أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بلال البازي - النظام الأمثل للحكم في تصور اسبينوزا















المزيد.....

النظام الأمثل للحكم في تصور اسبينوزا


بلال البازي

الحوار المتمدن-العدد: 5212 - 2016 / 7 / 3 - 03:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن تصور اسبينوزا للدولة هو تصور حداثي بامتياز سابق لأوانه كما رأينا من قبل ، ذو خصائص حديثة وعلمانية ، ولكي تتحقق الدولة الحديثة في أبهى صورها لابد لها من نظام حكم مميز يسهر على تسيرها ، وهذا النظام ينبغي أن يخول فيه المشاركة للجميع سواء بطرق مباشرة كالمشاركة السياسية من خلال الترشيح أو بطرق غير مباشرة كحق التصويت ، فكان النظام الذي يتميز بهذه الخصال هو النظام الديمقراطي ، نسبة إلى الديمقراطية ، وهي ما يصطلح عليه بحكم الأغلبية وهي النظام السائد عالميا وإن كانت في جزء منه بشكل فعلي وفي جزء آخر منه بشكل صوري.
لذلك فقد وقع اختيار اسبينوزا على النظام الديمقراطي ، وذلك لما يتمتع به هذا النظام من مرونة و تحقيقه لغايات الدولة ،" أردت الحديث صراحة عن نظام الحكم هذا لأنه أفضل نظام يوضح هدفي : وهو بيان أهمية الحرية في الدولة "68 ،ويعرف الديمقراطية على أنها " اتحاد الناس في جماعة لها حق مطلق على كل ما في قدرتها ، وتترتب على ذلك النتيجة القائلة : أن الحاكم لا يلتزم بأي قانون ، ويجب على الجميع على المحافظة على أنفسهم ، أي حقهم الطبيعي "69 ويتأسس هذا النظام بناء على تفويض الأفراد لقدراتهم في أن يسوسواْ أمورهم لصالح المجتمع ، بحيث انه " على كل فرد أن يفوض إلى المجتمع كل ما له من قدرة ، بحيث يكون لهذا المجتمع الحق الطبيعي المطلق على كل شيء ، أي السلطة المطلقة في إعطاء الأوامر التي يتعين على كل فرد أن يطيعها إما بمحض اختياره ، وإما خوفاً من العقاب الشديد . ويسمى نظام الحكم الذي يتحقق على هذا النحو بالديمقراطية "70. وبالتالي فإن النظام الديمقراطي يقوم على أساس تخلي الأفراد عن قدراته في ان يسلكوا في حياتهم وفق ما يشاءون ، وبعد هذا التفويض فإن الفرد يصبح مجبراً على الخضوع لحكم الأغلبية والطاعة . " وهو يظل ملزماً بهذه الطاعة ما دام الملك أو النبلاء أو الشعب يحتفظون بالسلطة العليا التي كان تفويضه لحقه يرتكز على قبوله إياها "71 ولعل أهم ما جعل اسبينوزا يفضل النظام الديمقراطي على سائر أنظمة الحكم ، هو ان هذا النظام قادر على تجاوز القرارات المتناقضة ، ومنح الحق لكل أفراد الشعب للمشاركة السياسية دون أي تحيز أو تميز بين أفراد الدولة الواحدة ، كما أن هذا النظام يقوم على أساس تخليص الناس من سيطرة الشهوة وما تؤدي إليه من أضرار جسيمة على الإنسان ، لذلك كان لزاما عليه أن يختار نظام هو أكثر توافق مع الطبيعة الإنسانية ، وأكثر ضماناً لحقوق الأفراد وحريتهم . ويعلل اسبينوزا اختياره لهذا النظام قائلاً : " الخوف من القرارات المتناقضة يقل في نظام الحكم الديمقراطي بوجه خاص وذلك لسببين : أولهما أنه يكاد يكون من المستحيل أن يتفق أغلبية الناس ، داخل مجتمع كبير على أمر ممتنع ، وثانيهما أن الغاية التي ترمي إليها الديمقراطية والمبدأ الذي تقوم عليه هو ، كما قلنا من قبل ، تخليص الناس من سيطرة الشهوة العمياء والإبقاء عليهم بقدر الإمكان في حدود العقل بحيث يعيشون في وئام وسلام ، فإذا خضع هذا الأساس انهار البناء كله ، فعلى عاتق الحاكم تقع مهمة المحافظة على هذا المبدأ ، وعلى الرعايا تنفيذ أوامره وألا يعترفوا بقانون إلا ما يسنه الحاكم "72
النظام الديمقراطي الذي يعرض له اسبينوزا هنا يكون الأفراد فيه أقرب إلى حالتهم الأولى ـالطبيعية - إذ لا يوجد أدنى تعارض بين الديمقراطية والحق الطبيعي للأفراد ، فهي تكفل لهم الحرية ، وممارسة حقهم الطبيعي بما يتماشى مع العقل السليم دون كبوات قد تفضي بهم إلى الهلاك ، أضف إلى ذلك أنها تخضع الكل إلى قانون واحد موحد ولا أحد يتصرف على سجيته ، إلا وفق ما يسمح به القانون العام ، والذي مهمته الحفاظ على السلم و تمكين الأفراد من الإنتاج والإبداع العلمي والفني الذي لا يحقق إلا بتوفر القدر الكافي من الحرية داخل الدولة. كما أنها تسمح للفرد حتى تحت وطأة القانون أن يحتفظ بجزء من حقه الطبيعي ، باعتبار أن حالة الطبيعة تمتد في الحالة المدنية كما سلف الذكر. وبه تكون هذه أهم ثوابت ومبادئ النظام الديمقراطي ،" أظن أنني بينت حتى الآن بما فيه الكفاية مبادئ الحكم الديمقراطي الذي فضلته على أنظمة الحكم الأخرى ، لأنه يبدو أقربها إلى الطبيعة وأقلها بعداً عن الحرية التي تقرها الطبيعة للأفراد . ففي النظام الديمقراطي لا يفوض أي فرد حقه الطبيعي إلى فرد آخر بحيث لا يستشار بعد ذلك في شيء ، بل يفوضه إلى الغالبية العظمى من المجتمع ، الذي يؤلف هو ذاته جزءاً منه ، وفيه يتساوى الأفراد كما كان الحال من قبل في الحالة الطبيعية "73 ولما كان النظام السائد في الدولة الواحدة نظاماً يشجع على حرية التفكير ، ويفرض على أفراده أقل ما يمكن من قيود حتى يتمكنوا من أن ينموا قدراتهم العقلية دون قلق ، فكان الاختلاف وارداً ولا مفر منه خاصة وأننا بصدد الحديث عن دولة حديثة ، تكرس لحرية التفكير و لمبادئ وقيم الإنسانية ، دولة تحتضن التعدد الثقافي والديني والعرقي ...كما هو الشأن في أمستردام في زمان اسبينوزا ، وكما هو الشأن في لندن في عصرنا الحالي ، دولة تنتصر للإنسان و لقيم المواطنة.
لذلك فإن ممارسة حق الاختلاف والتعدد الثقافي والديني والعرقي ..." لا يمكن أن يكون إلا في إطار علماني ، أي في إطار محايد يضمن الحريات المتساوية بين المواطنين والجماعات الدينية داخل الدولة الواحدة "74،لذلك فإن اسبينوزا " ينطلق في ضرورة علمنة سلطة الدولة كمطلب طبيعي لضمان الحريات ، ومن ثمة كانت الحرية هي جوهر الممارسة الديمقراطية."75 .لذلك فقد كان لزاما على اسبينوزا ان يفصل بين ما هو ديني وما هو سياسي ، وذلك لتمكين ما هو سياسي للقيام بمهامه دون أي قيود أو ضغوطات من طرف المؤسسة الدينية ، وجعل القائمين على الحكم لا يكتفون بتنظيم القانون المدني وحسب " بل كنت أعني أيضاً القانون المتعلق بالشئون الدينية ، الذي ينبغي أن يكونوا هم أيضاً المفسرين له والمدافعين عنه "76.
ونظراً لكون الحق الطبيعي هو الاساس الأنطولوجي للدولة بصيغته الأنثروبولوجية في نظر اسبينوزا فإن ما يضمن هذه الحقوق الطبيعية داخل الدولة هو العقد الاجتماعي وليس العقد الالهي ، ذلك أن العقد الاجتماعي هو نظام حقوق بينما أن العقد الالهي المرتبط بنظرية الحق الالهي هو نظام واجبات يفضي إلى العبودية والاستبداد ويصير البشر قطيعا. ومنه يدرك اسبينوزا بكل عمق أن قانون الدولة المدنية هو الإطار المرجعي في كل شيء ، وهو يسمو فوق كل خطاب ديني يضع نفسه موضع القداسة " 77 ، فهو بهذا المعنى يمنح السياسي سلطة الفصل فيما هو ديني وتقرير شعائر وطقوس العبادة ، وهنا ستعكس المعادلة في التصور السبينوزي ؛ بحث ستصبح سلطة السياسي أشمل وأعم من السلطة الدينية ، وهذا يبدو جلياً من خلال تجريده للدين من قوة القانون ، ويذهب أبعد من ذلك إذ يعتبر بأن الشعائر والطقوس الدينية ينبغي أن تمارس وفق ما تمليه مصلحة الدولة ، " فالدين لا تكون له قوة القانون إلا بإرادة من لهم الحق في الحكم ، وأنه ليس هناك حكم خاص يمارسه الله على البشر ويتميز عن ذلك الذي تمارسه السلطة السياسية ، وأن ممارسة العبادات الشرعية وأفعال التقوى الظاهرة يجيب أن تتفق مع سلامة الدولة ومصلحتها ، وهذا يعني أن تقوم السلطة العليا وحدها بتنظيمها وتفسيرها " 78. وسيتمادى في علمنته للدولة إلى حد تقريره بأنه " لا يستطيع أحد ان يمارس الإيمان الصادق أو أن يطيع الله إلا إذا أطاع قرارات السلطة الحاكمة،وهذا ما تؤكده الحياة العملية نفسها ."79 وهذه الطاعة ينبغي أن تتوافق مع المصلحة العامة للدولة . أما أولئك الذين يرون غير هذا أو" يرفضون الاعتراف للسلطة العليا الحاكمة بحقها في تنظيم الشؤون الدينية ويأبون عليها تفسير القانون المقدس ، لذلك سمحوا لأنفسهم باتهامها ، ة وتقديمها للمحاكمة أمام هيئة كنسية ، وهم بموقفهم هذا يبذرون عناصر الفرقة في الدولة بل يبحثون عن وسيلة للاستيلاء على السلطة"80 . وهم عادة ما ينحازون إلى الدعوة المعارضة ، أي تلك الدعوة التي تجعل من القانون الوضعي حق السلطة السياسية ، في حين أن القانون الديني فهو حق للكنيسة ، ولها وحدها حق تنظيم الشئون الدينية .غير وأنه تظل الضربة القاتلة التي وجهها اسبينوزا للمؤسسة الدينية ولمعارضي إخضاع الديني إلى السياسي ، هي اعتباره أن " الحب المقدس للوطن هو أسمى صورة للشعور بالتقوى يستطيع إنسان أن يظهرها . فو زالت الدولة لكان معنى ذلك زوال كل شيء خير وضياع الأمن في كل مكان و لانتشر الرعب والفسوق وعم الفزع في كل مكان ".81
وبناء على ما سبق فإن النظام الأمثل للحكم في الدولة الحديثة في نظر باروخ اسبينوزا هو النظام الديمقراطي ، وذلك نظراً لما تتسم به الديمقراطية ، من تقبل للاختلاف ومدى استيعابهما للتعدد الثقافي والديني والعرقي ... دون أن يكون هنالك أي إرهاب أو ضغوطات على أفراد الدولة الواحدة والذين لا فرق بينهم ولا تميز .
=========================================
-68: اسبينوزا : رسالة في اللاهوت والسياسة، ص : 385
-69- 70 : المصدر نفسه : ص : 383 - 382
-71 :اسبينوزا : رسالة في اللاهوت والسياسة، ص : 385
-72: المصدر نفسه : ص : 383-384.
-73: اسبينوزا: رسالة في اللاهوت والسياسة ، ص : 385
-74: محمد المصباحبي : من أجل حداثة متعددة الأصوات ، دار الطليعة، بيروت ، ط 1،2010 ص 121.
-75 : في سؤال العلمانية : الإشكالات التاريخية والآفاق المعرفية، إشراف وتقديم وتنسيق : البشير ربوح، ط 2015، الدرب الأول: أ : محمد الصديق بلام، ص 72
-76:اسبينوزا : رسالة في اللاهوت والسياسة ، ترجمة حسن حنفي ، الفصل التاسع عشر ص432
-77: في سؤال العلمانية : الإشكالات التاريخية والآفاق المعرفية، إشراف وتقديم وتنسيق : البشير ربوح، ط 2015، الدرب الأول: أ : محمد الصديق بلام، ص ص73
-78: اسبينوزا : رسالىة في اللاهوت والسياسة ، ص 432
-79: المصدر نفسه ، ص : 436
-80: اسبينوزا : نفسه، ص: 432
-81 :المصدر نفسه، ص : 435



#بلال_البازي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- باروخ اسبينوزا : القانون الوضعي و الحق المدني كتجسيد للدولة
- الحالة المدنية عند باروخ اسبينوزا
- اسبينوزا: العقد الاجتماعي كمنعطف نوعي للانتقال إلى المدنية
- التأصيل للدولة : العودة إلى الحق و القانون الطبيعيان عند اسب ...
- حالة الطبيعة كتأصيل للدولة عند اسبينوزا


المزيد.....




- رئيس الوزراء الأسترالي يصف إيلون ماسك بـ -الملياردير المتغطر ...
- إسبانيا تستأنف التحقيق في التجسس على ساستها ببرنامج إسرائيلي ...
- مصر ترد على تقرير أمريكي عن مناقشتها مع إسرائيل خططا عن اجتي ...
- بعد 200 يوم من الحرب على غزة.. كيف كسرت حماس هيبة الجيش الإس ...
- مقتل 4 أشخاص في هجوم أوكراني على مقاطعة زابوروجيه الروسية
- السفارة الروسية لدى لندن: المساعدات العسكرية البريطانية الجد ...
- الرئيس التونسي يستضيف نظيره الجزائري ورئيس المجلس الرئاسي ال ...
- إطلاق صافرات الإنذار في 5 مقاطعات أوكرانية
- ليبرمان منتقدا المسؤولين الإسرائيليين: إنه ليس عيد الحرية إن ...
- أمير قطر يصل إلى نيبال


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بلال البازي - النظام الأمثل للحكم في تصور اسبينوزا