت جميعها باللاجدوى أكثر هذه الأنشطة إضاءة وإثارة ، كانت اجتماعات الأمم المتحدة المقولبة أمريكياً ، وبخاصة اجتماعات مجلس الأمن الدولي حول سوريا ، التي اتسمت بالمناقشات المتوترة ، وتداول الفيتو ، المبطل للقرارات المنشودة الإيجابية والسلبية المتعلقة بسوريا ، ويحيل الحلول إلى جبهات الحرب .
آخر اجتماعات مجلس الأمن الدولي حول سوريا ، جسد الانقسام الدولي ، إن في الاشتراك بجدل تناحري ، حول تسوية للحرب في سوريا ، أو في تداول الفيتو ، مع ، وضد ، سوريا في جلسة واحدة ، بصورة انزلقت فيها مختلف الأطراف ، بجدلها ، وذرائعها ، إلى ما يشبه المهزلة . والتي وصفها المندوب الروسي " تشوركين " بالمسرحية .
وبعد انفضاض مجلس الأمن الدولي بلا قرار ملزم حسب القوانين الدولية المنصفة لسوريا ، وبلا التزام موضوعي وأخلاقي ، بالتصدي للإرهاب ، وإيقاف الحرب ، ومساعدة الشعب السوري في تقرير مصيره بعدالة وشفافية ، بمعنى مواصلة الحرب ، وعلى التأكيد على استعصاء حل معادلة " التنافس / الاستقرار " ، في النظام الدولي الجديد ، وعلى تواصل السير في متاهة السياسة الدولية ، التي يوسعها الدبلوماسيون الأغبياء ، ويستغلها قادة الجيوش العسكرية وقادة الاحتكارات الاقتصادية العابرة للقارات ، الحامين بإمبراطوريات كونية فضائية ، على حساب مصائر المليارات من سكان القارات المهمشة .
أما الشعب السوري .. فإنه مهما تكالبت قوى العدوان والإرهاب الدولي عليه ، وعلى حقوقه ، ووجوده .. فإنه بوحدته ، وتآخيه ، وتلاحمه مع جيشه الوطني ، وبمساعدة كل الشرفاء في العالم ، قادر على دحر العدوان ، وعلى الحفاظ على وحدته ووجوده .
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حلب تتحرر .. وتتوحد .. وتجدد
-
اتفاق لافروف كيري يحتضر إلى شهداء جبل ثردة
-
حين تحل التسويات الدولية محل الشعب
-
متغيرات السياسة الحتمية في الحرب
-
سوريا واللعبة الدولية المتجددة
-
سوريا بين لعبة دولية انتهت وأخرى قادمة
-
رمز طائفي قاتل لهجوم إرهابي فاشل
-
آن أوان تجديد رؤى القوى الوطنية
-
حلب تنتصر على القتل والتدمير والتقسيم
-
افتضاح الهوى الإسرائيلي القاتل عند آل سعود
-
- بواية النبي - المجهول
-
ما بعد المعارضة
-
من أجل عالم بلا إرهاب
-
العيد في الحرب .. تحد وكرامة
-
الرفيق ..
-
حتى لا تبقى الخيانة وجهة نظر
-
الحملة الداعشية الأميركية الجديدة على سوريا
-
الخطة - ب - الأميركية والمعارك الكبرى القادمة
-
جرائم سياسية وحربية .. في الحرب السورية
-
ما بين حزيران 67 .. وحزيران 2016
المزيد.....
-
مقتل أمريكي وإصابة 16 في غارات روسية ليلية على كييف
-
ورقةُ ضغط أم أزفت الآزفة؟ ترامب يدعو سكان طهران لمغادرة العا
...
-
آخر تطورات المواجهة الإسرائيلية- الإيرانية لحظة بلحظة
-
وكالات: تقرير عن حادث بحري قرب مضيق هرمز
-
الحرب بين اسرائيل وايران : قصف يطال التلفزيون الإيراني وطهرا
...
-
شهداء بقصف على نازحين والقسام والسرايا تستهدفان قوات الاحتلا
...
-
مصادر لـCNN: ترامب يوجه أعضاء إدارته لمحاولة لقاء مسؤولين إي
...
-
عاجل.. إيران تشن هجوما جديدا الآن.. إسرائيل تتعرض لهجمات صار
...
-
هآرتس: إسرائيليون وأجانب يدفعون آلاف الدولارات للخروج بحرا إ
...
-
رئيسة الصليب الأحمر: المدنيون يدفعون ثمن تراجع الالتزام العا
...
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|