أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اسعد عبدالله عبدعلي - حوار بعثي ساخن














المزيد.....

حوار بعثي ساخن


اسعد عبدالله عبدعلي

الحوار المتمدن-العدد: 5295 - 2016 / 9 / 25 - 20:13
المحور: الادب والفن
    


حوار بعثي ساخن

بقلم/ اسعد عبدالله عبدعلي

في مطار بغداد, بالتحديد في أول أيام شهر شباط الباردة, التقى صديقان, احدهما قصير ونحيف البنية وقد قارب الخامسة والخمسون عاما, والأخر بدين جدا وقد قارب الستون, كان البدين جالساً على مقاعد الانتظار وبيده لفة لحم, وبجانبه قدح عصير, وقد انسكب دهن اللحم على بنطاله وعلى شاربه وشفتيه, كأنه قطعة لحم تسبح في الزيت, وكان القصير للتو عائدا من سفرة قصيرة لخارج البلد, وفاحت منه رائحة الخمرة.
تفاجئ القصير وهو يشاهد صديقه القديم, فهتف بعلو صوته عندما شاهده:
- أيها البدين, أهو أنت؟ صديق الطفولة, كم من الأعوام افترقنا, أنها 13 عاما.
دهش البدين كثيراً, وكان يقضم اللحم بأسنانه الاصطناعية, ترك لفة اللحم ونهض واقفا وهتف:
- أيها العجوز القصير الا تموت, يا صديق النضال القديم, يا لهذه المفاجئة.
وتبادل الصاحبان القبلات والأحضان, كانا كلاهما في حالة فرح وذهول من المصادفة غير المتوقعة.
وبعد التحية والسلام قال القصير لصديق دربه:
- كان توقيت هروبك جيداً, وإلا لكنت ألان في عالم الآخرة, تعرف جيدا أن الأوضاع كانت منفلتة في تلك الأيام, وكان لك كثير من الأعداء.
فكر البدين بكلمات صديقه القصير, اخرج منديله ليمسح بقايا اللحم عن يديه وشاربه, وسعل بتصنع ليقول شيئا, ً التفت بكل جسده نحو صديقه وقال له:
- أصبت كبد الحقيقة, بالمقابل أنا اثني عليك لأنك تقمصت دورك الجديد بكل احترافية, الكرسي كان يليق بك, مما مكنك من الاستمرار بقطف الثمار حتى مع رحيل الرئيس.
اطرق قليلاً القصير بكلمات صاحبه, كان مندهشاً من كلام صاحبه, فهل كان يمدحه أم يذمه, وكيف يعرف إخباره وهو في بلاد الغربة؟
- لكن كيف تعرف إخباري؟
تبسم البدين, ونظر للسماء بتعالي, اخرج سيكارة وأشعلها, وسحب نفساً عميقاً وقال له:
- مازلت عضو بحزب البعث, ومازلنا نعمل, ونحن ندعمكم ونهيئ الأرضية لنجاحكم.
لم يصدق العجوز القصير كلام صديقه, بل أحس انه مجرد تبرير لهروبه, كي لا يشعر بالعار إمامه, فأراد أن يستفزه بكلام يصيبه في مقتل, فقال:
- كثيرا ما فكرت بموقفك, وكنت أرى انه كان من الواجب آن تترك فكرة الهرب, وتواجه كما واجهنا نحن, وان يكون لك دور في تعطيل الإصلاح, وتسهم في تدمير البلد, ونشر الفساد, كما فعلنا نحن, بل وان تنفذ أفكار الرئيس في المرحلة الجديدة, أي يكون لنا موقع خفي في الوضع الجديد, فنحن تسلقنا المواقع الحساسة, وكنا خير عون لبقايا البعث, وكنا شريك بكل نصر, وما تراه اليوم من فوضى نحن مرتكزها الحقيقي, أما أنت ففضلت الراحة وتحصيل السلامة بدل الجد والتعب.
بانت ملامح الغضب على وجه البدين, حيث استفزه خبث كلام صديقه, فكأنه خنجر طعنه طعنة شديدة في خاصرته, حاول أن يبعد كل هذا بابتسامة مصطنعة, ثم قال:
- أولا يا صديقي القديم تعلم إنني كنت احد وجوه النظام, ومنصبي الكبير كان يجعلني اخرج أحيانا من على شاشة التلفاز, أي أني معروف للكثيرين, وتعرف انه من خلال قراراتي الحزبية تم إعدام العشرات بتهمة الخيانة, وكانوا يستحقون الإعدام لأنهم أناس لا يحبون القائد الضرورة, وأمثالهم ليس لهم الا حفرة بالأرض تنهي وجودهم, وبقائي بعد اختفاء الرئيس يعني انتهاء حياتي, مع أن لي دور مهم في الخارج ينتظرني.
أدرك القصير مدى خطورة منصب البدين, بل يمكن أن يزيله من كرسي الإدارة الجالس عليه ألان, فقرر أن يستميله بكلمات التبجيل:
- نعم, يبدو أن "سيادتكم" كان له دور مهم.
ارتاح البدين لكلمة التملق " سيادتكم" التي أطلقها صديقه القصير, فقرر أن يخبره ما يجعله يرتعد, فقال:
- نعم أيها القصير, حيث جاءتني برقية مستعجلة من قيادات البعث في الأردن, تستعجل قدومي, وفي أيار من عام 2003 التحقت بجمع من البعثيين, وهناك أسسنا غرفة عمليات, ومددنا خطوط اتصال مع رجال مهمين وقادة عسكريين, فالمعركة كانت يجب أن تدار بحنكة, أنا كنت مسؤول عن الاتصال بكبار الموظفين, وساهمنا معا في أعادة ترتيب أوراق البعث داخل مؤسسات الدولة, وجلبنا العديد من الموظفين للخارج عبر ايفادات لتدريبهم على المرحلة القادمة, وتحديد ما هو مطلوب منهم, ونجحت في مهمتي, حيث جندت عشرات الموظفين الجدد لخدمة أهداف حزب البعث, فأي كسل وراحة تتحدث عنها.
انبهر القصير من كلام صاحبه, فأدرك انه كان ينفذ تعليمات صديقه البدين ليس الا, وأحس بخيبة كبيرة حيث كان يريد أن يحرج صديقه, فإذا به يتعرى أمامه, فقال له:
- هل يعني هذا أن صعودي لمنصب مدير عام كان بتدبير من "سيادتكم", وان حمايتي من الاجتثاث كان بمباركة "سيادتكم"؟
تبسم البدين حسن, ابتسامة صفراء خبيثة, وأشاح بوجه عنه, فان وجه صديقه القصير كان يطفح بالخنوع والتملق الى درجة الغثيان, فمد يده ليودعه, وضحك بصوت عال, وقال له:
- اعتن بنفسك جيداً, وانشر الفساد في أي منصب سنعطيك إياه لاحقاً.
بقي القصير واقفا يراقب البدين وهو يرحل, وابتسامة التملق والخضوع والموافقة واضحة على وجه, مع انحناءة الرأس كأحد عبيد العصور السالفة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الحوار من خيال الكاتب



#اسعد_عبدالله_عبدعلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البصقة البريئة
- لصوص صندوق تنمية العراق (DFI ), متى يحاكمون؟
- الباص, صراع وإزعاج وتدخين وتحرش
- المصارف الأهلية بوابة للفساد
- الدوري العراقي ومصيبة التشفير
- من علامات العشق السعودي – الإسرائيلي
- لماذا يفتتح مرتين مستشفى الأمام الصادق في الحلة؟!
- التحالف الوطني وانتظار الانطلاقة الجديدة
- مشروع مترو بغداد بين الحلم والوهم
- جمعة الصواريخ في بغداد... شكرا لكم
- أفكار امرأة أنانية
- يا وزارة التربية, نريد مدارس لصعوبات التعلم
- إياك والمرور بشارع التعذيب ( شارع نهاية الداخل)
- يوم الثلاثاء الملعون
- عوائل شهداء الحشد الشعبي تحت الضغط
- لماذا دعم صدام انتشار الفكر الوهابي؟
- تحالف القوى وأربع خطوات للعودة من الموت
- كاميرات سرية لابتزاز الفتيات
- تصوير العري يتحول إلى فن
- الضفدع -كيرمت- وصخب البرلمان , وصناعة البطل


المزيد.....




- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اسعد عبدالله عبدعلي - حوار بعثي ساخن