أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أمكاسو يعقوب - ملامح علم الاجتماع الغربي















المزيد.....

ملامح علم الاجتماع الغربي


أمكاسو يعقوب

الحوار المتمدن-العدد: 5124 - 2016 / 4 / 5 - 17:55
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ملامح علم الاجتماع الغربي.
إن علم الاجتماع كما نعرفه اليوم و الذي يتخذ من المجتمع و موضوعا له لم يقدر له الظهور لولا التطور الذي شهدته مختلف العلوم الاجتماعية الأخرى والتي استلزمت وجود نماذج جديدة للنشاط الفكري ، واذا كان العرف يحدد ولادته في القرن التاسع عشر ،فإن العالم الغربي قد شهد قبل هذا التاريخ ثورات عديدة، تمتد جذورها إلى عصر النهضة وذلك في كافة المستويات الدينية والاقتصادية والسياسية والعلمية، فعلى المستوى الدين مثلا ، نجد الإصلاح الديني مع مرتن لوثر الذي أعاد الروح النقدية في الدين البروتستانتي داعيا بذلك إلى حرية الفكر و العقل في تفسير الدين ، والذي قد كان تفسيره حينئذ حكرا فقط على الطبقات الكهنوتية الدينية الكنسية ، ثم الثورة الصناعية التي كانت هي الأخرى نتاج التفكير العلماني والإيمان بمبادئ العقل والمنطق وحدها في مساءلة الطبيعة ، إلى جانب نجاح الثورات السياسية التي قضت على الاستبداد والنظام الإقطاعي الذي يتغذى من الفكر الكنسي، هذه التحولات العميقة وأخرى عديدة كانت بمثابة الأرضية الموضوعية والخصبة لقيام علم الاجتماع وظهوره ضمن خريطة العلوم كعلم قائم بذاته يراد به فهم جل تلك التحولات الجذرية التي عرفها الغرب، وكان اوغست كونت(1798-1857) وهو المؤسس الفعلي لعلم الاجتماع متأثرا بتلك الأوضاع الجديدة التي خلفتها الثورات السياسية والصناعية على جسد المجتمع، لكنه بالمقابل يرى أن فهم المجتمع شيء ممكن على ضوء العلم الجديد وحيث سيمكن حثما من فهم الظواهر السياسية والاجتماعية المقلقة على ضوء العلم والمعرفة ، و حسب اغست كونت فإن من بين الأساليب التي يعتمدها علم الاجتماع كأسلوب جديد لمعرفة وفهم المجتمع هو اعتبارها تلك الظواهر الاجتماعية كأشياء كما هو الشأن بالنسبة للظاهرة المباشرة في العلوم الطبيعية، وبمعنى أخر لكي نحقق فهم صحيح للظاهرة لابد أن ننهج منهج العلوم الحقة ، وان نتبع في ذلك المنهج الوضعي الذي برهنت العلوم الطبيعية انه وحده الكفيل بتحقيق نتائج علمية حول الظواهر المختلفة، وبما أن فلسفة كونت كلها تنادي و تبشر بدين جديد يتخذ الصبغة الوضعية العلمانية من اجل فهم ما يحدث، آمن بمقدرة العلم والمعرفة على تجاوز تلك الحالة الفوضوية والاضطراب الاجتماعي الذي طبع مجتمعه الفرنسي، وكان كل تفكير كونت منذ وقت طويل ينصب في هذا الجانب، أي البحث عن حلول لتلك للفوضى وقد وجد أن نجاة المجتمع منها يتطلب درجة فهمنا له للتحكم فيه ، لكن اوغست كونت بفلسفته الوضعية وبتفكيره الوضعي لم يستطع فعلا أن يحدد الموضوع والمنهج الأساسي للعلم الجديد الذي ابتكره، بل كان همه هو تسوية الأوضاع السياسية المضطربة في بلده نتيجة ثورة 1789، مما اثر في نتائج علمه وجعل جل تفكيره يتجه إلى تصور نظامي يفرض الستاتيكا على المجتمع و البحث عن الأسباب من اجل الضبط فقط وليس من اجل تغيير الوضع القائم ، فهو لم يستطع رغم تأسيسه لعلم الاجتماع أن يلتزم بمبادئ هذا العلم إلى جانب انه يزعم بمنهجه طرد الميتافيزيقا والفلسفة من ميدان العلوم والمعرفة نجده يفرض فلسفته الوضعية ، و لا تزال بعض الجامعات العربية تتلكأ ورائه بركبه كأن علم الاجتماع بلغ ذروته عنده وتوقف عن المسير والتقدم كما هو الحال بالنسبة لجامعاتنا المغربية على الأقل .
ولكن تلميذه دوركايم(1858-1917) الذي سيأتي من بعده لم يكن ليتورط بسهولة في الصراع الإيديولوجي الذي كان الشغل الشاغل للأب الروحي، بل كان همه أساسا هو تأسيس علم قائم بذاته يتخذ من الظواهر الاجتماعية موضوعا له ، فقام في عجل بوضع منهج علمي يقوم على أسس إبستيمولوجية في كتاب له تحت عنوان " قواعد المنهج السوسيولوجي " يبين فيه مختلف الأساليب والمناهج التي لابد منها في تفسير الظواهر الاجتماعية، ورغبة منه في تجاوز أراء معلمه أوغست كونت خصوصا تلك النظرة الفردية والتطور في العقل التي يفسر بها تطور المجتمع، رأى دوركايم أن تجاوز هذا العائق الابستيمولوجي يقتضي تجاوز نزعته المثالية أيضا، ففي نظر دوركايم لم يوفي أستاذه بوعده حينما دعا إلى العلمية في تفسير قوانين تطور المجتمع ، بل سقط في مأزق الذاتية حينما رد تطور كل المجتمع إلى التطور في الفكر الإنساني والعقل عوض أن يلتزم بنظرته الموضوعية للمجتمع باعتباره يتجاوز تفكير الأفراد كلهم ،كان لاوغست كونت بدلا من ذلك أن يتجنب هذا الخطأ المعرفي، إلى أن همه السياسي في المطالبة بالاستقرار السياسي والنظام والانتظام جعله يتورط !!! وبالأحرى يمكننا هنا أن نوجه نفس السؤال إلى تلميده دوركايم نفسه ليوضح لنا ما المقصود بخصوص مفهومه " الضمير الجمعي" إذ لم تكن له صبغة سيكولوجية ، وهو بالمقابل المفهوم الذي جعله الهدف الذي يسير إليه ومن أجله المجتمع؟ أفلا ينم ذلك عن نزعة عضوية أو فسيولوجية يتمسك بها هو نفسه، فمما لا شك فيه انه هو الأخر كان يتصور دائما الظواهر الاجتماعية على أنها أشياء ذات طبيعة عقلية ! وما لنا هنا إلى أن نزيد في توضيح أفكار دوركايم ولنرى كيف استطاع أن يحدد مبادئ علمه الجديد، فهو من جهة يرفض أن نتصور الظواهر الاجتماعية ذات طبيعة فردية نفسية لأنها معلومة ولها خاصية الإكراه على ضمير الأفراد ،إن دوركايم قام بتفسير الظاهرة الاجتماعية باعتبارها قابله للتحليل والفهم كبقية الظواهر الطبيعة، واعتبرها كشيء ولكي يمنحها طابعا موضوعيا دعا الباحث في علم الاجتماع إلى ضرورة احداث قطيعة و استبعاد الأفكار المسبقة التي يكونها في دهنه عن الطاهرة ،لان الأفكار المسبقة تحول دون اتخاذ موقف الحياد تجاه الموضوع المدروسة، كما ان الفضاء الاجتماعي العام هو مجال "الضمير الجمعي" ويقصد بذلك أن أي ظاهرة اجتماعية تأخذ بنيتها العامة من تمازج العقول مجتمعة،وهو المبدأ الذي يمنحها طابع الإكراه والاستقلالية indépendante عن إرادة الفرد، وحتى الظاهرة الاجتماعية الأكثر وضوحا كالانتحار مثلا، فهو ليس مسالة ذاتية وفردية راجعة إلى سيكولوجية الأفراد كما يعتقد اغلب الناس بل هو ظاهرة تكمن أسبابها في غياب الرابط والتضامن الاجتماعي، كما تختلف أسبابه حسب الظروف والزمن والمكان ثم الانتماء الاثني والديني للأفراد ، وهذا ما تأكده بوضوح أبحاثه عن ارتفاع نسبة الانتحار لدى البروتستانت أكثر من الكاثوليك لأسباب موضوعية تتعلق بخصوصية الدين والتماسك الجماعي ،بحيث ينتحر البروتستانت اكثر من الكاثوليك، لان الديانة البروتستانتية تشجع على الفردانية اكثر من الكاتوليكية المتضامنة ، وهو نفس الشيء ولنفس السبب عندما ينتحر العزاب أكثر من المتزوجين و الرجال أكثر من النساء .....، والمتفحص للمنهج الدوركايمي سيجد على أن هذا الأخير أقام تفسيره للظواهر الاجتماعية على منهج هولامي او شمولي يقتضي أسبقية المجتمع على كل إرادة فردية، فالإنسان عندما يولد يجد من حوله المجتمع، الثقافة، واللغة والمؤسسات والتقاليد... كنظم اجتماعية خارجة وسابقة على وجوده، يتأثر بها ويخضع لسلطتها الحتمية. والأسرة بالخصوص حضيت باهتمام كبير عند دوركايم ،لكونها المؤسسة التي تقوم بدور التطبيع الاجتماعي للأفراد على قيم المجتمع ومعاييره الأخلاقية عن طريق التنشئة والتربية ، وهذا الطابع الإكراهي الذي تتصف به سوسيولوجية دوركايم تنم عن تأثره بروح عصره المؤمن بالتقدم العلمي وبالمذهب الوضعي الذي برهن في وقته على انه النموذج الدقيق بالنسبة للعلوم لاجتماعية، ومن بين أكثر الانتقادات التي وجهت الى دوركايم وحتى اوغست كونت وسبنسر من قبله ،مبالغتهم في تشبيه المجتمع بالكائن العضوي حيث يتجه إلى التماسك والتضامن حتى في أشكاله الاكتر إنحرافية كالثورات والاضطرابات الاجتماعية التي تهزه من الأساس
في خطى البحث عن مؤسسي علم الاجتماع يلوح علم ماكس فيبر الالماني الذي يبدوا انه ينهج طريقا مخالفا للآباء السباقين له، فهو قبل كل شيء مؤسس لسوسيولوجية الفهم والفعل، بحيث يرى أن الأفعال والسلوكات الفردية لا تخضع للإكراه والجبرية كما يعتقد دوركايم، بل تستند إلى معنى حقيقي إرادي يضفيه الفرد عليها ، وان القيم والمعتقدات الدينية والأخلاقية هي الأخرى لها دور كبير في المجتمع ،كما يوضح في كتابه"الأخلاق البروتستانتية والروح الرأسمالية" ان هناك علاقة تربط الأخلاق البروتستانتية الدينية بالنظام الرأسمالي فالأخلاق المتضمنة في المذهب الكالفيني في الديانة المسيحية تحث على خصائص عقلانية كتدبير الثروة والمحاسبة والعقلانية وهي التي تترجم على المستوى الواقعي بالعمل والتفاني ، فالقيم تقوم بالدور الكبير في المجتمع ، لكنه بالمقابل يدعونا في المجال العلمي إلى التحرر من القيم free value، إذ يرى أن القيم الاجتماعية يمكن أن تكون موضوعا للبحث والتحليل العقلانيين لكنه بالمقابل يفصل القيم وإحكام القيمة من مجال المعرفة العلمية لان القيم شيء خاص بالساسة والسياسيين ولا ترتبط بالعلوم الامبريقية ، ويتضح جليا أن سوسيولوجية فيبر قد دشنت في ما بعد فرعا كبيرا في السوسيولوجيا المعاصرة يعنى بإعطاء الأولية للفهم والتفسير عوض الخوض في تفسير البنية الكلية والمسائل ذات الطابع الشمولي التي تجعل الفرد سلبيا منفعلا بالظروف الخارجية دون أن تحقق فهما صحيحا عن ما هو أساسي في السوسيولوجيا وهو الفعل الاجتماعي l’action social .
الى جانب كل من المؤسسين الثلاثة ، يظهر كارل ماركس (1818_1883) على انه هو من أعطى لعلم الاجتماع المعرفة طابعه العلمي من خلال تحليله للمجتمع الرأسمالي بمنهج مادي وجدلي يكشف العلاقة التي تربط الفكر بالواقع ، وبمادية تاريخية ترى أن الواقع الاجتماعي للناس هو الذي يحدد فكرهم وليس فكرهم هو الذي يحدد واقعهم، بمعنى أن كل أشكال البنيات الفوقية من فن ودين وسياسة وأخلاق... وباختصار الايديلوجية هي نتاج البنية التحتية التي يجمعها ماركس هي الأخرى في وسائل الإنتاج وعلاقات الإنتاج والمال ، دون ان تكون العلاقة بين البنيتين مكانيكية فقط بحيث التحي يؤثر في الفوقي بل تصور جدلي يقتضي بالضرورة ان كل تحول في البنية الفوقية ينعكس على البنية التحتية ،كانت نقطة البدء عند ماركس في هذا الاتجاه هي البحث عن العلاقة الأولية التي تميز المجتمع الإنساني ، إي تلك العلاقة التي تلتقي فيها كل الظواهر المتباينة في الحياة ، فكل شيء في المجتمع هو نتاج تاريخه يساهم فيه جمع غفير من الرجال والنساء ،وتصرفات الأفراد متباينة إلى حد بعيد لكن مهما كان هذا التباين فإنهم يعملون شيئا واحد هو الإنتاج الاجتماعي، ومن هنا فان ماركس اعتبر العمل الإنتاجي هي العلاقة التي تربط الإنسان والطبيعة ، وهذه السمة النوعية للحياة الاجتماعية هي التي جعلته يرفض فكرة تفسير المجتمع سواء باستخدام الففيزيقا الاجتماعية او الفيزيولوجيا الاجتماعية، كما فعل كل من كونت ودوركايم ،وذلك فان تفسير الحياة الاجتماعية لابد من البحث فيه في الأساس المادي وفي لإنتاج الاجتماعي .
البنائية الوظيفية
كانت الوظيفية تتمتع برواج كبير مند الأربعينيات الى منتصف الستينات، وبرز مع النظرية الوظيفية تالكوت بارسونز أكثر المنظرين الاجتماعيين، و البنائية الوظيفية هي من بين النظريات الاجتماعية المعاصرة التي حضيت بإقبال كبير في أواسط المفكرين و التي تعنى بتفسير المجتمع انطلاقا من تصور نسقي، بحيث أن الجسم الاجتماعي هو كل مركب من انساق فرعية تتجه نحو تدعيم النسق العام ، فالوظيفية البنائية تمتد جذورها إلى أعمال دوركايم والانتروبولوجية الانجليزية ومنها استعارت مفهوم نسق القيم ثم النسق الاجتماعي ويقصد بهذين المفهومين الرئيسين لدى الوظيفية، أن النسق الاجتماعي هو المحور الذي يرتبط به مفهوم البنية ومفهوم الوظيفة أي أن النسق الاجتماعي هو المجتمع نفسه ! يقوم كل عنصر فيه بوظيفة للحفاظ على اتزان النسق واستقراره، ليأتي من بعده نسق القيم الذي يعتبر هنا العامل الحاسم والمؤثر في النسق الاجتماعي، لان القيم بهذا المعنى هي تعهدات الأفراد بأن يدعموا اتجاهات أو أنماط من الفعل والسلوك من اجل الجماعة كنسق، وبمعنى أخر من اجل الضبط الاجتماعي الذي تتكفل به الأنساق القيمية في كل مجتمع ، وحينما نذكر ذلك فإننا نستند على قول برسونز نفسه حينما يقول بأنه "إذا تغير نسق القيم .... فمعنى ذلك حدوث تغير عميق في نمط النسق" وهذا الموقف الذي يدعم الاستقرار والثبات المفرط عند البنائية الوظيفية في تحليلاتها للنظام الرأسمالي واتخاذ موقف ايجابي منه هو ما يجلب لها الكثير من الانتقادات .
إن نظرية البنائية الوظيفية تقارب المجتمع على أسس منهجية تفرض النظام والانتظام على النسق الاجتماع وتدعم فرضية الاستقرار والتماسك الاجتماعي والتكامل الوظيفي، حتى يتسنى لها تحليل النسق الاجتماعي بعيد عن الصراع والتغير ولاضطرابات التي قد تخل بالنظام ، وربما من أهم الانتقادات الموجهة لها تصب في هذا الجانب أي مقاربتها للمجتمع على رؤية ستاتيكية الشيء الذي دفع البعض على وصفها بالنظرية المبتذلة لإفراطها في تدعيم النظام الرأسمالي القائم.
المنهج البنيوي :
ينبغي أن نوضح في البداية معنى البنيوية structuralisme كمنهج في الدراسات الاجتماعية ، فقد يحدث خلط بينها وبين الوظيفية ، خاصة أن بعض الوظيفين يستخدمون التحليل البنيوي للإشارة إلى الوظيفية، وبعض الطلبة في الجامعة لا يفصلون بين البنيوية والبنائية الوظيفية،لأسباب منهجية معروفة ، وفضلا عن ذلك فان البنيوية تتخذ من البنية أيضا والعلاقات داخلها منهجا لها ، ويؤكد البنيويين أنهم إنما يقدمون منهجا هدفه الوصول بالعلوم الإنسانية والاجتماعية إلى مستوى دقة العلوم الرياضية والطبيعية ، الشيء الذي جعلها تتبنى موقفا مناهضا للفلسفة خصوصا الوجودية كفلسفة ذاتية ، التي تعلو من شأن مقولة "الذات" التجربة المعاشة" "الفعل الحر" لترتبط بذلك بمفاهيم "الموضوعية" و"الدقة العلمية " كمقولات رئيسية وهي بذلك قدمت تفسيرا عن الإنسان والثقافة بلغة سماها نعوم تشومسكي( بنى عميقة Deep structure ) وهذه البنى هي عمل غير واع للعمل الوظيفي للعقل الإنساني تحاول البنيوية اكتشافها في علم الاجتماع والانتروبولوجية لتكشف عنها كأساس حقيقي لظاهرة الثقافة ، لكن شريطة تبني منهجا تجريديا للكشف عن البنية التي توجد كأساس في اللاوعي عند الإنسان وهنا الفرق بينها وبين الوظيفية التي تكتفي بالنزعة الامبريقية كأساس لكشف البنية الاجتماعية التي تكمن عندها بالأساس في العلاقات الاجتماعية المباشرة الواضحة ، فالبنيوية تطمح إلى أكثر من هذه الامبريقية المجدبة وتنظر إلى علم الاجتماع والبنى الاجتماعية على أنها وسيلة نحو إدراك أكثر عقلانية للوقائع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، مستعينة بذلك باللسانيات عند فردنان دوسوسير الذي أقام الفرق الشهير بين الدراسة عبر الزمني Diachronique والاني synchronique في دراسة اللغة ، وتشديد دوسوسور على المعالجة الآنية ينصب بوضوح على الطبيعة النسقية systematic للغة التي كانت قد أغفلتها المقارنة التاريخية، ومن ثم يؤكد سوسور على أن الجانب الآني من اللغة هو وحده النسقي وليس الجانب عبر الزمني، ففي هذا الجانب تقوم اللغة بوظائفها كنسق اتصال، كنظام إشارة، وبالتالي فإننا نجد كلود ليفي ستراوس يعتبر اللغويات هي المثال الذي يجب ان يحتدى به، وقد وضعها كمرشد للعلوم الاجتماعية، ويتضح ذلك في بحثه عن "البنيات الأولية للقرابة" و"الانتروبولوجية البنيوية" بشقيه، فقد انطلق ليفي ستراوس مستعينا بالمنهج البنيوي للبحث عن بنى غير ظاهرة تختلف عن مجموع العلاقات الاجتماعية المباشرة والتي تمثل نوعا من الرمز اللساني (الشفرة) ولهذا اختزل عددا كبيرا من انساق مختلفة للقرابة في مجتمعات بدائية إلى عدد قليل من أنماط تبادل النساء(انظر كتاب البنيات الأولية للقرابة) ، وبالاستعانة بالمهج البنيوي درس كذلك مجالات تنتمي إلى البنية الفوقية superstructural ،لحياة مجتمعات بدائية كالطوطم والشعائر الدينية والسحر والأساطير... ومن ثم فالتصورات الفردية والرموز الموجودة في الأساطير يثم تفسيرها في علاقتها مع بعضها البعض مع الزمن و المكان الذي تحتله في الأسطورة بهدف اكتشاف نظام عام تعيش به ومن خلاله مختلف المجتمعات البدائية وحتى المعاصرة ، فبمنهجه الجديد استطاع ستراوس أن يتجاوز بعض المزالق التي وقع فيها بعض السوسيولوجيين كدوركايم الذي قلنا في البداية انه زعم على طرد اثر وضعية كونت ومع ذلك يحتفظ "بالضمير الجمعي" كذاتية شبه ميتافيزيقية وهذا القصور هو الذي حاول ستراوس تجاوزه بطريقته الخاصة ،ولحل هذه المشكلة افترض ستراوس حقيقة اجتماعية قبلية وهي النشاط العقلي البشري أو ما يسميه باللاشعور الجمعي وتعتبر اللغة والثقافة بالنسبة لهذا النشاط شكليين متوازيين .













المراجع

P. lazarsfeld. main trends in sociology, George Allen and Uniwin ltd london 170 p
2 Emile Durkheim ,Les règles de La méthode sociologique, Introduction de Francois Dubet , Quadrige Grands textes P .2
3 برنار, رسالة العلم الاجتماعية ,ترحمة ابراهيم حلمي عبد الرحمان,القاهرة 1949,ص 529




#أمكاسو_يعقوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسفة الفقر أم فقر الفلسفة
- تصور عن الانسان بين الطبيعة البشرية و نظرية اللوح الفارغ-
- مقال عن: الانسان المغربي بين الطقس والاداة


المزيد.....




- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أمكاسو يعقوب - ملامح علم الاجتماع الغربي