أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشاراه أحمد - الحَقُّ والإبْيَانُ في أنَّ إبْليْسَ هُوَ عَيْنُهُ الشَّيْطَانُ:















المزيد.....



الحَقُّ والإبْيَانُ في أنَّ إبْليْسَ هُوَ عَيْنُهُ الشَّيْطَانُ:


بشاراه أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5300 - 2016 / 9 / 30 - 10:51
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مقدمة:
لاحظنا,, - من خلال توارد التعليقات المتنوعة على موضوعنا السابق (الحقيقة وبرهان الدمار الشامل Q - على مسألة ما ورد عن إبليس والشيطان وآدم عليه السلام -, وما حدث لكل منهما, خاصة ورود أخبارهم في عدد من السورة وبصيغ متنوعة تتسق كل منها مع مقاصد السورة التي جاءت بها, في إطار الدقة المتناهية في محاور وأساسيات الحدث مما يؤكد الإعجاز البياني ودقة الصياغة وإحكامها.

ولكن على ما يبدوا أن هناك إطِّلاعات على مقالات متعددة من هنا وهناك عبر المواقع العديدة بالشبكة, لنفس هذا الموضوع ولكن بتصورات تقترب أو تبتعد عن الحقيقة بمستوى قدرات ومفاهيم كاتبيها التي لا نتشكك فيها أو نغمطها بل نرى هذا أمراً بديهياً, ولكن, القرآن الكريم لا يؤخذ بالإفتراضات ولا بالتخمين أو التأويل, فالله تعالى وجه الناس (للتدبر) ولم يقل بالتفسير وحذر من التأويل.

فالتدبر يعتبر ملكة خاصة تحتاج إلى تمرس وإستعداد فوق مستوى القدرات الأكاديمية أو الفكرية, ومرتبطة مباشرة بفتح الله المبين الذي نسأل الله أن يمن به علينا وعلى عباده المخلصين, ولكن أولاً وأخيراً فالإجتهاد ومحاولة التفقه والتفكر فيه يعتبر عمل إيجابي وعبادة عالية القدر بغض النظر عن المحصلة التي في الغالب تتم بتوفيق من الله تعالى.

لقد شارك أخوة كرام في الحوار ومناقشة بنود في الموضوع وكان التركيز منصباً على الموضوع الثاني المتعلق بإبليس وخروجه وهبوطه فكانت الأسئلة متعددة ومتنوعة من بعض المعلقين, - عبر سلسلة من التعليقات المتتابعة وقد رددنا عليه بتعليقات مناسبة راعينا فيها خصوصيات المعلق وإتجاهه وتوجهاته بقدر المستطاع.

فبعضهم لا يزال يكرر فرية التناقض, في قصة إبليس رغم وضوحها الكامل, ويعود مرة أخرى إلى ذكر (خروج وعودة ابليس الى الجنة) التي إفتراها لبيب, وهو لا يملك دليل ولا مبرر لهذا الإعتقاد رغم أننا طالبناه به صراحة, ومن ثم يعتبر هذا رأي خاص به يريد أن يفرضه على القراء الكرام.

ثم قال بأن القصة في حد ذاتها ، غير قابلة للتصديق، وقد فشل تماماً في أن يبرهن هذا الإدعاء أو يقيم عليه شيء من دليل فضلاً عن برهان, ومثل هذا القول لا يرقى إلى مستوى الإعتداد به وأخذه في الإعتبار كمؤثر على الحقيقة, ويبقى رأي خاص له غاياته التي لا تُخفى عن القراء.

ثم قال بأن لديه نقطة اخرى بغاية الاهمية، وهي - في اعتقاده - ، نقطة الضعف التي تنسف قصة إبليس من اساسها, ولكنه للأسف صاغ إدعاءه هذا في سؤال قال فيه: (... لماذا يصر ابليس على عصيان الله ، وهو يعلم يقينا انه خالقه? اليس هذا ابشع تناقض تقوله هذه القصة الاسطورية ...). وفاته ان هذا السؤال هو الوحيد الذي يستطيع أن يجيب عليه أي إنسان, لأن جوابه جزء أصيل من سلوك الإنسان بصفة عامة, والضالين المعتدين بصفة خاصة.

على أية حال قد أجبناه بمثال منطقي يتناسب مع توجهه, ولكن فلنطرح عليه السؤال التالي:
هل المجرم – عند تفكيره في الجريمة أو قيامه بها – لا يعرف أن ما يفعله خطأ وأنه ضد المجتمع وضد القانون وعليه مساءلة يحرص تماماً أن لا يقع فيها؟؟؟ ..... ومع ذلك يفعلها. فقوله بأن (الانسان يعصي – الله - لانه بكل بساطة لايؤمن بوجوده)، هذا يعتبر تعميم مخل, فليس كل من عصى الله لا يؤمن بوجوده خاصة وأن الذين يوهمون أنفسهم بأنهم لا يؤمنون بوجوده قلة قليلة شاذة.

إذاً سؤاله الإستنكاري عن معصية إبليس لربه مع علمه بوجوده قال فيه: (... فكيف بابليس الذي يؤمن بوجوده?? هذا يعني شيء واحد،- الله - خلق ابليس عاصياً منذ البداية، فهو اراده كذلك ...). وهذا سؤال وارد وبديهي خاصة ممَّن يجهل الحقيقة ويخوض في ظلام دامس, وإلَّا لأدرك بالفطرة أن الله أراده "مختاراً" وأعده إعداداً كاملاً للخيارين المتناقضين معاً, وإن لم يفعل ذلك معه فما معنى "الحرية" ما معنى وقيمة التغيير, وما معنى الثواب والعقاب؟؟؟ ..... ولكن أكثر الناس لا يعلمون ولا يفقهون ولا يؤمنون. وسنقدم فيما يلي نذراً يسيراً من القرآن الكريم كمثال للحرية في الإختيار, مما يؤكد هذه الحقيقة تأكيداً قاطعاً, بل, ويقطع الحجة, ويزيل الغبش عن من كان له قلب أو القى السمح وهو شهيد.

أولاً: قال تعالى في سورة الإنسان:
1. (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا 1)؟, ماذا كنت أيها الإنسان عندما كنت نطفة في ظهر أبيك؟؟؟ ..... وماذا كان أبوك عندما كان نطفة في ظهر جدك؟؟؟,, سلسل هذه النطف التي أنت ثمرتها إلى أن تصل إلى ظهر آدم أبي البشر. ثم ماذا كان آدم نفسه قبل أن يخلقه الله من تراب؟؟؟ ..... ثم ماذا كان التراب نفسه قبل أن يخلق الله الكون ومن ضمنه الأرض؟؟؟ ..... إذاً الإنسان قد أتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً.

2. ثم بين الله تعال مِنْ أي شيء خلق هذا الإنسان, قال: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ ...) من ذكر وأنثى, ثم بين الغاية التي من أجلها خلقه سميعاً بصيراً وهي من أجل "إبتلائه فيما آتاه", فقال لكي: (... نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا 2), ليس لسماع الأغاني ولهو الحديث أو مشاهدة الأفلام الماجنة.

3. ثم بين أن السمح والبصر معهما الإختيار الحر فيما بين سبيلين مختلفين نقيضين,, أعد الله كل منهما بلوازمه كاملة مزللة, قال: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا 3).

ثانياً: وفي سورة النبأ, قال تعالى:
1. سيكون الحساب على الإختيار في الآخرة, أما العذاب الذي يقع في الدنيا فهو فقط للردع حمايةً للضعفاء من الجبابرة, قال: (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا 38),

2. وعرف ذلك اليوم - رداً على الذين كانوا يتساءلون عنه من مصدقين ومنكرين – وأكد حرية الإختيار, قال: (ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ «« فَمَن شَاءَ »» اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا 39).

3. وأضاف تأكيداً آخر جازماً بأن الذي يقوله لهم الرسل هو مجرد إنذار لهم ليس فيه إلزام ولا قهر, قال: (إِنَّا «« أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا »» يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا 40).

ثالثاً: وفي سورة الشمس, قال تعالى عن النفس البشرية:
1. (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا 7), حيث خلقها في أحسن تقويم, ثم ردها أسفل سافلين,

2. هيأها تماماً للإختيار الحر, قال: (فَأَلْهَمَهَا - « فُجُورَهَا » « وَتَقْوَاهَا » 8), فمن إختار لنفسه الفجور, سلك طريقه وتوغل فيه بقدر ما تحمل نفسه الخبيثة من شر وإستعداد له, وذلك تأكيداً لمراد الله بالتخيير وليس قهراً منه عليه, وأما من أراد التقوى سلك طريقها وتوغل فيه بقدر ما تحمل مفسه من إستعداد للخير وميول للتقوى,

3. ثم بين أن هذا الإختيار الحر "لتحقيق الإبتلاء" له عاقبة وثمن أو أجر,
- فالذي إتبع طريق الخير وإلتزم مسار التقوى, فقد زكى نفسه, لذا إستحق على ذلك الفلاح, قال تعالى فيه: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا 9),
- والذي أتبع نفسه هواها وسلك طريق الفجور فقد ظلم نفسه ودساها فخاب وخسر, قال تعالى فيه: (وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا 10).

رابعاً: وفي سورة الكهف, قال تعالى لنبيه الكريم: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ...):
(... فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن ...),
(... وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ...),
(... إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا 29).

وقد إختار إبليس وجنوده من الإنس والجن هذا السبيل المظلم – الذي كان مراد الله منه الإختيار الحر لغرض الإبتلاء, ولا يرضى لعباده الكفر - فاتبع نفسه هواها, فعصى أمر ربه, وهذا يعتبر (آخر المسار بالنسبة لطريق الفجور), وبالتالي فإن أي شر يمر عليه ستكون أقل شراً في مسار فجوره وبالتالي لن يكون هناك أي أمل في خروجه من دائرة الشر التي أوقع نفسه فيها.
وله الآن أن يجاوب على سؤاله الذي قال فيه: (... ثم كيف لادم وحواء ان يتبعا الشيطان وادم يعرف انه رفض السجود له وبذلك عصا خالقه، اما حواء فهي لم تعرفه مطلقا?!...), من خلال نفسه وإختياره هو لنفسه. نكتفي معه بهذا القدر.

وقد لاحظنا أن هناك لبس فيما يتعلق بالجنة إن كانت هي جنة الخلد أم غيرها, وهناك من يظن أن جنة الخلد في السماء أساساً. وهناك من يظن أيضاً أن الشيطان كان يسكن مع الملائكة, والذي قوى لديه هذا الظن هو أمر الله الملائكة بالسجود لآدم فسجدوا وإستثنى من السجود إبليس, فلعل البعض يتصور الكل (ملائكة وإبليس) مجتمعون في مكان واحد (كالمسجد مثلاً) وهم جنباً إلى جنب ولم يستحضر أن قول الله تعالى يسمعه الخلق كله ويزعن له إلَّا من ابى عن خيار,, وبالتالي ظن أيضاً أن خروج إبليس "مطروداً" يمكن أن تكون بعده عودة بأي حال من الأحوال,,, كل هذه الظنون تحسمها آيات من ثلاث سور كريمات كما يلي:

أولاً: قوله تعالى في سورة إبراهيم: (فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ 47), ثم أكد بأن الأرض التي سيكون إليها مآل البشر في الحياة الباقية هي أرض أخرى بديلة غير هذه الأرض التي نحن عليها الآن, فأنظر لقوله تعالى:
(يَوْمَ تُبَدَّلُ ...):
1. (... الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ ..),
2. (... وَالسَّمَاوَاتُ ...),
(... وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ 48).
إذاً,, هذه الارض للحياة الدنيا,, وستبدل بأرض غيرها للحياة الباقية. فلننظر إلى هذا المعنى في سورة أخرى فيما يلي.

في سورة الحاقة, قال تعالى عن مراحل البعث والنشور:
1. (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ 13),
2. (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً 14), (فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ 15),
3. (وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ 16),

4. (وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ 17),
5. (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ 18),
6. (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ 19),
- (إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ 20),
- (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ 21),
- (فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ 22), (قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ 23).

وهذه الآيات تؤكد ما جاء بسورة إبراهيم وهي أن الأرض والسماوات ستبدل بغيرها من النفخة الأولى. ولك أن تنظر إلى سورة الإنفطار عند قوله تعالى: (إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ 1), (وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ 2), (وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ 3), (وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ 4), (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ 5),

ثم إلى سورة الإنشقاق, عند قوله تعالى: (إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ 1), (وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ 2), (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ 3) إنفجرت, (وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ 4), (وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ 5), (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ 6).

الآن فلنتدبر ما جاء في سورة الزمر, قال تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ...):
1. (... وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ...),
2. (... وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ...),
(... سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ 67),

ثم بين كيف سيكون تسلسل الأحداث يومئذ,, قال:
1. النفختين, الأولى والثانية قال فيهما: (« وَنُفِخَ فِي الصُّورِ » فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ - إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ - « ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى » فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ 68),

2. (وَأَشْرَقَتِ «« الْأَرْضُ »» بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ 69),
3. (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ 70),

4. (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ 71), (قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ 72),

5. (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ 73).

كل هذه الأحداث المتسلسلة في الأرض البديل, ولم يأت فيها ذكر للسماء إطلاقاً كما ترون. ولنتذكر أن الجنة وصفها الله تعالى بأنها (عالية), قال عنها في سورة الحاقة (فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ 22), (قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ 23). هذا الوصف يبين لنا الخروج والنزول في حق إبليس وفي حق آدم وزوجه وقولهم (قلنا اهبطوا منها جميعاً).

وهناك لبس نخشى أن يفتن بعض الناس أو يلفتهم عن الحقيقة الحقة التي أكدها الله تعالى في كتابه الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, ورغم أن المقاصد سليمة والسعي حميد, إلَّا أن التعامل مع القرآن يلزمه المزيد والمزيد من التدبر والتفكر والنظر الثاقب لأنه كتاب بعلم الله تعالى وتعاملنا له في حدود البيان الذي علمنا إياه والذي من أهم مقوماته هو (التدبر) الذي يلزمه الإخلاص والشفافية والصدق.

عرض في أحد التعليقات الرابط التالي, والذي تناول كاتبه خواطره حول الآيات الكريمات التي تناولت قصة آدم عليه السلام مع الملائكة ومع إبليس, فواجهته إشكالية حيث وصف الله تعالى للعاصي "الشيطان الرجيم" الذي أبى السجود لآدم والإنصياع لأمر الله تعالى فأبلس "كعادته" فسماه الله – عند هذه الحادثة التي تجسد عنه هذه الصفة الذميمة (إبليساً), أما باقي أعماله كلها كان يسميه بإسمه لأنه يشطن فيها فيقول عنه بأنه (شيطاناً).
http://www.dr-rasheed.com/2013/11/blog-post_26.html).

وقد وقفنا عند هذا الرابط طويلاً, فوجدنا لزاماً علينا أن نناقشه ولو بتناول أهم النقاط التي وردت فيه حتى نعالج قضية أساسية هامة وخطيرة لا بد من تناولها ما دام أننا قد رأيناها فنقول فيها ما تيسر لنا فيما يلي:

بني الكاتب الكريم موضوعه على سؤال يقول فيه: (هل فعلاً وسوس إبليس لأدم)؟

ثم قال بناءاً على ذلك: (... نتعرض في هذه المقالة إلى السؤال التالي: هل فعلاً وسوس إبليس لآدم؟ ونزعم الظن أن إبليس لم يوسوس لآدم إطلاقاً، وأن الذي فعلا وسوس لآدم وزوجه هو الشيطان، ليكون السؤال الجديد هو: ما الفرق بين إبليس والشيطان؟ ...).

لم يطرح الكاتب الفاضل هذا السؤال إعتباطاً, وانما – على ما يبدوا – بعد تفكير عميق في إطار تدبر إيات لعدد من السور فإستقر في مفهومه صحة إفتراضه فبنى عليه باقي تصوراته التي قال فيها: (... لعل من المناسب الحديث في هذا السياق أولاً عن الهبوط الذي حصل لآدم وزوجه...), ثم إستشهد بآيات من سورة البقرة من قوله تعالى.

(فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ 36), (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ 37), (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ 38).

واضح أن هناك خلط ما بين صفة (إبليس), وبين إسم (شيطان), وكانت النتيجة الحتمية هي الإعتقاد بأن إبليس شخص والشيطان شخص آخر, ولم يأت هذا الخلط غير المقصود من الكاتب من فراغ, وإنما من ملاحظته لورود صفة (إبليس) دائماً مع الأمر بالسجود, أما الإسم (شيطان) فلم ترد في أي آية من عشرات الآيات وعدد من السورة الكريمات بعدها أو قبلها أمر بالسجود. فهذه ملاحظة ظاهرة لا يختلف حولها إثنان,,, ولكن, هل هذه الملاحظة لوحدها كافية لإفتراض وجود شخصين أحدهما إبليس والآخر الشيطان؟؟؟ ..... هذا هو السؤال الذي يحتاج إلى إجابة بعد تدقيق وتمحيص شديدين (شرط عدم خروجه عن إطار تدبر الآيان فقط).

إذاً,, أعتقد - كبداية صحيحة - أن على الكاتب أولاً أن يحدد ثم يتحقق من الفرق الكبير ما بين مفردتي (إبليس) و (شيطان), لغوياً, وإستخداماً. حتى يحل بذلك أحد العقد الأساسية التي تواجه فرضيته تلك. مثلاً:

يقال « البَلَسُ »: في من لا خير عنده, أو عنده إبْلاسٌ وشر.
و « المُبْلِسُ »: هو السَّاكِتُ على ما في نفسه,,, وتجمع على « بُلُسٍ ».
ويقال: « أبْلَسَ فلان »: إذا يَئِسَ وتَحَيَّرَ, ومنه « إبْلِيْسُ ».
تقول في التصريف: (أبْلَسَ, يُبْلِسُ, أبْلَسَةً أو إبْلَاسَاً), فهو إما أن يكون « مُبْلِسَاً », إن صدر منه الإبْلاسُ مرَّةً, أما إن عُرِفَ بالإبْلاسِ كصفة ملازمة له لإعتياده عليه وُصِفَ بِصِيْغَةِ المُبَالَغَةِ فقِيْلَ عنه « إبْلِيْسَاً ».

أما « الشَّطَنُ »: فهو الحبل الطويل, تقول « شَطَنَهُ » إذا شده بالشَّطَنِ. وشَطَنَ صَاحِبَهُ: إذا خَالَفَهُ عَنْ نِيَّتِهِ ووجْهِهِ. والبئر الشَّطُوْنُ: هي البعيدة القَعْرِ, ونِيَّةٌ شَطُونٌ: بعيدة.
و « الشَّاطِنُ »: الخبيث و « الشَّيْطَانُ », وكل عاتٍ متمرد من إنس أو جن أو دابة. ويقال: شَيْطَنَ أو تَشَيْطَنَ: إذا فعل فعله. تقول: (شَيْطَنَ, يُشَيْطِنُ, شَيْطَنَةً), فهو قد "تَشَيْطَنَ" إن فعلها مرة,, أما إن عرف بالشيطنة كصفة ملازمة له لإعتياده عليها حينئذ يوصف بصيغة المبالغة فيقال عنه (شَيْطَانُ).

نخلص من هذه المعاني أن (البَلَسَ) صفة الذات لإبلاس صاحبتها وسكوته عن ما في نفسه, فإن كانت صفةً ملازمةً لهذه الذات, كثيرة الصدور عنها كان صاحبها (إبْلِيْسَاً). أما (الشَّطَنُ), فهو عمل وفعل الذات, فإن فعل صاحبها الشر فقط قيل انه: (شَطَنَ أو تَشَيْطَنَ), أما إن كان ذلك سمة ملازمة لصاحبها يمارسها بإستمرار وإصرار صار (شَيْطَانَاً). لذا ذكر الله تعالى ذلك العاصي - الذي أبى السجود ولم يذكر السبب - إلَّا بعد أن إستنطقه الله – "إبليساً". فقال له "يا إبليس". ولكن عندما مارس الشر في الحياة العملية ممارسة فعلية كانت التسمية الحقيقية لشطنه وشيطنته (شيطاناً).

فلنأخذ الآن سورة الأعراف, بدءاً من قوله تعالى للمؤمنين أصحاب الرسول معدداً أهم نعمه عليهم:
1. قال: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ 11). وقد سماه هنا "إبليس" لأنه أبلس بسكوته عما في نفسه من شر,
2. فاستنطقه الله تعالى: (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ 12).

3. (قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ 13),
4. (قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ 14),
5. (قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ 15),
6. (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16), (ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ 17),
7. (قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ 18).

ثم جاء دور آدم وزوجه, قال:
1. (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ 19),
2. (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ 20),
3. (وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ 21),
4. (فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ 22),

5. (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ 23),
6. (قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ 24),
7. (فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى 121),
8. (ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى 122),
9. (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى 123).

أيضاً هناك إشكالية أخرى لدى الكاتب, قال فيها: (... لعل الآيات السابقة جميعها تؤكد على أنّ الله أمر الجميع بالانتقال بعد المعصية، ويظهر الانتقال في صورتين وهما الهبوط والخروج، فقد أمر الله إبليس بالهبوط والخروج: قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ الأعراف 13. وقد أمر الله أدم وزوجه بالهبوط فقط:
قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ الأعراف 24 ...).

ولكننا هنا نقول للكاتب الفاضل إن آدم وزوجه لم يواجها هبوطاً فقط, بل خروجاً أيضاً, ولكن الخروج كان مسبباً بإزلال الشيطان لهما, المهم في النهاية واجها خروجاً أيضاً وهذا واضح من منطوق الآية الكريمة من سورة البقرة لقوله تعالى: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا « فَأَخْرَجَهُمَا » مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا « اهْبِطُواْ » بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ 36). فبعد أن هبط آدم وزوجه وخرجا بسبب إزلال الشيطان لهما, قال تعالى: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ 37). فالأمر واضح لا لبس فيه ولا غموض أو ضبابية.

فسورة البقرة تتحدث عن الهابطين والخارجين من الجنة وعن الأسباب بصورة مجملة, فبدأ بإبليس قال: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا « إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ » 34), أما بالنسبة لآدم قال: (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ 35).

فبعد أن أبى إبليس وكان من الكافرين, وغوى آدم فكانا من الظالمين, جاءهم أمر الله تعالى بالهبوط والخروج معاً, فكان هبوط وخروج إبليس بأمر مباشر من الله تعالى ولكنه لم يشر إليه هنا في سورة البقرة, وكان خروج آدم وزوجه (بسبب غواية إبليس وأمر الله الضمني), أما الهبوط (فكان بأمر الله المباشر), قال تعالى في حُكْمِهِ عليهم جميعاً: (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ 38).

فالآيات واضحة جلية مفصلة,, إذ أن الخروج قد كتب على جميع المتورطين في مخالفة أمر الله تعالى, فإبليس لأنه أبى, وآدم لأنه غوى. والآن لم يبق سوى الهبوط الذي جاء بأمر الله لهم بقوله: (... قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً ...).

هذه الآيات من سورة البقرة "حاسمةً قطعية", ولا شيء يجعل العودة إليها والتكهن حولها, فإبليس هو الذي عصى أمر ربه "كبراً", وآدم عصى أمر ربه "غواية" لأنه لم يكن له عزماً. إذاً فالمعنيين بالعقاب هم هؤلاء. إذاً من أين جاء الشيطان بين هؤلاء العاصين إن لم يكن (الشيطان هو إبليس نفسه؟؟؟). سنعود إلى هذه النقطة مرة أخرى بعد تدبر آيات أخرى تعهدها الله بتفاصيل أكثر.

ثم نرى الكاتب الكريم يقول: (... ولعل المثير للانتباه أنّ الأمر الإلهي لإبليس بالهبوط والخروج جاء مباشرة عقاباً له على رفضه السجود لآدم بطلب من ربه ورب آدم ...).
ولكن يحق لنا أن نتساءل فنقول: (إن كان إبليس شخصاً آخر غير الشيطان كما يقول الكاتب,, فهل الله تعالى قد إكتفي بخروجه وهبوطه عقاباً له ولم يجعل له دوراً في الحياة العملية؟؟؟ ..... فإن لم يكن ذلك كذلك, فما دوره بعد الهبوط والخروج, وكيف مارس عداوته لآدم بعد ذلك؟؟؟

واضح أن إستنتاجات الكاتب الكريم هذه قد بنيت على خلط واضح - غير مقصود - بين سورتي البقرة والأعراف إذ انَّ الأولى صورت الحدث وقت حدوثه وركزت على محاوره فقط دون الدخول في تفصيل, لأن هذا التفصيل لم يحن وقته بعد, فكان إعلاماً للرسول بما حدث منذ بداية خلق آدم وسبب إخراجه من الجنة. فأنظر إلى قول الله تعالى لرسوله الكريم:

- (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ 30),
- (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ 31), (قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ 32),
- (قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ 33)؟.

فكما هو واضح هنا حكى الله ما حدث قبل وبعد خلق آدم إجمالاً بلا تفصيل, إذ لا جدوى من ذلك التفصيل لأنه ليس هناك بشر بعد أو لعله لم يكن هناك تشريع كامل لهم.

فالكاتب الكريم قد بنى تصوره على إفتراض أن وسوسة الشيطان وغوايته لآدم وقعت بعد حادثة هبوط وإخراج إبليس من الجنة وهذا بالطبع غير صحيح لقوله تعالى – في ختام حكمه عليهم جميعاً ((... قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً ...)), ليس في سورة البقرة فحسب, بل أيضاً في سورة الأعراف. وبالتالي تعتبر الفرضية غير منطقية أو موضوعية بأي حال من الأحوال.

وعليه فإن كل ما بناه الكاتب على هذه الفرضية يعتبر بالضرورة غير صحيح. فإبليس لم ولن يستطيع الدخول إلى ما طرد منه وليس هناك ما يدعوه لذلك فقد كان الطرد بسبب المعصية والغواية معاً, علماً بأن آدم وزوجه قد أخرجا معه وبالتالي ليس لهما وجود في الجنة أساساً.

لذا نقول للكاتب الكريم إن الوسوسة قد حدثت قبل خروج وهبوط إبليس بدليل قوله تعالى في سورة البقرة: (« فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا » مِمَّا كَانَا فِيهِ ...), ثم بعد ذلك جاء الهبوط لقوله تعالى: (... وَقُلْنَا « اهْبِطُواْ » بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ 36). فكل هذه الإستنتاجات جاءت من فكرة أصبحت مسيطرة وهي أن (إبليس) ليس هو (الشيطان), وهذه الفكرة غير صحيحة وسنثبت ذلك في خاتمة هذه التحليل بإذن الله تعالى.

الآن أصبحت الإشكالية واضحة تماماً وهي إدخال مسار السورتين في بعضهما البعض رغم غايتهما المختلفة تماماً, ففي سورة البقرة عرض الله تعالى (على نبيه الكريم حصرياً) محاور ما حدث من ملابسات عند خلق أبي البشر آدم وزوجه, أما ما جاء بسورة الأعراف فهي إخبار المؤمنين بأنعم الله عليهم التي من ضمنها قصة خلق آدم وملابساته, لذا كان التفصيل هنا ضرورة. والشاهد على ذلك قوله تعالى:

أولاً: في مخاطبة البشر, قال: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ 11),

ثانياً: معصية إبليس وتبريراته: (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ 12),

ثالثاً: العقوبة على الشيطان إبليس: (قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ 13),

رابعاً: نية الإنتقام من آدم: (قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ 14), (قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ 15), (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي « لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ » 16), (ثُمَّ « لَآتِيَنَّهُم » مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ 17),

خامساً: الطرد من الجنة: (قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا « لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ » لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ 18).

فلنسال انفسنا الأسئلة التالية, فإن أجبنا عليها وجدنا الحقيقة الحقة بيضاء ناصعة:
1. من هو الذي لم يكن من الساجدين؟ .. قال تعالى: (... إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ ...),
2. ومن الذي تكبر سوى إبليس؟,,, قال (... أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ...)؟,

3. ومن الذي قال الله تعالى له (... فَاهْبِطْ مِنْهَا ...)؟ .... أليس هو إبليس؟؟؟
4. من الذي قال لربه: (... أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ...)؟, وقال (... لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ...)؟, (...لَآتِيَنَّهُم » مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ...), أليس هو إبليس؟؟؟

5. ومن هو الذي يقوم حقيقةً بهذه الأعمال العدوانية الشريرة ضد البشر - اليوم وغداً وإلى أن يشاء الله رب العالمين؟ - التي قال عنها إبليس متوعداً ذرية آدم (من غواية, ووسوسة, وفتنة, وإضلال... الخ) أهو إبليس أم الشيطان؟؟؟؟, علماً بأنه لا توجد آية تقول بذلك.

ومعلوم أنه لا يختلف إثنان في أن الذي يقوم حقيقةً بهذه الأعمال الإنتقامية من آدم وذريته هو الذي عصى وأغوى,, وهو الذي طُرد من الجنة ومن الرحمة وهو الشيطان الذي أبلس كثيراً حتى صار إبليساً في نفسه وشيطاناً في عمله. وسنعود إلى تأكيد هذه الحقيقة من القرآن نفسه الذي قال صراحةً بأن إبليس هو الشيطان.

الآن جاء دور حكاية قصة آدم للمؤمنين,:
1. فبين لهم الله ما حدث من آدم وحدث له حتى يحذرهم من الوقوع في ما وقع فيه أبوهم من غواية الشيطان إبليس, قال لآدم: (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ 19), هذه هي الأوامر والنواهي في منهج الله تعالى لآدم وزوجه, وقد حذره من مغبة المعصية التي ستجعلهم من الظالمين.

2. فقال لهم إن أباهم لم يكن له عزماً, وإستغل عدوه اللدود إبليس هذه الثغرة فيه ونقطة الضعف عنده حتى يثبت وهمه بأنه خير منه وينتقم منه ليقع في الغواية كما أوقع هو نفسه فيها, قال: (« فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ » لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ 20), وليدعم غوايته لهما أقسم لهما إنه لهما لمن الناصحين, قال: (« وَقَاسَمَهُمَا » إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ 21),

ولكن للأسف إستطاع أن يؤثر فيهما فأطاعاه, قال: (« فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ » فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ 22). فمن هو هذا الشيطان؟ ومن أين جاءت عداوته لآدم وما سببها (مع أن الذي لم يسجد هو إبليس؟؟)

3. لم تكن غواية آدم كغواية الشيطان إبليس, فهو لم يرد على الله تعالى كما فعل إبليس, بل بين الله انه قد نسي ولم يجد له عزماً, لذا بالرغم من أنه فرض عليها عقوبة ومؤاخذة إلَّا أنها كانت متبوعة بإجتباء وتوبة, بدليل قوله تعالى: (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ 23), ولكن العقوبة واجبة التنفيذ, لذا: (قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ 24), ثم وضع لهم خارطة الطريق: (قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ 25).

أيضاً فلنسال انفسنا الأسئلة المنطقية التالية, فإن أجبنا عليها وجدنا الحقيقة بيضاء ناصعة:
1. لم يقل الله تعالى بأن إبليس هو الذي وسوس حيث قال: (... فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ ...), ولكن (من يكون هذا الشيطان إن لم يكن إبليس نفسه؟؟؟), لعدة أسباب تؤكد ذلك: منها:
- لو فرضنا جدلاً بأن الشيطان شخص آخر غير إبليس كما يقول الأخ الكاتب, فمن يكون هذا الشخص إبتداءاً؟؟؟

- وكيف يذكره الله (أول ما يذكره) بأداة التعريف (ألـ ...) فيقول: (... فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ ...), ما لم يكن ذلك الكيان أو الشخص معرفاً ومُعَرَّفاً للمخاطبين من قبل؟؟؟ ...... فإن كان مُعَرَّفَاً فأين يوجد ذلك التعريف السابق, والأحداث كلها تشهد بأن المعني هو إبليس منذ بداية خلق آدم عليه السلام؟؟؟

- ولماذا كان يتحدث الله تعالى عن "إبليس" - في الآيات السابقة لهذه الآية - ثم واصل حديثه عنه, قال بدون أي تمهيد - سوى ما سبق أن قاله عن إبليس- , بقوله: (... فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ ...), مُعَرَّفاً؟

- ثم,, إن كان إبليس ليس هو الشيطان كما يقول الأخ الكاتب,, فما هو مصير إبليس بعد طرده بهبوطه وخروجه,, وما هو دوره في الدنيا,, وما مصيره في الآخرة؟؟؟

الأجوبة على هذه الأسئلة ستوصلنا "تلقائياً" إلى أن المعني كيان واحد وليس كيانات, فإبليس "صفةً" له والشيطان "كياناً" وإسماً له.

لاحظ أن الحديث بعد ذلك – وفي كل الأعمال والتصرفات والفعاليات - سيكون عن "الكيان", وهو الشيطان, والتحذير منه, قال تعالى مخاطباً البشر: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ 26), لستر ما بدا من سوءاتهم بغواية الشيطان, ثم محذراً من الوقوع مجدداً في حبائل هذا العدو, قال: (يَا بَنِي آدَمَ « لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ » كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ 27).

فأنظر لقوله تعالى في سورة البقرة: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا « فَأَخْرَجَهُمَا » مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا « اهْبِطُواْ » بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ 36).

هناك ملاحظة مهمة نلفت النظر إليها,, ألا وهي أن ذكر إسم (الشيطان), يأتي بعده – في الغالب الأعم –« فعل » إما أن يقوم, أو يأمر, أو يوسوس به لجنوده والغاوين, وهناك عشرات الآيات التي تؤكد ذلك, نذكر منها ما يلي:
1. (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ)
2. (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
3. (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)
4. (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ).

5. (« وَقَالَ الشَّيْطَانُ » لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
6. (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ « إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ » فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ)
7. (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ « يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ » فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).

8. (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ « أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ » فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ).
9. (« وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ » إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ).
10. (« اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ » فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ).
11. (وَإِذْ « زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ » وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ).

12. (وَإِمَّا « يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ » فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
13. (إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ « لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا » وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).
14. (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا).
15. يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ « كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ » يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ).

16. (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ « يَنزَغُ بَيْنَهُمْ » إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا)
17. (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ « إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا » وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ).

إذاً أخيراً نص للنقطة الحاسبة,, وها هي ذي سورة الإسراء الكريمة قد وضعت النقاط على الحروف, وأكدت بما لا يدع مجالاً للشك أو التوجس بأن إبليس هو نفسه الشيطان, فلك أن تتدبر الآيات التالية جيداً,:
1. قال تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا « إِلَّا إِبْلِيسَ » قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا 61). ..... فالذي أبى السجود هنا هو " إِبْلِيسَ",, أليس كذلك؟؟؟ ..... حسناً,

2. ثم: (قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا 62). ..... فالقائل أيضاً هو نفسه " إِبْلِيسَ",, اليس كذلك؟؟؟ ..... ولكن, ما هو معلوم للجميع أن الذي يحتنك بني آدم هو "الشيطان", وكل الآيات التي ذكر فيها الشيطان تؤكد ذلك.

3. ثم رد الله تعالى على «« إِبْلِيسَ »» إذ الحوار لا يزال معه: (قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُورًا 63), ثم واصل قوله له: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ «« وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ »» إِلَّا غُرُورًا 64), (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا 65).

فواضح هنا أن الله يقول تعالى قال له آمراً - وبكل صراحة ووضوح - ما معناه (إذهب يا إِبْلِيسَ .... وإستفزز "يا إِبْلِيسَ " من إستطعت منهم ..... وعدهم "يا إِبْلِيسَ",, وما يعدهم إبليس الشيطان إلَّا غروراً.
إذاً الذي أبى السجود هو "الشيطان", وحيث أنه قد أبلس وكتم ما في نفسه من شر إلى أن إستنطقه الله تعالى ناداه بصفته المناسبة, وقال له (يا إبليس), لأنه إعتاد على الأبلسة وجبل عليها فصارت صفة له. ولأن دوره كله في الحياة هو عمل الشر أو الوسوسة والإيحاء به,,, ولا يصدر منه خير قط كان يذكر بأعماله الشطنة حتى صار "شيطاناً".

تذكر دائما أن الله تعالى عندما قال لإبليس (إذهب), واصل مخاطبته له بقوله («« وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ »» إِلَّا غُرُورًا 64). مؤكداً بذلك أن إبليس الذي أمره بالذهاب هو نفسه (الشيطان).

تحية طيبة للقراء الكرام.

بشاراه أحمد



#بشاراه_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ (Q):
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ (N):
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ (M):
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ (L):
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ (J):
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ (I):
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ 1-H:
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ G:
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ F:
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ E:
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ D:
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ C:
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ B:
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ A:
- الإعجاز العلمي القرآني1 (تصحيح مفاهيم ج ):
- الإعجاز العلمي القرآني1 (تصحيح مفاهيم ب):
- الإعجاز العلمي القرآني1 (تصحيح مفاهيم أ ):
- لمحة من الإعجاز العلمي القرآني الخالد 1:
- قَبَانْجِيْنَآتٌ مُتَهَآفتة ... لَاْ حَمْدَ فِيْهَاْ (F):
- قَبَانْجِيْنَآتٌ مُتَهَآفتة ... لَاْ حَمْدَ فِيْهَاْ (E):


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية بالعراق تقصف ميناء حيفا الإسرائيلي بصاروخ ...
- المسيحيون الأرثوذوكس يحيون عيد الفصح وسط احتفالات طغت عليها ...
- الطوائف المسيحية الشرقية تحتفل بأحد القيامة
- أقباط مصر يحتفلون بعيد القيامة.. إليكم نص تهنئة السيسي ونجيب ...
- إدانات لإسرائيل.. إسطنبول تستضيف مؤتمرا دوليا لمكافحة العنصر ...
- مفتي رواندا: المسلمون يشاركون بفاعلية في تنمية الدولة
- هاجروا نحو -الجنة- في أوروبا... أسر تونسية تبحث عن أبنائها ب ...
- تهديدات -كاذبة- تطاول 3 معابد يهودية في نيويورك
- تهديدات -كاذبة- بوجود قنابل تستهدف معابد يهودية ومتحفا في ني ...
- الكنائس الفلسطينية: منع وصول المصلين لكنيسة القيامة انتهاك ل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشاراه أحمد - الحَقُّ والإبْيَانُ في أنَّ إبْليْسَ هُوَ عَيْنُهُ الشَّيْطَانُ: