أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناصر قوطي - قصص قصيرة جدا















المزيد.....

قصص قصيرة جدا


ناصر قوطي

الحوار المتمدن-العدد: 1700 - 2006 / 10 / 11 - 09:45
المحور: الادب والفن
    


أمـــل 000

ذات مساء حزين حلمنا أن تكون لنا حديقة مزدانة بكل ورود الأقحوان ، بهية المنظر طيبة الرائحة والمنبت . كنا ثلة من الأصدقاء الطيبـين وعلى شيء من الثقافة فابتعنا أرضا صغيرة من صحارى الوطن بما ادخرناه من تعب السنين ، وبحب وحذر ألقينا البذور فنمت سيقان يافعة وبراعم لم تتفتح بعد ، ففرحنا وأملنا خيرا وإذا بليلة مغبرة لانجم يفضح سماءها ولاقمر يكشف ظلمتها فوجئنا ببقايا الظلمة المندحرة تعود وتهاجم حقلنا البائس ومعقلنا الأخير بمناقيرها المثلمة والمدماة ، وهي تلتقط البذور وتلتهمها قبل أن تنبت وتنمو . وحين احتطنا للأمر وغرسنا فزاعة مضحكة لطرد المناقير الناعقة والسحنات الجهمة الساخمة . توجست الغربان خيفة وولت هاربة باسوداد سحناتها وآثار مخالبها على أديم الأرض . ولكن بمرور أيام قلائل اكتشفنا ان ما نلقيه من بذور ليلا يختفي صباحا وقد غدى كل مافي الحديقة يسوء من حال إلى حال على مر الوقت وتوالي الأيام ، حتى بتنا في حيرة من أمرنا ونحن نعض شفاهنا أسفا على ماقمنا به وعملناه خلال الأيام والسنوات الماضية من أجل أعواد القش والخرق البالية ، وحتى الزوائد والنفايات التي تشكلت منها الفزاعة . لقد اكتشفنا ان فزاعتنا كانت تتسلل خلسة في ظلام النهار لتعيث فسادا بكل ماعملناه ، ومن دون خجل تتنكب عدتها لتتلف كل الورود التي غرسناها ذات صباح مشمس وبهيج . *

نكوص 000


بعد إن رسمت الظلال ظهرا محدودبا فوق كلس الحائط ، راحت كفه اليمنى تتقوس وتعكس ظلها القاتم على ساح الورقة بانية خيمة عرس لإعرابي عجوز . الشمعة الخامسة احترقت ذبالتها وتوشك ان ..! ( يوشك ان يعم الظلام ) الضوء يخبو وفي البيت القريب تسمع زخات رصاص . زغاريد مطر وطبول ، أنها ليلة عرس والرؤيا تغيم . أصوات الرصاص تبتعد ، تنأى كما لو تسمع من بعد طرقات باب . السطور تمتلئ ، تصطف عليها الديدان بأنساق متوازية ،تدب هاربة من فوهة بركان مشتعل وتسعى فوق نثار من رماد أزرق . ظل نتوء القلم ينعقف كمنقار صقر ، يفترس ماتبقى من بياض لحم الورقة والأصابع النحيلة في ارتجاف تحت رفيف الضوء . كلمات تتوالى والحروف السود تترى ، تزدرد ماتبقى من بياض يشعل جذوة روحه قبل ان تخنقها الأمنيات . ( يوشك ان يعم الظلام ) .. كتب جملته الأخيرة فخمد البركان وانسل ضوء شمعته الخامسة لتغيب الأصابع ، القلم ، الورقة ، تحت معطف أسود ثقيل . لقد سرق الظلام كل شيء وأخفاه بين ثنيات معطفه فيما انبجس على حين غرة صوت نبع لازمه الجفاف طويلا من فوق ناصية السرير / ألا تأتي وقد عم الظلام / .. قالت المرأة ذلك وأحنت رأسها إليه ليمسد شعرها الفضي ، جدائلها البيض كما النهار . ومن بعد بعيد تسمع طرقات باب تبتعد كما لو صرير عجلات القطار وهي تخترق الصمت العميق . ثلاثون عاما لازمته ولم تزل بأعوامها الخمسين تتقلب في السرير ، تحلم بصراخ طفل يبد د عنها وحشة الليل الطويل وهي في انتظار ... ( لاعليك ، سأكمل الحكاية يوم غد ) .. قال زوجها ذلك وغيبهم السرير . -


طائر000

يوم رأى قفا المرآة المشوب بحمرة قصديرية ونفذت عيناه عبر الحواجز والسدود ، انعكست شذرات من ضوء وسقطت فوق جبينه الضيق الذي برز في عتمة المكان . لقد أدرك لحظتها انه طائر طليق في ليل صحراء مدينة قاحلة وعليه أن يقوم بعمل ما لتغيير المشهد . اشرأب عنقه في فسحة غسلها الضوء غير ان الأصوات عادت تكتنفه من جديد .. ( عليك بريشات جناحيه ) صرخ الأول . ( انه يزحف ) ..الثاني ( ربما يطير مرة أخرى ) .. الثالث .. الرابع .. العاشر .. و.. وحيدا كان والأصوات تقترب .. تبتعد لتذوب وراء أكمة بعيدة . حاول أن يزيل الملح عن الجروح الكثيرة والغبار العالق في الريش الرمادي ليرى أمامه ولكن لا .. لاأثر هناك إلا لطيور جارحة تدور ..تظل تدور في سماء واطئة تلامس تخوم الحدود الشرقية البعيدة ..!.. التفت شمالا .. العراء يمتد موحشا .. جنوبا .. عراء .. عراء مترام ، يطرق هنيئة وفي هشيم المرايا يجمع شتاته ، يلملم الزغب المتناثر دون حوافر الآخرين ويحاول أن يستنهض عزم الأجنحة .


احتدام 000


ليس سوى عصف الريح وأسلاك شائكة تحكم قفرا منسيا ، كتفته ظلمة ليل أشد سوادا من جناح غراب . كرة عاقول ضخمة تتدحرج ، تسح خلفها دوامات غبار . أفعى لامبالية تنساب على الرمل وعواء ذئب وحيد يقطر وحشة باردة في جوف العتمة . أضأت عود ثقاب بحثا عن إبريق الماء لأسقي به شجيرة ورد كنت غرستها منذ زمان . أشعلت العود فتشكلت دائرة ضوء أسفل بنطالي ، راحت تلاحق ذيل الأفعى المنسحب وراء الأسلاك . قرفصت وكان ثمة صراع محتدم بين عقرب أسود وعنكب بلون الرمل ، قربت العود المتفحم للنصف فاتسعت دائرة الضوء . العقرب يهجم بضراوة والعنكب يتقهقر حتى إذا سطع الضوء ، كاشفا عري المكان اتحدا ضدي وقد توجسا خيفة من خطر كفي المضيئة التي فضحت الظلام وليشرعا في نهاية الأمر أسلحتهما تجاه سبابتي والإبهام . سحبت كفي بسرعة فسقط الإبريق وتسرب ما ؤه بين حبيبات الرمل ليتلاشى الضوء ، ويلتئم جرح الظلمة على عواء الذئب والريح تهز الأسلاك ويدي التي تقبض على علبة الكبريت الفارغة .
وهم 000

كما لو كان يمرن ذراعيه على الطيران ومجابهة عصف الريح المضادة ، نزع آخر قيوده ودرب مخيلته على رؤية سماوات لم يخفق بزرقتها جناح لطائر . وطن النفس على تقمص الرفيف وإلغاء كثافة الجسد ، يوم ترك دفء موطنه الأول ونفذ إلى عوالم لن تراودنا حتى في الخيال ، ولم يحلم أحد في رؤية مواسمها وبحارها التي يغمرها الجليد وصحاريها التي زرعت في بساتين الروح زهرة وحشية لايمكن أن تنسى مرارتها . كان العطش المر يمد جذوره المتشعبة حتى شغاف القلب ، ولم تك ثمة واحة أو نقعة ماء راكدة تندي يباس النسغ . هكذا حلق في نهاية الأمر ، رحل بعيدا ، طار عبر بحور تيه ومستنقعات موحلة رأى خلالها نمور موطنه وهي تقتات على نفايات السواحل الغريبة التي لم تطأها قدم . رأى كل أصناف المومسات والعنادل وهي تذرف دموع أناشيدها تحت أضواء المصابيح الشاحبة لأعمدة المواخير ، رأى هناك ما لم تره عين .. دار كثيرا .. ذاق كل الأمواه الغريبة فلم ترو عطشه وحين أعاده الحنين صارت أجنحته تنفض غبار خيبتها وتغمر كل السماوات بخفقانها الجذل . ومن هناك .. من بعد بعيد عاد يرى بوضوح تام ، مدققا ــ بعيون أدمعها الشوق ــ تلك الفوضى المربكة لتضاريس القاع ، ومن عل تراءت له تلك الالتماعة الصدفية وهي تتوهج كالفضة تحت الشمس . كان عطشا ، ثملا بالرفيف ، حتى إذا ما كور جناحيه وأغمض عينيه على دموعها الحبيسة ، ألقى بجسده نحو بركة الماء معانقا نسيمات موطنه القديم . راح يهوي إلى أسفل وكانت البركة تتسع كلما انحدر أكثر متأملا أن يعب من مياهها ولكن ...!.. لكنها لم تكن بركة ماء ، كانت بحيرة صغيرة لايتجاوز قطرها خمسين مترا تحيط بها خزانات ضخمة طليت بالون الأصفر وثمة خراطيم سود تمد ألسنتها الافعوانية المشطورة وتقيء سائلا لاصفا عند حافات جرفها الترابي وبعض شجيرات الأثل نبتت بعيدا عنها . اقترب أكثر ــ وكانت الشمس تتعرى على سطحها الذهبي البراق ــ لم يشعر بعدها إلا بارتطام سطح البحيرة الرجراج بجسده النحيف ، وسائل كثيف ينزلق على الريش الرمادي يحيط به من كل مكان ، فيما انبعثت رائحة عفنة راحت تفور ويتصاعد بخارها من السطح الصدفي اللاصف . لقد أدرك وبعد فوات الأوان انه سقط في حفرة واسعة كانت أعدت لنفايات النفط الخام.



#ناصر_قوطي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناصر قوطي - قصص قصيرة جدا