أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بلال البازي - التأصيل للدولة : العودة إلى الحق و القانون الطبيعيان عند اسبينوزا















المزيد.....

التأصيل للدولة : العودة إلى الحق و القانون الطبيعيان عند اسبينوزا


بلال البازي

الحوار المتمدن-العدد: 5205 - 2016 / 6 / 26 - 04:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يعد مفهوما الحق و التنظيم الطبيعيان من المفاهيم الأساسية في الفلسفة السياسية لـ باروخ اسبينوزا "، كما يعدان من أكثر المفاهيم تداخلاً وانسجاماً في المتن الفلسفي السبينوزي. ويعرف اسبينوزا الحق الطبيعي وبطبيعة الحال بعيداً كل البعد عن الدين و الدولة ، على أنه مجموع القواعد التي تتميز بها طبيعة كل فرد إذ يقول : " أعني بالحق الطبيعي وبالتنظيم الطبيعي مجرد القواعد التي تتميز بها طبيعة كل فرد وهي القواعد التي ندرك بها أن كل موجود يتحدد وجوده وسلوكه حتمياً على نحو معين. "15 . فالحق والقانون الطبيعيين إذن ؛ هما قوانين الطبيعة وقواعدها التي تتميز بها طبيعة كل فرد. ويقدم على ذلك مثل الأسماك ، التي يتحتم عليها بحكم طبيعتها ان تسبح وان يأكل الكبير منها الصغير ، وفق قانون طبيعي مطلق على كل ما يدخل تحت سيطرة الطبيعة ، اي أن حق الطبيعة يمتد بامتداد قدرتها ، وذلك لأن قدرة الطبيعة هي قدرة الله الذي له حق مطلق على كل شيء 16، ومن جهة أخرى نجد أن "توماس هوبز" يعرف الحق الطبيعي قائلا : " ان الحق الطبيعي بمقتضى الطبيعة ، هو حرية كل انسان في ان يستخدم قوته وفق ما يشاء هو نفسه من أجل الحفاظ على طبيعته."17، مضيفا بهذا الصدد بأن " قانون الطبيعة،lex naturalis، هو مبدأ أو قاعدة عامة يجدها العقل ، وبها يمنع الإنسان من فعل ما هو مدمر لحياته أو ما يقضي على وسائل الحفاظ عليها ، ومن إهمال ما يظنّ أنه يحافظ عليها " 18. وإذا كنا مع اسبينوزا لا نجد تميزاً صريحاً بين الحق والقانون الطبيعيان ، إذ يعتبر أن الحق الطبيعي هو قوانين الطبيعة بالذات ؛ " أعني إذن بالحق الطبيعي قوانين الطبيعة بالذات ، أو قواعدها المنتجة للأشياء جميعاً ، أي أنه قوة الطبيعة عينها.وعلى ذلك فإن الحق الطبيعي للطبيعة جمعاء ، وبالتالي لكل فرد منها ، إذ يمتد امتداد قدرة الطبيعة وقدرة كل فرد من أفرادها " 19. فإن مع هوبز على سبيل المثال لا الحصر نجده يميز بين الحق والقانون إذ يرى بأن الحق يقوم على أساس حرية الفعل أو عدمه في حين أن القانون فهو يتحدد ويلزم فقط بأحد الأمرين اذ يقول : "...غير انه يجب التميز بينهما " القانون و الحق" ؛ لأن الحق يقوم على حرية الفعل أو عدمه ، بينما القانون يحدد ويلزم بأحد الأمرين : بهذا يختلف القانون والحق بقدر اختلاف الالتزام والحرية ، وهما لا يصحان معا في موضوع واحد"20. إذن ؛ فإن الحق الطبيعي هو حق مطلق لجميع الكائنات في الحالة البدائية وهذا الحق مشروط بالقوة أو القدرة على الفعل ، أي إن كل ما يقع تحت قدرة الكائن ويستطيعه فهو حق له بشكل مطلق ، وهذا الحق حق للطبيعة جمعاء بدون أي تميز بين الموجودات أو تحيز لفرد على حساب الآخر بل هو مطلق مادام الكل خاضع لسنة الطبيعة ومحدده الوحيد والأوحد حسب اسبينوزا هو القدرة على الفعل أو عدم الفعل ، "وهكذا فإن كل ما يفعله الإنسان وفقاً لقوانين طبيعته الشخصية إنما يفعله وفق حق طبيعي مطلق سنِيِّ ، وإن له من الحق على الطبيعة ما يكافئ قدرته عليها ."21.كتاب السياسة .
الحق الطبيعي يشمل كل ما يدخل تحت نطاق قدرة الفرد ، وذلك لاعتبار أن قدرة الطبيعة الكلية مكونة بالأساس من مجموع قدرات الموجودات في الفضاء الطبيعي ، وبالتالي فإنه لكل موجود طبيعي حق مطلق على كل ما يقع داخل نطاق قدرته على الفعل أو عدمه،إذ أنه : " لما كانت قدرة الطبيعة الشاملة كلها لا تعدو أن تكون مجموع قدرات الموجودات الطبيعية ، فقد ترتب على ذلك أن يكون لكل موجود طبيعي حق مطلق على كل ما يقع تحت قدرته ، أي إن حق كل فرد يشمل ما يدخل في حدود قدرته الخاصة "22. ومثال ذلك فالطفل كل ما يمكن إن يدخل تحت نطاق قدرته هو ما تسمح به قوته العضلية والعقلية كأن يقتصر في غذائه على الثمار....بدلا من الصيد لأن بنيته وخبرته لا تسمحان له بذلك ، ولا يتعدى ذلك إلى ما يفوق قدرته ، على غرار الإنسان البالغ الذي اكتمل تكوينه العضلي وله تجربة في الحياة فإن حقه الطبيعي يتجاوز حق الطفل ذلك لأن قدرته أوسع نطاقا من قدرة الطفل، وبالتالي فإنه يتعدى تناول الثمار وفقط إلى الصيد وما إلى ذلك .
وما يمكننا أن نلاحظه هنا ، ومن خلال ما سبق ، إن الحق الطبيعي يقوم على مبدأ حفظ الذات ، مدفوعاً في ذلك بقوة الشهوة والغرائز البيولوجية المزروعة في الكائن الإنساني ، ولا حدود له إلا حدود قدرة الكائن على الفعل أو عدمه وبهذا المعنى فهو حق مطلق " وعلى ذلك فإن الحق الطبيعي لكل إنسان يتحدد حسب الرغبة والقدرة ، لا حسب العقل السليم وليس في طبيعة جميع الناس أن تتفق أفعالهم مع قوانين العقل ، بل على العكس يولد الجميع في حالة من الجهل المطبق،.."23. فهو لا يقوم على أسس العقل السليم بل يقوم على الدافع الحيوي للبقاء و الشهوة والغرائز العمياء التي تدفع الكائن للتصرف على هواه
تأسيساً على ما سبق فإنه ما دام هذا الحق والتنظيم الطبيعيين هما من صميم مملكة الطبيعة التي لا تعترف بالخطيئة ولا بأي شكل من أشكال الإدانة ، والحق في هذه الحالة الأولى للكائن البشري مطلق ولا تحده إلا حدود قدرة الفرد على الفعل ، فقد كان لزاماً على ذلك ألا يحظرا أي شيء إلا ما لا قدرة للفرد عليه أو ما لا يرغبه هو حقاً ، باعتبارهما لا يمنعان أي شيء تدفع إليه الشهوة والرغبات ، خاصة وأن الإنسان في سعي دائم للحفاظ على الذات و تلبية رغباته في محاولة منه لإشباع ولإخماد ظمأ أنانيته " ونستنتج من ذلك أن الحق والتنظيم الطبيعيين اللذين ينشأ فيهما جميع الناس ويعيشون بموجبهما طوال الجزء الأكبر من حياتهم ، لا يحظران إلا ما لا يرغبه فيه أو ما لا يستطيعه أحد ؛ فهما لا يمنعان النزوع ولا الكراهية ولا الغضب ولا الخداع ولا أي شيء تدفع له الشهوة هدفه الوحيد هو المنفعة الحقيقية والمحافظة على البشر ، بل إنها تشتمل على ما لا نهاية له من القوانين الأخرى المتعلقة بالنظام الأزلي للطبيعة بأكملها ، التي لا يمثل الإنسان إلا جزءاً ضئيلاً منها "24. ونظام هذه الطبيعة هو نظام متسق ومتكامل وإذا بدا لنا غير ذلك فإنما ذلك يرجع بالضرورة إلى طبيعتنا الإنسانية إذ " وضرورة هذا النظام هي وحدها التي تحتم على كل الموجودات الطبيعية شيء مضحك أو متناقض أو سيء فذلك يرجع لأننا لا نعرف الأشياء إلا جزئياً ، وإلى جهلنا الكبير بنظام الطبيعة الكاملة واتساقها ، ورغبتنا في أن ينظم كل حسب ما يمليه عقلنا ، مع أن ما يستنتجه العقل لا يكون قبيحاً بالنسبة إلى نظام الطبيعة الكاملة وقوانينها بل بالنسبة لقوانين طبيعتنا -الانسانية - وحدها "25.
الحق الطبيعي لا حدود له إلا حدود القوة التي هو مشروط بها وتقاس هذه القوة بالقدرة أي قدرة الفرد على الحفاظ على ذاته وبقائه والاستمرار على ما هو عليه، وهذا الحق ليست لديه أي دلالة أخلاقية ، وهذا الحق الذي يتمتع به كل كائن طبيعي دون استثناء وفق قانون طبيعي كلي يقاس بما للكائن من قدرة على الوجود والبقاءر.26، و يعبر عن الكوناتوسconatus السبينوزي ، الجهد الذي يبذله الكائن ليدوم ويستمر في كينونتهر27. وما دام خاضعاً لقانون طبيعي مطلق فهو لا يعد إذن هنا مطلبا من مطالب العقل ، أي لا يقوم على أسس العقل السليم ، بقدر ما يعد متأصلاً في مبدأ الكوناتوس أو رغبة الوجود والبقاء ،إن الدافع أو النزوعconatus عند اسبينوزا، لكي يستمر في وجوده ، او قانون بقاء الذات ، هو خاصية لكل شيء في الكون ، والإنسان ببساطة هو مثال لذلك ."28، وبالتالي فإن كمية الفعل لدى الكائن تكافئ بالضرورة قدرته على هذا الفعل باعتبار أن هذا الحق له نفس حدود القوة ولا يخرج على نطاقها في شيء وبالتالي فإن هذا الحق إذا أمكننا القول هو القوة أو القدرة ، وهنا بطبيعة الحال فإننا نقصد قوة الموجودات الطبيعية ، وقوة الطبيعة المطلقة على كل ما يدخل تحت قدرتها. ومادام هذا الحق يحيلنا على قوة الطبيعة وهيمنتها المطلقة على كل ما يقع تحت قدرتها ويخضع لقوانينها ، فهو حق سنيّ ؛ " إذ أن كل نوع طبيعي يملك حقاً سنياًّ على كل ما يكون في قدرته " 29.
إن الحق الطبيعي إذن حسب اسبينوزا يقوم على قانون طبيعي محض وذلك لأن الأفراد يكونون في هذه الحالة كائنات غريزية بامتياز ، وكل فرد منهم يسعى بكل الوسائل المتاحة أي التي تسمح بها قدرته في سبيل الحفاظ على بقائه ، ويتميز بالحرية المطلقة في إطار قانون طبيعي مطلق ، وبتكريس النزعة الأنانية والتمركز حول الذات ، وبالتالي فإن الحق الطبيعي لا يؤسس للعدالة والاستقرار،... ، والأفراد في هذا الظرف لا يبدعون و لا يبتكرون قصد تحقيق المصلحة العامة ، وطوال الجزء الأكبر من حياتهم يعيشون تحت وطأة الشهوة والغريزة والأنانية قبل أن يعرفوا الأنموذج الصحيح للحياة ، وهذا راجع بالأساس حسب اسبينوزا لكون الإنسان يتصرف وفق طبيعته ورغباته الخاصة من أجل الحفاظ على حياته. وإننا نلحظ أيضاً بأن هذا الحق يتعارض مع القانون والحق الوضعي وهو ما سنعرضه لاحقاً أثناء تناولنا للحالة المدنية التي ستنبثق عن عقد اجتماعي يبرمه الأفراد فيما بينهم من أجل تجاوز حالة الطبيعة ، القائمة على الشهوة والأنانية ، إلى حالة تقوم على أساس العقل والمصلحة المشتركة ، تفادياً للفوضى ولضمان حق البقاء للجميع وبطرق أكثر سلمية وعقلية.
==============================================================================
-15-16 : اسبينوزا رسالة في اللاهوت والسياسية، الفصل : السادس عشر ، ص : 377-378.
-17-18: توماس هوبز ا؛ الليفيتان ،ص138-139
-19: اسبينوزا،كتاب : السياسة، ترجمة جلال الدين سعيد، دار الجنوب، تونس،1999، الفصل الثاني، ص : 41.
ـ20: توماس هوبز ا؛ الليفيتان ،ص 139
-21: اسبينوزا،كتاب : السياسة، الفصل الثاني، ص : 41.
-22 : اسبينوزا: رسالة في اللاهوت والسياسة ، الفصل السادس عشر، ص : 379.
-23: اسبينوزا رسالة في اللاهوت والسياسية، الفصل : السادس عشر ، ص : 378.
-24-25 : اسبينوزا: رسالة في اللاهوت والسياسة ترجمة حسن حنفي، الفصل السادس عشر، ص : 379.
-26: المصدر نفسه، ص : 378.
-27: في سؤال العلمانية : الإشكالات التاريخية والآفاق المعرفية، إشراف وتقديم وتنسيق : البشير ربوح، ط 2015، الدرب الأول: أ : محمد الصديق بلام، ص :64
-28: وليم كلي رايت تاريخ الفلسفة الحديثة ترجمة محمود سيد احمد تقديم ومراجعة امام عبد الفتاح امام دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع ص 126.
-29 : اسبينوزا : رسالة في اللاهوت والسياسة ، ترجمة حسن حنفي ، الفصل السادس عشر ص : 378



#بلال_البازي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حالة الطبيعة كتأصيل للدولة عند اسبينوزا


المزيد.....




- وزيرة تجارة أمريكا لـCNN: نحن -أفضل شريك- لإفريقيا عن روسيا ...
- مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية
- استئناف محاكمة ترمب وسط جدل حول الحصانة الجزائية
- عقوبات أميركية وبريطانية جديدة على إيران
- بوتين يعتزم زيارة الصين الشهر المقبل
- الحوثي يعلن مهاجمة سفينة إسرائيلية وقصف أهداف في إيلات
- ترمب يقارن الاحتجاجات المؤيدة لغزة بالجامعات بمسيرة لليمين ا ...
- -بايت دانس- تفضل إغلاق -تيك توك- في أميركا إذا فشلت الخيارات ...
- الحوثيون يهاجمون سفينة بخليج عدن وأهدافا في إيلات
- سحب القوات الأميركية من تشاد والنيجر.. خشية من تمدد روسي صين ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بلال البازي - التأصيل للدولة : العودة إلى الحق و القانون الطبيعيان عند اسبينوزا