أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - عماد صلاح الدين - النخب السياسية الفلسطينية كجزء من مشكلة مجتمع متفاقمة















المزيد.....



النخب السياسية الفلسطينية كجزء من مشكلة مجتمع متفاقمة


عماد صلاح الدين

الحوار المتمدن-العدد: 5256 - 2016 / 8 / 16 - 11:35
المحور: القضية الفلسطينية
    


النخب السياسية الفلسطينية كجزء من مشكلة مجتمع متفاقمة
"الجزء الاول"
إعداد :عماد صلاح الدين- نابلس.
انس صلاحات- نابلس.
تقديم:
كمراقبين في الشأن العام، لم نجد حال النخب السياسية الفلسطينية يختلف عن وضع الناس في المجتمع؛ من ناحية ما هو سائد من أمراض نفسية واجتماعية ومن خلل في عموم البنية الإنسانية ، وبالتالي ما يتم به السلوك والتصرف، في الشأن العام من قصور وخلل فادحين.
فالنخب الفلسطينية، سواء من اليسار أو اليمين، نجدها يغلب عليها الجانب السطحي والقشري من الأمور، سواء في السياسة أو الاقتصاد أو الأمن أو الثقافة، وفي الجانب الرسمي والحزبي أجد جانب الشخصنة والتراشق بالاتهام والتخوين.
ولا توجد هناك قاعدة ارتكازية للتفكير والتحليل المنطقي في: لماذا نحن هكذا كأوضاع مجتمع فلسطيني، ومن باب سؤال الواقع لماذا نحن تحت الاحتلال منذ عقود طويلة، ولماذا لا يوجد لدينا مشروع وطني متكامل، ولا يوجد لدينا مؤسسات جامعة حقيقية وليست تزيفيية، ولماذا يتم الاستفراد بالأمور واحتكارها، سواء في المجال الديني أو في المجال الاجتماعي أو حتى في المجال الثقافي، ولماذا يجري تفسير الأمور أحاديا ولصالح جهة معينة، وبطريقة موقوفة نهائيا ولصالح فكر منغلق على حاله، ولماذا الأحكام النهائية في المجتمع على الأفراد والمجموعات الاجتماعية والحزبية، ولماذا الأمور بهذا الضيق إلى درجة الأبيض والأسود فقط؟؟.
ولماذا يكون لدينا في المنشطين الخاص والعام الحزبي أو الرسمي، حالة من الإصرار العنيد على موقف أو رؤية، حتى ولو ثبت تكرار الفشل فيها؟.
ثم لماذا يتم ترحيل المشكلات العويصة والصعبة، ولا يجري مواجهتها سواء في الجانب الداخلي الحياتي العادي أو حتى في مواجهة العدو والاحتلال، ولماذا تغييب فكرة وممارسة الأولويات لدينا اجتماعيا وسياسيا، وفي البعد الديني والثقافي؟؟.
من خلال المقابلات التي قمنا بإجرائها مع العديد من النخب السياسية الفلسطينية، سواء من التيار الديني تحديدا حركة المقاومة الإسلامية حماس، أو من خلال التيار العلماني في حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، أو التيار اليساري الممثل في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وغيرهما، وجدنا أن النخب السياسية الفلسطينية، وضمن المساحة الجغرافية التي كلفنا العمل فيها، وضمن المدة الزمنية لتواجد نشاط تلك النخب وحضورها، وهنا نقدم فحصا ودراسة عينة بحثية لقائية منها، محددا ضمن ما هو متوفر حاليا، من انجاز تلك المقابلات، وبانتظار ما هو قادم من انجازها، والعمل على فحصها ودراستها، فقد وجدنا تلك النخب تتسم بأقوال وتصريحات ومواقف ورؤى على النحو التالي:
أولا : قراءة في عينة النخب تحليليا:
1- نجد تلك النخب السياسية، وتحديدا الفصائلية منها، تميل إلى الحديث والتضخيم، في معاناتها وتجاربها النضالية، والذهاب إلى تكبير الانجازات على غير صعيد، حتى ولو كانت – مثلا- الفترات الاعتقالية محدودة ببضع أشهر أو سنوات قليلة؛ والمشكلة أن هذا الادعاء والتضخيم يتناقض كليا ولا أقول حتى جزئيا مع المآلات العديدة لوضع القضية الفلسطينية، خصوصا في بعدها الأخلاقي والسياسي المصيري، هذا فضلا عن الأبعاد الأخرى، التي أصبحت أكثر سوءا؛ بفعل دور تلك النخب عبر عقود طويلة، سواء في الاجتماع الإنساني الفلسطيني أو الوحدة الوطنية أو الانقسام، وإصابة عصب المنظومة القيمية الأخلاقية الفلسطينية، ومن قبل، وكمساهمة في التأسيس لمثل هذه الأوضاع، كانت أوسلو والاتفاقات والتفاهمات الاستفرادية من قبل قيادة حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية سياسيا وامنيا وماليا، مع نهاية العقد التاسع وبداية العقد الأخير من القرن العشرين المنصرم؛ فنجد الدكتور عمر عبد الرازق من مدينة سلفيت بالضفة الغربية، وهو بروفسور في الاقتصاد الرياضي والدولي ونائب في المجلس التشريعي عن كتلة التغيير والإصلاح البرلمانية التابعة لحركة المقاومة الإسلامية حماس ووزير المالية في الحكومة الفلسطينية العاشرة التي قادتها حركة حماس ولمدة عام 2006-2007، يتحدث عن نشأته الصعبة وعن الفقر الشديد وما إلى ذلك فهو يقول:( النشأة صعبة، فقر شديد، والوالد كان مهاجر ومش سائل عن حد)، صحيح أن الشعب الفلسطيني لديه معانيات ومآس كثيرة ومن بينها الفقر، إلا أن الباحث أي باحث اجتماعي يحدث لديه ارتباك في سؤال كيف إذن استطاع البروفسور رازق الوصول إلى ما وصل إليه- اقله- من درجات علمية أكاديمية بكل درجاتها، بما فيها الدرجة الجامعية الأولى من الولايات المتحدة الأمريكية، إن مكونات الفقر الشديد لا تساعد على تسجيل الانجازات الشخصية الكبرى، حتى ولو كان مفعول فاعل الإرادة الذاتية قويا ومفعّلا إلى أقصى الدرجات؛ فالذين يعانون الفقر الشديد وضمن منظورية علمية ومعرفية، وبخبرة الباحث هنا في النظر الاجتماعي المربوط بالشأن العام، تضطرهم أوضاعهم إلى تواضع متحققاتهم العلمية والمادية والاجتماعية، وحين يرتفع مستوى الطموح وممارسته - في هذا الشأن- مع الخلل الفادح في القاعدة المادية والاجتماعية، تحدث الهوة والفجوة بين ذلك الطموح والمتحقق؛ بحيث يؤثر على جانب أو جوانب من شخصية الطامح مهما كان منسوب قدراته الكلية وذكائه، مما يؤثر على فاعلية المتحقق الاكاديمي وغيره في حياة الإنسان، وبالتالي عدم التهيئة، وقيام المقوّم لتولي منصبا برلمانيا وسياسيا رسميا كمثل حالة العينة الممثلة بشخص الدكتور عمر عبد الرازق. وفي المقابل- كذلك- نجد السيدة ماجدة المصري عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين من نابلس، تتحدث عن أنها انخرطت في النضال السياسي الفلسطيني منذ سن مبكرة جدا، وهي طالبة في المدرسة أيام المد القومي والقومي الناصري على وجه التحديد، وقد أشارت تقول: (عشت اللجوء، هاجر أبي وعائلتي من حيفا إلى نابلس اثر النكبة عام 1948، عمري أربع سنوات لما توفت أمي)، ولكن عائلتها كانت منفتحة وأخوها كان سابقا لها في الانتماء إلى الفكر القومي العربي، وكذلك مدرساتها في المدرسة، وبان عموم البيئة التي تواجدت فيها كان مهيئة لها، ولا توجد معارضة من الأهل في نشاطها السياسي، وبالتالي كان النضج فيها يكبر شيئا فشيئا على حد تعبيرها، وهنا تقول السيدة ماجدة المصري:(حلم العودة كان حديث الاهل، تأثرت بالفكر القومي الناصري من ايام المدرسة، اخوي سبقني وكان قومي عربي وكذلك مدرساتي في المدرسة، البيئة العائلية والمدرسة وبيئة نابلس كانت كلها عوامل مساعدة، حيث التأثر بالفكر القومي)، وقد تبوأت عديد مناصب – وبالتدريج- سواء في مرحلة العمل السري في الأردن ولبنان، أو علنيا بعدما عادت للوطن، بعد غياب دام لثمانية وعشرين عاما مع قدوم السلطة الفلسطينية بعد اتفاقات أوسلو، إلى أن أصبحت مرشحة الجبهة كوزيرة في حكومة سلام فياض، وبالفعل أصبحت وزيرة الشؤون الاجتماعية. وتتحدث السيدة ماجدة أن ما قامت وتقوم به، والقول لها هنا:( ومش عمل استثنائي وإنما كواجب على مواطنة لها حقوق وعليها واجبات، وكان النضج يكبر شيئا فشيئا). لكن السيدة ماجدة تعود فتقول أن ما أنجزته أو اكتسبته من مواقع، كان نتيجة التراكم وعمل السنوات الطويلة، وليس بسبب أنني أخت فلان أو ما إلى ذلك. والسؤال هنا: لو لم تكن ماجدة المصري وظرفها الملائم الذي تحدثت عنه؛ فهل كان ستصل إلى ما وصلت إليه، مع اخذ كل الاعتبار لحالة التراكم النضالي عندها. إن نمطية المجتمع الفلسطيني في اسه التركيبي والتكويني قائم على العائلية والموروث الاجتماعي غنا وفقرا، وهو كذلك مع وجود قشرة التمدين الحزبي والسياسي التحديثية، وليس قائما على بنية منهجية تتيح الفرصة للغالبية في مجال التقدم والتنافس - على الأقل- في موضوعة النخب السياسية الفلسطينية التي نتحدث عنها هنا، وان كان الأمر غير ذلك، فبماذا يتم تفسير استمرار الاحتلال الإسرائيلي للشعب الفلسطيني وأرضه، وعدم القدرة على تحقيق توافقية فلسطينية بين نخبها؛ سواء في البرنامج السياسي أو في مؤسسات التوحيد الوطني الفلسطينية، في ظل غيابة أو غيبوبة الغالبية المجتمعية الفلسطينية، التي تعاني من موروث الفقر والتخلف والانحطاط الديني والاجتماعي؛ ما قبل الانتداب البريطاني، ومنذ فترات طويلة من الحقبة العثمانية، إلى أن جاءت العصابات الصهيونية، واحتلت أرضها، ومنعت تقرير حريتها وتقرير مصيرها.

2 - نجد تلك النخب التي استطاعت بفعل الأوضاع الاجتماعية والمادية المريحة لها، أن تصل إلى درجات متقدمة جدا في التحصيل العلمي، وفي دول غربية أو في أمريكا أو أسيا، وكذلك استطاعت تحصيل مراتب عليا في الموقعية الحزبية والسياسية؛ بفضل تلك الظروف والإمكانات، والتي في جلها موروثة عن الأهل والعائلة؛ ومع ذلك كله يتم في الآن نفسه الهروب من تلك الحقيقة؛ لزيادة النفخ في الشخصية وتعظيمها، كحالة إبداعية بالقول: إنني عشت ظروف اقتصادية صعبة جدا، واضطررت إلى العمل هنا وهناك، وعانيت الإرهاق الشديد حتى وصلت إلى تلك المواقع في الحزب أو في درجة الشأن العام أو حتى في الأساس فيما يخص تحصيله العلمي؛ وهذا مما يُستدرك منه وجود قاعدة لثقافة الشخصنة والشخصانية، وغياب بنية الموضوعية الضرورية لمواجهة الاحتلال، وبالتالي الاستعداد للتضحية الحقيقية لاستعادة القدرة على تقرير المصير من خلال التحرير، ومن ثم التطلع إلى الاستقرار والتنمية وبناء الحضارة الذاتية وعلى مستوى المجتمع، انظر مثلا هنا ومن خلال المقابلة التي أجريت مع الدكتور عبد الستار قاسم، فعن حياته الشخصية يقول الدكتور قاسم:( إن أسرتي تملك تقريبا مئة دونم من الأراضي السهلية والزيتون، وكان الوضع المادي للعائلة مريحا بالقياس إلى الآخرين في قرية دير الغصون، وان الأهل مع العائلات الأخرى هناك كان بينها تنافسا شديدا جدا على التعليم والانجاز العلمي)، وان عائلة الخضر التي ينتمي إليها الدكتور قاسم كانوا سباقين في الأمور العلمية، وضرب أمثلة على ذلك ب عبد الله الفياض أبو الدكتور سلام فياض فقد درس في الجامعة الأمريكية ببيروت في أوائل أربعينيات القرن العشرين المنصرم، وان جد عبد الستار قاسم نفسه التحق بالأزهر سنة 1946، وقال: (إنني درست في الجامعة الأمريكية في القاهرة في أواخر ستينيات القرن الماضي، وحصلت على قبول للدارسات العليا في الولايات المتحدة الأمريكية وانا في السنة الرابعة من المرحلة الجامعية الأولى)، وبمجرد ما فاتح والده في الموضوع، وقال: كنت مترددا خشية رفض أبي ذلك، فكان جواب والده : (كم بدك مصاري)، فقال له عبد الستار قاسم 650 دينارا أردنيا، فقال الوالد: (أعطيك 700 دينار)، وقال عبد الستار:( يوم ما جايت اسافر أعطاني 750 دينار). هذا الكلام في السبعينيات من القرن العشرين، وأكمل الدكتور عبد الستار الماجستير والدكتوراه في جامعتي كنساس وميزوري في الولايات المتحدة الأمريكية، وحصل على منحة تدريس وتخفيف في الأقساط المدفوعة، لكن الدكتور يتحدث أن حياته كانت صعبة في الولايات المتحدة الأمريكية، لأنه كان يعمل أثناء الدراسة في مطعم، وكان يمسح الأرض، وبعد ذلك في جلي الصحون، واشتغل كذلك في معمل الهمبرغر، وكان يقوم بتنظيف الأدوات بماء يغلي درجة حرارته 90مئوية، وبأنه كان قد استلف من احد الأصدقاء، وهو زميل من الكويت لدفع القسط الجامعي للفصل الثاني من دراسة الماجستير في أمريكا، وانه مع نهاية الفصل قام بإرجاع قيمة الدين. ويقول عبد الستار قاسم: (أنا في السنة الأولى في أمريكا ما أكلت همبرغر، وكنت أجيب شوية بازيلا مع معجون بندورة وشوية لحمة واقعد أسبوع أوكل من الطبخة)، واستطاع الدكتور قاسم شراء ساندويتش الهمبرغر، حين تحسنت ظروفه المادية، بعد ما حصل على منحة تدريس مساقين وتخفيف الأقساط مع راتب 280 دولارا وهنا يقول:( عندها أيقنت إني رح اشتري ساندويتش همبرغر واشتريت). ويضيف عبد الستار قاسم بأنه ليس شهوانيا لا من ناحية الأكل ولا من ناحية النساء، رغم أن لونه البني كان جذابا بالنسبة للنساء بحسب قوله، في التحليل وفي قراءة ما يقوله الدكتور قاسم فان الباحث يتساءل عن ماهية الحياة الصعبة في مثل ظروف الدكتور قاسم، وهل مجرد العمل أثناء الدراسة أو استلاف قسط أو تجنب شراء بعض المأكولات لغلاء أسعارها، يجعل الحياة صعبة، وماذا يقول الفقراء والشرائح الاجتماعية الفلسطينية؛ حيث لا قدرة لا على تعليم، ولا على تقرير المصير الشخصي، على مستوى أساسيات الحياة. إن مبلغ 750 دينارا أردنيا في زمن سبعينيات القرن الماضي كان المرء في فلسطين، وتحديدا في الضفة الغربية يشتري بها عشرات الدونمات من الأراضي. السؤال المركزي هنا: لماذا تتجه النخبة نحو تضخيم الذات والمعاناة، رغم أن هذه النخب في أساسها وفي جلها، وحسب القواعد العلمية والحقائق الاجتماعية، هي أبناء عائلات قوية ومالكة أراضي وثروات، والسؤال الذي يتبع مركزية السؤال الأول- في هذا الإطار- هو ما اثر هذا البناء السيكولوجي على العطاء الفعلي لتلك النخب وأسرها للقضية الوطنية الفلسطينية، هذا بعيدا عن كل تنظير أو مشاركة سياسية حزبية أو مستقلة في الموضوع الوطني؟؟، والسؤال الثالث وبالتبعية، لماذا كل هذا الخلل في المخرج العام الوطني والنضالي الفلسطيني، إذا كانت النخب الحزبية أو غير الحزبية، على كل هذا النحو من التميز، والعطاء، والوعي، والصبر، والاحتمال، وتقديم المصلحة الوطنية على كل ما عدها قولا وعملا؟؟ .

3- تقع تلك النخب في مطبي ادعاء حرص الأهل وخوفهم من مشاركتها في الأعمال النضالية من جهة، وادعاء الانفتاح والبيئة الديمقراطية الاجتماعية الأسرية، وربما حتى البيئة المناسبة، على مستوى مدينة بأكملها كمدينة نابلس على أيام المد القومي والناصري؛ وهذا يأتي في سياق محاولة إظهار الإطراء والمديح الذاتي؛ إما لشخص النخبة بأنه، رغم كل شيء وربما خوف الأهل عليه، تقدم الصفوف للنضال وما يحمله من مخاطر إلى درجة الموت والاستشهاد، أوفي مدح البيئة والحالة الاجتماعية بكونها كانت منفتحة وديمقراطية، ولكن السؤال إذا كان الانبثاق نحو العمل النضالي ناتج في الحالين، بحسب ما أدلت به تلك النخب في المقابلات التي أجريت معها، عن الوعي وسلامة وتهيؤ البيئة الاجتماعية والثقافية، وعلى رغم خوف الأهل وترددهم بشأن الانخراط في العمل النضالي، فلماذا كانت سلسلة الإخفاقات الوطنية الفلسطينية، تسير من مرحلة إلى أخرى أسوأ، إلى حد الوصول إلى الكارثة المتوجة، ومنذ سنوات، بالانقسام وبمخرج تشوه الحالة الفلسطينية الكلية، إلى درجة الانهيار سواء في شكل ما هو حاضر من انتفاضة أو هبة محدودة جدا أو في تكرس الحالة الاستيطانية الإسرائيلية وتطبيقاتها العزلية والتمييزية؛ فانظر مثلا إلى النائب منى منصور عضو التشريعي عن قائمة كتلة الإصلاح والتغيير التابعة لحركة المقاومة الإسلامية حماس عن مدينة نابلس، نجدها في المقابلة التي أجريناها معها تقول: (كانت أسرتي عادية والدين عادي ووضع الأسرة كان جيدا وقاموا بشراء سيارة لي بعد التخرج من الجامعة ،وكان التحجب( الحجاب) مسالة صعبة وكان الأهل يرفضون العمل عند أي جهة، وكان أبوي يخاف علينا من التوجهات السياسية، وكاد يخرجني من الجامعة لأنني كنت اقرأ لزينب الغزالي). وتتحدث السيدة منى منصور في المقابلة:( لم يكن احد من العائلة من الفتيات والنساء متحجبا، وتحجبت بعد ذلك وبقية العائلة بفضل الشهيد جمال منصور) وجمال منصور هو القيادي في حماس، والذي اغتالته إسرائيل في مطلع الانتفاضة الثانية(انتفاضة الأقصى)؛ حيث كان له تأثير كبير في هذا الخصوص، وتحديدا عليها؛ فهو مثالها الأبرز في صقل شخصيتها، ولم تجد له مثيلا رغم أنها حاولت ذلك؛ من باب هل يوجد أشخاص يشبهونه أو مثله على حد تعبيرها وكما جاء في المقابلة التي أجريناها معها.

وانظر – أيضا- إلى ما جاء في المقابلة التي أجريت مع السيدة ماجدة المصري بهذا الشأن، فهي تقول: (عشت الهجرة من حيفا إلى نابلس، من سن مبكرة بدأت تاريخي النضالي، وحلم العودة كان حديث الأهل، والبيئة العائلية والمدرسية وبيئة نابلس، كانت عوامل مساعدة، وحدث التأثر بالفكر القومي. ومرة أخرى تقول: البيئة كانت مساعدة، وهو خيار استراتيجي لا يقبل المساومة، وكنت بنحني وقت الأزمات).

4- يغلب على تلك النخب، في العينة البحثية اللقائية، الحديث عن اتهام، وتوجيه تحميل المسؤولية، عن مآل الأوضاع الفلسطينية، سواء على مستوى المشروع الوطني، أو مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، أو على مستوى الانقسام الفلسطيني الفلسطيني، أو المصالحة لهذه الجهة أو تلك؛ هكذا جزافا دون إبداء تحليل أو تفسير أو الرجوع إلى ماهية الأدبيات الفكرية والأخلاقية والسياسية، لهذه الجماعة الوطنية أو تلك، إلا في حالات نادرة جدا، وبشكل مروري عابر ومحدود، والرابط الوحيد لهذا الموقف أو ذاك هو الانتماء الحزبي والنظرة الحزبية أو الخلفية الفكرية والسياسية، التي انبثق ويعمل من خلالها سياسيا أو نضاليا؛ انظر مثلا إلى ما قاله الدكتور عمر عبد الرازق عضو المجلس التشريعي الفلسطيني عن كتلة الإصلاح والتغيير البرلمانية التابعة لحركة المقاومة الإسلامية حماس عن مدينة سلفيت، حين سألناه عن رؤيته لإنهاء الانقسام، قال ابتداء: (لا اسميه انقسام، انقسام حميد، بعد عشر سنوات لولا الانقسام ولولا الحركة ثبتت نفسها لضاعت القضية الفلسطينية ولقضي على المقاومة، وتلبيس المصطلحات لان الآخرين فشلوا)" يعني الحديث بصيغة الانقسام والمصالحة الوطنية"، ويضيف:( الوحدة على أي أساس، مثل الاعتصام، واعتصموا بحبل الله، على أساس أوسلو؟!، الرئيس يريد برنامجه ولا يريد برنامجا آخر). ويقول من جديد: (2007، كان هناك قرارات والحركة "حماس" تنبهت، وسيطرت وثبتت أركان الحكم الديمقراطي والخيار الشعبي، ولو سيطروا على غزة لعملوا ما شاءوا مع الإسرائيلي وما حصل في غزة رفع السقف، وهذا منع التنازلات عن طريق المفاوضات والتجربة أثبتت صحة خيار المقاومة في غزة وجنوب لبنان، وهو خيار شعبي). ثم يضيف: (المصالحة مش ماشيه، الابتزاز والتعويل على ضغط المقاومة في غزة، وحماس أعطت كل شيء وقالت لابو مازن روح تفاوض والحكومة حكومة رامي الحمد الله حكومة أبو مازن، وكل ما يريدونه المقاومة ترفع الراية البيضاء والاستسلام). وانظر مثلا ما يقوله السيد وليد عساف النائب في المجلس التشريعي عن حركة فتح في محافظة قلقيلية، فهو يقول:( الانقسام من اكبر التحديات ودفعنا ثمنا باهظ على المستوى الفردي والجماعي والعلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع، وبأنه من الضروري بالنسبة له المحافظة على الخط السياسي والحفاظ على الحد الأدنى من العلاقات الاجتماعية مع الجميع ومع الفصائل وبعيد عن الانقسام في قطاع غزة!!!)، ويقول السيد عساف: (يجب أن لا نستأثر في قيادة العمل الوطني، وينبغي مشاركة جميع الفصائل، والتجربة في منظمة التحرير دليل على ذلك!!)، ثم يضيف: (على حماس أن تغير في رؤيتها في العمل الوطني، وعليها أن تتعايش مع الآخرين، وان لا تطبق الحق والباطل والخير والشر في الموضوع الداخلي، وان يكون مع العدو!).

5- على رغم الانتقاد الذي يوجهه - بشكل كبير جدا- أفراد نخب العينة اللقائية لمؤسسات السلطة الفلسطينية الرئيسية، على صعيد المجلس التشريعي الفلسطيني، والأجهزة الأمنية الفلسطينية، والسلطة التنفيذية، والمؤسسة القضائية، وبأنها تعاني من تراجع خطير، ومن انتشار المحسوبية والفساد، ومن عدم الاستقلال، والفصل ما بين سلطات السلطة الفلسطينية الرئيسية، وسوء أداء الأجهزة الأمنية الفلسطينية خصوصا في التعامل مع المواطن الفلسطيني، وبان غرض تلك المؤسسة، وعلى لسان نخب من حركة فتح تم مقابلتهم، هو حماية امن السلطة وليس حماية المواطن، هذا بالإضافة إلى النقد المتعلق بالتنسيق الأمني، إلا أننا لم نجد أيضا نظرة فكرية سياسية، حول السبب في مخرجات أداء هذه المؤسسات، على النحو الذي اشرنا إليه أعلاه، ولا عن طرح تصور استراتيجي وطني شامل، بخصوص الخروج من مأزق الحالة الفلسطينية، سواء على صعيد السلطة أو على صعيد الفصائل، وفيما يتعلق تحديدا في موضوعة الانقسام بين فتح وحماس؛ انظر مثلا إلى ما قاله السيد جمال الطيراوي عضو المجلس التشريعي الفلسطيني عن حركة فتح، وهو من مخيم بلاطة- نابلس؛ عندما سألناه عن تقييمه للمؤسسات الفلسطينية الرسمية قال: (الأداء ليس بحجم الطموح والأمل، أداء الحكومة ينتابه كثير من السلبيات على الصعد كافة، وهناك عدم جدية في الأداء، والتغييرات غير المبررة في الحكومة، لدينا تحفظات على أداء المؤسسات الأمنية، وأنا اختلفت مع الأجهزة الأمنية خصوصا في التعامل مع أبناء فتح وعموم الشعب الفلسطيني، وخصوصا فيما يتعلق بالعقيدة الأمنية، وعليها أن تكون العقيدة الوطنية، لأننا لا زلنا تحت الاحتلال، القضاء مغيب واكبر نكسة كانت علي مهنا وتم تعيينه بطريقة غير قانونية ودستورية، التشريعي معطل بسبب الانقسام، لا بد من تفعيل عمل الكتلة النيابية لتكون هناك رقابة على أداء السلطة التنفيذية والأمن والقضاء)، ثم في حديثه عن رؤيته لإنهاء الصراع قال مؤكدا على النهج السياسي السابق، رغم انتقاده لمخرجاته والمآل الذي وصلت إليه: (إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة على حدود ال67 ولا لدولة المستوطنين، هذه رسالة وارث ياسر عرفات). وانظر كذلك إلى ما رد به السيد ناصر جمعة عضو التشريعي عن حركة فتح على مستوى القائمة الموحدة، وهو من مدينة نابلس حين سألناه عن تقييمه للمؤسسات الفلسطينية، قال: (التراجع أصاب المؤسسات الفلسطينية بشكل ملحوظ وملموس، فإذا لاحظت مؤسسة القضاء كيف تراجعت وجل هذا القطاع تراجعا خطيرا وملحوظا على المستوى الوطني، والأجهزة الأمنية لم تستطع أن تقدم نفسها بصورة مقبولة لدى الشارع الفلسطيني، وانتابها القصور في أدائها في توفير الأمن والأمان للفلسطينيين، علما أن الأجهزة الأمنية تستنزف ثلث موازنة السلطة، والمجلس التشريعي معطل ولم يقم بالدور المناط به كمؤسسة برلمانية ورقابية، وهذا أعطى مستويات لم تسجل من قبل في مستوى الفساد ربما لم تكن موجودة من قبل، وهذا ترك أثره الواضح في حياة الفلسطينيين، والمؤسسة التعليمية كذلك أصابها التراجع، وإذا أردنا التحدث عن الجوانب الايجابية تختفي أمام هذا الحجم الهائل من السلبيات، وهذا للأسف عكس ما تمنيناه وتوقعناه). أما رؤيته للحل أو رؤيته المستقبلية فتحدث السيد ناصر جمعة:( هناك انسداد في الأفق السياسي والمعطيات الإقليمية والدولية تعطي مؤشرا على ذلك خصوصا بعد أحداث ما يسمى بالربيع العربي)، وأضاف: (هذا أعطى مكاسب لإسرائيل وزاد من التعنت الإسرائيلي وعادت إسرائيل غير معنية إطلاقا لأي حل كانت من السابق توافق عليه من الحلول السياسية)، وقال: (في الوقت الحالي من الصعب أن نتحدث عن أفق لحل سياسي ينتج عنه حل يكون للفلسطينيين دولة مستقلة، ولكن هناك كثير من العوامل غير المتوقعة يمكن أن تعطي نتائج أو احتمالات ايجابية جديدة!!!، لكن بشكل عام الأمور على المستوى الفلسطيني والعربي لا تبشر بخير). وتمحورت رؤية السيد جمعة حول الصمود : (ولا يستطيع الفلسطينيون في هذه المرحلة إلا أن نبقى صامدين في هذه المرحلة لمواجهة الاحتلال ومشاريعه في تصفية القضية الفلسطينية، لأننا في مجرى هذه المرحلة القائم على تصفية القضية الفلسطينية وتحويلها إلى قضية إنسانية )..

6- كل ما أجده، بخصوص تقييم أداء الحالة النضالية والسياسية، وحتى الأدائية الرسمية الحكومية، لعمل مؤسسات السلطة الفلسطينية، هي مجرد إلقاء اللوم والمسؤولية، وربما الاتهام بالخيانة، ووضع علامات الاستفهام على بعض القيادات الفلسطينية، والتي تجد سندها تاريخيا لدى بعض النخب، من خلال استعراض والحديث عن تاريخ ومراقبة مواقف تلك النخب من المقاومة الفلسطينية ومنظمة التحرير وحركة فتح، منذ الوجود أو التواجد النضالي في جنوب لبنان وفي الأردن، و تلك التقييمات تقع إما في سياق النظرة الشخصية الضيقة أو في سياق التخندق والاصطفاف الحزبي التي ترفضه تلك النخب نظريا وتمارسه عمليا حتى من خلال الحديث والتصريح الفكري والسياسي والإعلامي، فمثلا يذهب الدكتور عبد الستار قاسم إلى القول:( كنت متحمسا للقضية الفلسطينية أعوام 1971،72،73، وكنت اذهب إلى بيروت لأجل قتال إسرائيل، وفي كل مرة كنت أجد الثورة الفلسطينية فاشلة وتقودنا إلى الهاوية بسبب ممارسات الثورة اللا أخلاقية في لبنان، كانت البطولات كذب، كان يتم إرسال الشباب إلى نهر الأردن والجنوب اللبناني، ويتم تبليغ الإسرائيليين فيقتلوا في الطريق)، ويقول:( النجاحات في العمل الفدائي كانت معدودة على الأصابع مثل عملية الشاطئ التي قامت بها دلال المغربي وعملية السافوي وميونخ). ويضيف: (الأوضاع الفلسطينية هناك قناعة حول علامات استفهام على بعض القادة الفلسطينية، وأنها لا تسعى إلى التحرير وتتلقى الأوامر من آخرين!!)، ويقول قاسم من جديد: (بالتجربة تعرف الناس أكثر وتعرف سخافة القيادة الفلسطينية وغبائها، وبأنها تقوم بتفتيت المجتمع وإحداث الانهيار الأخلاقي). وعن تقييمه لأداء مؤسسات السلطة الفلسطينية يقول الدكتور عبد الستار: (لا يوجد فصل بين السلطات لا في غزة ولا في الضفة الغربية ولا يوجد استقلال للسلطات، وان أداء حماس للحكم في غزة هو نسخة عن فتح، باستثناء توفير الأمن بطريقة أفضل من السلطة السابقة، وبعدم استئثار حركة حماس بالمقاومة).

7- تغلب الحالة الخطابية أو الشعاراتية التقليدية بخصوص التنظير السياسي والحزبي، حول الثقة الجماهيرية ونيلها واستحقاقها عن جدارة، وعن خدمة الناس، وتمثل نموذج النخب في الأجيال النضالية، ويأتي الحديث المكرور عن صيغ كليشهاتية متعلقة بالوحدة والوطنية، وإنهاء الانقسام، وإصلاح منظمة التحرير، وعن المشروع الوطني، ووثيقة الوفاق الوطني وثيقة الأسرى الصادرة في عام 2007، لكن الغالبية النخبوية موضوع البحث لم تتطرق إلى البنى الثقافية والأخلاقية والاجتماعية، التي جعلت القابلية لدى الفلسطينيين نحو قبول الحلول الجزئية والقابلية للفساد السياسي والمالي وحتى الأخلاقي، ولم نجد هناك خلفية فكرية اجتماعية واعية تتطرق إلى الحالة التاريخية الفلسطينية، ولو بلمح سريع حول البنى غير السوية أخلاقيا واجتماعية بخصوص النزعات العائلية والقبلية، والتشكل لتلك الحالة في قوالب حزبية مصلحية ضيقة أو أيديولوجية مغلقة كما هو الحال لدى حركتي حماس وفتح، ولا عن البنى المهلهلة في الجوانب الاجتماعية في الاجتماع الإنساني، سواء في المرض أو الجهل بمعنى الوعي وليس التعليم والفقر والطبقية الاجتماعية الحقيقية، وبغض النظر عن كل الأغطية والمظلات الدينية أو الوطنية أو غيرها، والتي كانت القاعدة الفارزة لكل ألوان تحقق القابلية سواء للانتداب البريطاني منذ عشرينات القرن الماضي أو نجاح المشروع الصهيوني وطرد الفلسطينيين السكان الأصليين عن معظم ارض فلسطين عام 1948، أو حتى الأوضاع التي آلت أثناء وبعد نكسة حزيران عام 1967، ولا عن مؤهلات الاستعدادية السلبية لنخب السياسة والنضال الفلسطيني الحزبي أو الثقافي أو حتى المستقل منذ أواسط سبعينيات القرن العشرين؛ في قبول والاستعداد المسبق لتقديم تنازلات وبالتدريج بخصوص الرواية الفلسطينية والهوية الوطنية؛ إن كان ذلك عام 1974، من خلال برنامج النقاط العشر أو ما جرى لاحقا في قبول قراري مجلس الأمن الدولي 242،338 لعامي 1967 و1973 على التوالي، ومن ثم مؤتمر مدريد وصولا إلى أوسلو 1993-1994، وما تلا ذلك من تنازلات في الثابت والموقف الأخلاقي السياسي سواء في أوسلو ياسر عرفات المؤجل فيه الحل المرحلي على حدود 1967 بنهاية المرحلة الانتقالية عام 1999، والتي رفض الرئيس الراحل ياسر عرفات الشروط الإسرائيلية بخصوصها في كامب ديفيد 2000-2001، إلى مرحلة الرئيس محمود عباس بعد وفاة الراحل ياسر عرفات نهاية عام 2004، ولكن هذه المرة دون مواجهة مع الشروط الإسرائيلية سوى التسليم بالأمر الواقع، وانتظار ليونة الموقف الإسرائيلي رسميا وشعبيا إلى أن وصلنا إلى الكارثة بنسختها الأخيرة، والتي تتحدث عن البديل بانهيار سلطة حكم ذاتي استمر التفاوض حولها لأكثر من عقدين من الزمن، هنا يتحدث وليد عساف قيادي فتح والناشط في الانتفاضتين الأولى والثانية وعضو المجلس التشريعي عن فتح من جديد فيقول: (فتح أرى فيها المشروع الوطني وفي خدمة فلسطين، احترام الجماهير والعمل معها والإيمان فيها وبقدرتها على صنع التغيير "الثقة"، تكسب ثقة الجماهير بالعمل على الأرض وليس بالنظريات والكلام. أما ناصر جمعة قيادي فتح وعضو المجلس التشريعي عن فتح يقول: (تربينا في المدرسة الثورية وأصبحنا فيها نموذج للجيل النضالي لقيادة مرحلة نضالية مهمة في تاريخ الشعب الفلسطيني، مثّلنا نماذج كانت تعتبر لدى كثيرين من الشباب الصغار نموذجا يقتدى به في العمل النضالي والوطني، دخلوا إلى معترك الحياة النضالية من خلال ناصر جمعة أو فلان وفلان). ويضيف السيد جمعة:(هذا يعطيك شعور باعتزاز وانك استطعت أن تؤدي رسالتك الوطنية بشكل سليم). وحول رؤيته لإنهاء الانقسام مثلا يقول السيد ناصر جمعة: (أن تقف الجهتان المسئولتان عن الانقسام أمام مسؤولياتهم وبعيدا عن أي حسابات خاصة وضيقة، وعليهم تقديم التنازلات الحزبية والشخصية، لان التاريخ لن يرحم الذين قبلوا أو صمتوا على استمرار الانقسام).

8- هناك حالة من التناقض في التصور والفهم للأوضاع، وفي النظر إلى المسؤوليات الوطنية من ناحية تمجيد أو التجاوز عن المسؤولية الجماعية الاجتماعية الوطنية للكل الفلسطيني، والحديث باستمرار عن مسؤولية النخب وتحميل بعضها البعض عن القصور والتراجع الوطني على أكثر من صعيد، سواء بوقوف كل من حماس وفتح أمام مسؤولياتهما بشأن الانقسام الأفقي والعمودي وفي السياسي والاجتماعي ومترافقاته في غير مجال أو عن صمت وتفرج الفصائل الأخرى بما فيها النخب السياسية والثقافية المستقلة، والتي ُيدّعى بشأنها أنها تريد الاعتياش على الانقسام، ولها مصالح متحققة من دوام واستمرار الانقسام، ولكن يتم نسيان أو هي حالة من العزل بمعزل عن حقيقة المجتمع الفلسطيني في الأساس ثقافيا ووطنيا ووعيا وانتماء، والذي هو حاضنة النخب، وهو من بين مدنه وبلداته وقراه ونجوعه خرجت وترعرعت تلك النخب وخرجت إلى الفضاء السياسي والفضاء العام، ولماذا لا يتم النظر على أنها مشكلة الإنسان والثقافة والهوية والاجتماع الفلسطيني، وهذا هي حقيقة كليته؟؟؛ مثلا أجد هنا السيدة منى منصور تطلب بخصوص الأجهزة الأمنية: (الكل لازم يرفض الاتفاقيات الأمنية ومهم الاعتراف بذلك)، وتقول: (الأمن لا يحمي الشعب ولكن الأمن ُوجد ليحمي السلطة)، وتتحدث السيدة منصور حول: (أن نكون جريئين ونتخلص من المصلحة الذاتية، لان الشعب تحت الاحتلال والأسرى، وبالتالي يجب رفض الاعتقال السياسي). وهذا يعني انه لا يوجد حديث علمي فكري اجتماعي يتحدث لماذا الشعب الفلسطيني مغيّب؟، وعند سؤال السيدة ماجدة المصري عن أن: هل النخب جزء من الحل أم هم جزء من المشكلة؟ أجابت ب: (أنهم جزء من المشكلة لان لهم مصالح، هناك نخب تعمل لصالح الوحدة في الطرفين، وفي الطرفين نخب تلعب لدور عدم المعالجة والوصول إلى نقاط الالتقاء، لان مصالحها ظهرت مع الانقسام). وتقول السيدة ماجدة بهذا الخصوص: (الشعب منقسم ولا توجد إرادة سياسية عند الطرفين، والطرفين محكومين لأطراف إقليمية).

9- يظهر من تلك المقابلات، لشخصيات النخب على العينة المفحوصة هنا، أن كل نخبة أو شخصية محسوبة مثلا على فتح، لا تتطرق إلى منطلق المخرج الأول لمشكلة مسار سياسي بعينه، كمسار أوسلو والمفاوضات مع إسرائيل، وبأنه كان خطأ سياسيا وقانونيا وإطاريا كاملا، وإنما يجري الحديث – بعيدا- بتحميل حماس المسؤولية، أو تحميل بعض قيادات السلطة المسؤولية، أو الحديث عن قصور وتراجع قيمي مهني وطني في عمل بعض مؤسسات السلطة الفلسطينية، وكذلك الأمر بالنسبة لحماس؛ فهي لا تتطرق إلى جوهر المشكلة الحقيقي الصادر منها كخطأ في الرؤية والفهم السياسي واختطاط خط أو تجربة بعينها؛ فيجري الحديث - أيضا- وبعيدا عن ذلك عن عدم إتاحة الفرصة للمشاركة السياسية الحقيقية، وعن تعطيل المجلس التشريعي، وتغوّل السلطة التنفيذية، وعدم استقلال القضاء واحترامه لقراراته، وهكذا. أما أن يجري الحديث من النخب المحسوبة أو المؤطرة عمليا في الاتجاه السياسي، عن مدى صحة أو عدم مناسبية المشاركة في العملية السياسية الديمقراطية تحت الاحتلال عام 2006، وبسند المتحققات تاليا وحتى اليوم، في مثل هذا الأمر يغيب النقد الذاتي لصالح الحركة أو الفصيل؛ فمثلا يذهب النائب الدكتور عمر عبد الرازق شأوا بعيدا في هذا الموضوع، وبعيدا عن المشكلة الأساس في وقوع حماس في فخ انتخابات 2006 من عدمه، ويقول: (بعد 2007 متوسط مليار دولار للموازنة في غزة، ولا فلس يحول لها من ذلك، وبطّلوا يوظفوا، ويُدفع للموظفين القاعدين وملف الأسرى ملف ميزانيته بسيط ولأسباب تتعلق بالرأي العام، والشهداء الجدد لا يدفعون لهم). أما النائب جمال الطيراوي قال: (يجب على حماس العودة إلى الحضن الفلسطيني ومشروعها وقرارها ورؤيتها فلسطينية، ولا تأخذ قراراتها التاريخية من الإخوان المسلمين، وعلى فتح أن تسعى لإنهاء الانقسام). وبخصوص إنهاء الانقسام قال:( لماذا الإصرار على حماس وفتح، يتحمل المسؤولية بقية التيارات الفلسطينية، وبعيدا عن المصالح الذاتية، وان يدفعوا باتجاه المصالحة والوحدة).

10 - نجد كباحثين، ومن خلال مطالعة المقابلات، في عينات البحث الشخصية للنخب السياسية الفلسطينية، وجود بعض المؤشرات الصحية حول طبيعة التصور والفهم الوطني والنضالي، وعلى صعيد الهوية الوطنية الجامعة، وفي فهم الخلفيات المادية والاجتماعية والبنى الأخلاقية والثقافية للإنسان الفلسطيني؛ لصياغة ميثاق وطني فلسطيني، ومؤسسات فلسطينية جامعة، ورؤية لبرنامج تشاركي جمعي، وذلك من خلال دعوة المراجعة للمنظومة القيمية الفلسطينية، التي أصابها المرض الأخلاقي والاجتماعي، وبشكل متفاقم خصوصا بعد تجربة أوسلو إلى اليوم، وكذلك دعوة تطوير المفهوم الديني للتيارات الإسلامية بكونها وطنية أولا، وثانيا بفك ارتباطاتها الأيديولوجية ثانيا، سواء على مستوى عربي أو إقليمي أو غير ذلك، بما فيها رابطة حركة المقاومة الإسلامية حماس مع جماعة الإخوان المسلمين، وكذلك الأمر فيما يخص تطوير المفهوم أو الحالة الوطنية وأدواتها، سواء في النظر إلى إعادة تجديد مفهوم الحق في تقرير المصير وتوسيعه، أو في وسائل النضال الوطني الفلسطيني؛ سواء بالمقاومة الشعبية الشاملة والمقاطعة الشاملة ورفض التطبيع، أو على مستوى التدويل للقضية الفلسطينية، من خلال هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي التابع لها، في هذا السياق يقول الدكتور عبد الستار قاسم: (أؤمن بالوحدة العربية على أساس الفكر الإسلامي وليس الفقه الإسلامي المعقد المنفر للناس والمنغلق و الذي يكفر الآخرين، وأنا ضد التشنج والتحشير والتضييق على الناس بل التصرف على السجايا لنكون فاعلين)، وتحدث قاسم: (بأن المنظومة القيمية الفلسطينية دُمرت، ويجب إعادة تأهيل المنظومة القيمية، عندها يذوب وينتهي الانقسام، وعلينا أن نبحث عن الوحدة، وهذا يحتاج إلى ميثاق وطني، ولا تنفع المبادرات المبعثرة وحرب الحزبية والمصلحية، لسنا بحاجة إلى سلطة وإنما إلى هيئة وطنية لادراة شئون السكان من غير فتح وحماس عن طريق 11 شخصية مهنية يؤمنون بالعقلية العلمية، عن طريق الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجهاد الإسلامي). وعند سؤال قاسم: لماذا تم استثناء حماس وفتح أجاب: (بان الاختيار بالطريقة المذكورة سابقا تحل الإشكالية، عن طريق طرف من منظمة التحرير، وطرف آخر من التيار الإسلامي، ولا توجد لديهما أطماع). ويقول قاسم: (يجب محاسبة حماس وفتح على الاقتتال الذي راح ضحيته من 500- 600 فلسطيني قتلوا في غزة). وفي هذا الجانب يقول الدكتور عبد الستار: (جرى أكثر من اقتتال دون محاسبة وربما لو انسحبت إسرائيل سنتقاتل مستقبلا). وتحدث قاسم عن ميثاق وطني بصيغ تجمعنا، ونعيد بناء منظمة التحرير الفلسطينية. وتطرق الدكتور قاسم إلى ثلاث مسائل مهمة وهي الشرعية والهوية والتوزيع وان هذه الأمور يجب حلها، وهناك صراع سيحصل لأجل حلها لان هناك أصحاب مصالح. ويشير الدكتور عبد الستار إلى مسألة مهمة في المقابلة التي اجريناها معه: (الساحة الفلسطينية بحاجة إلى صياغة والناس بحاجة إلى إعادة تأهيل، والناس اكتسبت أخلاق سيئة من السلطة ويجب تنظيفهم منها). وهنا يأتي حديث النائب منى منصور مؤكدا على ما طرحه الدكتور قاسم من ضرورة تأهيل الإنسان الفلسطيني وإعادة صياغته بالقول: (المحزن أن الشعب الفلسطيني لم يحم قيادته ولا القيادة الفلسطينية حمت التجربة الديمقراطية).أما النائب وليد عساف فيقول: (على حماس أن تغير رؤيتها في العمل الوطني، وعليها أن تتعايش مع الآخرين، وان لا تطبق الحق والباطل والخير والشر في الموضوع الداخلي، وان هذا يكون مع العدو)، وأكد على الشراكة ووحدة الأمة، وان حل المشاكل الداخلية يكون بالحوار، ويضيف السيد عساف: (بأنه من دون الشراكة السياسية ونظام سياسي تعددي لا نستطيع تجاوز الانقسام). ويبرز السيد عساف نقطة مهمة بخصوص الحالة الفلسطينية: (أن التناقض الاجتماعي السياسي يكون في ظل دولة واستقرار)، ويضيف النائب عساف : لا تتحقق التنمية المستدامة تحت الاحتلال، وسنبقى بحاجة إلى الدعم الخارجي، وبان المقاومة احد الوسائل المهمة بكل وسائلها لإنهاء الاحتلال، ويجب التركيز على المقاومة الشعبية، وبأننا ما زلنا بعيدين عن وجود شريك للنضال الدبلوماسي والسياسي)، ويرى السيد وليد عساف : (أن التركيز يجب أن يكون على البقاء والصمود بسبب قوة العدو والمشاكل العربية، وبأنه إذا ما تمكنا من البقاء فلا خوف على المستقبل، ولا بد من التوفيق بين تقديم الخدمات والعمل الوطني لتثبيت الناس في أرضهم خصوصا في منطقة ج، وان هناك خلل في الأولويات). وهنا نجد تلاقيا في الطرح وفي الأفكار مع نخب أخرى بهذا الخصوص، تقول السيدة ماجدة المصري : (يوجد تراجع على مستوى العمل النضالي الفصائلي، وانه لا بد من إستراتيجية بديلة تقوم على المقاومة الشعبية، والذهاب إلى هيئة الأمم المتحدة (التدويل) بعد فشل المفاوضات وأوسلو، ولا بد من دعم الشعب الفلسطيني بسياسات اقتصادية واجتماعية مع الوحدة)، وتضيف بان: (التطبيق ضعيف وصعب على الأرض ويوجد إحباط من المواطن، ولازم الفصائل تفهمها وتراجع وتعيد تقييم دورها). ويؤكد السيد ناصر جمعة: (ولا يستطيع الفلسطينيون إلا أن نبقى صامدين في هذه المرحلة لمواجهة الاحتلال ومشاريعه في تصفية القضية الفلسطينية). ومن المؤشرات الصحية في رؤية النخب وتصورها النضالي ما أدلى به السيد جمال الطيراوي حيث قال: (كان لا بد للنخب والشخصيات السياسية والمستقلة أن تدلي برأيها وموقفها من بداية التراجع في المشروع الفلسطيني، والشخصيات المستقلة متراجعة أمام الفصائل، والفصائل مجموعها 14%من الشارع و86%هم مستقلون ودون تأطير، وأسألهم أين كنتم على مدار أكثر من عشرين سنة).

11 - استطاعت بعض النخب، وهي بادرة ولو في التنظير الفكري والثقافي والسياسي، أن تتطرق إلى مكامن وطوالق حالة البؤس الفلسطيني، والتي تتحدث عن أزمة الهوية الوطنية الفلسطينية والشرعية الغائبة أو المغيبة و غياب العدالة والتوزيع في الأموال والمراكز والأعباء، وان صراعا سيحدث لأجل العمل على حلها، لان هناك أصحاب مصالح يريدون بقاءها واستمرارها. وفي هذا السياق كانت الشخصية النخبوية الأبرز في إبرازها هو الدكتور عبد الستار قاسم حيث يقول: (هناك ثلاث أزمات وهي الشرعية والهوية والتوزيع في المراكز والأعباء والأموال، وهذه الأمور يجب حلها، وهناك صراع سيحصل لأجل حلها لان هناك أصحاب مصالح).


12 - تتوزع النخب في نظرتها للأمور، بين الواقعية العلمية، وبين التأثر بالغيبيات والحتميات، أو حتى التعلق بتمنيات لا سند لها من الواقع الموضوعي الموجود –اقله- راهنا، ومن خلال قراءة عينة النخب اللقائية نجد الغلبة للتصورات الغيبية والأمنيات؛ فمثلا يقول الدكتور عبد الستار قاسم، وهو بروفسور علوم سياسية ومعروف عنه التركيز على التفكير العلمي، في تناول الموضوعات والمشاكل المرتبطة بالقضية الفلسطينية:( بان المقاومة في فلسطين وجنوب لبنان تطورتا، وان إسرائيل مهما يكن مش مطولة والمستقبل معنا رغم كل شيء، وان إسرائيل لا تملك مقومات البقاء، وهي تعتمد على ضعف العرب، والقوي لا يمكن أن يبقى قويا ولا الضعيف يبقى ضعيفا، وان إسرائيل ستتعرض لهزيمة مستقبلية)، ويعود بعد ذلك ويستدرك:( إذا ما غيرنا جلودنا)، والعقل والمنطق العلمي يقول أن إسرائيل وغير إسرائيل في موازين القوة المادية والسياسية والدبلوماسية، وكواقع ستبقى إذا ما استمرت تعمل في سياق القوة والإمداد الذاتي، أو حتى بالارتباط بالقوى الغربية والأمريكية، وما دمنا نحن لدينا مشكلة في صياغة الإنسان وإعادة تأهيله" على رغم أن الدكتور قاسم أشار إليها في مقابلته"، وما دام لا يوجد لدينا مشروع وطني جامع وميثاق وطني ومؤسسات وطنية جامعة تُدار بأسلوب علمي وديمقراطي تشاركي، وما دام الانقسام ومفاعيله لا زالا قائمين، وما دام أن الارتجالية والفئوية والحزبية الضيقة لا زالت تحشر مشاريعنا الضيقة وبشكل معزول ومقطوع عن الكل الفلسطيني، سواء في قطاع غزة أو في الضفة الغربية المحتلتين بموجب القانون الدولي وبحكم الواقع الفيزيائي والسياسي، وما دام كذلك الإقليم العربي تحكمه الاستبداديات المطلقة والحروب الأهلية وبالوكالة إقليميا وعربيا؛ فكيف تكون (إسرائيل مش مطولة)، وبالتالي المستقبل لنا على حد قوله وتعبيره، هذا مع العلم أن التحرر وقيام الدول المستقلة يحتاج إلى جهود الكل الوطني. وحزب الله، ومن خلال التجربة، يعمل لصالح مذهبه والدولة الإقليمية التي تقول أنها تمثل المذهب الشيعي، بينما حماس إلى هذه اللحظة مثلا لم تطور من دورها التنظيري والممارسي بخصوص البعد الوطني القائم على فكرة المواطنة والسيادة، وبغض النظر عن الدين أو المعتقد أو الحزبية أو الأفكار والايدولوجيا وغيرها؛ فالأيديولوجيات المغلقة على ذاتها أو ذات التصور النهائي لا تصلح لتحقيق التحرر النهائي وإقامة الكيانات السياسية المفتوحة لجميع مواطنيها؛ فالناس يعيشون ويدورون من مرحلة إلى أخرى، وفي كل مرحلة لها مقتضياتها وهكذا بطريقة نسبية ومفتوحة اجتهادية. وعند سؤالنا للأستاذ الدكتور عبد الرازق عن رؤيته لحل القضية الفلسطينية تحدث قائلا: (الحل ليس فلسطينيا، ولكن الفلسطيني هو الأساس، ونحن بحاجة إلى تغييرات أو تغيرات بالمعنى الرباني مستشهدا بقول الله تعالى” يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين” وأضاف: إلي جايات أفضل، والتغيير قادم والتغيرات تجعل إسرائيل هشة، الفلسطيني رأس حربة، والنصر قادم بالتغيرات الإقليمية، وان شاء الله قريب).

أعلاه يتعلق ب بروفيسورين يعتبران من النخب السياسية المميزة على صعيد الفكر والممارسة المهنية، وحتى على المستوى العقلاني والمنطقاني في إطار العلمية المُتحدث عنها في الساحة الفلسطينية؛ يتم الحديث عن رؤية الحل لقضية معقدة وشائكة كالقضية الفلسطينية، وفي مواجهة منظومة إحلالية إجلائية كولونيالية؛ تقوم تابعا في قلب المتبوع الاستعماري الكولونيالي الغربي والأمريكي، في نسخته الأخطر تطهيريا وترانسفيريا نهائيا؛ إما بالإبادة المنظمة أو الطرد المنظم، يتم الحديث من جديد وبالتعويل على مستقبلات ليس لها بدايات وأوسطيات عاملة ومعدّة لتحقيق الانتصار القريب؛ وكأن قوانين الحياة تتعامل بخصوصية تامة مع الفلسطينيين؛ مسجّلة لهم النصر، وبغض النظر عن سجلهم الايجابي أو السلبي في النضال والتحرر الوطني، بينما الآخرون تتوقف عندهم فاعلية قوانين الحياة وسننها اجتهدوا وعملوا أم لم يجتهدوا ويعملوا. هذه مفارقة غريبة في تصورات غريبة تعاني فيها الحالة الفلسطينية ككل نخبا وقطاعات مجتمعية، وبغض النظر عن المستويات التعليمية والثقافية؛ نظرا لسيادة الطابع العام المُسيطر على روح الأمة على حد تعبير الفيلسوف والطبيب الفرنسي الدكتور غوستاف لوبون في مؤلفه روح الأمة. وهنا لا نتفاجأ من الرؤى المطروحة كغيبيات وأمنيات وضرب مواعيد بعينها لانتهاء إسرائيل، كما لدى بعض النخب الدينية المنجمة بهذا الخصوص؛ ذلك لان الباحثين ممن يعتقدان أن لدينا فراغا هائلا في جناحي علم النفس وعلم الاجتماع، في فهم الوقائع والظواهر الاجتماعية، ومحاولة قراءتها بطريقة علمية صحيحة.


ثانيا: قراءة في عينة النخب استخلاصيا:
ينطلق هذا البحث المتعلق بالنخب الفلسطينية، وتحديدا النخب السياسية بكافة اتجاهاتهم وانتماءاتهم وتياراتهم الحزبية، أو المستقلة والفاعلة النشطة في فلسطين .

من المعروف أن اغلب النخب الفلسطينية لها انتماءات للأحزاب، وفي الماضي يكاد يكون أن جميع النخب تنتمي للأحزاب المتواجدة على الساحة الفلسطينية أو حتى العربية، ولكن بدأ يظهر بشكل اكبر، وخاصة بعد الانقسام الفلسطيني، والصراع الفصائلي الذي كان ذروته في العام 2007، الذي نتج عنه انقسام النخب والشخصيات المستقلة، ولكن أيضا بشكل كبير أمام النخب المؤطرة لدى الأحزاب .

النخب الفلسطينية في غالبها لها ثلاث توجهات وقناعات فكرية وسياسية؛ وهي إما علمانية أو إسلامية أو يسارية، وحتى النخب المستقلة من الواضح- وإن تقول إنها مستقلة- أن لها قناعات فكرية، وتحمل إحدى هذه الأفكار الثلاث.

وتندرج هذه التوجهات الثلاثة تحت مسميين في فلسطين وهما: الأول التيارات الإسلامية بمختلف مسمياتها، والثاني: التيارات الوطنية التي ينتظم تحت هذا الشعار العلمانيين واليساريين.


بعد إجراء جزء من المقابلات المتنوعة، وفي أكثر من مكان، وبتوجهات مختلفة، تم ملاحظة ما يلي:

1- النخب الإسلامية: نجد أن هذه النخب التي تحمل الأفكار والمعتقدات الإسلامية، والتي تندرج تحت التيارات الإسلامية، تتسم خلفيتها- خلفياتها الاجتماعية ب أ- نخب خرجت من بيئات معينة أو لها بيئة محافظة بسيطة أو فقيرة( بحسب ما أفاد به بعضها، مع الميل إلى التضخيم بحسب القراءة التحليلية )، ولم يكن لعائلاتها أي مشاركات فعلية وطنية، وهي كانت أسرا بسيطة همها الأول توفير لقمة العيش لعائلاتها؛ فانخرط أبناؤها في التعليم، وحصلوا على فرص لإكمال دراساتهم العليا في الخارج خاصة في أمريكا، وكان بداية عملهم السياسي يتعلق بجانب الدعوة الذي كان شائعا في أماكن تواجدهم، وتم انخراطهم بهذا العمل، الذي أدى بهم في نهاية المطاف إلى حمل الفكر الإسلامي.

ب- نخب خرجت من بيئة الأسر ميسورة الحال، التي كان هم عائلاتهم تعليم أبنائهم والنهوض بهم في المجتمع، والذين ذهبوا للتعليم في الخارج على نفقة عائلاتهم، وكان انخراطهم في الخارج بالعمل الدعوي أيضا.

ج- نخب خارجة من بيئة المسجد كما يقال، وهم أيضا انضموا للعمل الدعوي والتعبوي الإسلامي، ومن ثم النشاط به في الأراضي المحتلة.

نلاحظ أن النخب الإسلامية الحالية أو غالبيتها، لم يكن لهم مشاركات فعلية بالعمل الوطني أو النضالي المباشر، وخاصة العمل العسكري، وكانوا فقط ينشطون في العمل التعبوي الديني، وتطور فيما بعد إلى العمل النقابي، وخاصة في الجامعات؛ خصوصا حين تشكّل أحزاب إسلامية فلسطينية في الثمانينات من القرن الماضي، والذين انضموا بغالبيتهم لها. يقول الدكتور عمر عبد الرازق من التيار الإسلامي(حماس) النشأة صعبة، فقر شديد، والوالد كان مهاجر ومش سائل عن حد( الدكتور رازق يحمل درجة الدكتوراة في الاقتصاد الرياضي والدولي من جامعات الولايات المتحدة الأمريكية عام 1986). ويقول عن تدينه: (التدين العادي منذ الصغر للوالد والوالدة). ويضيف الدكتور عمر: ( في عام 1976 كانت أو حصلت الانتفاضة الصغرى"يوم الأرض"، وما كان في ممارسة للعمل الوطني). ويتحدث مرة أخرى: (كنت اقرأ بعض النشرات عن الجهاد والحركة الإسلامية، ولم يكن حركات إسلامية بالضفة، كان حزب التحرير شوية).

يقول الدكتور عمر عبد الرازق: (في أمريكا كنت بعيد آخر سنتين، في الجامعات الكبيرة بكون مركز أو مسجد وتأثرت بالفكر الإسلامي، الفلسطيني صاحب عبارة لا يوجد مستقل ومضطر للتفاعل مع مفرداتها وتطوراتها، وأخذت الاتجاه الإسلامي للتعبير عن هذا الانخراط).

في جوابه على سؤالنا كيف حصلت أو اكتسبت مواقعك؟
أجاب الدكتور رازق: (في الواقع اكتسبت رئيس قسم، وكنا محرومين، رئاسة القسم دوّارة، إدارة الجامعة لا يعجبها ذلك، وكنت نشيطا في النقابة، استحقيت العمادة قبل الآخرين، ولم نحصل عليها، ولم أخذ مناصب. ويقول: المنصب الذي حصلت عليه هو في مركز الأبحاث السياسية والاجتماعية “ماس”- نابلس، عملت منسقا فيه من 2-3 سنوات، وحصلت على وزارة المالية بالكفاءة ومش أي وزارة).
أما السيدة منى منصور فتقول: (لم تكن لي خلفية فكرية أثناء الدراسة ولم أكن محجبة، وأنا من أسرة عادية، والدين عادي، وضع الأسرة كان جيدا، وقاموا بشراء سيارة لي بعد التخرج).

عن عملها الوطني تقول السيدة منى( العمل الوطني بدأ وأنا في الصف السابع( الأول الإعدادي)، وتأثرت بالشهيدة لينا النابلسي في السبعينيات، واشتريت كاميرا تصوير وكنت أقوم بتدوين الأحداث)، وتقول:(اختلفت مرة مع ابن عمي لان صورة عرفات كانت معه وليس معي واحدة مثله). وتقول: ( وأنا طالبة كنت اكتب عن كل الفصائل).

وعن أبيها وأسرتها تتحدث النائب منى منصور: (كان أبوي يخاف على ولاده من التوجهات السياسية، وكاد أبوي يخرجني من الجامعة لأنه وجدني أقرأ لزينب الغزالي، ولا عمره تم اعتقال احد من أسرتي ولا توجد معاناة، وان أبوي لم يكن يعرف أن صهره له توجه ونشاط).

وتقول النائب منى منصور: (التأثير الأبرز والفاعل هو لجمال منصور).


وعليه نرى أن تجربة الاعتقال مثلا لمثل هؤلاء النخب، تعرضوا لها في سنوات متأخرة من عملهم، وكانت نتيجة مواقف أحزابهم أو عمل الأجنحة العسكرية التابعة لأحزابهم، وليس لمواقفهم وعملهم الشخصي.

عن السجن يقول الدكتور عمر عبد الرازق :( جربت فترة السجن عام 1997 أربع شهور، ويضيف: 2005 كنت في إدارة الحملة الانتخابية لكتلة التغيير والإصلاح، وتم اعتقالي في 29 -6-2006 وأنا وزير للمالية).

وعن الاعتقال والسجن لدى الاحتلال الإسرائيلي، تقول النائب في التشريعي السيدة منى منصور: (تم اعتقالي أول مرة بعد الانتخابات).

ومن الملاحظ أيضا في التيارات الإسلامية أن من ينتمون إلى العمل العسكري، لا يتحولون إلى نخب سياسية، وان وُجد يكون قليلا جدا.

نلاحظ – أيضا- في طبيعة هذه النخب المندرجة تحت التيار الإسلامي، ظهور ثلاث سمات في شخصياتهم وهي:

الأولى: العاطفية؛
وهو الذي لا يتحدث معك إلا بالعواطف، وخاصة في سرد التجارب الشخصية، والمعاناة الشخصية بشكل عاطفي، أو التحدث بالعاطفة بشكل يتعلق بالدين، ولا تجد لديهم رؤى علمية وعملية، فيما يتعلق بالحالة الفلسطينية، والخروج من مأزقها، ويختصر حديثه فقط لكسب العاطفة معه- معهم. تقول النائب منى منصور: (وأثّر جمال منصور في العائلة في حياته واستشهاده، ولم تكن الأسرة متدينة أبدا، وهو من كان يؤثّر ويمثّل الإسلام، وتغيرت العائلة وتحجبت بعد ذلك، وكنت إلى جانبه في اعتقاله ومعاناته، وهو من صقل شخصيتها وعلمها عدم الخوف). وتتحدث منصور: (أثناء الاعتقال (اعتقالها) كنت غائبة عن ولدي المريض، و عن ابنتي التي كانت ناجحة في التوجيهي). وتقول أيضا: (الناس يتعلمون الصبر والاحتساب منا) " خصوصا أولئك الذين كان أولادهم أو أقاربهم يُستشهدون"، وما إلى ذلك.

الثانية: المتنكر لانتمائه؛ تم ملاحظة أن بعض الشخصيات الإسلامية، والمعروفة لدى المجتمع، ولدى الوسط السياسي بانتمائه وفكره، انه يتنكر لانتمائه، ويتحدث بشكل مستقل، وكأنه شخصية مستقلة لا تنتمي إلى التيار الإسلامي، مع أن تياره الإسلامي هو من رشّح هذه النخبة ليكون عضو تشريعي أو وزيرا أو عضو نقابة... الخ.

وان حدّثته كيف حصلت على حقيبتك السياسية يقول إما بشكل عائلي أو لأنه مميز جدا، وقد تم اختياره- في الأساس- للمشاركة تحت مظلة التيار الإسلامي، دون حديثه الصريح انه ينتمي لهذا التيار، ويشاركه أفكاره ومواقفه.

فمثلا يتحدث الدكتور عمر عبد الرازق: (وحصلت على وزارة المالية بالكفاءة ومش أي وزارة).

أما النائب في التشريعي منى منصور فتقول:( نزلت على التشريعي من العائلة، وحتى أكمل مشواري، ومن تشجيع الأهل) "هنا تهربت السيدة منى منصور من سؤال الانتماء".

الثالثة: المتعصب؛
وهذه النخب نجدها لا تؤمن إلا بحزبها فقط، مع إنكارها لباقي فصائل العمل الوطني الموجودة، وان تحدثت بشكل ايجابي في بعض الأحيان عن فصائل العمل الوطني، نجدها تتحدث عن الماضي أو من باب المجاملة.

ففي ردها على سؤالنا بخصوص العلاقة مع الفصائل والأطراف السياسية، تقول السيدة منى منصور:) علاقة مجاملات، ولا توجد مشاكل مع احد، علاقة اجتماعية، ولكن علاقة مصلحة الوطن غير موجودة(.

أما الدكتور عمر عبد الرازق فتحدث عن الانقسام: )لا اسميه انقسام، انقسام حميد، بعد عشر سنوات لولا الانقسام ولولا الحركة ثبّتت نفسها لضاعت القضية ولقضي على المقاومة، وتلبيس المصطلحات لان الآخرين فشلوا(.

2- النخب الوطنية عديدة ومتنوعة، وهي التي كان لها بادرة العمل النضالي والمكافح للاحتلال الإسرائيلي، وهي نخب متنوعة كانت شاملة بعدة تيارات وأفكار، فكانت تضم الجميع تحت لوائها من الإسلامي والعلماني واليساري وغيرهم، ولكن للآن تم اختصارهم على العلمانيين واليساريين. النخب المندرجة تحت الإطار الوطني تجدهم مختلفين عن النخب الإسلامية، ولكن بخصوص البيئات التي خرجوا منها، قد لا تجد الاختلاف الكبير لمشابهة المجتمع الفلسطيني في بيئاته، ولكن قد تجد عائلات النخب من التيار الوطني قد انخرطوا بالعمل الوطني قديما، وتعرضوا بشكل مباشر لمضايقات الاحتلال؛ من اعتقال أو تخريب أو استشهاد احد أفراد الأسرة، وهذا قد يكون احد أسباب انتماء هذه النخبة قديما للعمل الوطني المباشر.

نلاحظ أن غالبية النخب الوطنية، كان لها المشاركة الفاعلة والمباشرة، في العمل الوطني النضالي، وأن بداية عملهم كانت في الميدان والشوارع، وبالاشتباك المباشر مع الاحتلال، فنجد أن غالبية هذه النخب، وخاصة في الأراضي الفلسطينية تعرضوا للعنف والإرهاب المباشرين من قبل الاحتلال؛ مثل السجن أو الإصابة أو هدم البيوت وغيرها، وان الجزء الكبير منهم كانوا بالانتماء والعمل للأجنحة العسكرية، وفيما بعد طوّروا أنفسهم وأصبحوا نخبا فاعلة في الساحة الفلسطينية، وأيضا هذه النخب الوطنية ،وان كان بعضهم ذهب للخارج لإكمال دراسته أو في الداخل، كان لهم أعمالا وطنية أو نضالية مباشرة، وهم على مقاعد الدراسة.

النخب الوطنية الموجودة حاليا في الساحة الفلسطينية، نجد أن غالبيتهم حصلوا على حقائبهم أو مسمياتهم من خلال فعلهم الشخصي، أو قوتهم في الميدان، وإمساكهم بأوراق ضغط على قادتهم، وتتمثل بعض أوراق الضغط هذه، بوقوف مربعاتهم البشرية، أو الشخوص الفاعلين في الميادين معهم، ومساندتهم للضغط على القيادة باختيارهم لحقائب معينة، مثل إدراج أسمائهم على لوائح الانتخاب في التشريعي مع الحزب المنتمين إليه، أو لتوليهم مناصب أخرى. النائب في المجلس التشريعي عن فتح السيد جمال الطيراوي من مخيم بلاطة- نابلس يقول:( عشت لاجئ في مخيم بلاطة في أسرة فقيرة جدا بواقع المخيم المأساوي بكل تفاصيله، من القهر الاجتماعي والاحتلال تكونت شخصيتي الوطنية، واعتقلت في الثمانينات على فترات متقطعة، وحُكمت مؤبد وخرجت بعد ست سنوات) "المؤبد في مع نهاية الانتفاضة الثانية؛ انتفاضة الأقصى". ويقول: (بدأت بالعمل السري في السبعينات والثمانينات، وذلك في مراحل التحقيق خصوصا في الثمانينات بحيث كان يوصف بالتحقيق النازي). أما ناصر جمعة عضو المجلس التشريعي عن فتح من مدينة نابلس يقول:( نشأت في أسرة كان والدي من الناشطين والقياديين في حزب البعث العربي السوري، بالرغم أن والدي توفي مبكرا ولم تنشأ علاقة مباشرة بيني وبينه، ولكن كنت اسمع عنه وتم اعتقاله على نشاطه أيام الحكومة الأردنية، هذا دفعني إلى الاهتمام بالموضوع السياسي منذ الصغر، منذ الصغر انخرطت في نشاطات العمل الطلابية، ارتأينا بان حركة فتح بما كانت تنادي به من أفكار ومن اجل التخلص من الاحتلال، ارتأينا بما كانت تنسجم مع أفكارنا، تعرضت لأول اعتقال سنة 1982 لمدة ثلاث سنوات). ويقول السيد جمعة: (وبعد الخروج من السجن، محيط العائلة آزرني، وكان يرى أني أقوم بواجب مقدس، ولم يعارضني رغم المعاناة الكبيرة من الأهل والأسرة، وبعد الخروج من السجن استأنفت العمل الوطني إلى الانتفاضة الأولى، ومنذ الانتفاضة الأولى أصبحت مطاردا لأجهزة الأمن الإسرائيلية، إلا أن تم القبض علي واعتقالي، وبعد خروجي من السجن تم توقيع اتفاقية أوسلو، بعدها بحثت عن ذاتي ومصدر عيشي ورزقي وتأسيس أسرة، وكان لي دور تنظيمي وتم انتخابي في قيادة التنظيم في نابلس، إلى أن جاءت انتفاضة الأقصى وشاركت فيها وكنت مطاردا لخمس سنوات). ويضيف النائب ناصر: (فزت بأعلى الأصوات في الانتخابات الداخلية لحركة فتح(البرايمرز)، ورُشحت على قائمة فتح وأصبحت عضو في التشريعي). أما وليد عساف عضو المجلس التشريعي عن فتح، وهو من بلدة كفر لاقف - قلقيلية، يقول : (الوالد مزارع وكان الاعتماد على العمل وليس الإرث، ونحن 9 أبناء وبنات عائلة كبيرة، وكنا نعمل ونحن صغار وتعلمنا جميعنا في الجامعات- دراسات عليا؛ ماجستير، عائلة عساف معروفة تاريخيا، ميول قديمة منذ بداية الخمسينيات، لي خال شهيد في الجليل اسمه رفيق عساف، وهناك اعتقالات في العائلة بشكل كبير، وتم اعتقال معظم أفراد العائلة قبل الانتفاضة، تم اعتقال أخي وأختي ، وكان مسيطر على العائلة التيار اليساري، درست في الباكستان وكنت أمين سر حركة فتح في باكستان وفي الاتحاد العام لطلاب فلسطين –فرع باكستان، وشاركت في حرب 1982، خلصت دراسة عام 1986). ويقول السيد عساف: (أول اعتقال كان عقب رجوعي من باكستان عام 1986، والثاني سنة 1990 نتيجة اعتراف علي ولم اعترف أنا، والثالث سنة 1994 لمدة 5 شهور ولم اعترف رغم أنني كنت مسؤول عن أعداد كبيرة في قلقيلية او حتى في الخارج في لاهور- باكستان، والاعتقال كان فترة اختبار قاسية ولم أقم بالاعتراف على احد، حتى يتمكن الطلاب من العودة من الخارج بسلام، انخرطت في الانتفاضة الأولى ونجحت في تأسيس فتح في قلقيلية في المحافظة وفي الريف بشكل خاص، العمل السري مبدأ أصيل في العمل الوطني والعلني مدمر على العمل الوطني). ويقول: (لم اعمل في السلطة في البداية ، عملت مهندس في وزارة الاتصالات رام الله منذ عام 1997، وسكنت في رام الله 12 سنة مع وجود التواصل مع الأهل والمجتمع في قلقيلية وعلى كل المستويات، وحصلت في الانتخابات على أعلى نسبة في محافظة قلقيلية بنسبة 56% من أصوات الناخبين).

أما ماجدة المصري تقول: )من سن مبكرة كان تاريخي النضالي، مولودة في حيفا؛ بنت الهجرة، عشت اللجوء من حيفا إلى نابلس، هاجر أبوي من حيفا إلى نابلس، توفيت أمي وعمري أربع سنوات، حلم العودة كان حديث الأهل، تأثرت بالفكر القومي والناصري من أيام المدرسة، اخوي سبقني وكان قومي عربي وكذلك مدرساتي، كنت متأثرة بالمقولة لعبد الناصر السائدة في ذلك الوقت ما اخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، كان تأثير النكسة بمثابة الصدمة، تم الاتجاه نحو النضال الوطني أو المقاومة).

تقول السيدة ماجدة:( شبه ُأُبعدت في الوقت الذي بُلّغت بالاعتراف علي، كنت متوجها إلى الجسر شرق الأردن، وحكم علي غيابيا 15 سنة على ما اعتقد، درست في مصر، على زمن النظام الأردني، ولما كنت في الأردن كانت ظروف عمل سري، وعملت في الأردن في النضال الوطني من سنة 82-96، عشت ظروف الحرب والحرب الأهلية في لبنان، كنت عضو لجنة مركزية في الجبهة الديمقراطية في لبنان، حُرمت من العودة لمدة 28 سنة ورجعت وبنتي حامل- خرجت طالبة مدرسة، وفي الانتفاضة الثانية أصبحت عضو المكتب السياسي للجبهة، كنت منسقة العمل الفصائلي الوطني والإسلامي في انتفاضة الأقصى، وحُرمت من السفر 8 سنوات خلال انتفاضة الأقصى الثانية). ومما تقوله ماجدة المصري عن دورها وموقفها النضالي خلال انتفاضة الأقصى الثانية: (كان الشهيد جمال سليم يميل عليّ أوصّله للبيت، حيث كان يختبأ أثناء انتفاضة الأقصى بعد انتهاء الاجتماع- الاجتماعات، حيث كان مطلوبا للاحتلال). وتضيف السيدة المصري:( تم ترشيحي كرفيقة وزيرة من الجبهة الديمقراطية في حكومة سلام فياض).

نلاحظ في النخب الوطنية امتلاكهم الجرأة في النقد، وخاصة نقد قادتهم أو سلوك بعض القادة من نفس التيار الذي ينتمون له، وهذا لا نجده أبدا لدى النخب في التيار الإسلامي ."هذا يمكن الرجوع إليه من خلال ما تم تقديمه قرائيا في تحليل عينة النخب"، وأضيف هنا ما قالته السيدة ماجدة المصري حول رؤيتها لإنهاء الانقسام، حيث تقول: (الاستعصاء؛ حماس بدها غزة والسلطة ما بتعطي بدون تنازلات في غزة، يوجد مشروع بإعادة صياغة العلاقة مع الاحتلال وتدويل القضية، المفاوضات جربّناها وسكّتنا الناس، ما في أمان مع الاحتلال، المفاوضات والأمان برنامج أبو مازن ضحك على الذقون، أوسلو فكك منظمة التحرير، ودخول حماس على الخط فكك الأمور بزيادة).

نلاحظ أن غالبية النخب في الساحة الفلسطينية بشتى انتماءاتها، ولكن نخص بالذكر النخب من التيار الوطني أنهم خرجوا من بيئة بسيطة أو فقيرة "أيضا بحسب ما أفاد به بعضهم، مع الميل إلى التضخيم في قسوة الحالة المادية والاجتماعية" .

نلاحظ انه توجد حالة فراغ كبيرة لدى العديد من النخب، وغياب الرؤية والوعي بالحالة الفلسطينية، وكذلك غياب الخطة العملية للنهوض بواقعنا الفلسطيني؛ وخاصة فيما يتعلق بالأزمات الداخلية والمجتمعية، وعلى رأسها الانقسام الفلسطيني وغيرها. وهناك أيضا غياب الرؤى العملية والواقعية المتعلقة بالقضية الفلسطينية؛ حيث الكثيرون يأخذون الحديث عن أنفسهم بشكل شخصي، وفيما يخص تجاربهم الذاتية." سبق تقديم ذلك في القراءة التحليلية لعينة النخب موضوع البحث والدراسة".





تعريف مقتضب بالنخب موضوع البحث والتحليل.

1- منى سليم صالح منصور( الزقة سابقا)، نابلس، زوجة الشهيد القيادي في حماس جمال منصور، عضو المجلس التشريعي عن كتلة الإصلاح والتغيير البرلمانية في الدورة الثانية للمجلس التشريعي السلطة الفلسطينية عام 2006، التحصيل العلمي: بكالوريوس في الفيزياء من كلية العلوم بجامعة النجاح الوطنية – نابلس.

2- ماجدة المصري، نابلس، عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وزيرة الشؤون الاجتماعية سابقا في حكومة سلام فياض الثانية، التحصيل العلمي: بكالوريوس كيمياء من كلية العلوم- القاهرة - مصر.


3- وليد محمود محمد عساف، قرية كفر لاقف- قلقيلية، عضو المجلس التشريعي عن كتلة فتح البرلمانية في الدورة الثانية 2006، ووزير هيئة الجدار، التحصيل العلمي: بكالوريوس هندسة كهربائية- تخصص اتصالات باكستان.

4- ناصر جمعة، - نابلس، عضو المجلس التشريعي عن كتلة فتح البرلمانية في دورة المجلس التشريعي الثانية، التحصيل العلمي: بكالوريوس دون تحديد التخصص والجامعة.


5- عبد الستار توفيق خضر قاسم، دير الغصون- طولكرم، مستقل والمعارض الفلسطيني البارز، التحصيل العلمي درجة الدكتوراة في الاقتصاد والعلوم السياسية من جامعة كنساس وميزوري بالولايات المتحدة الأمريكية

6- جمال الطيراوي، مخيم بلاطة- نابلس، عضو المجلس التشريعي عن كتلة فتح البرلمانية في دورة المجلس التشريعي الفلسطيني الثانية 2006، التحصيل العلمي: بكالوريوس خدمة اجتماعية- دون تحديد مكان الدراسة.


7- عمر محمود مطر عبد الرازق، مدينة سلفيت، عضو المجلس التشريعي عن كتلة التغيير والإصلاح البرلمانية التابعة لحركة المقاومة الإسلامية حماس في دورة المجلس التشريعي الثانية 2006، دكتوراة في الاقتصاد الرياضي والدولي من الولايات المتحدة الأمريكية.


تنويه: ما هو موجود بين أقواس، وتم كتابته كما هو؛ بأخطائه اللغوية والإملائية أو القواعدية، هو بحسب ما أدلت به النخب من أقوال وكلام، في المقابلات، التي أجريت معهم.



#عماد_صلاح_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل ستفوز حماس في الانتخابات المحلية؟
- لماذا ترفض إسرائيل في البداية إجراء تبادل للأسرى ؟
- النخب السياسية الفلسطينية بعد النكبة والنكسة حتى عام 1988.
- جاهلية وفساد النخب السياسية الفلسطينية قبل عام 1948
- تعثّر رؤية النخب السياسية الفلسطينية بمرجعية أوسلو
- خلل البنية الإنسانية في فلسطين وسلوك النخب السياسية الفلسطين ...
- علل البنى العميقة للنخب السياسية الفلسطينية
- فلسطين: تعالوا بنا نبدأ من البلديات والمجالس المحلية
- تركيا... شكرا للمدرسة الغنوشية
- عسر النهضة وتطرف الحالة!!
- سوسيولوجيا الانقسام والشجار في فلسطين المحتلة
- تشوّه فلسطيني عام بعد أوسلو
- ضياع هيبة السلطة والثقة بها !
- في عاجلية ضرورة إيقاف زوال قضية فلسطين؟
- أعيدوا الاعتبار لوحدة القضية الفلسطينية
- فلسطين بحاجة إلى أبنائها أحياء....ماذا بعد!!.
- مسائل يجب البدء فيها فلسطينيا
- الدين والسياسة... هل هو الفصل أم التمييز بينهما أم ماذا؟
- افيجدور ليبرمان ما بين صورة السخرية وتوظيف الأسطورة
- التطبيع الرسمي مع إسرائيل قريبا!!


المزيد.....




- ترامب: جامعة كولومبيا ارتكبت -خطأ فادحا- بإلغاء حضور الفصول ...
- عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف منفذي هجمات سيبرانية
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...
- رئيس الوزراء الفلسطيني يعلن حزمة إصلاحات جديدة
- الاحتلال يقتحم مناطق بالضفة ويشتبك مع فلسطينيين بالخليل
- تصاعد الاحتجاجات بجامعات أميركية للمطالبة بوقف العدوان على غ ...
- كوريا الشمالية: المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لن توقف تقدم ا ...
- بيونغ يانغ: ساحة المعركة في أوكرانيا أضحت مقبرة لأسلحة الولا ...
- جنود الجيش الأوكراني يفككون مدافع -إم -777- الأمريكية
- العلماء الروس يحولون النفايات إلى أسمنت رخيص التكلفة


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - عماد صلاح الدين - النخب السياسية الفلسطينية كجزء من مشكلة مجتمع متفاقمة