|
الربيع العربي ( مخلفات ، أرقام و إحصاءات صادمة )
مهدي جعفر
الحوار المتمدن-العدد: 5210 - 2016 / 7 / 1 - 04:24
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
معلوم من الدراسات المقارنة للثورات العالمية أن العملية الثورية التي تتمثل في إسقاط نظام قديم و بناء آخر جديد ، تحتاج لسنوات طويلة حتى يتأكد نجاحها من فشلها ، ذلك لأن التغيير الجذري في بنية المجتمع لابد له أن يعمل على إعادة صياغة التوجهات الأساسية من خلال صياغة نسق جديد من القيم الإجتماعية الثقافية و السياسية التي تتوافق مع أهداف الثورة ، أما من الجانب الفلسفي ؛ فحسب " هيغل " الثورة عبارة عن صراع بين قوى متصارعة ، يكون فيها بالضرورة الوليد لا يشبه الوالد* ، وعليه غير ممكن أن نحكم على مورفلوجيا مولود لم تكتمل ولادته بعد .
لعل ما حفز الشباب العربي على الخروج باتجاه الشارع و التمرد على السلطة الفاسدة ، هو الهدف الذي ذكر في الإستهلال ، فقد بدأت الإنتفاضة من تونس مع الشاب البوعزيزي الذي أضرم النار في جسده احتجاجا على سوء الأوضاع الإقتصادية ، فكان ذلك إذانا بقيام موجة احتجاجية لم يهدئ أوارها حتى اللحظة ، في مرحلة جديدة من التحول العميق في العالم الإسلامي المتقهقر ، فلم تكن هذه الإنتفاضة بمثابة انقلابات عسكرية كما تعودنا في الأربعينات و الستينات ، بل حركات احتجاجية حقيقية شارك فيها كل ألوان الطيف الطبقي في المجتمع ، و الظاهر أن ذلك كان استجابة طبيعية عارمة لإيقاع التحولات الحضارية الكبرى في العالم المعاصر ، إذ لم يكن من المستساغ أن يتحول نصف أنظمة العالم إلى النظم الديمقراطية ، و تظل المنطقة العربية غارقة بين ثنايا أنظمة فاسدة زرعها المستعمر للمحافظة على مصالحه في فترة ما بعد الإستقلالات الشكلية التي مكنت منها هذه الأوطان المستباحة ، لذلك لم يرضى الشباب العربي أن يعيش مزيدا من الزمن على هامش التاريخ في غيبوبة تامة ، فضلا عن ذلك استفحال الفقر و البطالة و الهشاشة الإجتماعية ، و انتشار الفساد السياسي و الإداري في كل دواليب الدولة ، ناهيك عن الوضعية الثقافية المزرية للعرب بين باقي الأمم ، و المرتبة العربية اللامشرفة المتذيلة لكل مؤشرات التنمية البشرية الإجتماعية التقنية و العلمية . حيث أصبح الإنسان العربي " و كأنه حفرية حية " يستهلك و لا ينتج ، يهدم و يستأجر من يبني ؛ يخاصم و يلتجئ للآخر المتحضر ليصالح ، كل هذا و غيره أفرز تفاوتات منها الطبقي على وجه الخصوص أدى إلى صراع لا مادي ، انتهى باندلع صراع مادي قدمت فيه كثير من الأرواح الأموال و كذلك الأوطان ، من أجل عدم الإرتداد و الإنسياق إلى الطريق القديم .
إشارتين مهمتين : * حري بالذكر أن ما حدث هو عبارة عن *نصف ثورة * فقط ، فمن المعروف أن أي ثورة لها سيرورتين متلازمتين ؛ الأولى هدم و إسقاط النظام القديم ، و الثانية بناء بديل جديد لإنجاز أهداف الثورة المعلنة و التي حصل الثوران من أجل تحقيقها و هذا لم يتحقق بعد في حالة الإحتجاج العربي هذه ، لذلك فصفة الثورة التي ندمغ بها الربيع العربي ليست إلا مجرد تجاوز يفتقر إلى الدقة ، و عليه الأرجح أن نكتفي بصفة " الإنتفاضة الشعبية " ذلك من دون أن نبخس الناس أشياء لا يستسيغها واقع الحال . هذا على أمل طبعا اكتمال هذه الأخيرة إلى ثورة كاملة ، فالحقيقة أن هذا اللفظ (ثورة) لا يطلق في الإستهلال ، بل في الأخير بعد انتصار الإنتفاضة في شقيها المذكورين أعلاه .
* نضيف إشارة بالغة الأهمية أيضا , و هي المتجسدة في انتشار أثناء و بعد الربيع عبارة " الإنتقال الديمقراطي " ، و كأن الديمقراطية مقيمة في مجاهل بعيدة عنا سنستقل الطائرة و ننتقل إليها ، هذا خطأ قاتل و اعتبار فج هدام ، الواقع أن الديمقراطية " عملية تراكمية " لن ندركها بالربيع العربي مطلقا هذا غير كافي ، فالطريق نحوها طويل و شاق يتطلب الكثير من العمل الفكري/المنهجي ، و الكثير من الجهد السياسي ، تحتاج إلى تضافر عقول المفكرين المثقفين و الفنانين ، و رجال اقتصاد مال و قانون ، فضلا عن تربية الناشئة على أبجديات و مبادئ الديمقراطية بغية تشكيل عقلية مواتية ، ذلك لأنه لا توجد ديمقراطية بدون ديمقراطيين ، كل هذا و غيره - لا يتسع المجال للتفصيل فيه بإسهاب - يجعلنا نولد نخلق و ننتج الديمقراطية هنا ، لا أن ننتظر أو ننتقل إليها .
نتائج و مخلفات : بعد مرور 5 سنوات و نيف على انطلاق أول شرارات هذه الظاهرة الغير جديدة على التاريخ و الثقافة العربية ، لا يمكن الحديث الآن أو بعد سنة عن إخفاق أو فشل الربيع العربي ، لأننا أصلا نعيش حالة إخفاق و فشل من سنوات عديدة يعني هذه الخاصية الأجدر أن لا نلطم بها هذا الحراك الإحتجاجي ، إنما يمكن فقط حتى اللحظة رصد مقادير النجاح و درجته بالنظر إلى الشعارات و الأهداف التي كانت ترمي إلى التغيير باتجاه الحرية الكرامة و الإلتحاق بالركب الحضاري ، و ترقب وصول الديمقراطية ( في نظر الثوار ) التي تأخرت في الطريق نحونا ، فما مدى تحقق هذه المرامي ؟ و ما هي الفضائل التي طفت على السطح مع الربيع العربي ؟
* من جملة فضائل الإنتفاضة العربية ؛ بروز تغيرات عميقة على غرار خلق حراك سياسي اجتماعي هائل ، نجاعته كان المتحكم فيها مدى الوعي الذي تتمتع به هذه الشعوب الذي يعتبر ( أقصد الوعي ) الطريق السريع لإنجاح أو إبطاء و ربما إفشال عملية التغيير .
* الشعارات التي رفعت أثناء الثورات - كما يسميها العوام - في حد ذاتها كسر لطابوهات الخوف المتجذر في أنفسنا و ثقافتنا من النظام الحاكم ، الذي كان يحرم انتقاده أو الطعن فيه أو التعرض إلى سبيل مصالحه ، لذلك أن يحمل شاب لافتة مكتوب عليها اسم الرئيس و تحته عبارة * ارحل * بما تتضمنه من حمولة بطولية صارخة أعادت الثقة و روح الشجاعة لتسري مجددا في نفوس و عروق ضمئت من الكرامة ، لذلك فهي سابقة أحسبها سامية لبت الاحتياجات و الأشواق للحرية بكل تجلياتها و معانيها .
* من نجاحات الإنتفاضة كذلك إسقاط رؤوس أنظمة الفساد الذل و المهانة ، و إخضاعهم للمحاكمة هم و عائلاتهم ( مثل حالة المخلوع حسني مبارك ) ، و تجريد أموالهم المسروقة من مال الشعب و الدولة ، أو قتلهم و تصفيتهم مع ذويهم في الميدان ( قتل الهالك معمر القدافي و أحد أبنائه و محكامة الآخرين ) ، أو خلعهم و طردهم من البلاد ( حالة بن علي تونس ) .
* اندفاع حكومات عدة لإصلاح جذري سياسي ( تغيير/إصلاح الدستور المغربي ) ، و اجتماعي ( خلق سبل حياة اجتماعية أفضل كتخصيص 1000 دينار لكل عائلة في البحرين ) ، أيضا إصلاح اقتصادي معيشي ( رفع الأجور ، خفض أو شطب الديون على الموطنين ، و خلق فرص عمل للعاطلين في السعودية و سلطنة عمان ) في خطوة استباقية لشراء الغضب الشعبي قبل أن ينقلب ضد صناع القرار و الحكم .
* تحقيق تغيرات اجتماعية جوهرية في وقت ليس بالطويل و هو ميزة محفزة نحو مزيد من التغيير الشامل .
أرقام و إحصاءات : أما فيما يخص خسائر الربيع العربي البشرية فتقدر ب 778076 قتيل ، منهم 50000 ليبي - 200000 سوري - 2000 يمني - 700 مصري - 219 تونسي ، و طبعا الرقم الإجمالي يتصاعد كل دقيقة مع استمرار الحرب في كل من سوريا العراق اليمن و ليبيا . أما من جانب الإفرازات فهي كثيرة و سلبية مع الأسف في طليعتها استفحال الفقر و الهشاشة الإجتماعية ، حيث بلغ معدل الفقر في مصر بعد اسقاط مبارك حسني إلى 75 في المئة , في حين كان قبل الثورة راسيا في معدل 40 في المئة فقط ( بيان إحصاء البنك الدولي 2014) فضلا عن نزور العمل و الخدمة ، ضاق أفق الشباب و أصيبوا بإحباط شديد شكل بالإضافة إلى الخواء الأمني السحيق ،حافزا أدى بهؤلاء الشباب بخطوات متسارعة نحو الإرتماء في أحضان التطرف ، ذلك ما ساعد على تنامي و انتشار "ظاهرة الإرهاب " التي شوهت صورة العرب و دينهم إلى درجة متقدمة جدا .
كامتدادا لظاهرة الإرهاب و دمغ الإسلام بدمغة العنف و التطرف ، طفت على السطح العقدي ظاهرة " الإلحاد " بشكل واسع و متكاثر ، ظاهرة يشبهها بعض المهتمين/المراقبين بموضة الشباب المعاصر - عالميا ليس فقط عربيا - ، فحسب استطلاع للرأي قام به بعض الباحثين الغربيين ( أمريكيين بالضبط ) أفاد 15.8% من سكان الولايات المتحدة أن الدين يمثل شيئاً مهما في حياتهم .. وفيما أثبتت الأبحاث أن 25% من الأمريكيين الذين ولدوا بعد عام 1980 ليسوا متدينين مقارنة بالأجيال السابقة ، أما عربيا أفاد الإستلاع بأن 52% من الشباب العربي عبروا على أن الدين يلعب دوراً كبيراً في الحياة عموماً ، ونفى هذا الدور الكبير 29% منهم .
أما الخسائر المالية فحسب وكالة C.N.B.C فإن تكلفة الربيع العربي خلال الفترة بين 2010 حتى 2014 فبلغ إجمالي الخسائر 833,7 مليار دولار . فضلا عن ما سبق و كنتيجة للحرب الضروس في سوريا و العراق ، اضطر كثير من المواطين فيهما إلى الهروب من غياهب الحرب و الإقتتال ، لجوئا إلى دول الجوار و منها إلى أوربا و في ذلك تغيير مثير للخصائص الديموغرافية للشرق الأوسط و أوربا ، حيث بلغ عدد اللاجئين حسب إحصائيات المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ، داخل وسوريا 7,2 مليون لاجئ ، و خارجها أكثر من 4 مليون مشتتون بدول الجوار و أوربا ، في حين بلغ عدد اللاجين العراقيين 249463 لاجئ داخليا . و خارجيا بلغ 629245 لاجئ في الأردن مثلا .
على سبيل الختم : أخيرا أقول أنه لا يوجد شيء في الكون دون نقائص ، بإيزاء هذه الأرقام الصادمة و الإحصاءات التي تبعث على الإكتئاب ، واضح و الحالة هذه أننا * طلبنا الحرية ففقدنا الأوطان * و معها الأرض ، فقدنا الشباب و معهم زخر النشاط و الحيوية ، طلبنا الديمقراطية فسقطنا في ما هو أدهى من الديكتاتورية و حكم العسكر ، أردنا إسقاط الرئيس فأسقط هو منا نصف الشعب صريعا هالكا ، أردنا الإصلاح فأفسدنا ، تطلعنا للتقدم و التطور فتخلفنا مزيدا ، و رجعنا للقرون الوسطى و للبربرية ،يبدو أننا سميناه ربيعا فأضحى خريفا عاصفا , فما سبب كل هذه النتائج العكسية ؟ و من المسؤول عنها ؟ لماذا كان مخططنا أعرج لماذا أخطئنا منهاج التنفيذ ؟ أسئلة و أخرى متروكة للقارئ و للمتخصص و للمثقف ، و لنا معها شخصيا وقفة بإسهاب في مقلات أخرى .
أخيرا أذكر وسط كل هذا الخراب بمقتطف نشيد حفضناه و نحن صغارا " ما دام الأمل طريقا فسنحياه " .
#مهدي_جعفر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عبقرية ألبرت أينشتاين قياسا بعبقرية العلماء و الفلاسفة اليون
...
-
- ما لم نفهمه من شعار داعش باقية و تتمدد -
-
- المرأة العربية عقلية دون الظرفية المعاشة .-
المزيد.....
-
حزب النهج الديمقراطي العمالي: لا للتهميش والاقصاء للجهة الشر
...
-
الشيخ قيس الخزعلي: من يحكم الكيان الان وهو اليمين المتطرف هم
...
-
التقدم والاشتراكية والشيوعي الفيتنامي يبحثان تعزيز التعاون و
...
-
أبو عبيدة: نثمن بكل اعتزاز الحراك الشعبي العظيم في اليمن الح
...
-
نهاية إسرائيل.. حل مانديلا أم متلازمة شمشون؟
-
جورج عبد الله مناضل لبناني مسجون بفرنسا منذ عقود
-
عام على «طوفان الأقصى» و«حرب 7 أكتوبر» / «الديمقراطية»: بالم
...
-
? أخبار الاشتراكي: 4/10/2024
-
من مصر إلى تونس “مسرحية الانتخابات” تنطلق في تونس غدًا
-
سمير لزعر// الصراع ضد البيروقراطية النقابية هو صراع ضد كل م
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|