أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهدي جعفر - ‏الموسيقى حديث الملائكة














المزيد.....

‏الموسيقى حديث الملائكة


مهدي جعفر

الحوار المتمدن-العدد: 5233 - 2016 / 7 / 24 - 19:19
المحور: الادب والفن
    


قال الكاتب الألماني غوته: «كل الفنون تسعى كي تكون موسيقى». والمعنى في مقولة غوته أعمق مما يظهر على سطحها، فالمسعى الإبداعي لتكوين الموسيقى، ليس معنى حرفيا بالنسبة للموسيقى بحد ذاتها، فإذا اتفقنا على تعريف الموسيقى بأنها كل ما يطرب النفس ويشجي الروح، فإن الموسيقى هنا ستفتح أبوابها كلها لكل ما من شأنه أن يكوّن في النفس حالة من حالات الارتفاع أو بتعبير آخر الطيران، أو حالة تحرك النفس وتثير فيها مشاعر مختلفة.
الإبداع بصفة عامة يشغله هذا المعنى للموسيقى، فالسينما مثالا تسعى دائما لترك تلك الحالة من الأثر البالغ في النفس، أو تلعب بمعنى ما على تحريك الداخل بمشاعر مختلفة، وتعتمد كثيرا على الموسيقى للتعبير عن سياقها، حتى تلك المشاعر المكبوتة فإن الفنون قادرة على تحريكها.
الشعر يرتكز على الموسيقى حتى عندما يكون حرا، يغتني بالأحاسيس «الموسيقية» التي في داخله، ومقدرة الشاعر في كتابة قصيدته لا تعتمد فقط على الشعر الكلاسيكي، حيث الموسيقى تنبع من إيقاع النص وبحوره الشعرية، بل أيضا على قدرة الشاعر في خلق موسيقى داخلية عميقة تصاحب نصه.
المسرح لا يختلف عن هذا، وبعيدا عن استخدام الموسيقى في المسرحية عموما، فإن حركة الممثل نفسه على المسرح وإيقاعات جسده، مضافا لها إيقاعات صوته وهو يجسّد نص المسرحية كلها تنبع من أحاسيس الموسيقى ومشاعرها العميقة.
اللوحة أيضا دفق موسيقي، والألوان تشكل تناغما بين بعضها بعضا لتؤدي ما يؤديه عمل الأوركسترا، ولهذا نجد أن النقاد التشكيليين يستخدمون تعبيرا «هارمونيا» في وصفهم لبراعة رسام في عمل علاقات بين الألوان عبر لوحته، أو عبر معرضه ككل.
وتعبير «هارموني» وهو تعبير موسيقي بحت، نرى أنه ينسحب على مجمل الفنون، فناقد السينما يعبر عن أبطال الفيلم، الذي يكتب عنه بـ»الهارموني بين أبطال الفيلم، أو بين الموسيقى والكاميرا وما تلتقطه عين المصور، وكذلك الناقد الروائي يحاول أن يقرأ في الرواية التي هو في صددها الهارموني بين الشخصيات.
الموسيقى خلاصة الفنون مجتمعة، وعبرها يتم تحريك المشاعر، بل التوغل في تلك المشاعر واستخراج المكبوت منها، ولهذا نجد الكثير من الأشخاص يتأثرون بشكل كبير بفيلم معين أو بموسيقى معينة أو لوحة أو قصيدة بشكل مختلف عن تأثر غيرهم، وهذا لأن هذه الفنون تحرك المكبوت والمخفي وتحضه على الظهور العلني.
الفنون إجمالا تستهدف الموسيقى وتجعل منها غايتها، حتى تلك الفنون الجافة، تستطيع تحريك المشاعر عبر الموسيقى، ففن الخطابة على سبيل المثال، فن جاف، ما لم يستطع أن يحرك المشاعر، وتحريك المشاعر كثيرا ما يرتبط بنبرة صوت الخطيب وقدرته على إثارة الحماسة أو الغضب أو أي مشاعر أخرى يرغب في تحريكها، عبر إحساس موسيقي في كلماته نفسها، وغالبا ما سمعت آراء من أشخاص عن تأثرهم بخطبة معينة، وعندما تسأل ما الذي قاله الخطيب تكتشف أنه لم يقل جديدا، لكنه استطاع إيصال فكرته بأسلوب جديد، وغالبا ما يتكئ الأسلوب الخطابي على موسيقى النبرة.
الفنون هدف للارتقاء بالإنسان، خصوصا عندما ينحو المحيط نحو اللاإنساني، لحظتها تصبح الحاجة إلى الفنون حاجة ماسة، وضرورة حتمية، فالفنون تستطيع قهر، وأصر على تعبير «قهر»، الوحشية، فالسلاح ضد السلاح لا ينتج إلا الدم، لكن الفن عندما يكون هو السلاح فأنت تحارب من خلاله براية بيضاء، والراية البيضاء لا تسيل الدماء، بل على العكس تنشر الطمأنينة والراحة.
وليس بعيدا عن غوته نفسه الذي يقول: «ينبغي أن يسمع الإنسان كل يوم قليلا من الموسيقى، ويقرأ قصيدة جيدة، ويرى صورة جمــــيلة، ويقول إذا أمكن كلمات قليلة معقولة»، وهذه الكلمات تختصر فعلا الحالة التربوية الإنسانية، لأنها حالة تحرض مشاعر الفن داخل الإنسان وتجعله أكثر تشابكا مع إنسانيته، فالفن تربية حقيقية ومن تربى عليه نادرا ما يظهر مشاعر عدوانية أو قاسية، لأن الفنون بمجملها تهذب النفس وترتقي بها.
عندما تكون الفنون هدفا إنسانيا، تصبح الموسيقى محورا وسط كل هذا، وتضافر الفنون الإبداعية مع بعضها بعضا ينتج مجتمعا صحيحا، لهذا نجد الدول المتقدمة حضاريا تلجأ إلى دعم الثقافة والإبداع وتنميتهما بمختلف الأساليب، فلكي تبني مجتمعا صحيحا عليك أن تولي الفنون عناية خاصة. ولهذا نجد أيضا أن الدول التي لا تعتني بالفنون تعاني جهلا يؤدي إلى تفكك مجتمعاتها وتلف هذه المجتمعات ولجوئها إلى العنف وغير ذلك أيضا.
العناية بالفنون لا تعني عناية سطحية بإنشاء مراكز فنية ومسارح ودور سينما ونواد فنية، هي أكثر من ذلك بكثير، فلا معنى لوجود مسرح من دون ذائقة خاصة لدى الجمهور بمتابعة المهم من العروض المسرحية، فالمسألة ليست أماكن ممتلئة ومسارح تعج بالجمهور، إنما يبدأ التأسيس من المدرسة، ولهذا نجد أن الدول أو المدارس التي تربي التلاميذ من الأطفال على محبة الفنون، وتدعم هذا بعمل رحلات جماعية لمتابعة عروض مميزة أو مسابقات شعرية وتعلم الموسيقى والرسم في المدرسة تنتج للمستقبل جمهورا، إن لم يكن ممارسا لواحدة من الفنون فهو متذوق لها على أقل تقدير.
مع غوته أقول إن على الإنسان أن يبدأ يومه بواحدة من الفنون ويختم يومه بواحدة أيضا، في الصباح كي يستقبل إنسانيته ويفتح قلبه للعالم، وفي المساء كي يمسح عن روحه وقلبه ما تراكم من الخارج.



#مهدي_جعفر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صناعة التطرف
- حول الكون نظريات علمية أم تخاريف بشرية
- قصة و عبرة !!
- علمانية علمانية ... حديث شريف !!
- الإنقلاب أولى النتائج العكسية للسياسة الطائشة لأردغان
- -تهافت -فكرة الإله- بين سداجة المؤمنين و جموح الفلاسفة و الع ...
- الربيع العربي ( مخلفات ، أرقام و إحصاءات صادمة )
- عبقرية ألبرت أينشتاين قياسا بعبقرية العلماء و الفلاسفة اليون ...
- - ما لم نفهمه من شعار داعش باقية و تتمدد -
- - المرأة العربية عقلية دون الظرفية المعاشة .-


المزيد.....




- انطلاق معرض الرياض الدولي للكتاب 2025
- انطلاق معرض الرياض الدولي للكتاب 2025
- لا أسكن هذا العالم
- مزكين حسكو: القصيدة في دورتها الأبدية!
- بيان إطلاق مجلة سورياز الأدبية الثقافية
- سميّة الألفي في أحدث ظهور لها من موقع تصوير فيلم -سفاح التجم ...
- عبد الله ولد محمدي يوقّع بأصيلة كتابه الجديد -رحلة الحج على ...
- الممثل التونسي محمد مراد يوثق عبر إنستغرام لحظة اختطافه على ...
- تأثير الدومينو في رواية -فْراري- للسورية ريم بزال
- عاطف حتاتة وفيلم الأبواب المغلقة


المزيد.....

- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهدي جعفر - ‏الموسيقى حديث الملائكة