أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عماد عبد اللطيف سالم - دفاتر الحرب (2) مقاطع من هذيان جنديّ مُسِنّ ، من بقايا الحرب العراقيّةِ-الايرانيّة














المزيد.....

دفاتر الحرب (2) مقاطع من هذيان جنديّ مُسِنّ ، من بقايا الحرب العراقيّةِ-الايرانيّة


عماد عبد اللطيف سالم

الحوار المتمدن-العدد: 5287 - 2016 / 9 / 17 - 12:31
المحور: سيرة ذاتية
    


دفاتر الحرب (2)
مقاطع من هذيان جنديّ مُسِنّ ، من بقايا الحرب العراقيّةِ-الايرانيّة


جِئْتُ مع الفجرِ . لثَمْتُ حديدَ الجسرِ ..عَبَرْتُ.
أبصَرتها في الرواقِ ،شاردةً خلفَ تلٍّ من الهَمِّ ،
واخوتي احتموا ، بأغصانِ أساها الذي لا يشتعِل ،
كفانوسٍ سابقٍ على ليلِ هذه الحرب .
أنا أكابِرُ ، وأدّعي الدفءَ ..
- بارِدٌ ليلكُم يا صغار .
وأطرقُ بابَ الحزنِ أخيراً
أسألها ..
- (ما فضلُ الحزنِ على الأبواب)؟
- الحزنُ صديقي
و جمرُ أساكُمْ لا يخبو
ورجالُ البيتِ بعيدونَ
و الأرديةِ السوداء تجوبُ شوارعنا
وأنا خائفةٌ ..
أدّقُ على الأبوابِ ،
وأنظرُ صوبَ الريح ..
أفِزُّ .. أصيح ..
مَن الطارِق ؟
*
ألو 6-5 .. ألو 6-5 .. كيف تسمعني .. أجِبْ؟
يُجيبُ(دِلْ شاد) ،ذو القلبِ المَرِحِ، برُعبٍ عِبرَ جهاز "الراكال"..
أيُّ 6-5 يا عماد . يا 6-5 ؟. نحنُ نموتُ هُنا. أين أنتُم الآنَ .. أجِبْ؟
لمْ أكُنْ أعرفُ أين أنا ..
لأرُدَّ على "دِلْ شاد" ، الذي كان قلبهُ الغضّ ،يضحكُ في صدري.
فـ "شاغَتْ" و "فَرْفَحَتْ" و "لابَتْ" روحي عليهِ ، وصحتُ :
جميعُ المحطّاتِ .. جميعُ المحطّاتِ .. نحنُ في "الجُفَيْرِ" الآنَ .. كيف تسمعني .. أجِب ؟.
لا يُجيبُ (دِلْشاد) ..
و تصمُتُ جميعُ المحطّاتِ ..
ولا يعودٌ إلى البيتِ أحَد.
*
حين نُحارِبُ العثمانيّينَ .. تموتُ البصرة.
وحين نحارب الأسرائيليين .. تموتُ البصرة .
وحين نحارب الايرانيّين .. تموتُ البصرة .
وحين نغزوا الكويت .. تموتُ البصرة .
وحين تغزونا الولايات المتحدة الأمريكية .. تموتُ البصرة.
متى تعيشُ البصرة ؟
*
حين آن أوانُ "الإجازة الدوريّة"، زار الجنودُ المُجازونَ زميلَ "موضعي"(ياسرَ) ، الذي كانَ أصغرَ الجنودِ سنّاً.
كانوا يتقاطرونَ عليه ، ويُقبّلونَ يديه .. ويقولونَ :
سلاماً سيّدنا .. ويجهشونَ بالبكاء .
كنت محشوراً في زاويةِ "المَوْضِعِ الْشَقيّ" ، مُتأبّطاً شَرَّ "المادية الديالكتيكية"، وأنا "أُبَحْلِقُ" مبهوراً بالوجهِ - الطفلِ لـ (ياسر).
قلت لرفيقي في الحرب (رجاء انْهَيِّبْ زعيبِل): ماذا يحدث بالضبط يا (إبنَ زعيبِل)؟
أجابني : إنّ الضباط وضباط الصف والجنود ، يرتاحون لـ (ياسر) ..
ولا يرتاحونَ لأمثالكَ من "الفلاسفة".
*
في قطارِ الجنود ،النازلِ للبصرة.. كانت الأضواءُ مطفأةً ، وثمّةَ من يبيعُ "العَرَقَ" في العربات. كَرَعَ رفيقُ الدربِ نصف " البُطْلِ " ،واسْتَلَّ من جيب "القَمْصَلَةِ الرومانيةِ" حُزْمَةَ صُوَرٍ ، وقالَ : هذه حبيبتي ، وهذه فقط .. هيَ صور الأسبوع الأخير من البهجة .
حين وصلنا إلى محطّةِ (المعقل)، كنتُ شاردَ الذِهْنِ ، ومأخوذاً بالخرابِ الجديد.
كان رفيقي في درب الحرب قد أكمل كَرْعَ "البُطْلِ الزَحْلاويّ" العظيم .
في الطريق الى "الأحواز" كانَ يعتذرُ وهو يبكي ،
لأنه كان يعتقد أنّ المرأة في صُوَرِ البهجةِ .. هي احدى قريباتي .
*
التَفَّ حولي جنودٌ كثيرون. وعلى ضوء الفانوسِ ،ورائحة " الجولَة "،رحتُ أروي لهم قصصَ بطولاتي في مُدُنٍ بعيدةٍ ،عصّية على الفهم .
ولأن أفواههم كانت فاغرة ، وإنصاتَهُم يغري بالمزيد من الوقاحة ،
روَيْتُ لهم أكذوبة عشقي العابر لامرأةٍ في (صوفيا) ، وأخرى في (فيينا).
كلُّ الأشياء كانت مجردَ أسماء. لم تكن لنا أمكنة. وكنت أريد أن أعوّض خيبات الجنود ،بأمكنةٍ مُبْهمة. رشَقَنا الايرانيّون بدُفْعَةٍ من قذائف "المِهداد" 175 ملم. قاطَعَني "عبيد علي عبيد " قائِلاً : ستكونُ معجزةً اذا عُدْتَ أنتَ إلى بغداد..
وعُدْتُ أنا إلى أهلي في (التّنومَة) .
*
جنديٌّ يقرأُ لـ (فرويد)، وآخر يقرأُ لـ (عبد الرحمن مُنيف) ،وثالث يقرأُ لـ (احسان عبد القدّوس) ، والجنود الآخرون لا يقرأون ،وكلُّ واحدٍ منهم يسألُ الآخر :
ما الذي جاء بكَ الى هنا ..
و لماذا ؟
*
ليلى تطرقُ بابَ الخيمةِ في الليلِ ، فيأتي غيمُ الرغبةِ صخّاباً ،
يهمي .. يهمي .. يهمي ..
وتَلّةُ الروحِ عطشى . و "القعقاعُ" يحاولُ قطع الأسلاك الشائكةِ، وتعطيلِ ألغام "الفالمارا" ،
ولكن "رُسْتَم"..
يمنعه من ذلك .
*
الطريقُ الى القُدْسِ ، لا ينبغي ان يكونَ شرقاً.
يا ويلتاهُ إذا تغَيّرَ الاتّجاه ،
وأصبحَ الطريقُ الى القدس ..
يمتّدُ جنوباً.
*
حساءُ عَدَسٍ ، وصَمّونٍ حَجَريٍّ ، و"قُصْعَةٍ" بلا لونٍ ولا طعمٍ ولا رائحة ..
و"بيريّاتٍ" و "بساطيل" .. وأوسمةٍ وأنواط ونياشين .. وكراماتٍ مهدورةٍ ..
وإذلالٍ وذهولٍ .. وموتٍ مجانيّ .
موتٌ زائف . موتٌ محض.
هذه هي الحرب .
*
لا أعرفُ ما الذي تفعلهُ الآلهةُ في الحروب .
إنّ الأمرَ لمُرْبِكٌ حقّاً .



#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دفاتر الحرب (1) :مقاطع من هذيان جندي مسن ، من بقايا الحرب ال ...
- طريقُ النحلِ اليمانيّ العتيق
- من وحشةِ الروح ..أعودُ اليها
- ماسةٌ مغموسةٌ بالعسل
- لا شيءَ ولا أحَد .. سِوى ذلكَ الحُبّ
- اذا ذهبَ الفلاّحُ الى الوزارة
- كُلّهنَّ أحببتهنَّ من كلّ قلبي
- أرباعُ العُمْرِ الأربعة
- عزيزي المواطِن .. أنتَ فاسِدٌ أيضاً
- أنا الذي انتظرتُ طويلاً .. هذا كثيرٌ عَلَيّْ
- وحيداً دون رِفْقة .. في كهَفِ الأيّام
- كلّ شيءٍ عن الحشرات النطّاطة في العراق السعيد
- كلّما أرَدْتَ أن تفعلَ شيئاً جميلاً
- دَعْ قلبكَ الفارغ يتعوّدُ على الوحشة
- عن فارق التوقيت في المصالحِ ، بين العراق ، والولايات المتحدّ ...
- في غرفة الضيوف .. حيثُ تجتمعُ العائلة
- العلمانيّون و النُخَبْ والسلطويّة .. من محمد علي باشا ، إلى ...
- لديّ الكثير من الأسبابِ لأحزن
- الأهوار و النفط و الموازنة و لائحة اليونسكو
- الأهوار ، وأهل الأهوار .. و قرار اليونسكو


المزيد.....




- عداء قتل أسدًا جبليًا حاول افتراسه أثناء ركضه وحيدًا.. شاهد ...
- بلينكن لـCNN: أمريكا لاحظت أدلة على محاولة الصين -التأثير وا ...
- مراسلنا: طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي ...
- بدء الجولة الثانية من الانتخابات الهندية وتوقعات بفوز حزب به ...
- السفن التجارية تبدأ بالعبور عبر قناة مؤقتة بعد انهيار جسر با ...
- تركيا - السجن المؤبد لسيدة سورية أدينت بالضلوع في تفجير بإسط ...
- اشتباك بين قوات أميركية وزورق وطائرة مسيرة في منطقة يسيطر عل ...
- الرئيس الصيني يأمل في إزالة الخصومة مع الولايات المتحدة
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية: إصابة إسرائيلية في عملية طعن ب ...
- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عماد عبد اللطيف سالم - دفاتر الحرب (2) مقاطع من هذيان جنديّ مُسِنّ ، من بقايا الحرب العراقيّةِ-الايرانيّة