أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سمير أمين - نقد مفهوم الأصالة














المزيد.....

نقد مفهوم الأصالة


سمير أمين

الحوار المتمدن-العدد: 5294 - 2016 / 9 / 24 - 20:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



تتجلى النزعة الثقافوية المنقودة فى المقال السابق فى خيار ثان – دون اعتبار احتمال ثالث لهما – بين «الحداثة» و «الأصالة». فلم يناقش خطاب الثقافوية مضمون الحداثة المنقودة، واكتفى باعتباره مرادفاً للحداثة القائمة بالفعل، أى الحداثة الرأسمالية الراهنة.

أزعم أن هذا المفهوم المنقوص للحداثة هو مصدر التباس خطير وحبس الخيار فى ثنائية عقيمة.

فالحداثة فى واقع الأمر لم تصل إلى نهاية مسيرتها، ولن تكون نهاية لهذه المسيرة. الحداثة هى انقلاب ايديولوجى وفكرى جوهرى، حدث عندما اعتبر المجتمع نفسه مسئولاً عن مصيره، عندما أعلن الإنسان أنه هو صانع تاريخه. علماً بأن جميع الإيديولوجيات القديمة – السابقة على الحداثة – فى الشرق وفى الغرب – قد قامت على مبدأ آخر، ألا وهو أن ثمة قوى ميتا اجتماعية (فوق اجتماعية) تحكم مصير المجتمع كما تحكم الكون. من الواضح إذن أن الحداثة – بهذا المعنى – لا نهاية لها. وبالتالى فإن نبذ الحداثة معناه التنازل عن العمل فى سبيل صنع التاريخ – كما أن الدعوة “بالأصالة” لا تعنى فى هذه الظروف عدا محاولة ايقاف سير التاريخ عند مرحلته السابقة على الرأسمالية ونشأة الحداثة، وهو هدف طوباوى يتعذر تحقيقه. فليس هناك معنى للخيار بين الحداثة والأصالة الذى يؤدى بالضرورة إلى خلط المفهومين على أساس قبول الحداثة كما هى – أى حداثة رأسمالية من جانب وتلوينها بألوان “الأصالة” من الجانب الآخر. وهو بالنتيجة قبول الوضع الراهن أى التبعية فى المنظومة الرأسمالية.

وفى مواجهة هذا الطرح المزيف العقيم الذى لابد أن يؤدى إلى مأزق تاريخى، ليس ثمة بديل صحيح عدا العمل فى سبيل تطوير الحداثة، لا إنكارها وتلوينها. فالشعوب التى لا تشارك فى تطوير الحداثة تتخلف بالضرورة حتى تهمش. فمن يختار أن «يخرج عن التاريخ» لن يمنع الآخرين من التقدم فى مسيرته.

فالخيار كما هو مطروح فى خطاب الثقافوية لا يعدو أن يكون دعوة لتجميد تطور المجتمع. وبالتالى فهو دعوة يتعذر تنفيذها حقيقة، الأمر الذى يفرض بدوره الالتجاء إلى الكذب فى الممارسة السياسية. فالنظم الثقافوية مضطرة إلى أن تقول شيئاً وأن تفعل شيئاً آخر. فمن جانب وظيفتها الحقيقية هى إدارة الأزمة، فتقبل فى واقع الأمر الاندماج فى النظام الرأسمالى العالمى بشروطه، ومن الجانب الآخر تدعى أنها مستقلة بل معادية لهذا النظام.

ألا يرى الجميع أن القيم الثقافوية المعلنة تتحول فى هذه الظروف إلى طقوس فارغة؟ ألا يعلم الجميع أن الفساد الذى يسود فى النظم التى تزعم انها “اسلامية خالصة” لايقل عما هو عليه فى أسوأ النظم “غير الدينية” رسمياً؟

يفرض التعامل الفعال مع التاريخ، أن تنظر الشعوب دائماً إلى الأمام، وأن تحرر من قيود ماضيها فهو شرط ضرورى من أجل الإجابة عن الأسئلة السابق ذكرها والتى يلغيها الخطاب الثقافوى.

فالتحديات الحقيقية التى تعبر هذه الأسئلة عنها هى اذن الآتية:

كيف نستطيع أن نناضل فعلياً ضد الاستلاب الاقتصادى، كيف نعمل ضد الاستقطاب العالمى؟ أى: بمعنى آخر كيف نخلق الشروط الملائمة من أجل تطوير القيم العالمية حتى نتجاوز حدود الرأسمالية التاريخية.

يتطلب مثل هذا العمل نظرة نقدية إلى «الأصالة» والموروث الثقافى التاريخى، وذلك أمر ضرورى بالنسبة إلى الجميع على قدم المساواة. شرقيين كانوا أم غربيين. هل كان من الممكن أن تبدع أوروبا الحداثة دون أن تقوم بنقد ذاتى سابق لموروثها، بما فيه تعاملها مع العقائد الدينية؟ هل كان من الممكن أن تبادر الصين فى التقدم دون قيام طليعتها الفكرية بنقد موروثها الكونفوشيوسى وهو ما فعلته الماوية؟ علماً بأن ذلك لم يمنع فيما بعد إعادة اندماج الموروث الدينى والفلسفى (المسيحى والكونفوشيوسى فى الأمثلة المذكورة) فى الثقافة الجديدة، ولكن بعد تثويرها تماماً، بحيث إن هذا الاندماج لا يرادف عودة إلى الماضى على الإطلاق. يختلف هذا التعامل مع الأصالة والموروث عما تدعو إلية تيارات الثقافوية الإسلامية المعاصرة التى تعلن رسمياً رغبتها فى العودة إلى الماضى – «الأصل» – والامتناع عن نقده – وفى هذه الظروف

ليس من العجب أن انتشار الثقافوية الإسلامية يرافق تدهور المنطقة المعنية فى التراتبية العالمية.



#سمير_أمين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقد مقولة ثبات الثقافة
- الاقتصاد الخالص شعوذة العالم المعاصر
- المسألة‭ ‬الكردية كيف‭ ‬كانت ؟
- من الاقتصاد السياسى إلى الاقتصاد الخالص
- ثورة أم انحطاط؟
- فى أصول الفوضى الراهنة
- البيئة أم النظرة للقيمة الانتفاعية؟ قضية البيئة وما يسمى الت ...
- الديمقراطية أداة للتقدم الاجتماعى
- الديمقراطية أية ديمقراطية؟
- جريدة لومانيتيه فرنسا بمناسبة قناة السويس الجديدة
- قناة السويس الجديدة
- الدول الناشئة والتنمية الرثة
- التحدي الذى واجهته قيادات الدول الاشتراكية
- دور إيران فى المشرق العربى
- فى مواجهة الأزمة الأوروبية: المجد لشجاعة اليونان
- نشهد خريف الرأسمالية ولسنا بعد في ربيع الشعوب
- المال، السلاح، الدولة في الرأسمالية المعاصرة
- تركيا .. الإمبريالية من الباطن!
- سمات الرأسمالية في روسيا بعد السوفياتية
- مصطلحا “الدولة الصاعدة” و “التنمية الرثة”


المزيد.....




- فريق كامالا هاريس يرد على انتقادات إسرائيلية لتصريحاتها عن غ ...
- العراق.. قصف على قاعدة عين الأسد
- كيربي حول صفقة تبادل بين إسرائيل وحماس: لا يزال هناك فجوات و ...
- الملك الأردني يبحث مع بايدن الوضع في غزة والتطورات في الضفة ...
- -نوفوستي-: أوكرانيا تنشر طيرانها على أراضي دول ثالثة
- كينيدي جونيور يتعهد بإنشاء احتياطي قدره 4 ملايين بيتكوين حال ...
- تركيا.. اشتباكات بين الشرطة ومحتجين بسبب مشروع قانون حول الك ...
- خبير يحذر من احتمالية تعرض مصر ودول في حوض النيل لسنوات عجاف ...
- كبار أعضاء فريق التفاوض الإسرائيلي: حياة العشرات من المخطوفي ...
- في اتصال مع بايدن.. الملك عبدالله يؤكد على ضرورة وقف حرب غزة ...


المزيد.....

- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سمير أمين - نقد مفهوم الأصالة