أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - احمد الباسوسي - قلق اجتماعي واضطرابات انشقاقية وجسدنة (المنزل المشئوم)















المزيد.....


قلق اجتماعي واضطرابات انشقاقية وجسدنة (المنزل المشئوم)


احمد الباسوسي

الحوار المتمدن-العدد: 5021 - 2015 / 12 / 22 - 15:08
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


تلقفني زوجها قبل أن أهم بالجلوس على مكتبي بالغرفة8، مستفسرا " حضرتك الدكتور احمد"؟ أومأت بالإيجاب، وضع في كفي ورقة تحويل مع التوصية بعمل اللازم من الدكتور رئيس الوحدة. في البداية اعتقدت أنه المريض. ربما بسبب كلامه المتواصل من دون سؤال، أو ربما بسبب مظهره الذي بدا عليه الارهاق والتعب، لم يكن مهندما بالشكل اللائق، أطل شعر ذقنه طليقامن دون عناية، مثل حشائش الأرض المهجورة منذ زمن بعيد. ظهرت آثار السهر جلية على عيناه الضيقتان حيث مسهما احمرار خفيف ووهن، كأنه لم يتذوق طعم النوم منذمدة طويلة. أشار بسرعة ملفتة الى السيدة التي في صحبته كأنه أراد ان ينفي عن نفسه تهمة خطيرة.! " لا،إنها زوجتي ". التفت الى السيدة المنتقبة، تبدو شابة مثله، مستديرة الوجه، بيضاء البشرة، ظهر ذلك من خلال بياض كفيها، ممتلئة، عيناها الضيقتان المحدبتان في وضع ابتسام دوما.
طلبت بيانات أولية أدونها في دفتر ملاحظاتي للتعرف على الحالة، ومحاولة فهمها فهما صحيحا. أربعينية، متزوجة منذ أكثر من عشرين عاما، لديها ستة أبناء، نصفهم بنات ونصفهم الآخر أولاد، تعمل بوظيفة ادارية بإحدى مدارس البنات. بمجرد أن سألتها عن شكواها، بادرني زوجها سريعا مسترسلا من غير توقف، ومتحدثا نيابة عنها. لفت اهتمامي ابتسامتها المغلفة بمشاعر إذعان، تبدو غير حقيقية وغير مريحة أغلب وقت المقابلة، والموافقة على كل ما يقوله زوجها دون أدنى اعتراض أو تعليق. يقول الزوج " من يوم شارينا البيت عام 1999 وهيه متغيرة، تتوتر بسرعة توتر ما هو طبيعي، تتعصب عليا وعلى الولاد، وتتهاوش معانا دايما. ساعات تتحدث بأصوات غريبة. تجلس دايما في البيت، ما تحب تخرج بره، تشعر بضيقة وخنقه لو طلعت، والآم في بطنها، وخفقان في القلب وضيقة نفس. روحنا بيها عند المشايخ، قالوا فيها سحر، وبقت تغير عليا جامد، وتتهاوش معايا ". عند هذه النقطة أدركت أني لو تركته يسترسل لما توقف عن وصف المرض والاعراض ورحلات العلاج لدى المشايخ التي وصلت لدرجة السفر لدولة مجاورة لمعالجتها لدى شيخ هناك حسبما أقنعه بعض أقاربه الثقات. اشتممت بحكم خبرتي رائحة مبالغة تبدو متعمدة، خاصة أننا بصدد عائلة ليست صغيرة، بل شبعت من الابناء ذكورا، واناثا ومستقرة، كما أن المرأة ما تزال تعمل بوظيفتها الادارية بمدرسة البنات. استأذنت الزوج في إخلاء المجال لزوجته للتعرف على مشاكلها خاصة وانها صاحبة الشكوى.
قالت" أنا اعاني من توتر ما هو طبيعي، من يوم شارينا البيت (قبل عشر سنوات)، أتعصب كثير، ما قدر أطلع بره البيت، أخاف جدا، أشعر بضيقة في نفسي، وخفقان في قلبي. زوجي يعرف ستات غيري، شوفت أرقامهم على الموبايل، مرة صديقته كلمتني وأهانتني. جالي انهيار نفسي، يقولون أتكلم بأصوات غريبة، أنا موش عارفة، كنت منتظمة في عملي جدا، الفترة الاخيرة ماكنت أقدر أطلع، أخدت طبيات كثير لحد ما خلصت كل اجازاتي المرضية ".
شكوك المعالج
دغدغ الشك رأسي في امكانية أنني قد أكون ضحية لأشخاص يبحثون عن مبررا نفسانيا للتغطية على عدم التزام، وغيابات في العمل، ويخشون تحمل العواقب،وأني قد أكون الشخص المحتمل لمنحهم صك البراءة والافلات من العقاب. استدعيت الزوج ثانية، أكد على مسألة طلبهم لتقرير طبي لتبرير غياب الزوجة من عملها بعد استنفاذ كافة إجازاتها المرضية، حيث أنه قام بتسفيرها لدولة مجاورة بحثا لها عن علاج عند المشايخ في تلك الدولة. وبالمناسبة الزوج الشاب الاربعيني أيضا كان يعمل عسكري بوزارة الدفاع،متقاعد حاليا، لديه اهتمامات ثقافية وأدبية، يقرض الشعر، تم استضافته في الكثير من البرامج التليفزيونية في التلفزيون المحلي. لاحظت عليه بعض العلامات التي يمكن وضعها في الاعتبار عند مناقشة مجمل تفاصيل الحالة مثل الثرثرة الزائدة، بمعنى الرغبة في الحديث من غير توقف لو منحت له الفرصة ليفعل ذلك.شدة الاعتقاد بان زوجته راكبها سحر، وعلاجها فقط عند المشايخ الذين ذهب اليهم، وذلك على الرغم من اهتمامه بارتياد المحافل الثقافية، وقرض الشعر والظهور في وسائل الاعلام في البرامج الثقافية المحلية.وأخيرا التوحد نسبيا بالأعراض الانشقاقية لزوجته. بمعنىالحماس في تبني هذه الاعراض، والايمان بها كأنها أعراضه الخاصة. وقد يكون ذلك اضافة الى الملاحظات السابقة مؤشرا تمهيديا يدل على وجود ثمة اضطرابا لدى صديقنا الزوج الشاعر، الذي فضل الانسحاب والتقاعد في شبابه، والتفرغ للدوران حول مجالس الاصدقاء، وعلى المقاهي، والتفرغ أيضا للنساء العابثات، والبحث في المستشفيات عن دواء يعالج أعضائه الداخلية التي جأرت بالشكوى من جراء تلك الحياة الفارغة الفقيرة. لا أبغي استباق الأحداث، وتجاهل البعد الثقافي /الاجتماعي في هذه المسألة، خاصة أن هناك المئات من الشباب على شاكلته ممن كانوا يعملون في وزارة الدفاع وغيرها من مؤسسات الدولة، فضلوا الانسحاب مبكرا من سوق العمل، عن طريق برنامج التقاعد المبكر الذي حفزت عليه الدولة الافراد، ومنحت المتقاعد معاشا كاملا منعكسا في آخر أجر شهري وصل اليه أثناء وجوده في الوظيفة، وكان ذلك في سياق تشجيع الدولة على نظام الخصخصة، وبيع بعض المؤسسات والهيئات التي تمتلكها لمستثمرين محليين وأجانب. الأمر الذي ترتب عليه زيادة الطلب على التقاعد المبكر بالنسبة للمئات من الشباب ممن لايزالون في عمر العمل والانتاج، ويتمتعون بالحيوية والنشاط، وقد أفضى هذا الأمر الى ظهورهم على المقاهي، ومجالس الاصدقاء باستمرار. أو ربما لا يزيد الأمر عن كونه مجرد صورة مبالغ فيها من الأعراض (لاحظ أننا حتى الآن بعيدين عن الأعراض الذهانية التي تضرب العقل وتقسمه، والتي تعتبر أيضا وصمة عظيمة من العار المجتمعي)، أصر الزوج أن يحبكها بطلاقته اللسانية، (حيث أنه يمتلك موهبة قرض الشعر) لمساعدة زوجته في الاحتفاظ بعملها المهدد بفقده نتيجة كسلها، ونفاذ رصيدها من الإجازات المرضية، فجاء يبحث عن تقرير طبي يقول أنها مريضة وأن غيابها عن العمل له مبررا طبيا. كما يجب أن نضع في اعتبارنا قوة الثقافة المجتمعية، وتأثيرها النفاذ بشدة على عقول الناس، سواء كانوا متعلمين، أو غير ذلك، مثقفين، أو غير ذلك أيضا. الميراث واحد، والجميع لابد وأن يطاله نصيبه من ذلك الفيروس الذي لا يفتأ ينهش في العقول، ويدمغها باحاديث الجن والسحر والشعوذة، لدرجة الاستعداد للسفر الى آخر الدنيا اعتقادا في هذا الهاجس القوي.
اضطرابات نفسية وميكانزمات الدفاع
الزوجة الهامسة ربما تعاني حقا من مشكلات زواجية منذ اثنتي عشر عاما، أو بعد شراء البيت الجديد حسبما ذكرت، ونتج عن ذلك تراكما للضغوط على كاهلها، لم تعد تستطيع معالجتها، وتحملها. بدأت قصتها باضطرابات قلق مألوفة،أخذت شكل نوبات هلع خوف، عدم راحة، الشعور بضيق التنفس، خمود، إغماءه، الآم في البطن، والصدر. تزامن ذلك أيضا مع أعراض الخوف من الأماكن المفتوحة. تجلس في المنزل، لا تستطيع الخروج، تتجنب التواجد في المناسبات، تشعر بضيقة شديدة، وخنقة، وكرشة نفس إن خرجت من المنزل، لدرجة أن لا تستطيع أن تكمل مهمتها،وتعود سريعا. تطور الأمر لاحقا، أو صاحب ذلك نوبات انشقاقية تحولية، حيث يختل الوعي لديها، تظل تتلفظ بعبارات وأصوات غريبة عنها، ومختلفة عما يحدث لديها في الظروف الطبيعية عندما تمتلك الوعي الكامل. وبعد انقضاء النوبة لا تستطيع أن تتذكر أي شيء يتعلق بهذه الخبرة. ومن المعروف أن ميكانزم الانشقاق الهستيري يستخدم عادة بواسطة المريض للهروب من خبرة مؤلمة للغاية، أو للحصول على مكاسب معينة لا يتسنى له الحصول عليها في الظروف الطبيعية. والمريضة وفقا لذلك الفهم الذي قد يبدو متعجلا بعض الشيء في حاجة إلى اجراء المزيد من الفحوصات المختبرية، والإكلينيكية للتوصل الى فهم أنضج للحالة، وبالتالي امكانيات العلاج النفسي / الدوائي والمتابعة. ولكن وكما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، حدث أن المريضة وزوجها لم يلتزما باتفاقي العلاجي معهما. علمت لاحقا أنهما توجها لمكتب رئيس الوحدة عقب مغادرتهم الغرفة رقم (8). أخبرهم رئيس الوحدة أن موضوع التقرير الطبي يحتاج الى لجنة طبية، وأن المريضة لابد أن تخضع للملاحظة والفحوصات النفسية مما قد يستدعي احتجازها داخل المستشفى عدة أيام. هذا الأمرأثار حفيظتهم وغضبهم، وربما رعبهم أيضا، قرروا المغادرة فورا بعد تلاشى أمل حصولهم على مبتغاهم وفق شروطهم الخاصة. وأما فيما يتعلق بتلك المتاعب التي تعاني منها الزوجة فقد اختارت وزوجها نوعا من العلاج بديلا عن ما هو طب، يمحنهم حماية مجتمعية مؤكدة من عار مجرد الاشتباه في كونها مجنونة أو مضطربة نفسيا. أو كون زوجها مرشحا محتملا لأحد اضطرابات الشخصية المعوقة. والقصة على بعضها، أو الهمس المتبادل بين الزوجين، أو بينهما وبين المعالج يكشف لنا أبعادا كثيرة جديرة بالتوقف عندها.
الزوج الشاب الذي توقف قطار تعليمه عند المرحلة الاعدادية، وسارع بالتطوع في الجيش، وقبل أن يبلغ الاربعين قدم استقالته ليصبح من دون عمل في هذه السن المبكرة، واهتمامه بقرض الشعر، وحضور الفعاليات الثقافية، وقراءة الشعر فيها، جذب اهتمام رواد هذه الفعاليات، الأمر الذي جعله ضيفا على البرامج الثقافية التليفزيونية، وربما أصبح شخصية شبه معروفة في الوسط الثقافي حسبما يذكر. والزوجة الشابة المتعلمة الى حد ما، المنتقبة، والتي كانت مجتهدة في عملها ولا تشكو من شيء حتى بلغت عامها الثامن والعشرين، وتزامنا مع شراء منزل جديد، وفتور العلاقة الزوجية، واكتشافها رسائل من والى زوجها الى أخريات عبر الهاتف المحمول، لدرجة اتصال احداهن عليها هاتفيا والسخرية منها. هذه الامور مثلت ضغطا شديد الوطئة على نفسية زوجة بائسة، ضعيفة، معتمدة، في حاجة دائمة لآخر يساعدها ويحل مشاكلها. ولما كان زوجها هو ذلك الشخص الوحيد الذي له مغزا في حياتها في هذا العالم والمعتمدة عليه، يبدو غير مستقر، خائن للعهد والعشرة، لا يمنحها الأمان، ولا الحب المطلوبين. أصبح شخص متباهي، ركبه الغرور والزهو بنفسه، وبعلاقاته مع الرجال والنساء. اكتشفت الزوجة أنها اصبحت بلا سند، وأنها غير مطلوبة، لا يحتاجها أحد. والذي حدث أنها دخلت في سلسلة متصلة من الاعراض الاكتئابية والنفس جسدية، وتمكنت من حل مشكلة شعورها بالوحدة، وعدم حاجة الآخرين اليها، عن طريق ميكانزمات دفاعية نفسية انتجت خصيصا لهذا الغرض، مثل ميكانزم الجسدنة والذي تمثل في الشكوى من أعراض جسدية حشويه لفتا للانتباه والاهتمام من قبل الزوج، ثم ميكانزم الهيستيريا الانشقاقية من نوع التحدث بأصوات والفاظ غير مألوفة وغير مفهومة. والغرض لفت الانتباه والاهتمام، وعمل مشاهد دراماتيكية ربما تتناغم مع ثقافة الزوج والعائلتين عموما. المهم أن حالة الاكتئاب التي دخلتها المريضة كانت حقيقية، واضطرتها الى التقوقع داخل المنزل وعدم الذهاب الى العمل خاصة بعد استنفاذ جميع اجازاتها الطبية، وترسخ لديها خوف رهيب من الخروج من المنزل الجديد، الذي يمثل بالنسبة لها رمزا للشؤم وعدم الارتياح. منذ أن دخلته لم تعد تشعر بالراحة ولا الأمان، انقلبت أوضاعها، تغيرت للأسوأ. عاشت حالة القلق بجميع مستوياته. وصاحب الآمها النفس جسدية، وكذلك الآم لحظات الانشقاق الهيستيري، الأمر لم يكن بسيطا اذن على المريضة المسكينة التي رفعت الراية البيضاء تماما لزوج لا أستطيع أن اجزم بعدم سلامته من أحد اضطرابات الشخصية، الذي ربما يكون على الارجح اضطراب الشخصية من النوع النرجسي وفقا للتوصيف المتعجل بناء على المقابلة، والوقت الذي استغرقه معي في الحديث. يتميز الشخص وفقا لهذا الاضطراب بالغرور والتعالي والشعور بالأهمية، ومحاولة الكسب ولو على حساب الآخرين، وعدم التعاطف مع الآخرين. المريضة سيئة الحظ، نصف متعلمة،أضحت تشك في كل شيء. في الزوج غير المستقر في المنزل والذي يدور على المجالس والمقاهي، ولا يمنحها وقتا أو عواطف هي في أمس الحاجة اليها، كما أن علاقاته المتعددة بالنساء الأخريات التي اكتشفتها مؤخرا على هاتفه النقال مصادفة عمقت بقوة من جراحاتها والآمها،لم يعد لديها سوى التقوقع والاختباء، أو الاختفاء داخل هذا المنزل الجديد، المشؤم، الذي لا يرحم ضعفها، استسلمت لقدرها، ولنيران من داخلها تأكل صدرها وعقلها، ونيران من الخارج تشع وهجا من باطن جدران ذلك المنزل الشؤم، والآن لم يبق لها سوى الهمس، ربما يخفف نسبيا من شراسة تلك النيران.


"والحل كما أشرت بحتميةخلق زمن جديديخصها وحدها، تمنح فيه نفسها فرصة للتغيير في كل شيء، مظهرها، أفكارها، مشاعرها، تصرفاتها. وأن تمنح الفرصة لاستمرار هذا التغيير والتأقلم معه، واعتباره شهادة ميلاد جديدة. عند هذا الحد نستطيع أن نستمتع بحياتنا وزماننا الجديدين"
أعراض نفس /جسدية واضطرابات ذات صلة
(المرأة الكسولة)
فارعة، مهيبة، ممتلئة، أربعينية، سمراء، تلبس النقاب، بدت حائرة، قلقة، تحولت للعلاج النفسي منذ شهرين ولم تحضر سوى اليوم،! وبدون موعد. متزوجة ولديها ثلاثة أولاد وابنتين، لم أمانع من مقابلتها بعد أن لمست مبلغ حيرتها وقلقها ورغبتها الشديدة في أن يستمع اليها شخص ما. قالت " أشعر بضيقة، وبكاء، وعوار في بطني، أروح للطبيب يقول ما فيه مشاكل، زوجي تزوج عليا من أسبوع، تفتكر لسه بيحبني ؟ هوه يقول ذلك !، عايزة اصدق ده؟، كان يتخانق معايا كثير عشان موش باعمل الاكل؟، يقول لي انتي الاصل والاساس، هل ده ممكن يكون صحيح؟ عايزة أرجعه لنفسي تاني قولي ازاي " ؟.
هذه المقابلة المتعجلة تشير الى مدى ما تعانيه هذه السيدة من أعراض ما نسميه أعراض جسدية مصحوبة باضطرابات قلق متعلقة، وربما يكون هناك أشياء أخرى أكثر عمقا، تكشف عنه المقابلات التفصيلية لاحقا.
العلاج المطلوب
يبدو أن هذه السيدة جاءت للعيادة ليس للعلاج من هذه الاعراض النفس جسدية المثيرة للاهتمام، بل من جراء صدمة الزواج الثاني لزوجها وعدم قدرتها وحدها على احتمال حالتي القلق والتوتر اللذين أرهقا اعصابها.
والذي حدث أنها تذكرت موعدا سابقا منذ شهرين اثنين في الطب النفسي فقررت المعاودة لعلها تصيد شخصا ما يستمع اليها أخيرا. أو ربما تكون قد حضرت لجمرد الفضفضة. المهم تحقق لها ما أرادته من الزيارة وهو الفضفضة والتخفف نسبيا من جسامة صدمة الزواج الثاني والحصول على مجرد أمل حتى لو كان على مستوى التخيل أو التوهم في امكانية استعادة زوجها من أحضان زوجته الثانية مرة أخرى. طلبت منها أن تتخلى فورا عن عادة الكسل التي من ضمن أسباب لجوء زوجها الى امرأة اخرى حسبما تعتقد، على الرغم من عدم اقتناعي بما تعتقده ولكن طلبت منها ذلك لغرض علاجي. وكذلك أن تعمل بكل جدية لتجديد وتنشيط واقعها بديلا عن الاستسلام المرضي، والتخلي عن شغل الذهن بفكرة الهزيمة. وحتمية تقبل الواقع الجديد مهما كانت درجة مرارته والبدء من أول السطر عن طريق تأسيس واقع جديد مختلف يمتلئ بأفكار وسلوكيات ايجابية، تتمحور جميعها حول استعادة النظرة الايجابية لذاتها التي تشوهت داخلها بفضل الكثير من الممارسات السلبية. حيث نجد أنفسنا منخرطين فيها طوعا من دون ارادة مثل القطعان. الذي حدث أنها نسيت انوثتها، نسيت التطلع لمظهرها وتجميله، جاذبيتها، الوقت الذي يضيع من دون مبرر، نسيت التمتع والتشوق للحياة وتعلم أمور جديدة كل يوم لحساب الانغماس في ممارسات روتينية جافة تتحول مع الوقت الى ادمان، ويضيع الوقت والعمر ويتبدل كل شيء حولنا، سوانا نظل نبرح مكاننا ونكون أشبه بشخص يقف على محطة للقطارات، وكل ما يفعله أن يراقب القطارات التي تفر من أمامه، يتغير أشكالها،أحجامها، الوانها، وكذلك أشكال الناس في داخلها، بينما يظل مكتفيا بالنظر اليها وهي تفر من أمامه.
حتمية خلق زمن جديد
التغيير سنة الكون، والشخص الذكي هو من يدرك أهمية التغيير والتأقلم مع الوقائع الجديدة في حياته. ومحور التغيير الايجابي هو " ذاته " والنظر اليها بإيجابية. ومتطلبات التغيير عبارة عن جملة من الاجراءات في الشكل وفي المضمون، وأيضا تغيرات في فلسفة الحياة نفسها، وما يتعلق بتغير الهدف الاستراتيجي من الحياة ذاتها، حيث يتوقع أن تتراجع فكرة استعادة الزوج الخائن المزواج مثلا وتحتل ترتيب متأخر. وتنفتح أمامها مداخل جديدة للكثير من الانشطة الايجابية المحفزة لشهوة الحياة، ويرتفع تقدير الذات بعد انخفاضه ودخولها الى حالة من الاستسلام الكامل لنمط محدود من الانشطة استغرق كامل حياتها في السابق.حرمت المريضة نفسها من التعرف على أكثر من ثلاثة أرباع العالم، سواء خارجها أو داخلها، اكتفت بجزء بسيط منه متعلق بزوجها واحتماءها في كنفه لا ترى سوى ما يراه، ولا تلمس سوى ما يلمسه، ولا تستنشق من الهواء سوى ما يستنشقه هذا الرجل الذي خدعها في نهاية المطاف وارتمى في أحضان امرأة أخرى ينعش من خلالها زمنه وأعصابه، دونما أدنى اعتبار لردة فعل رفيقته في الحياة زوجته الاولى. من الواضح أن سبب وجودها اليوم في العيادة لغرض واحد هو منحها أملا في امكانية استعادة زوجها وعودتها لحياتها المملة الغبية مرة أخرى، لكن لا أستطيع أن أسير في هذا الاتجاه. كل ما فعلته أني منحتها أملا في امكانية أن تستعيد نفسها، وحياتها من جديد، وتبدأ حياة مختلفة، بنظرة مختلفة، وتطالع الواقع بمنظور استقلالي حر، طليق، قادر على أن يعيش وأن يستمتع، وأن يواصل حياته ورحلته وأن يسعد نفسه أيضا. والامل الذي أمنحه لها ليس بالضرورة في استعادة زوج خائن للعهد. لكن لو حدث ذلك فيجب أن يستعيدها في حالة جديدة، مختلفة، بعلاقة مختلفة أيضا.أكثر توهجا. الأمل يكون في استعادة الحياة ذاتها التي فقدتها في السابق نتيجة للاعتمادية والخضوع والاستسلام للمزاج الاكتئابي الذي حرضها على اهمال مظهرها وملبسها، وبيتها وكل شيء. أضحت متقوقعة في ركن من أركان المنزل، لدرجة أنها أصبحت عبئا على رجلها من دون أن تدري.
تغير لون وجها، ارتبكت، توترت،ظهرت الدهشة جلية من خلال تعبيرات الوجه بعد أن نزعت النقاب أثناء الجلسة. انصرفت بسرعة دون أن تطلب موعدا أخر. أعتقد أنها لم تعد في حاجة إلى موعد أخر، حققت هدفيها حيث جاءت للعيادة من أجلهما وهما الفضفضة ومجرد الهمس للتخفف من هول صدمة الزواج الثاني لزوجها، والتعلق بمجرد أمل استعادة الزوج مرة أخرى، ولكن هيهات أن يعود الزمن الى سابق عهده. والحل كما أشرت بحتميةخلق زمن جديديخصها وحدها، تمنح فيه نفسها فرصة للتغيير في كل شيء، مظهرها، أفكارها، مشاعرها، تصرفاتها. وأن تمنح الفرصة لاستمرار هذا التغيير والتأقلم معه، واعتباره شهادة ميلاد جديدة. عند هذا الحد نستطيع أن نستمتع بحياتنا وزماننا الجديدين. وتصبح مسألة عودة الزوج من عدمه هامشية، وغير مفيدة. ويدور التساؤل سوف حول امكانية تقبلي لوجود خيالات أو اشباح من الماضي في حياتي الجديدة مرة اخرى؟ لا أعتقد أن بالإمكانية إعادة عقارب الساعة للوراء.



#احمد_الباسوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الانتكاسة والانهيار بعد العلاج /استغاثة قبل الخروج
- آليات الدفاع النفسية ونظرية في الادمان وعلاجه
- فتاة لا تغطي شعرها
- اضطراب قطبي من النوع المسكوت عنه (الطبيبة الحائرة)
- مزاج اكتئابي واحتراق نفسي
- كيف تحمي مؤخرتك
- - البدون - الحائر
- العجوز والحرب (قصة قصيرة)
- ممنوع عليك غلق باب الحمام
- الموكب (قصة قصيرة)
- لذة ممنوعة
- طلاق بالأمر (العلاج النفسي)
- تلاشي (قصة قصيرة)
- الصعيدي الذي قهر الفصام


المزيد.....




- اتهام 4 إيرانيين بالتخطيط لاختراق وزارات وشركات أمريكية
- حزب الله يقصف موقعين إسرائيليين قرب عكا
- بالصلاة والخشوع والألعاب النارية.. البرازيليون في ريو يحتفلو ...
- بعد 200 يوم من الحرب.. الفلسطينيون في القطاع يرزحون تحت القص ...
- فرنسا.. مطار شارل ديغول يكشف عن نظام أمني جديد للأمتعة قبل ا ...
- السعودية تدين استمرار القوات الإسرائيلية في انتهاكات جسيمة د ...
- ضربة روسية غير مسبوقة.. تدمير قاذفة صواريخ أمريكية بأوكرانيا ...
- العاهل الأردني يستقبل أمير الكويت في عمان
- اقتحام الأقصى تزامنا مع 200 يوم من الحرب
- موقع أميركي: يجب فضح الأيديولوجيا الصهيونية وإسقاطها


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - احمد الباسوسي - قلق اجتماعي واضطرابات انشقاقية وجسدنة (المنزل المشئوم)