أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - ثائر دوري - الإعلام بين السل و انفلونزا الطيور















المزيد.....

الإعلام بين السل و انفلونزا الطيور


ثائر دوري

الحوار المتمدن-العدد: 1389 - 2005 / 12 / 4 - 13:23
المحور: الصحافة والاعلام
    


بالتأكيد إن طريقة ترتيب الأخبار في وكالات الأنباء و نشرات الأخبار لا علاقة لها لا من قريب و لا من بعيد بأهمية الأحداث أو بمدى تأثيرها على حياة البشرية . بل إن الأمر يخضع لاعتبارات أخرى تتدخل فيها مصلحة الاحتكارات المسيطرة على وسائل الإعلام ، و اهتمامات المشاهد الغربي الذي تتوجه له وكالات الأنباء أصلاً ، فموت عشرات الآلاف من سكان كشمير أقل أهمية من الناحية الإعلامية من موت عشرة أشخاص في حادث سير في نيويورك ، مثلاً ........
إن ترتيب الخبر وصياغته تتم بالطريقة التي يرغب بها المشاهد الغربي ، رغم انه لا يشكل سوى 20% من سكان العالم لأنه المستهلك الأساسي للخبر فهو الذي يمتلك القوة الشرائية ، و ما على بقية سكان العالم ،الذين يشكلون ما نسبته 80% سوى أن يستهلكوا ما طبخ ليكون طعاماً للغربي و لو كان لا يناسب معدهم . فيتوجب عليهم أن يصابوا بالرعب من قناص نيويورك أو من قاتل متسلسل في لندن لأن المشاهد الغربي يرتعب منه ، كما عليهم أن يفرحوا إذا أنجبت دببة الباندا في حديقة حيوان لندن لأن المشاهد الغربي يفرح لذلك و لو كان الأمر لا يفرحهم و لا يحزنهم . فالمشاهد الغربي هو الملك المتوج الذي تتوجه له كل وسائل الإعلام . و لعل التغطية الإعلامية التي حظي بها مرض أنفلونزا الطيور و قبله مرض السارس لا تخرج عن هذا الإطار.
فمن يراقب هذه التغطية التي خصصت لمرض انفلونزا الطيور سيحسب أن البشرية مقبلة على الفناء ، فمنذ أشهر لا تخلو نشرة أخبار أو صحيفة من خبر عن هذا الموضوع ، كما أن دول العالم استنفرت و اتخذت احتياطات هائلة ضد هذا المرض ، و هذا أمر محمود و تشكر عليه . لكن إذا قارنا ذلك بأية مشكلة تعاني منها البشرية اليوم سنجد أن انفلونزا الطيور أمر تافه . فحجم ما تقتله الآلة العسكرية الأمريكية في العراق يومياً يفوق عدد ضحايا انفلونزا الطيور في كل أنحاء العالم جميعاً، و كي لا نتهم بتسييس الأمور ، و الابتعاد عن تناول المشاكل العلمية بروح علمية ، فرب قائل يقول :
- أنت تقارن مسالتين من طبيعتين مختلفتين .فواحدة سياسية و أخرى صحية ...
لذلك سنقارن هذه المشكلة الصحية ، انفلونزا الطيور ، بمشكلة صحية أخرى تعاني منها البشرية و لا تحظى بأية تغطية إعلامية على الإطلاق ، و هي مشكلة السل .
بالتأكيد سنصاب بالدهشة الشديدة حين نتعرف إلى حجم مشكلة السل ، فهذا المرض يفتك بالملايين من أبناء العالم الثالث ،إذ وصلت أرقام المصابين به إلى معدلات مرعبة ومع ذلك لا نعثر على أثر له في الصحافة أو في وسائل الإعلام اللهم إلا في المطبوعات المتخصصة ، و كي تقارنوا بين حجم المشكلتين واقعيا سأفرد لكم أرقام منظمة الصحة العالمية عن عدد إصابات السل عام 2004 . تقول المنظمة إنه في كل دقيقة يصاب ستون شخصاً بالسل يتحول منهم إلى المرض الفعال سبعة عشر شخصاً و يموت منهم ستة أشخاص ، أي أن هناك ثلاثون مليون إصابة و تسعة ملايين مريض فعال و ثلاثة ملايين وفاة كل عام .
إن مشكلة بهذا الحجم ، تسبب وفاة ثلاثة ملايين إنسان كل عام ، لا نجد أي ذكر لها في وسائل الإعلام لأنها لا تخص أبناء العالم الغربي بل هي تفتك بأبناء العالم الثالث المهمشين . أما وباء السارز الذي لم يقتل سوى عشرات فقد استنفرت له وسائل الإعلام مما فرض على الدول اتخاذ إجراءات كلفت مليارات من الدولارات و التي لو صرفت على مكافحة السل لأنقذت الملايين . و كذلك فإن انفلونزا الطيور ستكلف الاقتصاديات العالمية مئات المليارات في حين أن حجم وفياتها لا يتجاوز العشرات . و بالطبع هذا ليس دعوة للتقليل من أخطار هذه الأمراض أو الاستهانة بها لكن ألا يثير الدهشة و الاستغراب و التساؤل أن يستنفر العالم و يصرف مليارات من أجل أخطار مستقبلية متوقعة، متوهمة أم حقيقية، في حين أنه يبقى صامتاً أمام مجزرة يومية كمجزرة السل التي تفتك بالبشرية ؟
إن ضحايا السل هم من الفقراء الذين لا تكترث بهم وسائل الإعلام ، كما أن الحديث عن مشكلة هذا المرض يعني أن تتكلم عن شروط الحياة التي تنحدر في أنحاء العالم يوماً وراء يوم . فتاريخ هذا المرض يقدم صورة صادقة عن المراحل لتي مرت بها البشرية خلال قرن و نيف من الزمان. فعلى الرغم من أن السل مرض وبائي تسببه عصية السل و يعالج بالصادات الحيوية لكنه وثيق الصلة بشروط الحياة الاقتصادية خاصة وضع السكن و الوارد الغذائي .........
كان السل مرضا قاتلا في القرن التاسع عشر و النصف الأول من القرن العشرين بسبب البؤس الذي كان منتشرا على نطاق واسع في أوربا و العالم الثالث ،فالمساكن رطبة و ضيقة تزدحم بالسكان و الوارد الغذائي ضئيل و خاصة من البروتينات . لكن بعد توسع الإنتاج الرأسمالي و الثورات التي قامت بها الشعوب تحسنت شروط الحياة في كل أنحاء العالم فانتشر السكن الواسع المهوى و قل الازدحام داخله ، كما ازداد الوارد الغذائي و خاصة البروتيني مما أدى لارتفاع مقاومة البشر للأمراض فتراجع السل خلال النصف الثاني من القرن العشرين ، خاصة في الفترة بين الخمسينات و السبعينات . و يتفق المختصون على أن تراجع انتشار السل في تلك الفترة يعود للأسباب التي ذكرناها بشكل أساسي و هذا لا ينفي أهمية تطوير الصادات الحيوية في تلك الفترة .
ثم بدأت انتكاسة البشرية من جديد مع انهيار حركات التحرر العالمية و عودة الليبرالية الجديدة في الغرب فتدهورت حياة الناس و عاد الفقر على نحو شبيه بالقرن التاسع عشر ، و انتشر البؤس في السكن و بالغذاء . و كأن البشرية قد انتكست شروط حياتها إلى القرن التاسع عشر فها هم مناضلو الحركات المناهضة للعولمة و حركات التحرر يجدون أ نفسهم يناضلون من أجل نفس الأهداف التي ناضل أسلافهم من أجلها ،فهم يكافحون الاستعمار و الفقر و الجوع ، و كأن البشرية قد ارتكست إلى القرن التاسع عشر ، على نحو يستحضر مقولة ماركس في الثامن عشر من برومير استحضاراً تاماً :
(( ...إن البشرية تنتقد ذاتها على الدوام ، و تقاطع نفسها بصورة متواصلة أثناء سيرها ، و تعود ثانية إلى ما بدا أنها أنجزته لتبدأ فيه من جديد ، و تسخر من نواقص محاولاتها الأولى و نقاط ضعفها و تفاهاتها باستقصاء لا رحمة فيه ، و يبدو أنها تطرح عدوها أرضاً لا لشيء إلا ليتمكن أن يستمد قوة جديدة من الأرض و ينهض ثانية أمامها و هو أشد عتواً ، و تنكص المرة تلو المرة أمام ما تتصف به أهدافها من ضخامة غير واضحة المعالم ، و ذلك إلى أن ينشأ وضع جديد يجعل أي رجوع إلى الوراء مستحيلاً ....))
أن تتكلم عن انتشار السل يعني أن تتكلم عن تدهور الحياة الاقتصادية لعدد كبير من سكان العالم و بالتالي فأنت تصف الوجه البشع للنظام الرأسمالي القائم الذي يسبب تدهور شروط الحياة لأربعة أخماس سكان العالم، و أي طرح لمشكلة السل يعني تشريح هذا النظام الذي يزيد غنى الأغنياء و فقر الفقراء. لذلك فالأفضل أن يتم طمس المشكلة و كأنها غير موجودة أو لتبقى بين أيدي عدد قليل من المختصين.
أما الأمراض التي تركز عليها وسائل الإعلام ، كجنون البقر و السارز و انفلونزا الطيور ، فهي من النوع الذي لا ارتباط له بأية أوضاع اقتصادية أو اجتماعية و بالتالي فلا محاذير من التكلم عنها، كما أن طبيعتها المجهولة تحقق وظيفة مهمة و هي إبقاء المشاهد الغربي في حال رعب ذي طابع خرافي يقترب من الطابع الديني فلا تفسير و لا راد له مما يجعله شبيهاً بالرعب القيامي ، فيشل ملكات التفكير السليم لدى الناس و بالتالي يجعلهم أسهل انقيادا من قبل النظام القائم . فالرعب الشديد ذي الطابع القدري والذي لا يمتلك العلم وسيلة لمقاومته و المضخم بواسطة الإلحاح الإعلامي يجعل الفرد عبدا مطلقا للقضاء و القدر و يجعله يشعر بعجزه و عدم قدرته على المقاومة و هذه هي شروط إجراء غسيل دماغ كما دلت على ذلك أبحاث العالم الروسي بافلوف . رعب هائل مجهول المصدر ولا يخضع لمنطق بالتأكيد سيعطل ملكات التفكير السليم . و هذا ما يحققه الضخ الإعلامي الهائل حول السارز و انفلونزا الطيور



#ثائر_دوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صدام الهويات المصطنع
- العالم يتمرد
- لشو الحكي خلص الكلام
- من مطبعة نابليون إلى انتخابات رايس
- تقديس الداعين إلى نموذج الحضارة الغربي على طول الخط
- بوش قصف لويزيانا بالقنابل
- تل عفر تصحح مسار التاريخ بعد مائة عام
- البحث الأمريكي عن إسلاميين معتدلين
- احتلال عقول النخب
- الصغائر و الكبائر عند عمرو موسى
- عصر الظواهر التلفزيونية
- كم هو عدد مساعدي الزرقاوي ؟
- الإحتلال هو اكبر اعتداء على الحرية الفردية و هو مصدر كل الدك ...
- قمة الأغنياء : القضاء على الفقر أم على الفقراء ؟
- خرافة الحرية التي تعم العالم
- تقلبات ا لطبقة السياسية اللبنانية
- نساء علاء الأسواني
- من جديد عن الحجاب ،و التقدم و التأخر ، و الغزو......
- صورة .... صورة :ذاكرة الماضي من أجل الحاضر و المستقبل
- كيف تنتصر حرب العصابات ؟ مختارات من فانون -2-


المزيد.....




- روسيا تعلن احتجاز نائب وزير الدفاع تيمور ايفانوف وتكشف السبب ...
- مظهر أبو عبيدة وما قاله عن ضربة إيران لإسرائيل بآخر فيديو يث ...
- -نوفوستي-: عميلة الأمن الأوكراني زارت بريطانيا قبيل تفجير سي ...
- إصابة 9 أوكرانيين بينهم 4 أطفال في قصف روسي على مدينة أوديسا ...
- ما تفاصيل خطة بريطانيا لترحيل طالبي لجوء إلى رواندا؟
- هدية أردنية -رفيعة- لأمير الكويت
- واشنطن تفرض عقوبات جديدة على أفراد وكيانات مرتبطة بالحرس الث ...
- شقيقة الزعيم الكوري الشمالي تنتقد التدريبات المشتركة بين كور ...
- الصين تدعو الولايات المتحدة إلى وقف تسليح تايوان
- هل يؤثر الفيتو الأميركي على مساعي إسبانيا للاعتراف بفلسطين؟ ...


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - ثائر دوري - الإعلام بين السل و انفلونزا الطيور