أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي حسين يوسف - عذراءُ سنجار أو الفجيعةُ روائياً















المزيد.....

عذراءُ سنجار أو الفجيعةُ روائياً


علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)


الحوار المتمدن-العدد: 5196 - 2016 / 6 / 17 - 02:09
المحور: الادب والفن
    


بينَ الواقعِ والسردِ وشائج عدة , فهما ذوا قُربى , فكلاهما نصٌّ ؛ الأول منهما معيش والآخر مرويٌّ , وحينَ يتحولُ المعيشُ إلى مرويةٍ ــ شفاهيا أو كتابيا ــ فإنّ ذلك يعني ــ في وجهٍ من الوجوهِ ــ الحاجةَ إلى أرخنةِ الواقع لكي لا تنسى الأيامُ فجائعيتهُ أو جماليتهُ , وبذلك فإنّ النصّ المدوَّنَ ــ في أصل وضعه ــ يُعدّ مجموعة دوالٍ مُتحولة لفحتها سمومُ الواقعِ أو نسماتهُ , فانقلبَ ــ أي النص ــ إلى ملفوظاتٍ تهدهد أعصابنا تارةً , وتستفزنا تارةً أخرى ؛ تُضمرُ من الحبَّ أو البغض أكثر مما يضمرهما الواقعُ .
وبهذا فإنّ المتنَ الإبداعيَّ يصلحُ أنْ يكونَ أداةً جماليةً للانتشاءِ والطمأنينةِ , ويصلحُ أيضا أنْ يكونَ وثيقةَ إدانةٍ فاعلة , فالأدبُ قد يُقدّم المأساة بصورة أكثر تاريخية مما عليه في الواقع , وإن للمخيال السردي فجائعهُ على الورق ؛ يستقبلها المتلقي مقارحةً , فعلى فداحة ما حصل لليزيدين في العراق , وعلى جسامة الكارثة فإن قارئ رواية عذراء سنجار للروائي العراقي وارد بدر السالم سيكتشف بأن ما يعرفه عن ما حصل هناك لا يُعدّ شيئا أمام وثيقة السالم هذه , فنحن لم نتمثل فداحة الأمر على حقيقته حتى مع دموع فيان دخيل في قاعة البرلمان وبعض قصص من هنا وهناك , لكن القارئ ــ وبحسب ما اعتقد ــ الذي يقرأ هذه الرواية لا يساوره شك في أن ما حصل يعد امرا جللا .
ومن المؤكد ان ذلك يعود الى قدرة السالم على تقصي مفصليات هذا الحدث , وتتبع خيوطه بشكل قد يستوقف كثير من متابعي وارد السالم للسرعة التي انجز فيها روايته هذه ــ على كثرة المعلومات التي احتوتها ــ فالرواية تجاوزت الأربعمائة صفحة , وفيها اشتغال وتعب واضحان , فالكاتب يبدو على اطلاع يحسد عليه في الديانة اليزيدية واحوال المريدين لهذه العقيدة , وتاريخهم , وظروف معيشتهم , وأشياء كثيرة تتعلق بثقافتهم وسلوكياتهم الاجتماعية وانظمتهم الاخلاقية والعرفية , بل ربما يكتشف القارئ بأن السالم قد عايش هذه الشريحة وسبر كثيرا من معارفهم وثقافتهم .
أما الأمر الآخر الذي يوجب الإشارة هو أن هذه الرواية كُتبت بأسلوب لا يُتعب القارئ , وبتخطيط ذكي , فقد قسم متنها على مفاصل مناسبة , في كل واحد منها حلقة ضمن مسلسل الرواية , اما لغتها فقد كانت من النوع السهل الممتنع فلا هي بلغة عشاق المتاهات , والاساليب الملتوية ولم تكن كذلك لغة المسترسلين السهلة , فقد أكثر السالم من الجمل الشعرية والاستعارات المحببة مما زاد لغة الرواية ثراء دلاليا واضحا.
وقد يشعر القارئ للحظات بأن هناك مفاصل واجزاء زائدة في الرواية , وبأن هناك ترهلا حكائيا يتمثل في التكرار والوصف والذكريات الاسترجاعية غير المجدية , لكن ذلك الظن سرعان ما يتبدد بمعرفة الحكمة التي غلفت الرواية , فكأن وارد السالم أراد من كل ذلك عرض ما عرفه من فجيعة سنجار على نار سردية هادئة , وكأنه ــ أيضا ــ يهمس في مسامع قارئه بأن ما حصل كان أكثر مضاضة , وأشد قسوة مما يقرأ , فعليه أن يتبصر ولا يتعجل .
من الناحية البنائية فإن الرواية اعتمدت على فكرة المعادل الموضوعي , من خلال مقابلة الواقع المعيش بواقع سردي يمثله ويعادله في قوة رمزيته , لذلك فالقارئ المتمعن يتوصل حتما الى أن عذراء سنجار أو ــ الفتاة اليزيدية نُشتمان ـــ ليست مجردة فتاة مختطفة حُرمت من متعة الطفولة وبراءتها , بل إنها تُمثل وطنا بأكمله استبيحت حرمته , وانتهكت مقدساته , وهي تمثل في الوقت ذاته ألما لجرح نازف ما برح يوجعنا جميعا , فالرواية بهذا المعنى ــ فحسب ــ رواية ساخطة غاضبة حانقة على من تسبب في وقوع الكارثة , وعلى المتواطئين مع الدواعش , ففي الرواية نقمة واضحة على اناس عراقيين ــ عربا واكرادا ــ وعرب ومسلمين , وفيها من التشنيع عليهم ما يجعل القارئ يستشعر الكره والبغض لأولئك الناس , مثلما يستشعر الأسى لضحايا سنجار ؛ أهلها ومعالمها وتاريخها وحضارتها وديانتها , ولتحقيق هذا الغرض عمد الكاتب الى لغة ملائمة , وانطلاقا من مقولة ــ لكل مقامٍ مقالٌ ــ فإننا إزاء لغة تساير احداث الرواية وتنسجم مع وضعيات شخصياتها وحالاتهم النفسية والمزاجية , فلا يتحرج الكاتب من استعمال أي مفردة ( عامية , خادشة , ماجنة ) إن استوجبها المقام , لذلك يجد القارئُ في الرواية هذه الحكيمَ يتحدث بلغته العالية , ويجد ــ أيضا ــ عيدو المجنون الماجن يتحدث بلغته الخاصة .
وقد احسن الكاتب افتتاح روايته بمشهدية سحرية واقعية بجعله الحيوانات ــ الكلب والصقر والغراب ــ تعي وتتكلم مع اناس سنجاريين معاصرين , وفي ظرفين ؛ زماني ومكاني سنجاريين ــ أيضا ــ , وبهذا الصنيع فإن الكاتب ــ وبمهارة ــ أراد أن يشي لقارئه ــ بأن سنجارَ وما حصل فيها قصةٌ قد لا يتحملها العقلُ ؛ قصةٌ تُشبه هذه التي أرويها لكم على لسان الغراب والصقر ــ , وهنا لا بد أن نشير الى أن هذه النقطة بالتحديد يمكن أن تكون مفتاحا صالحا لقراءة رواية السالم هذه من خلال المقاربة الموضوعاتية التي بلور ملامحها الفرنسي جان بيير ريشار , وذلك بالانطلاق من نقطة السرد هذه بوصفها بنية حكائية صغرى للوصول الى مفاتيح الرواية كلها .
ورواية عذراء سنجار رواية سؤال وجودي , اذ ان هذه الشريحة التي تعرضت للانتهاك اكثر من سبعين مرة , هي تبحث عن هويتها من خلال البحث عن نشتمان المختطفة عند داعش , فالبحث عن هذه الفتاة وسط مخاوف وقلق مستمرين هو بحث وجودي , وسؤال عن الإنسان المفقود في زمن لا يفقه معنى الانسانية , زمن استعار قناع الماضي المعتق ليضعه على وجه الحاضر , زمن شوهت فيه حتى الامكنة .
الرواية في اغلب مفاصلها تدور بين ثنائيات الأصيل والبديل : فبراءة اليزيدية يقابلها زيف الدواعش والمتأسلمين بالعنف , وسنجار القصبة الوادعة تقابلها ولاية سنجار الاسلامية , وآزاد يقابله سربست , ونشتمان البريئة تقابلها نشتمان الملوثة بالسبي .
ومما تقدم يمكن القول إن عذراء سنجار رواية إدانة ؛ لواقع مؤلم , وهي في الوقت ذاته رواية اعتذار , إذ يصحُّ القولُ هنا إن السالم في روايته هذه لا ينطق بإسم الأنا الفردية انما هو يعتذر لليزيديين باسم الانسانية جميعا عما جرى لهم فللأديب الحق أن يتحدث بإسم الانسان بعدما انتهكت انسانيته باسم الأديان .



#علي_حسين_يوسف (هاشتاغ)       Ali_Huseein_Yousif#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في كتاب ( إشكاليات الخطاب النقدي العربي المعاصر )
- النقد الأدبي العراقي ... محاولة تصنيفية
- رواية ( الطلياني ) لشكري المبخوت , واحقية الفوز بالبوكر
- الشعرية ... تحولات المصطلح والتاريخ
- اهم مصادر دراسة الشعر العراقي ... القديم والحديث
- اهم مصادر دراسة الشعر العرقي ... القديم والحديث
- الملامح الاشكالية للمنجز الثقافي العراقي بعد 2003 المنجز ال ...
- قصيدة النثر عند نامق عبد ذيب ... معالم وعتبات
- القراءة والعشق والجنون
- الكتابة عن تجربة المرض
- حينما تنزف التراتيل انفاسه يتجذر الاسى ... قراءة في مجموعة ( ...
- الاختلاف المرْجيء بين الصوت والصمت
- من تمثلات الشعر الكربلائي المعاصر
- الشعرية العراقية المعاصرة وحساسية القراءة المطلوبة
- حينما تبوح ذاكرة البيدق باعترافاتها , قراءة في رواية من اعتر ...
- الذات في خطاب الشكل الشعري المعاصر ... قراءة في النص الشعري ...
- الكشف الشعري والنفاذ الى حقائق الاشياء ..... قراءة في نصوص ع ...
- المجاوزة الرؤيوية في الشعر ... قراءة في الاعمال الورقية للدك ...
- مشكلة السوابق واللواحق في ترجمة المصطلح
- ازمة الخطاب الموجه في الفضائيات العراقية


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي حسين يوسف - عذراءُ سنجار أو الفجيعةُ روائياً