أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناصر قوطي - مفتاح














المزيد.....

مفتاح


ناصر قوطي

الحوار المتمدن-العدد: 5113 - 2016 / 3 / 25 - 19:00
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة
ناصرقوطي

مفتاح
رجل في حدود عقده السابع بكوفية رمادية تنسرح على كتفيه الضامرين. يفترش الأرض أمام بسطة تنازعت عليها سلاسل صدئة منعقدة الحلقات، مع خرزات بلاستيكية ملونة تشبه عيون قطط نافقة.الكلاب الصغيرة بوبرها الصناعي المنفوش التي فقدت قوائمها وأذنابها، تنازعت هي الأخرى على بسطة الرجل العجوز الذي كان ساهما، ولم يعر اهتماما لشيء سوى لما سيبيعه اليوم من الخردة التي أمامه،لم يلتفت يوما لما يدور حوله ولم ير إلا الأشياء التالفة والمبتورة.ساعات عاطلة بموانىء صدئة، أوانٍ فخارية مهشمة تشرئب بأعناقها، تستفز وجوه المارة.أربطة عنق مستوردة متعددة الألوان عفى عليها الزمن.. فردات أحذية رجالية كبيرة تتدلى ألسنتها الجلدية الطويلة، كما لو كانت ألسنة كلاب تلهث بعد ان ملت النباح، تتنازع فيما بينها على بسطة الرجل العجوز الذي بدأ يتحسس وخزات الجوع في معدته الخاوية ولم يحرك ساكنا. رأسه ينحني الى بسطته فيما ضوء أشعة الشمس يعمق الحُفَر والتجاعيد ويرسم الظلال الباهتة على مساحة وجهه القصديري، يبدو العجوز غير مكترث لشىء. وهو يهمس.(وإن لم تبع شيئا لن يتغير مصيرك. فعليك بالصبر.) : (الآن تغير تغير كل شيء. ).. كذلك ردد الشاب هذه الكلمات همساً مع نفسه.بالرغم من أن الساعة تعدت الثالثة ظهرا والعجوز لم يبع حاجة.
في سوق الخردة أشياء مهملة أخرى ورواد كثر..شعراء وكتاب عرائض، رجال شرطة ومتسولون، طلاب جامعات، موضفون برتب عالية،مهندسو عمارات وشقق فاخرة، صباغو أحذية صغار يجبرون المارة على أن يصبغوا.سماسرة من كل الأصناف.الساعة تعدت الرابعة ووخزات الجوع تزداد في المعدة الخاوية،لم يقترب أحد من البسطة، فما ان تقع عين احدهم عليها حتى تشيح النظر عن الأشياء المتنازعة.في الساعة الخامسة توقف شاب في نحو الثلاثين من عمره بقامته الممشوقة. توقف طويلا أمام بسطة الرجل العجوز..ظل يجيل النظر طويلا،ينقل نظراته من الاشياء الناقصة المتصارعة الى وجه العجوز، ظل مسمراً لايعرف الزمن الذي استغرقه بوقوفه هناك وهو يتمعن الأشياء المهملة.قرب كفي الرجل المعروقتين رأى الشاب قفلا قديما صدئا ذكره بخزانة جده الصفيحية..سأل:
_كم سعره..
رد العجوز دون أن يرفع رأسه:
_ القفل.
_ القفل..
أجاب الشاب:
_ربع..ربع.. ميتين وخمسين.
_ اله مفتاح..
وبعينين كليلتين ومن فم أدرد خرجت الكلمات متلعثمة:
_ رحمة الله واسعة يا ابني ماكو شي ما اله مفتاح..اللي يدوّر يلكه.
راح الشاب يفكر ونظراته الفاحصة تحرث الأشياء والحاجيات الناقصة والمبتورة. أزاح خصلة شعر متمردة عن جبينه الواسع، ثم دس يده في جيب بنطاله وأخرج محفظته، ومن بين الأوراق الكثيرة التي امتلأت بخربشات كلمات وابيات شعر لم تكتمل..عثر الشاب على ثلاثة آلاف دينار،أخرج ألفين ووضعهما بيد الرجل وترك القفل أمامه.. نظرات العجوز راحت تلاحقه بينما أصابعه المرتعشة توميء الى الشاب الذي اختفى وتلاشى وهو يردد منتشياً:
_لقد وجدته..وجدته.. وجدت المفتاح..حقا أن هنالك مفتاحا لكل شيء اذا ما بحثت وتحليت بالصبر..سأكتبها.. سأكتبها..
همس بذلك وراح يفكر في الأشياء الناقصة والمبتورة، كل الأشياء التي ليس لها قيمة في هذا العالم. الأشياء الفائضة التي تخنق الحياة والتي لانفع منها،فكر في ان يكتب قصيدة عن الأقفال الصدئة في أرواح بعض الناس.الأقفال الكثيرة التي لامفاتيح لها.الأرواح الثقيلة التي تسد أي منفذ للضوء.الأرواح التي تشبه كتل الكونكريت المزدهية بالالوان والرسوم في شوارع مدينته.
_وجدتها..وجدتها..
كان يهمس بذلك مبتعدا عن صوت الباعة،وضجيج حركة المتبضعين حتى تلاشى ظله في تلك الظهيرة القائظة واندغم مع الظل العملاق لنصب الحرية في ساحة التحرير.



#ناصر_قوطي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في رثاء الشاعر مهدي محمدعلي
- قصة ( الوصايا الثلاث)
- عِبرة
- لي ولهم
- قصة قصيرة
- قصص قصيرة جدا


المزيد.....




- إيرادات فيلم سيكو سيكو اليومية تتخطى حاجز 2 مليون جنية مصري! ...
- ملامح من حركة سوق الكتاب في دمشق.. تجمعات أدبية ووفرة في الع ...
- كيف ألهمت ثقافة السكن الفريدة في كوريا الجنوبية معرضًا فنيا ...
- شاهد: نظارة تعرض ترجمة فورية أبهرت ضيوف دوليين في حدث هانغتش ...
- -الملفوظات-.. وثيقة دعوية وتاريخية تستكشف منهجية جماعة التبل ...
- -أقوى من أي هجوم أو كفاح مسلح-.. ساويرس يعلق على فيلم -لا أر ...
- -مندوب الليل-... فيلم سعودي يكشف الوجه الخفي للرياض
- الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة بوفاة زوجها
- وفاة المنتج المصري وليد مصطفى زوج الفنانة اللبنانية كارول سم ...
- الشاعرة ومغنية السوبرانوالرائعة :دسهيرادريس ضيفة صالون النجو ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناصر قوطي - مفتاح