أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - محمد عبد المجيد - حوار بين مغترب و .. مقيم!















المزيد.....

حوار بين مغترب و .. مقيم!


محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب

(Mohammad Abdelmaguid)


الحوار المتمدن-العدد: 5170 - 2016 / 5 / 22 - 16:15
المحور: مقابلات و حوارات
    


حوار بين مغترب و .. مقيم!
بعدما انتهتْ الأيامُ الأولىَ لدفءِ اللقاءِ مع العائلةِ والأصدقاءِ والجيران، وفي مساءِ يومٍ باهتٍ، مفتعَلٍ جرىَ بينهما الحوارُ التالي:
المقيم: سانشغل عنك في الأيام القادمة لأنني أنزل من البيت مبكرًا، وأعود منهـَــكًا في المساء، فألقي بجسدي على الفراش كأنني ميـّـتٌ نصفُه حياة، ويستحيل خلع يومياتي من إطارها المرسوم، وعلىَ كل حال فلك خالص الشكر على الهدايا التي جئت لي بها من الخارج!
المغترب: لا تقلق، فأنا سأقوم بعدة زيارات رغم أن الجميع غارقون في أعمالهم ومدارسهم وامتحانات الأولاد.

المقيم: ظننت قبل وصولك أنك بدَّلـْـتَ جـِـلدك، وغيرّت بـَـشرتك، وعجــَّـمت لسانــَـك، ونسيت عاداتـِـنا وتقاليدَنا، فقد اخترتَ الخارجَ داخلا، وحَرَمتَ نفسك من متعة الموت فوق أرض أجدادك، وأضحى شـِـتاتــُـك شتاءً باردًا، وغربتـُـك كغريب ألبير كامي، فتبعثرتَ هناك وطارت روحُ الماضي منك لتتفتت أجزاؤك في كل اتجاه ما عدا قــِـبلة الوطن الأم.
المغترب: لقد اختزلتني في سنوات الطفولة، واختصرتني في أعوام الشباب، وقصصت أجنحةً كانت تسمح لي بالطيران ذهابا وإيابًا، فجعلتــَـها أنتَ هجرة بدون عودة.
نحن نهاجر ولا نتغرب إلا بمشاعركم نحونا، ولا نقطع شعرة معاوية مع الوطن إلا بمقصٍّ في أيديكم، ونتابع أخبار ترابه ونيله وسدوده وسحاباته فإذا عدنا عاملتمونا كسائحين، وإذا أبدينا الرأي في هموم الوطن حسبتموها حشراً لأنوفنا في خصوصياتكم.
كلما أكدنا أننا امتدادٌ لأهلنا، انفرجتْ شفاهكم دهشة وتعجـُـباً من الضيوف الثقلاء الذين، حسبما تظنون، يريدون الغربة والوطن، يحتفظون بمسمار جحا فيعودون لتثبيته في كل زيارة.
لو كان هناك جهاز لقياس الوطنية لدى المقيمين والمهاجرين لانبجست منه دموع على انفجار حب المهاجرين لوطن غضَّ المقيمون الطرف عنه.
منذ اللحظة الأولى لوصولي المطار وأنا أشعر أن العيون تنزع عني رداء الوطن، وتدثرني بغيره، فالناس تراني مواطنا نصف سائح، أو سائحًا يعرف لغتهم.

المقيم: أنت هاجرتَ فهجرتَ، وتركت مكانك لغيرك فلم تعد تعرفه أو تملكه أو تشعر به على على استحياء. لا تمدّ إقامتـَـك فقد أصبحـَـتْ عبئًا علينا، ونشوة الأيام الأولى يجب أن لا تصبح مقدمة لهجرة معاكسة.
في كل زيارة تطرح نفس التساؤلات التي أجبنها عنها من قبل وسقطت من ذاكرتك في المرة السابقة فور تحرك طائرة عودتك إلى وطنك الجديد. إنك لم تعد تعرف أسماء أفراد العائلة وأولادهم فهي كائن معقد كلما كبرت العائلة في بيان تنازلي زاد جهلك بها.
ثم إنه لم يعد من حقك أن تنهر أو تعاتب أو تلوم طفلا صغيرا أو شابا يافعا أو سلوكيات لا تفهمها كقنديل أم هاشم، وزيارتك لمدة شهر ثقيلة علينا في منتصفها، وتكاد لا تُطاق في نهايتها.
إن حبنا إياك لم يتغير، لكن وهجه يبرق من بعيد، فإذا اقتربتَ بهــَـتَ، وإذا أطلت المكوث انتظرنا سفرَك بصبر تشويه جمراتُ نار ظاهرها مودة، وباطنها غرابة.
في المرة القادمة يجب أن تحزم حقائبك بعد فتحها، وأن تؤكد حجزتذكرة عودتك إلى وطنك الثاني في اليوم الثالث لوصولك حتى تظل مكانتك في قلوبنا ثابتة.
سيأتي الوقت الذي يصبح فيه الوطن من داخل شاشة، وزيارتك إلكترونية، وأحاديثك الخاطفة تنتهي فور انقطاع التيار الكهربائي وصمت السكايب.
نظراتك خلال عطلتك لا نستريح إليها، فأنت تتعجب أن لدينا في فقرنا أكثر مما لديك، وأنك تصرخ عندما تأتيك فاتورة الغداء في مطعم وتطرح سؤالك الفضولي الأحمق: أنا أعيش في المهجر ومع ذلك فكل الأسعار هنا تُفرّغ جيبي.
من فضلك لا تشفق علينا، وأكمل عطلتك في هدوء، فنحن بك أو بغيرك نعيش بالستر والدعاء وسدّ ثغرات المرتب الشهري الذي ينتهي قبل أن نتسلمه.
إن بيتك الذي اشتريته والشاليه الذي دفعت آخر أقساطه والسكن الثاني الذي سددت قيمة الدُفعة الأخيرة منه لا تمنحك الحق في استعادة المواطــَـنة التي تركتها، فأنت تشتاق لوطنك الثاني قبل مرور أسبوع في عطلة الصيف، وتتحدث عن حياتك وعملك وأولادك في الخارج أكثر مما تسمع حكاياتنا، وترينا صورًا كما نشاهد فيلما سينمائيا نعرف فقط أشكال أبطاله ولم نلتق بهم.
أحيانا تؤكد أنك تعمل كالحصان، وتجتهد كالذئب، وتفترس الفرص كأسد جائع، فيزورنا صديق حميمي لكَ ويقسم أنك لا تعمل، وأن مكتب الضمان الاجتماعي أبوك في الغربة، والتحايل على الدولة المضيفة هو ست الحبايب!

المغترب: أنتم تعتقدون أن الرؤية من الخارج أقل وضوحا من رؤية المقيمين.
تتيهون في العادة والاعتياد وتحسبون أنكم تعرفون، وأن أهل كل مدينة أدرىَ بشعابها. تسمعون منا فإذا اختلفنا قلتم لنا: أنتم تعيشون في عالم آخر يؤثر فيكم فتأتوننا بأفكار الغرباء والكارهين والمستعمرين، رغم أن الذي يشاهد من بعيد تكون الرؤية المتكاملة لديه أكثر سطوعا.
إن خوفي على الوطن الأم ليس فضولا لكنه مشاركة مني، ففي المهجر شاهدت، وقارنت، والتقطت عيناي ما اعتادت عيونُكم على عكسه فظننتموه الإبداع.
ما العيب أن أكون متعلقًـا بالوطن وعالقاً بغيره ومعلــَّـقا بينهما؟
المفترض أن تنتابني مشاعر الغرور ولو على فقاعات صابون، فيحدث أن الكبرياء يتمسك بكم قبلي، وترفضون الحبل الرفيع الذي يربط المغترب بالمقيم وهو سينقطع في يوم من الأيام مع جيل قادم أو أحفادي حتى لو جاء الرئيس البرازيلي وقام بتقبيل الحجر اللبناني أمام بيت ماضيه قبل الهجرة.
لا أحب أن تقولوا عني بأنني مغترب، فمن يتأمل في عُمق الحقيقة لا يخالجه أدنـىَ شك في أنكم أنتم المغتربون في الداخل وأنا المقيم بينكم وجسدي في الخارج.
المغترب كان وكائن وسيكون، والمقيم كائن فقط!
إن الهجرة ليست انعتاقَ الروح من الجسد، إنما عملية انتقال سلسة يدفع ثمنــَــها المقيم، وضعفَ ثمنــِــها المهاجر.
المقيم: في نسياننا إياك تــَــعـَـلمنا الفرحَ أيضا، وعندما نراك تحاول أن تُذكـِّـرنا بالحزن!
مخزون ذكرياتك يحشرنا في ماضٍ بنينا فوقه سبع حيوات بعد هجرتك. وإذا كنتَ تمُنّ علينا ببعض الهدايا التي تشتريها في كل عام من بقايا أوكازيونات الخارج، فنحن في غــِـنىَ عنها، خذها وخـُـذْكَ.. إنْ أردتَ!
صناعة الشوق ترهقنا أكثر من فبركة الشك، وحتى زيارتك في وطنك الجديد لكنيسة قبطية أو مسجد لا تعنينا في شيء، فاللهُ هنا ليس هو اللهَ هناك، فأنت قاطعت فقطعت، وحبلُ السُرّة انقطع مرتين: واحدة هنا عقب مولدك، والثانية هناك عندما اخترتَ الولادة الأخرى.
أنتَ تتوهم دموعـًـا دافئةً عليك في وطنك الأم فتمنحك قيمة، ونحن نتوهم انشغالك بنا عقب محادثة هاتفية تسير مع عقرب الساعة الكبير فتظنها عناقا وأحضانا عبر الأثير، ثم تنفصل الحياتان إلى نصفين يتناثران في الماضي ولا يبقى لهما أثر في المستقبل.

المغترب: لقد تغيرت سلوكيات أهل بلدي الملتصقين بأرض الوطن أكثر من تغييرات طرأت عليَّ في طيراني المهجري.
مساحات الصمت بيننا أوسع من المسافة بين الوطنين: الأم و.. الجديد!
أفكر في الأموات أكثر لأنهم لم يعيشوا مشهد الانفصال الحديث، على الرغم من أنني أزور قبورهم بحماس في البداية، ثم بتكاسل في وسط عطلة الزمن المجزَّأ، ثم تصبح ذكرياتهم دعاء الرحمة لهم.
إن الزمن مضاد لنا نحن الاثنين، فيوحي إليك أنني قريب يبتعد، ويشي لي بقربك الأبعد!
ألحقُّ معك أنني أزعج سطحَ البحيرة الراكدة، والحقَّ أقول لك أنَّ عُمقَ البحيرة تضاعف فلم أعد أستطيع رؤية أقرب نقطة من سطحها.
فلنمارس معا مسرحية سيقوم جيلٌ قادم بإسدال الستار عليها.

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 22 مايو 2016



#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)       Mohammad_Abdelmaguid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار بين الرئيس السيسي و .. بيني!
- حوار بين خروف و .. فاطمة ناعوت!
- لماذا نحب السباب من وراء حجاب؟
- المسيحية والإسلام في فضائيات القردة!
- التوك شو وصناعة الجهل!
- المواد الأولية لصناعة الطاغية
- من عاش زمن أم كلثوم فقد عاش الدهر كله!
- رسالة مفتوحة لرئيس لا يسمع!
- الإعدام أو الرجم أو الجلد لفاطمة ناعوت!
- هل مصرُ ماتزال عربية؟
- خرافة نسخ الثورة!
- الديمقراطية البيضاء و.. الاستبداد الأسمر!
- باريس لا تحترق!
- تنشيط أمْ منشطات؟ الرقص في شرم الشيخ!
- عقولنا ألسنتنا ..الرجم في الحالتين!
- إعادةُ تصنيع الزمن الجميل!
- نور الشريف .. مرة أخرى!
- رحيل سوّاق الأتوبيس!
- رسالة عشق لميدان!
- مراجعة مؤقتة لموقفي من الأردن!


المزيد.....




- تحليل لـCNN: إيران وإسرائيل اختارتا تجنب حربا شاملة.. في الو ...
- ماذا دار في أول اتصال بين وزيري دفاع أمريكا وإسرائيل بعد الض ...
- المقاتلة الأميركية الرائدة غير فعالة في السياسة الخارجية
- هل يوجد كوكب غير مكتشف في حافة نظامنا الشمسي؟
- ماذا يعني ظهور علامات بيضاء على الأظافر؟
- 5 أطعمة غنية بالكولاجين قد تجعلك تبدو أصغر سنا!
- واشنطن تدعو إسرائيل لمنع هجمات المستوطنين بالضفة
- الولايات المتحدة توافق على سحب قواتها من النيجر
- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - محمد عبد المجيد - حوار بين مغترب و .. مقيم!