أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد حدوي - الانفصام الرمضاني وظاهرة التدين المغشوش















المزيد.....

الانفصام الرمضاني وظاهرة التدين المغشوش


محمد حدوي

الحوار المتمدن-العدد: 5212 - 2016 / 7 / 3 - 04:33
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


غريب أمر شهر رمضان، غريب حقا لما لديه من مقدرة عجيبة على قلب كيان الإنسان ونزع الشر الذي بداخله بلمحة بصر، لو أن الناس حافظوا على الأخلاق نفسها التي تحلوا بها في شهر رمضان المبارك، لكانت حياتنا دائما مثالية ومستساغة جداً. فبمجرد أن يتم الإعلان عن رؤية الهلال، حتى تنقلب النفوس رأساً على عقب، ويكف الناس عن الأذى ويلجمون ألسنتهم عن النميمة، وحتى مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك أو التويتر..، تتحول في هذا الشهر إلى صفحات أصحابها ملائكيون طيبون يخشون الله على غير عاداتهم السيئة طوال باقي شهور وفصول السنة.وربما حتى الجرائم تنخفض نسبتها باستثناء جرائم صناع الحروب والإرهاب وتجار الريع، الذين لا علاقة لهم برمضان أو شعبان.
كان لي فيما مضى أصدقاء كثر منهم من يتعاطى التدخين ومنهم من يتعاطى المخدرات والمسكرات ، ما أن يهل هلال رمضان حتى يخلعوا ملابس الشر ويرتدوا ثياب الزهد، بل ومنهم من يستعد لذلك لأسابيع قبل أن يهل هلال الشهر الفضيل، وتراهم يعتكفون بالمساجد ،بل ومنهم من يعتذر من الذين أساؤوا إليهم قبل رمضان، لكن ما أن يمضي هذا الشهر حتى ترى العديد منهم قد عادوا إلى سيرتهم الأولى ليبدأ النفاق والكذب والنميمة ونصب المكائد للآخرين بدون حدود، بل ومنهم من تبدأ فرحتهم من الأيام الاخيرة من الشهر قبل أن يهل هلال العيد لقرب عودة اعتناق حريتهم المسلوبة خلال الشهر الفضيل وتراهم يعدون الخطط والمكائد التي سيبدأون بتنفيذها بعد العيد وطوال العام.أثناء رمضان وبعده نرى مثل هذه الحالات التي تتبدل في لمح البصر ولا نجد لها وصفا سوى نعتهم بما أسميهم ب "الانفصام الرمضاني " وما أكثر الذين يعيشون هذا الانفصام على امتداد خريطة العالم العربي والإسلامي من المحيط إلى الخليج.
وبالعكس من هذه الطينة من الناس السالف ذكرهم ،هناك نوع آخر من الذين هم قصة أخرى ،هناك من غير رمضان حياتهم إلى الأبد وتابوا إلى ربهم ولم يتغيروا برمضان ولا غير رمضان بعد أن اقتنعوا أن الله ليس فقط في شهر رمضان.
ظواهر كثيرة في بلدان العالم الإسلامي تحتاج إلى تحليل موضوعي لفهمها ...نحتاج إلى دراسات علمية رصينة حول مدى صدق التدين في مجتمعاتنا المختلة ..وأنت ترى مجتمعنا يسترعي انتباهك التدين بشكل مبالغ فيه ،المساجد مكتظة بالمصلين ،خاصة في ليالي رمضان ويوم الجمعة ،بل أنهم يصلون في الطرقات والشوارع العمومية، وكثير من الناس يلبسون قمصانا دينية ويسدلون اللحى،ويعلقون الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأدعية فوق جدران محلاتهم وفي البيوت وحتى داخل وخارج السيارات يعلقون عبارة :" هذا من فضل ربي"،وحين تدخل مسجدا ،وخاصة في بعض المدن الكبرى، يصعقك ملصق معلق على أحد سواريه ينبهك :"ضع حذاءك أمامك".فالأحذية تسرق في المساجد، ولكم أن تتخيلوا ماذا سيكون حال الأسواق والإدارات ووسائل النقل في بلد تسرق داخل مساجده الأحذية..حتى المساجد ترتكب فيها السرقات..عندما تسمع أحد المسئولين يتكلم عن تشجيع السياحة وجلب 10ملايين سائح ينبعث من داخلك ضحك جنوني غير متحكم فيه.أول شرط يجب توفره ،يا سادة، لجلب السياح هو الأمن ،وأنا هنا لا أتكلم عن الإرهاب ،فهذا موضوع آخر،ولكن أتكلم عن أمن الأشخاص العاديين والممتلكات في بلد ليس فيه إرهاب ويتغنى بالأمن والاستقرار.فإذا كان السير آمنا يعد مطلبا أساسيا للمجتمع المتحضرالعصري، فإن المواطنين في بعض المدن لايجازفون في زمن الكوميساريات والوكالات الأمنية بالتنقل نهارا وجهارا إلى بعض الأماكن التي تحولت إلى بؤر سوداء تزهق فيها الأرواح وتطعن الأبدان وتقطع الأوصال بسبب استفحال الانحراف والإجرام المنظم.التوقف بالطريق أو الترجل في بعض البؤر السوداء لقضاء حاجة من الحاجات الطبيعية قد يعرض صاحبه إلى ما لايحمد عقباه.وقد يفكر المرء إذا كتب له النجاح في قضاء حاجة من حاجاته أن تقله سيارة أجرة ، يستوقف واحدة ويحشر نفسه داخلها إلى جانب السائق الذي اشغل شريط كاسيط قرآن طول الطريق ،ينظر أمامه ويرى ملصق آيات قرآنية وتسابيح معلقة داخل السيارة لكن ما أن ينظر إلى عداد السيارة حتى يجده غير مشغل، وإن كان مشغلا سيكتشف أن السائق يلف ويدور ويناورفي الشوارع والزقاق الكثيرة المتعرجة بلا فائدة ليقطع أطول مسافة تستنزف جيبه بلا شفقة ولا رحمة.
وما يدهشنا حقا أكثر في شوارع مجتمعنا الإسلامي المختل، وهي ظاهرة أود أن أضيفها إلى باقة السخافات السابقة، أن العديد من الفتيات يغطين شعورهن، ويلبسن سراويل ضيقة تبين تضاريس ومفاتن المرأة التي تثير غرائز الشباب المحرومين من الزواج بسبب فشل التنمية واستفحال الفقر والبطالة، ولا أحد يعيب ذلك أو ينتقده .إن هذه الظاهرة لم تعد تثير انتباه أحد، فالتعري صار من الأمور العادية التي لم يعد يلق لها أحد البال.وكانت النتيجة،حسب الصحافة الوطنية، 20طفل متخلى عنه كل شهر بسبب العلاقات غير الشرعية..8000طفل متخلى عنه حسب ما أعلنته جهارا على الهواء إحدى المرات الإذاعة الوطنية الرسمية. أما عدد الاجهاضات السرية التي تبتلعها المجاري المائية فالله وحده هو الذي يعلم كم من الحالات التي تحدث يوميا.. يحدث كل هذا في مجتمع يملأ المساجد ويتعبد ويتهجد في رمضان، ويحج بالآلاف إلى مكة والمدينة .
حين تقارن عدد المتدينين وما يجري في سلوكيات مجتمعنا على أرض الواقع تصعقك مفارقات كثيرة لاحصر و لاتفسير لها، وتتساءل: هل نحن أمام تدين شكلي أم نحن أمام موضة جديدة لا إسم لها؟ وما إسم هذا الدين الجديد الذي نراه اليوم في مجتمعنا؟، فمن بين عشرة «متدين» قد تجد واحدا نزيها والباقي كلهم غشاشون محتالون! .ظاهرة التدين المغشوشة لم تكن موجودة من قبل ،وبماذا سنفسر كثرة التدين وإنحطاط أخلاق المجتمع خاصة إذا استحضرنا مقولة "الدين معاملات"؟.. مجتمعنا فوضوي بطبعه.. مبني على فلسفة تسكن مكامن كل شخص، وهي ازدواج الشخصية، والحياة بمظهر خارجي ، يختلف تماما عن الحقيقة الداخلية.الكثير من الناس لايمكن أن تعرف دواخلهم لأنهم يخفون الحقيقة بمظاهر تناقض واقعهم، مما يضفي عليهم طابع الغلط الدائم ،أليس هذا ما يسميه القرآن الكريم بالنفاق؟.أنا لا أسب المجتمع أو أتزايد عليه، وإنما أضعكم أمام حقائق ووقائع يراها الجميع.إذا ذهبت إلى السوق لتشتري خضارا وفواكه، ترى في الجهة المرئية لك أجودها، وعندما تهم بالشراء يقوم التاجر بوزن خضار وفواكه غير تلك المعروضة، أي من النوع الرديء. وإذا ذهبت إلى الجزار لتشتري لحما فنفس الشيء .ولانعمم ذلك على أغلبية التجار..ومن التجار من يشتغل في التهريب وتزوير السلع ويتهربون من دفع الضرائب للدولة ،والأرباح التي يحققونها يذهبون بها إلى الحج أو العمرة تاركين أبناء وطنهم ينامون في الكارطون على أرصفة الشوارع .وإذا قصدت إدارة لإستخراج بعض الوثائق الإدارية، يقال لك في بعض الأحيان أنه يصلي، ويستغرق في ذلك وقتا طويلا، وعندما يأتي تجده يتباطأ في عمله، ويبدأ بالأصدقاء والمعارف إن لم يماطلك ويخلق لك شتى ألوان العراقيل والعذاب ليثير أعصابك بما يفيده على ابتزازك برشوة لينجز لك وثيقة تافهة لاقيمة لها.السرطان الذي ينخر جسم مجتمعنا « المسلم المتدين جدا » هو الفساد ( الرشوة ) . عندما يريد شخص الحصول على منصب عمل، فعليه أن يدفع، وإلا فلا أمل له في الوصول إلى مبتغاه مهما بلغت كفاءته.أصبحنا للأسف حتى في الصحافة نكتب كثيرا عن الفساد ولكن لا نؤثر إطلاقا في سيرورة العجلة الاقتصادية، بل ويزداد حجم الفساد وتغول المفسدين كلما شاعت أخبارهم ، وسيف الفساد لايقطع إلا «صغار المفسدين» ويغض الطرف عن «الحيتان الكبيرة» الذين أتوا على اليابس والأخضر... ف«الحيتان الكبيرة»هي التي استحوذت على اغلب رؤوس الأموال التي تدير عجلة الاقتصاد واستهدافهم سيعجل بالهروب برؤوس الأموال بعيدا عن أعين البطاليين والجياع وحدوث كارثة إنسانية محققة، فهم لا يعبئون بشيء إلا الربح أولا وأخيرا وبالتالي مفروض الإذعان لهم ولمطالبهم...وبهذه الطريقة تتآكل باستمرار سلطة الحكومات والسياسيين وقابليتهم على التغيير..فلابد من تفصيل السياسة على مقاسهم بما يخدم مصالحهم أولا وأخيرا..
يحدث كل ماسلف في زمن تتصارع فيه روسيا وأمريكا للاستحواذ على قلب العالم الإسلامي لما يضمه من ثروات معدنية يجهل أبناؤها كيف يستخرجونها من باطن الأرض ويحولونها إلى ما يخدم تنمية أوطانهم. والمصيبة الكبرى الأخرى البادية للعيان والتي يشهدها الجميع كل يوم ،هي إن بوصلة الإعلام على طرفي نقيض لحركة الشارع العربي والإسلامي على الصعيد الداخلي والخارجي، إنه إن كانت الفضائيّات العربية والإسلامية قادرة على صناعة " النجوم " وتفريخ العشرات منها بين ليلة وضحاها، وتحويل حلم ملايين الشباب العربي الفاشل إلى أن يغدوا مُغنين وراقصين تافهين، فكم يلزم الأوطان من زمن ومن قدرات لصناعة عالِمٍ واحد يشخص للأمة عللها المزمنة في زمن التردي والانحطاط هذا؟، وكم علينا أن نعيش لنرى حلمنا بالتفوق العلمي يتحقق ؟ ..
ظواهر كثيرة في مجتمعنا الإسلامي الحديث تحتاج إلى التحليل والتفسير.لم يعد ما يجري في بلداننا يقبل الصمت والمواربة ،بل إنه يستدعي عرض الوقائع كما هي حتى لو كانت لغة التعبير عنها فجة كما جاء في هذه المقالة التي قد يحسبها البعض من ذوي النفوس المريضة زندقة وهرطقة.والى يومنا هذا لازلنا نكتب عن الفراغ إلى حد لو ترجمنا ما نكتبه إلى اللغات الأجنبية الحية لأعتبرنا الذين يقرءون عنا أن كلامنا مجرد كلام أطفال لاقيمة له.نحن فعلا آمة رفع عنها القلم دون أن ندري.ولهذا السبب أغلق المؤرخون سجلهم أمامنا حتى ندخل مرحلة الرشد.



#محمد_حدوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأهمية البيداغوجية والتدبيرية للمقاربةالتنموية التشاركية
- أمطار الخير والخطر
- كيف تصبح مليونيرا من دون معلم ؟
- الانتخابات والأمية
- نقد وشتم الحكومة.. يدعم الديموقراطية ويرسخها
- الديموقراطية.. والعادة السرية
- المخ المغربي من نوع-دوبل ڨ-;-يww-
- الشرق والغرب خطان لايلتقيان حتى في الصحة
- العدالة الركن الاساس لبناء المجتمع وتنميته..
- هل العالم فعلا بخير؟
- أقوى رجل في العالم
- خطان لايلتقيان..
- مائة كيس أرزللتنمية البشرية..
- مائة كيس أرزللتنمية البشرية..
- أنا حرامي وتمساح .. وافتخر!؟
- نحن في حاجة الى قانون حمو رابي
- الاخوان ومشكلة إقصاء الاخر
- حين يلتقي فساد الأشرار بصمت الاخيار
- الغرب و مواطنيه الجهاديين في سوريا
- التهم الجاهزة للقضاء على الخصوم


المزيد.....




- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- لوموند: المسلمون الفرنسيون وإكراهات الرحيل عن الوطن


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد حدوي - الانفصام الرمضاني وظاهرة التدين المغشوش