|
حين تحل التسويات الدولية محل الشعب
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 5279 - 2016 / 9 / 8 - 15:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يتصدر في هذه الأيام خبر دولي له دلالة حمالة أوجه . في مجريات الحرب السورية ، وهذا الخبر يخص حركة .. ولقاءات .. ومحادثات رجلين حول تسوية تفضي ، كما يقولان ، إلى وقف الحرب . وإلى حل سياسي لما سمي بالأزمة السورية . وهذان الرجلان هما ، وزير الخارجية الروسي " سيرغي لافروف " ووزير الخارجية الأميركي " جون كيري " . اللذان أمست دولتيهما ، بحكم المتغيرات الدولية مع مطلع القرن الحالي ، وبحكم قوتهما العسكرية والاقتصادية ، تمثلان القطبية الدولية الثنائية .
وتلاحق وسائل الإعلام العالمي ، لقاءات الوزيرين ومحادثاتهما في الشأن السوري ، بصورة هزلية مؤسفة أحياناً . إذ قبل اللقاء تنشر بشائر قربهما من الاتفاق ، أو الأساسيات فيه ، وبعد انتهاء لقائهما دون اتفاق ، تنشر أن الوزيرين كادا أن يتوصلان للاتفاق الكامل ، لولا أن هناك مسائل تقنية ما زالت معلقة وتحتاج إلى متابعة من قبل الفنيين من الطرفين . وقد لعب الوزيران الكبيران والإعلام هذه اللعبة أكثر من مرة ، حتى بات المراقبون ، والسياسيون المتابعون باهتمام بالغ حركتهما ، يشككون بإيجاد تقاطعات جوهرية ، تلتقي فيها المصالح الروسية والأميركية والسورية ، وإنجاز وعودهما ، التي غدت إعلامية استعراضية ، أكثر مما يريدانها سياسية .
ورغم ذلك تبقى الأضواء محصورة بأنشطة الرجلين المتلازمة واقعياً مع حركة انتشار القوى المقاتلة في الحرب ، وهي قوى صديقة لروسيا من طرف .. وقوى صديقة لأميركا من طرف آخر . ما يعني عملياً ، أن اللغز في تلك الجولات من المحادثات الماراثونية ، إنما هو انتظار ما سوف يستقر عليه هذا الانتشار لتحديد حدود التماس التي تحدث بين قوى الطرفين ، ومضامين الحل السياسي . الدلالة حمالة الأوجه التي أشرنا إيها آنفاً ، هي أن ما يثوم الوزيران ، كيري ولافروف ، فيما يتعلق بالشأن السوري ، أنهما قد تمكنا من حصر المصير السوري ، بما يتطابق ومصالحهما المشتركة أولاً ، نيابة عن القوى الدولية الحليفة .. ونيابة عن الشعب السوري . وتمكنا من تكريس قطبية ثنائية دولية ، أميركية روسية دون منازع . ، تتولى في الظروف الراهنة تقرير مسار الحرب السورية . التي امتد مجالها الحربي والسياسي ، إلى الإقليم وإلى المجال الدولي . حيث انتهى المشهد الدولي إلى انقسام العالم إلى تكتلين . وهما : ا - تكتل القوى الدولية العريقة بالحروب والغزو ونهب ثروات الشعوب . وهذا التكتل كبير وخطير بحجومه المختلفة وخاصة العسكرية والاقتصادية 2 - وتكتل يشتغل في المرحلة العالمية الراهنة ، تحت عناوين ، احترام القوانين الدولية ، والتكامل الاقتصادي ، وحق الشعوب بالسيادة الوطنية وتقرير المصير .
بمعنى أن أي نقاش دولي حول مسألة هامة ، سوف تحكمه شروط هذا الانقسام . وهذا ينطبق تماماً على الحالة السورية ، عندما يبحث لافروف وكيري في مضمون التسوية السورية . وكذلك الحال ، عندما تجري محادثات سورية ـ سورية . فليس هناك حقيقة حوار ، سوري ـ سوري ، مجرد عن العلاقة مع طرفي التكتل الدولي . وفي أي حال يبقى أي حوار من أجل حل سياسي ، هو هجوم سياسي مواز للهجوم العسكري . وحسب خبرات المحاور الحربية ، تكون نتائج الحرب التفاوضية موازية للحرب العسكرية . -لكن الحرب العسكرية الميدانية ، تكون أصدق قولاً ، من الحرب الحوارية ، مهما استخدمت الأخيرة الذرائع والفصاحة . ومن المغارقة المضحكة ، أن المتحالف مع الجماعات المسلحة مباشرة أو غير مباشرة ، الذي يطالب بالحل السياسي ، يجد نفسه مرغماً على متابعة المسار الحربي العسكري ، فيقوى ويضعف حسب معطيته . فيما المقاتل المطالب بدحر العدوان ، والثأر لضحايا وطنه ومشرديه ، لا يتأثر بمعطيات النشاطات السياسية ، والمؤتمرات ، والعبقريات السياسية الجوفاء .
ولما تتأكد حقيقة ، وليس جدلاً ، أن الحل السياسي ، في ظروف الحرب ، هي هجوم سياسي ، مواز أو مطابق للهجوم العسكري ، فإنه لابد من السؤال : .. من سيفاوض من ، من أجل الحل السياسي ؟ لاشك أن لافروف سيكون حاضراً مع طرف الحكومة ، وسيكون كيري حاضراَ مع طرف المعارضات . كما أن الجيش الوطني السوري ومؤسسات الدولة وقوى شعبيىة معترف دولياً بحجمها ودورها في التصدي للجماعات الإرهابية ، سيكون مع طرف الحكومة ، وستكون الجماعات المسلحة بما فيها " داعش " مع طرف المعارضات . سيما إذا صدقنا تصريحات كيري عن المعارضة المتدلة كحقيقة ، التي تبين أنها هي كل الجماعات المسلحة التي تتلقى الدعم من أميركا وحلفائها . وتصبح هذه المعارضات المسلحة المعتدلة ، أولى بالجلوس إلى طاولة المفاوضات .
وكنتيجة منطقية لهذا الواقع ، سوف تبقى المناطق التي تحتلها الجماعات المسلحة ، تحت سيطرتها . وتتحول الدولة إلى كانتونات يحكمها أمراء الحرب والطوائف . ولذلك إن من المصلحة الوطنية بمكان ، للوصول إلى حل سياسي وطني ، إبعاد كل معارضة هي بمثابة صنو للجماعات الإرهابي المسلحة .عن مجال التفاوض .
وعلى أية حال ، ليست التسوية ، التي يشتهيها الكثيرون ممكنة ، إن لم تتوفر على الأرض معادلة عسكرية ترضي الأطراف الأساسية المشاركة والمعنية في الحرب السورية ، وحسب معطيات اللحظة ، إن تحركات القوى الموالية لأميركا تكذب كل ادعاء أميركي أنها تعمل مع الشريك الروسي على إنجاز التسوية السورية . فحليفها الأهم في الإقليم ، أردوغان قام باحتلال آلاف الكيلو مترات المربعة من الأراضي السورية ، زاعماً أن ذلك هو لإبعاد " داعش " والكرد عن الحدود التركية . والكرد مع بقية قوات سوريا الدمقراطي ومئات الجنود الأميركيين ، قاموا بإبعاد " داعش " عن منبج ، وكانت هذه القوات عازمة على دخول جرابلس ، وتجتاز الفرات شرقاً وغرباً بالتنسيق مع أميركا . والهيئة العليا الممثلة لمؤتمر المعارضات في الرياض تتوجه إلى لندن ، وتعلن شروطها المكررة السابقة لأي تسوية . ويشاركها كيري عبرالاتصال الفضائي في هذا الشأن . وأخيراً فقد حدد مبعوث واشنطن إلى سوريا " مايكل راتني " برسالة مهذبة وجهها إلى ممثلي " ثوار سوريا " الموقف الأميركي الداعم لأهداف الجماعات المسلحة ، المتعارضة مع منطق التسويات بين أطراف تنشد التلاقي على مضمون وطني مشترك ، وكاشفاً النفاق الذي يمارسه كيري مع لافروف ومع الشعب السوري والإعلام .
وهكذا يتضح أن مسار الحل السياسي ، الذي يمر بدون موافقة الشعب السوري ، وإنما عبر تسوية دولية .. ثنائية أو أكثر ، وتضم عملاء للخارج ، ومقاتلين ضد الدولة السورية ، ليس له مستقبل . يمكن أن يهدئ القتال وقتاً قد يطول أو يقصر ، لكنه لا يلغي مخاطر تجدد الحرب . لأنه لا يوحد الشعب السوري ، ولايعيد اللحمة الوطنية .. وسسيحكم الأراضي السورية أمراء حرب وطوائف متعددة .
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
متغيرات السياسة الحتمية في الحرب
-
سوريا واللعبة الدولية المتجددة
-
سوريا بين لعبة دولية انتهت وأخرى قادمة
-
رمز طائفي قاتل لهجوم إرهابي فاشل
-
آن أوان تجديد رؤى القوى الوطنية
-
حلب تنتصر على القتل والتدمير والتقسيم
-
افتضاح الهوى الإسرائيلي القاتل عند آل سعود
-
- بواية النبي - المجهول
-
ما بعد المعارضة
-
من أجل عالم بلا إرهاب
-
العيد في الحرب .. تحد وكرامة
-
الرفيق ..
-
حتى لا تبقى الخيانة وجهة نظر
-
الحملة الداعشية الأميركية الجديدة على سوريا
-
الخطة - ب - الأميركية والمعارك الكبرى القادمة
-
جرائم سياسية وحربية .. في الحرب السورية
-
ما بين حزيران 67 .. وحزيران 2016
-
حين يستعيد الشعب دوره
-
المعارضات الزاحفة إلى الرياض .. ماذا بعد ؟
-
المحاصرون
المزيد.....
-
سقط سرواله فجأة.. عمدة مدينة كولومبية يتعرض لموقف محرج أثناء
...
-
-الركوب على النيازك-.. فرضية لطريقة تنقّل الكائنات الفضائية
...
-
انتقادات واسعة لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بسبب تصريح
...
-
عقوبات أمريكية جديدة على إيران ضد منفذي هجمات سيبرانية
-
اتحاد الجزائر يطالب الـ-كاف- باعتباره فائزا أمام نهضة بركان
...
-
الاتحاد الأوروبي يوافق على إنشاء قوة رد سريع مشتركة
-
موقع عبري: إسرائيل لم تحقق الأهداف الأساسية بعد 200 يوم من ا
...
-
رئيسي يهدد إسرائيل بأن لن يبقى منها شيء إذا ارتكبت خطأ آخر ض
...
-
بريطانيا.. الاستماع لدعوى مؤسستين حقوقيتين بوقف تزويد إسرائي
...
-
البنتاغون: الحزمة الجديدة من المساعدات لأوكرانيا ستغطي احتيا
...
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|