أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد الباسوسي - رحلة السيدة العجوز














المزيد.....

رحلة السيدة العجوز


احمد الباسوسي

الحوار المتمدن-العدد: 5148 - 2016 / 4 / 29 - 22:34
المحور: الادب والفن
    


واقفة كانت وسط الميدان، تحمل على كاهلها نظارة طبية سميكة تغطي عينان ضيقتان، غائرتان، دهستهم عجلة الأيام القاسية، وارطالا هائلة من الشحوم والأمراض، والسنون. تتشح بعباءة سوداء متسخة بالية، وتتكئ على عصاة عتيقة في حركتها البطئية على الأرض. أشاحت لسائق سيارة الأجرة فتوقف وسط الميدان الصاخب لإلتقاطها. مرت لحظات انتظار سيارة الأجرة حتى تلتهم العجوز العرجاء المتباطئة داخلها عصيبة للغاية، العجوز تمشي نحو السيارة ببطئ شديد، نزل أحد الركاب لمساعدتها في الصعود والاستقرار على المقعد خلف السائق، شُلْت حركة المرور في الميدان والشارع الرئيسي ساعتها، اصطخب الشارع بكافة الوان الصوت المنبعثة من كلاكسات السائقين الذين فقدوا صوابهم وطفقوا يلعنون سائقي الأجرة ومن على شاكلتهم، إنشقت الأرض وظهر شرطي كان متواري في زحمة السيارات والناس في الميدان يهاتف شخصا ما عبر هاتفه المحمول، أمر سائق السيارة الأجرة قبل أن يهم بالتحرك بمجرد أن استكانت السيدة العجوز في مقعدها أن يتوقف ويبرز رخصة السيارة. إضطرب السائق، تغير لون وجهه وصوته، توجس، عبثت أصابعه في ثنايا تابلوه السيارة المزدحم بالاوراق والاشياء القديمة المتربة، ناوله ورقة كانت غائرة وسط الأشياء، ارتفع صوت السيارات المحتجة من الخلف على الحر الشديد والطريق المغلق وأشياء أخرى كثيرة. أمر الشرطي السائق أن يركن على جانب الطريق، إمتثل السائق في غصة وكان يتمتم بعبارات عفوية، إنشغلت السيدة العجوز بالعبث في ملابسها وجسدها لإستخراج حافظة النقود خاصتها المخبأة بعناية، لاحقت السائق من خلف ظهره بصوت واهن " اجرة حلوان كام"؟. مزاج السائق ووجهه اكتسيا باللون الأحمر العاصف. نزل من سيارته، استمرت حواراته مع الشرطي دقيقتان قبل أن يعود مرتاحا وقد استبد الغضب بالكثير من ركاب السيارة في الداخل بسبب التعطل والتأخير، وكذلك على اولئك الذين سمحوا لسيدة اقتربت من التسعين عاما أن تخرج الى الشارع بمفردها في هذه الحالة. لم تتنبه السيدة بحكم ضعف السمع والانتباه الى موجات الاحتجاج داخل السيارة ولا الي ما يحدث بين السائق والشرطي خارج السيارة. كررت سؤالها للسائق الشاب " اجرة حلوان كام يا اسطى"؟، لم يتنبه الرجل، صوت المرأة واهن جدا، والضجيج داخل سيارة الاجرة مرتفع جدا. تطوع احدهم بصوت جهوري من خلف السائق أيضا " الحاجة تسألك الأجرة لحلوان كام"؟. التفت الشاب للخلف، ابتسم، أخبرها " اللي معاكي إدفعيه ياحاجة". تنبهت السيدة لإبتسامته الجميلة وصوته الودود، فتحت حافظة نقودها الصغيرة المتآكلة، كان بها بضع قطع معدنية قليلة، صادت واحدة منها فئة الجنيه وسلمتها لأحدهم لتوصيلها. استبد الفضول بإمرأة شابة تجلس جوارها وكانت قد صعدت الى السيارة قبل العجوز مباشرة، اقتربت جدا من أذنها، سألتها بصوت مرتفع " هاتنزلي فين في حلوان ياحاجة"؟. التفتت اليها، ظهر على وجهها ابتسامة عذبة مرحبة.كانت الجلبة والضوضاء داخل السيارة كبيرة بفعل اهتزازها المتواصل على الطريق ومشاكل في المحرك وعفشة السيارة المتآكلة. احتوى كف العجوز كف المرأة الشابة بفرحة، ضغطت عليه جيدا، تطلعت الى عينيها في أمان، قالت " إبنتي آخر العنقود في مثل عمرك كده، ولدت إمبارح، عايشة في حلوان مع جوزها اللي يشتغل في مصنع السيارات".إكتفت المرأة الشابة بالتمتمة بالكلمات المعروفة في مثل هذه الحالات على سبيل المجاملة، لكن ظل أمر هذه السيدة التي تعيش وحيدة الآن وتحاصرها الأمراض، وعجز الشيخوخة، وموت ضل طريقه اليها، يؤرق المرأة الشابة لفترة طويلة قبل أن تهم بالنزول من سيارة الأجرة وتترك العجوز تواصل طريقها الطويل. لعلها أدركت وهي على بعد خطوات قليلة من مسكنها حيث ينتظرها ابنائها الذين عادوا من مدارسهم إن رحلة السيدة العجوز لزيارة ابنتها التي وضعت حملها منذ يومين من الجيزة الى حلوان ربما تكون مكافأة القدر لها على احتمالها السير في رحلتها مع أيامها بعد أن خذلها ابناؤها، واحفادها، وجسدها الذي تساقطت أوراقه ولم يعد يعينها على أيامها سوى ركبتين ما تزال لهما القليل من الصلاحية، وعينان واذنان في الرمق الأخير، وإبنة صغيرة جميلة تبعد عنها عشرات الأميال، أبلغها زوجها عبر الهاتف المحمول الذي اشتراه لها ابناؤها للاطمئنان عليها من بعيد إنها وضعت حملها الأول منذ يومين. وكذلك القليل جدا من البشر الطيبين على شاكلة سائق سيارة الأجرة رغم ما تعرض له من غرامة كبيرة، وهؤلاء الفضوليين الطيبين المهتمين بالاقتراب منها والسؤال عنها.
د. احمد الباسوسي
القاهرة /ابريل2016



#احمد_الباسوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأشباح تقتل في الظلام (قصة قصيرة)
- البيت العتيق
- صائد الذباب
- قلق اجتماعي واضطرابات انشقاقية وجسدنة (المنزل المشئوم)
- الانتكاسة والانهيار بعد العلاج /استغاثة قبل الخروج
- آليات الدفاع النفسية ونظرية في الادمان وعلاجه
- فتاة لا تغطي شعرها
- اضطراب قطبي من النوع المسكوت عنه (الطبيبة الحائرة)
- مزاج اكتئابي واحتراق نفسي
- كيف تحمي مؤخرتك
- - البدون - الحائر
- العجوز والحرب (قصة قصيرة)
- ممنوع عليك غلق باب الحمام
- الموكب (قصة قصيرة)
- لذة ممنوعة
- طلاق بالأمر (العلاج النفسي)
- تلاشي (قصة قصيرة)
- الصعيدي الذي قهر الفصام


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد الباسوسي - رحلة السيدة العجوز