أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - احمد الباسوسي - آليات الدفاع النفسية ونظرية في الادمان وعلاجه















المزيد.....

آليات الدفاع النفسية ونظرية في الادمان وعلاجه


احمد الباسوسي

الحوار المتمدن-العدد: 4998 - 2015 / 11 / 27 - 16:59
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


آليات الدفاع النفسية ونظرية في الادمان وعلاجه
كان موعد الجلسة العلاجية في اليوم التالي مباشرة على نهاية السنة الميلادية القديمة واليوم الاول في السنة الجديدة، وكنا نجلس في الحديقة الملحقة بالعنبر في طقس شتوي مشمس رائع وعن في خاطري استغلال هذه المناسبة شديدة التميز لدى المدمنين خاصة في الليلة المعروفة "برأس السنة" اذ يمضونها حتى الصباح في صخب ومجون وانفلات غير محسوب،كنت أفكر في استكشاف امنياتهم (التي كانت) في السنة المنصرمة وامنياتهم في السنة المفتتحة، حيث لا يفصلنا سوى يوم واحد بين السنتين، في اطار ما نسميه في العلاج النفسي باللعبة النفسية، لكن زميلي المعالج أيضا (سامحه الله ) استبقني بعد أن اعلنت فكرتي وطلب من المرضى، أن يذكر كل فرد على حدة ماهو اسوأ شيئ وأفضل شيئ مر به خلال العام المنصرم، وطلب دمج اللعبتين لكني آثرت البدء بفكرة زميلي وتأجيل ما كنت نويته الى حين، ورغم عدم تأييدي (غير المعلن) للفكرة فقد ترقبت مستصيخا السمع لما يقولونه فردا فردا، وكأني كنت متوقع اجاباتهم، اذ أجمعوا على أن أسوأ شيئ كان في تعاطيهم المخدرات، وان أفضل شيئ تمثل في وجودهم الآن بالمستشفى للعلاج، وعلى الرغم من جاذبية الافكار وما تعكسه من رغبة ظاهرية لدى المرضى للتخلص من التعاطي والاستمسك بالعلاج، غير أنني عثرت على ضالتي المنشودة والتي أتت على غير توقع، وفي هذه المناسبة بالذات (النهار الذي عقب ليلة رأس السنة)، اذ قررت مواجهتهم بصورة مباشرة، بمعنى مواجهة هذه الميكانزمات الدفاعية الصلدة وخلخلتها، لعلنا نبلغ رؤية أكثر عمقا ووعيا لانفسنا وموقفنا، وقد أعلنت موقفي بالرفض القاطع لكل ما قالوه، بل واتهمتهم بمجاملة المعالجين وعدم الصدق مع أنفسهم، اذ كيف نختزل كل تاريخنا في العام المنصرم في مسألتي التعاطي ودخول المستشفى للعلاج هكذا بمنتهى البساطة؟ وهل كان تعاطينا للمخدرات يمثل لنا الآن أسواء شيئ في حياتنا لدرجة اعلانه هكذا ببساطة؟، قاطعني بسرعة أحد المرضى مدافعا عن موقفه وموقفهم " احنا اخترنا جزئية الادمان عشان بنتعالج دلوقتي، انما ليست طبعا أفضل أو اسوء شيئ عموما "، هنا أيقنت ان المسألة دخل فيها قدر من سؤ الفهم للمقصود باللعبة، كما أن فيها أيضا قدرا كبيرا من المجاملة، تمثلت في مجاملة المريض لنفسه أو بمعني أدق تجميل المريض لصورته أمام ذاته، وهذا ميكانيزم دفاعي شهير خاصة بين المدمنين يسمى الانكار Denial وخلاله تلجأ النفس البشرية (ذات المدمن) لا شعوريا الى الغاء أو محو كل الصفات، السلوكيات، الافكار والمشاعر الواقعية السلبية أولا بأول، ويستبدل ذلك بصورة شعورية متسقة متوافقة وقابلة للتكيف مع الآخرين. ووظيفة هذا الميكانيزم الدفاعي حرمان الذات أو النفس من رؤية واقعها المؤلم (غير المتوافق والمضطرب وغير الاخلاقي)، لان في رؤية هذا الواقع بهذه الصورة تهديد مباشر للذات بالتناثر disorganization وذلك يعني بأن الشخص يمكن أن يصاب بالجنون لو لم يستخدم هذا الميكانزم الدفاعي.
اذا وظيفة ميكانزم الانكار حماية الذات من التناثر أو التفكك الذي قد يؤدي الى الجنون، وهي وظيفة حيوية بالنسبة للفرد، لكن هذه الوظيفة بقدر حيويتها وأهميتها للمريض تصبح عائقا كبيرا في مسألة العلاج الذي يتحدد مساره وتقدمه التدريجي كلما نجحنا في خلخلة هذا الميكانيزم الدفاعي المعيق، لانه يمنعنا كمعالجين من الرؤية الاصيلة للمريض، ويمنع المريض من الرؤية الاصيلة لنفسه، وهذا المنع أو العائق يؤثر بالسلب على مسار العلاج النفسي، ويدفع المريض في اتجاه مزيد من التدهور والتهور والتعاطي.
إن خلخلة أو اختراق هذا الميكانيزم العلاجي لا ينبغي أن تتم الا في سياق علاجي أمن، وبخبرة معالجين محترفين، لان الاختراق العشوائي غير الآمن للمريض يمكن أن يتسبب في ايذاءه ودفعه في اتجاه الاكتئاب أو الفصام وكلاهما أسواء من الادمان.
نعود لجلسة العلاج، فعندما وجدت الوجوه مشدوهة، ولمحت علامات جدية واهتمام استرسلت متما مواجهتي التي بدأتها، من منكم (المرضى) يستطيع أن ينكر أنه وجد شيئا ما في المخدر، وأن المخدر أعطى له ما يحتاجه بدليل استمراره في تعاطيه على الرغم من كل المشكلات والمآزق التي وقع فيها كل منكم من جراء التعاطي؟، لا داعي لان نستمر في الضحك على أنفسنا، ونتشدق بعبارات رنانة تخفي الحقيقة الصعبة، المخدر بالفعل أخذ منا الكثير، لكن لا داعي لان ننكر أننا كنا في احتياج الى شيئ ما منحنا اياه المخدر، وقد منحنا إياه فعلا، أو تصورنا ( ذلك المعنى أكثر دقة) أنه منحنا إياه.
وجدت اهتماما وجدية أكثر، قررت ممارسة اللعبة الصعبة، اذ مررت عليهم فردا فردا، وطلبت من كل منهم أن يعلن بوضوح : ماذا الذي منحه له المخدر؟. كان هدفي من هذه اللعبة والمواجهة العلاجية الساخنة أن أكشف الغطاء عن أشد الميكانزمات الدفاعية شيوعا و "رزالة " وهو ميكانيزم الانكار، وأن يقترب المريض أكثر من واقع نفسه الحقيقي وليس واقعها المزيف، كما أن باعترافنا أن المخدر حقق لنا شيئا هاما في حياتنا كنا نحتاجه، فان ذلك يعنى اعترافنا بان هناك شيئا هاما في داخلنا إما ناقصا وإما مضطربا. وأن اللجؤ للمخدر ليس من أجل عيون المخدر في حد ذاته، بل لسد حاجة هامة أو استعادة التوازن لعناصر مضطربة داخلي. ومن هنا تكون البداية الصحيحة لأي تدخل علاجي، الاعلان عن وجود اضطراب ما، أو نقص في الداخل نعالجه حاليا بتعاطي المخدر، حيث لم نجد بديلا آخر لسد هذا الاحتياج أو يعيد التوازن المفتقد داخلنا. هذه هي القصة التي تبسط الى حد كبير مدى الجاذبية الايجابية للمادة المخدرة، ولماذا يكون عملها أشبه بالسحر، بل تكون السحر نفسه في بعض الاحيان وفق ما يقرره المدمنون انفسهم، وكلنا يذكر تعبير " الشعوذة " الشائع بين المدمنين عندما يتحدثون عن اللهفة للمخدر، فهو يمثل حالة المدمن بالمشعوذ (بفتح الواو) اي المسحور.
نعود الى الجلسة العلاجية، اذ اتفق غالبية المرضى على مضمون قريب من " أن المخدر منحني الوناسة والنشوة وأنني في احتياج شديد لهما "، اذا أجدني قد اقتربت من هدفي وهو إعلان المريض لضعفه وحاجته للمخدر للتغلب على هذا الضعف، ومضمون الاعلان عن الضعف أو قل مضمون الضعف ذاته كما اتضح تضمن حاجتين انسانيتين هامتين: الاولى الحاجة للوناسة، والثانية الحاجة للنشوة بمعنى اللذه والانتشاء ويتضمن ذلك معنيين، المعني الحسي ويشير الى الحاجة الجسدية (بيولوجية في الاساس) لتغيير المزاج من حالة سلبية لحالة نقيضة تتوافق مع الشخصية وتبعث على المرح والانطلاق سواء من الداخل للداخل (من الذات للذات) أو من الداخل للخارج ( من الذات للاخرين)، والهيروين المخدر على سبيل المثال يدخل في قنوات عصبية في المخ ويحدث ما يسمى بتأثير النشوة التي يمكن تلخيصها بانها حالة من الاسترخاء مع شعور سار بلذة التخدير وهي نشوة يمكن اعتبارها من الذات للذات، وان كان السياق الاجتماعي لحظة التعاطي، مثل وجود اشخاص يتعاطون، وادوات تعاطي، وسلوكيات وأفكار وقت ممارسة سلوك التعاطي يمكن ان يدفع باللذة الى مستوى من الذات للاخرين، ويوضع في الاعتبار ما انتهت اليه نتائج الابحاث العلمية التي أقرت بان شخصية المدمن تتميز بنمط يسمى الاكتئاب المزمن Chronic depression وميل داخلي للانطوائية والعزلة ومشاعر مزمنة من الخواء النفسي وضعف في تقدير الذات والثقة بالنفس بالاضافة لسمات شخصية أخرى ليست موضوعنا الآن. المهم اذا وازنا هذا النقص أو قل الاضطراب الحاصل في شخصية المدمن كما أفصحت عنه نتائج البحوث العلمية، وبين سعيه الشخصي لتعويض النقض أو معالجة الاضطراب نتيجة للخلل الداخلي في الشخصية، واذا ادركنا فعل السحر الذي ينجزه المخدر كمادة بحته وكسياق اجتماعي باعتباره يعزز من قدرة الشخص المتعاطي على احداث توافقا وتواصلا أفضل مع واقعه الاجتماعي (حسب ادراكه الشخصي وشعوره الداخلي) بالاضافة لمشاعر اللذة الحسية الجسدية السهلة، بديلا عن مشقة السعي لحصولها نتيجة علاقة بالآخر (ممارسة الجنس مثلا) أو الاستمتاع المعنوي باطراء الآخرين نتيجة لجهد بذله في السابق، وينتشى بمردوده في حضور الآخرين، فقد يتبين لنا أنهم متسقين مع أنفسهم في اللحظة الحاضرة، عن طريق تمسكهم بالمخدر الذي يسهل عليهم حياتهم الواقعية.
هكذا يلخص المدمنون في الجلسة العلاجية حاجتهم للمخدر باعتباره المصدر الاساسي والسهل للوناسة والنشوة، وفي هذا اعتراف صريح لم يكن من السهل الحصول عليه من جانب أفراد مدمنون متمرسون، بعجزهم عن اقامة علاقة سوية بآخر أو آخرين في غير وجود المخدر، ويجدون في هذه العلاقة الوناسة واللذة الحسية الجسدية والمعنوية التي يحتاجونها. وهذا العجز ربما يكون بسبب حالة الاكتئاب المزمن التي تغلف الشخصية على وجه العموم.
وجدتني في الجلسة العلاجية أقترب مع المرضى من الواقع العلاجي مقارنة بما كان في بداية الجلسة التي بدأت بانكار ودفاعات نفسية شديدة المراس، الآن وضعنا أيدينا على المشكلة واقتربنا أيضا من العلاج. سلمنا بوجود شيئ مفقود أو قل مضطرب، وسلمنا أيضا بان لجؤنا للمخدر ليس من أجل عيون المخدر بل من أجل علاج الخلل الموجود لدينا، الأمر الذي يحمسنا على القول أن حاجتنا للمخدر حاجة اعتراضية، بمعنى أننا نعاني خللا ما في شخصيتنا وصادف أن وجدنا أن هذا المخدر أو العائد منه يعالج هذا الخلل وتعاطيناه حتى الادمان ولن نستطيع الاستغناء عنه طالما ظل هذا الخلل موجود. إن قراءة المسألة على هذا النحو أقرب كثيرا للواقع العلاجي واكثر وضوحا وموضوعية، كما أنها تمنح للمعالج وللمريض على السواء افقا أو ضؤ في نهاية النفق العلاجي. ومن الضروري أن ينطلق الموقف العلاجي من مسلمة تقول " طالما أنني ساحرم المريض من عائد أو مكافأة أساسية كان يجدها في المخدر فلابد أن أعوضه بعائد آخر بديل يحقق له الوناسة والنشوة التي سيفتقدها نتيجة حرمانه من المخدر "، هذا العائد أو المكافأة إن لم يوازي نفس العائد الذي كان يجده في المخدر فيجب أن يكون أشد في تأثيره على شخصية المريض، ومن هنا ننبه على أهمية أن يتضمن ذلك في البرامج العلاجية، لأن هذا العائد سوف يعوض المريض عن احتياجه للمخدر.



#احمد_الباسوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فتاة لا تغطي شعرها
- اضطراب قطبي من النوع المسكوت عنه (الطبيبة الحائرة)
- مزاج اكتئابي واحتراق نفسي
- كيف تحمي مؤخرتك
- - البدون - الحائر
- العجوز والحرب (قصة قصيرة)
- ممنوع عليك غلق باب الحمام
- الموكب (قصة قصيرة)
- لذة ممنوعة
- طلاق بالأمر (العلاج النفسي)
- تلاشي (قصة قصيرة)
- الصعيدي الذي قهر الفصام


المزيد.....




- الرئيس الإماراتي يصدر أوامر بعد الفيضانات
- السيسي يصدر قرارا جمهوريا بفصل موظف في النيابة العامة
- قادة الاتحاد الأوروبي يدعون إلى اعتماد مقترحات استخدام أرباح ...
- خلافا لتصريحات مسؤولين أمريكيين.. البنتاغون يؤكد أن الصين لا ...
- محكمة تونسية تقضي بسجن الصحافي بوغلاب المعروف بانتقاده لرئيس ...
- بايدن ضد ترامب.. الانتخابات الحقيقية بدأت
- يشمل المسيرات والصواريخ.. الاتحاد الأوروبي يعتزم توسيع عقوبا ...
- بعد هجوم الأحد.. كيف تستعد إيران للرد الإسرائيلي المحتمل؟
- استمرار المساعي لاحتواء التصعيد بين إسرائيل وإيران
- كيف يتم التخلص من الحطام والنفايات الفضائية؟


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - احمد الباسوسي - آليات الدفاع النفسية ونظرية في الادمان وعلاجه