أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - سهر العامري - رحلة في السياسية والأدب ( 11 )















المزيد.....

رحلة في السياسية والأدب ( 11 )


سهر العامري

الحوار المتمدن-العدد: 5097 - 2016 / 3 / 8 - 10:13
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


رحلة في السياسية والأدب ( 11 ) سهر العامري
حين وصلنا الى بناية البلاط الملكي وجدنا أعدادا غفيرة من الطلاب قد وصلت قبلنا ، والسبب في كثرة عددهم هو أن جميع طلاب كليات جامعة بغداد البالغ عددهم اثنين وثلاثين ألفا في سنة 1968م قد أعلنوا الإضراب تضامنا مع طلاب كلية التربية في اليوم التالي لليوم الذي شن به الجيش هجومه علينا نحن طلاب كلية التربية .
كان الطلاب ساعتها يهتفون مطالبين رئيس جامعة بغداد ، عبد العزيز الدوري ، بالاستقالة بعد أن لاذ هو بالصمت ، ولم يستنكر الهجوم الغاشم الذي قام به الجيش على طلاب عزل لا يملكون من وسائل المقاومة غير الحجارة مقابل الرصاص الذي كان ينهمر من كل حدب وصوب عليهم ، ولهذا كان الطلاب على حق حين كانوا يهتفون بهتاف واحد وصل الى آذان رئيس جامعة بغداد الذي كان قابعا في غرفة من غرف تلك البناية . والهتاف ذاك هو : " كوم "قم " استقيل يا عزيز الدوري !
في البناية تلك ، بناية البلاط الملكي ، التي تحولت الى رئاسة جامعة بغداد بعد سقوط الملكية وقفت ذات ليل كوكب الشرق ، أم كلثوم ، تغني بعضا من أغانيها الساحرة ، ولم يتذكر الحاج اسماعيل عبيد* ، الجندي الحارس الواقف في باب البلاط ، غير أغنيتها الشهيرة التي جعلته يتمايل مع كل كلمة فيها كانت تقولها أم كلثوم : " غني لي .. شوي شوي ! غني لي .. وأخذ عيني ! كان ذلك في سنة 1949م ، حين كان الحاج إسماعيل عائدا من الحرب في فلسطين للتو وقت أن أعلنت الهدنة فيها ، وهي الهدنة التي جعلت بعض الضباط العراقيين العائدين من تلك الحرب يفكرون بالثورة على الحكم الملكي في العراق ، وقد كان الزعيم عبد الكريم قاسم في طليعة هؤلاء الضباط ، وقد أقسم بأغلظ الأيمان وهو في الطريق من فلسطين الى العراق على إزاحة الحكم الملكي عن صدر العراق ، فكان له ما أقسم عليه حين قادة ثورة الرابع عشر من تموز سنة 1958 م .
كانت أم كلثوم قد زارت العراق زيارتين قبل الزيارة التي ذكرتها ، فقد زارته سنة 1932م وكانت هذه زيارتها الأولى ، ثم زارته سنة 1946 م وهذه زيارتها الثانية ، وقد حظيت في الزيارات الثلاث باستقبال منقطع النظير من كل العراقيين ، وعلى مختلف مشاربهم وشرائحهم ، وقد كتبت هي عن زيارتها الأولى لبغداد رسالة الى علي بك البارودي ذلك الرجل الذي وصف بأنه مستشارها المالي ، جاء فيها :
( عزيزي علي بك
اهدي سلامي وشوقي وأتمنى لك مزيد من الصحة والسرور وبعد ، أعرفك أني قمت بالطيارة الفخمة من مصر . وكنت مستريحة طول الطريق لم اشعر بأي شيء الى أن وصلت طبرية في فلسطين . وهناك تتقابل الطائرات القادمة من أوربا للسفر الى بغداد ، فتأخرت هذه الطيارات عن الموعد المقرر لها فاضطرت الشركة لنقلنا بطيارة أخرى كانت صغيرة جدا جدا بالنسبة الى الأولى ، فأخذت العواصف تلعب بها والرياح تهبط بها تارة وتصعد أخرى ، مما حرك أمعاء الركاب جميعا الا أنا واخذوا يطرشون وأغمي على البعض منهم وعلت وجوههم صفرة الموت . وفي الواقع كان منظرا مؤلما الى أن وصلنا بغداد ، فوجدت في مطارها حشدا عظيما من كبار العراقيين يتقدمهم مندوب الحكومة وقنصل مصر وعلي بك العمروسي ورجال المحاماة والطب والصحافة والشعراء وعلى رأسهم الشاعر الكبير الأستاذ الرصافي .
وقدموا لي باقة الورد ثم ركبت السيارة الخصوصية وكانت مزدانة بالأعلام والأزهار . وسارت حتى وصلت الى قصر بديع في ضواحي بغداد اعد خاصة لضيافتي ، وعند وصولي باب القصر نحرت الذبائح تحت قدمي ودخلت فاستقبلت وفود المهنئين . وفي المساء أقامت لي القنصلية المصرية مأدبة عشاء دعي اليها رؤساء الوزارات ورئيس البلاط الملكي وقناصل الدول ، وكانت حفلة بديعة .
وفي اليوم التالي دعيت لتناول الشاي في قصر جلالة الملك علي شقيق جلالة الملك فيصل فاستقبلني بالحفاوة وقدمني الى صاحبة الجلالة حرمه والأميرات كريماته ، فتناولت معهن الشاي ، وأبى جلالة الملك الا أن أتناول العشاء مع أصحاب الجلالة ( وكان العشاء على كيفك يا سيد علي ) . ثم بدأت بأذن الله وقوته اولى حفلاتي في مساء السبت 19 الجاري ، وتلتها الثانية في مساء الاحد 20 منه ، فكان التوفيق من الله عظيما حيث كان الإقبال والاعجاب يفوقان الوصف. وقد حضر الحفلتين الوزراء ومحافظ المدينة وكبار الموظفين . وكان النظام بديعا . وأخذت الجرائد هنا تفيض بالاطراء والاعجاب ( بفنانة الشرق انا ) . ثم يتوافد على قصري كل يوم كبار الاعيان ورجال البلاط والوزراء مظهرين شديد اعجابهم وسرورهم بحلولي في بغداد .
أما امس فقد تشرفت بدعوة جلالة الملك فيصل للغناء في حفلة خاصة حضرها الملك وسمو ولي العهد غازي ورئيس الوزراء ورئيس مجلس الاعيان وكبار رجال البلاط وهناك غنت ام كلثوم غناءا بديعا أخرجهم عن صوابهم من شدة ما نال منهم الطرب ، فكانوا يتسابقون الى اظهار إعجابهم بي وتقديرهم لفني وهذا كله من فضل ربي يا سيد علي .
أرسلت لك أمس تلغرافا أطمئنك بوصولي ، وسبب تأخيره كان في إدارة البرق لأنه غير منتظم بسبب رداءة الجو هنا .وختاما أهديك تحياتي وخالد والسيد يهدونك السلام .
عن مجلة الراديو المصري 1932 )
في هذا البلاط ، وبعد أن اكتشف بعض الطلاب من الذين أرادوا مقابلة رئيس جامعة بغداد قد هرب من باب خلفي يؤدي الى نهر دجلة ، صعدت أنا على أكتاف الطالب الذي ذكرته من قبل ، وهو نبيل العماري الذي كان فارعا في الطول ، وقمت بإلقاء قصيدة لي على مسامع الطلاب المتجمهرين ، وأمام عدسات تصوير رجال المخابرات العسكرية الذين اندسوا بين المتظاهرين .
كنت أنا قد كتبت القصيدة تلك في صباح ذلك اليوم ، والتي لم يستقر منها في ذاكرتي غير هذه الأبيات التي سأذكرها هنا ، والتي كنت هاجمت فيها النظام ، وأتيت فيها على ما جرى لطلاب كلية التربية ، وأنا واحدا منهم ، كما ذكرت فيها اسم طالبة هي ميسون من محافظة القادسية " الديوانية " التي سقطت جريحة برصاص القوة العسكرية التي هاجمتنا :
لا خير في هذا الشجاع وسيفه ِ... إذ راح يقتل في بنيه ِ ويعقر ُ
حمدا يريد وما جنينا منهم ...... إلا الشقاء ولا شقاءً يشكر ُ
....... .... ... ....... ...... ..........
قم يا أخي واكتب حروف نضالنا ... مادام نجع من رفاقك يقطرُ
ميسون خير هدية قدمتها .... للنصر حتى جاءنا يتبختر ُ
وقد زدت على بداية هذه القصيدة أبياتا بعد ذلك حين تخلصت من قبضة رجال المخابرات العسكرية وسافرت الى البصرة لحث طلابها على الإضراب بعد أن كان التردد مسيطر عليهم ، فكتبت فيما كتبت ، وأنا في الطريق الى البصرة :
للبصرة الفيحاء جئت ُ أبشر ُ .... صوتا يهز ُ الظالمين ويقبر ُ
أم الرشيد تضرجت بدمائنا ....... أفما أتاك حديثها والمخبر ُ
بعد أن ألقيت القصيدة المذكورة في بناية رئاسة جامعة بغداد " البلاط الملكي " قرر الطلاب السير بمسيرة صامتة الى الباب الشرقي من بغداد مرورا بشارع الرشيد ، وعلى أن ينظم الطلاب فيها سيرهم بخطوط متتابعة كل خط يتكون من ستة طلاب ، وإذا ما قررت قوات الشرطة وأفراد المخابرات العسكرية مهاجمة المسيرة تلك فإن الطلاب وقتها سيحولونها الى مسيرة صائتة .
وقفت أنا على طرف الخط الذي يضم ستة طلاب ، كان من بينهم صديقي ، أمين قاسم الموسوي الذي كان على يميني من ذلك الخط ، ولكنني سرعان ما اكتشفت أن رجل المخابرات الذي قام بتصويري حين كنت ألقي قصيدتي يسير الى جانبي ولكن على رصيف الشارع ، ولهذا طلبت من الطلاب أن يبادلوني المكان فصرت أسير في وسط ذلك الخط بدلا من طرفه ، وكان هدفي من ذلك هو حمايتي من رجل المخابرات الذي كان متأهبا لاعتقالي ، حالما تتوفر له الفرصة المناسبة .
حين اقتربت المسيرة من وزارة الدفاع العراقية في منطقة الميدان من بغداد وجدنا انتشارا لبعض الدبابات في الشارع الذي تطل عليه تلك الوزارة ، وحين زدنا في تقدمنا نزل بعض الضباط والجنود الى الشارع ، وحاولوا منعنا من السير ، حينها اشتبكنا معهم ، ثم تحولت المسيرة الى مسيرة صائتة ، وصرنا نهتف : " لازم تنتصر إرادة الطلاب " .
كانت الترجمة الحقيقية لهذا الهتاف هى أننا كنا نريد من الحكومة الاعتراف بنتائج الانتخابات الطلابية التي دعت لها الحكومة نفسها ، والتي سارعت هي نفسها الى إلغائها حال ظهور نتائجها التي كانت لصالح الاتحاد العام لطلبة العراق الذي هو منظمة مهنية من المنظمات المهنية ذات العلاقة بالحزب الشيوعي العراقي ، ولم تكتف ِ الحكومة بذلك بل أنها شنت حملة شعواء على صفحات جرائدها ضد الطلاب وتوجهاتهم السياسية ، وقد عبر عن وجهة نظر الحكومة تلك أستاذ مادة النقد الأدبي في كلية التربية داود سلوم حين قال لنا ذات صباح أثناء محاضرة له : هل من المعقول أن يكون الحزب الشيوعي العراقي قد سيطر على ثانويات العراق كلها ؟ فأكثر توجهات الطلبة الذين ينتقلون من تلك الثانويات الى كلية التربية هي توجهات شيوعية "
ولي أن أقول بعد هذه السنوات الطويلة التي مرت على إجراء تلك الانتخابات إن هناك أطرافا في حكومة عبد الرحمن عارف تتعاون مع دوائر المخابرات الغربية خاصة البريطانية والأمريكية منها ، فدوائر المخابرات الغربية كانت تريد أن تعرف ما مدى تأثير الحزب الشيوعي العراقي في الشارع العراقي ، وما مقدار نشاطه بين الناس في العراق ، فكانت تلك الانتخابات هي المحرار الذي قاست به تلك الدوائر حرارة ذلك الشارع ، ولهذا عملت بنشاط وعلى عجالة من أجل القيام بانقلاب السابع عشر من تموز الذي حمل عناصر مشبوهة من الجيش مثل عبد الرزاق النايف وإبراهيم الداود الى السلطة مثلما حمل شخصيات بعثية كانت قد تبرأت من حزب البعث مثلما مر ذلك سابقا ، وكان في طليعة هؤلاء أحمد حسن البكر وصدام الى الحكم ثانية .
من البصرة ذهبت الى هور الحمّار الذي صرفت به أكثر من أسبوع ، كنت أمارس هواية صيد الطيور المائية ببندقية صيد في أيام منها ، وبقيت على هذه الحالة الى أن استلمت رسالة من صديقي أمين قاسم الموسوي يخبرني فيها بإمكانية السفر الى بغداد بعد هدوء الوضع فيها رغم استمرار الإضراب . " يتبع "
----------------------
* الحاج اسماعيل عبيد هو أبو علي اسماعيل عبيد رئيس جامعة ذي قار سابقا .



#سهر_العامري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحلة في السياسية والأدب ( 10 )
- رحلة في السياسة والأدب (9)
- رحلة في السياسة والأدب ( 8 )
- رسالة الرئيس
- العبور الى أيثاكا
- الهجرة الى دول الكفر !
- مرضان مستبدان في العراق : أمريكا وإيران
- الدين والحكم (2)
- الدين والحكم (1)
- لا وجود لدولة اسلامية أبدا !
- الحل في الثورة الشعبية !
- رحلة في السياسة والأدب ( 7 )
- رحلة في السياسة والأدب ( 6 )
- رحلة في السياسة والأدب ( 5 )
- البيت الذي طاردته شرطة الأمن !
- الأزمات في العراق تجاوزت الحلول !
- السقوط المذل !
- الى بلاد العم سام (3)
- الى بلاد العم سام (2)
- الى بلاد العم سام* (1)


المزيد.....




- هل ستفتح مصر أبوابها للفلسطينيين إذا اجتاحت إسرائيل رفح؟ سام ...
- زيلينسكي يشكو.. الغرب يدافع عن إسرائيل ولا يدعم أوكرانيا
- رئيسة وزراء بريطانيا السابقة: العالم كان أكثر أمانا في عهد ت ...
- شاهد: إسرائيل تعرض مخلفات الصواريخ الإيرانية التي تم إسقاطها ...
- ما هو مخدر الكوش الذي دفع رئيس سيراليون لإعلان حالة الطوارئ ...
- ناسا تكشف ماهية -الجسم الفضائي- الذي سقط في فلوريدا
- مصر تعلق على إمكانية تأثرها بالتغيرات الجوية التي عمت الخليج ...
- خلاف أوروبي حول تصنيف الحرس الثوري الإيراني -منظمة إرهابية- ...
- 8 قتلى بقصف إسرائيلي استهدف سيارة شرطة وسط غزة
- الجيش الإسرائيلي يعرض صاروخا إيرانيا تم اعتراضه خلال الهجوم ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - سهر العامري - رحلة في السياسية والأدب ( 11 )