أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سهر العامري - رسالة الرئيس















المزيد.....

رسالة الرئيس


سهر العامري

الحوار المتمدن-العدد: 4988 - 2015 / 11 / 17 - 11:46
المحور: الادب والفن
    


رسالة الرئيس سهر العامري
كان الوجوم مخيما على وجه الرئيس رغم أن البيت أبيض زادت في اشراقته أشعة شمس خجولة ، مثلما تخيلها الرئيس الذي نهض مبكرا صباح ذاك اليوم الباهت ، مع أنه لم ينم ليلته البارحة إلا في ساعة متأخرة ، وكنت أنا وأياه ساعاتها في حال واحدة فهو كان يتابع الأخبار المصورة القادمة من الضفة الأخرى للمحيط الأطلسي ، بينما كنت أنا أتابعها بشغف مثله من أوربا.
كان قلق الرئيس باديا بصورة جلية على أسطر الرسالة التي بعثها لي صباح تلك الليلة المشؤمة ، فقد كان هو يبكي فيها على باريس ، يبكي على القيم العالمية المشتركة ، ولا ينسى كذلك أن يبكي على مبادئ الثورة الفرنسية في الحرية والإخاء والمساواة فأحداث تلك الليلة جعلت الرئيس يضع التاريخ القريب أمامه ، ولهذا استحضر روسو وفولتير من قبريهما ، مثلما استحضر أيام حرب الاستقلال التي وقفت فيها باريس مع الثائرين من أبناء شعبه ، ذلك الوقوف الذي أغرقها بالديون ، هذا الغرق الذي كان من بين أهم الأسباب التي أشعلت نيران الثورة في شوارعها ، ثم حصدت حرب الارهاب خلالها آلافا من الناس ، وأخيرا تمخضت تلك الثورة فولدت رجلا مجنونا راحت جيوشه تجوب أنحاء الأرض المترامية ، تبطش هنا وتدمر هناك ، وبذلك جعلت الكثير من البلدان مستعمرات لها ، أطلق عليها الإمبرياليون الفرنسيون اسم فرنسا ما وراء البحار :

مشت لك باريس ُ أم الحقوق وحشا يدبّ على أربع ِ
( دعا جندي في جيش الاحتلال الفرنسي السابق للجزائر الرئيسَ الفرنسي الجديد فرانسوا هولاند إلى تشريف فرنسا بالاعتذار إلى الجزائر عن الجرائم التي ارتكبتها في هذا البلد ، وذكر أن فرنسا انتهجت "قمعاً مركّزاً ضد أية محاولة للثورة، ونهبت ثروات الجزائريين لفائدة المعمّرين ورجال المال، الذين كانوا مسيطرين على الحياة الاقتصادية والسياسية للمستعمرات )

لكن الرئيس لم يلتفت لكل ذلك ، لم يلتفت الى سايكس – بيكو ، ولم يلتفت الى مجاز مدينة سطيف ، ونسى أن أفريقيا نهبت حتى أقاموا على جماجم أهلها برج إيفل ، وهم أنفسهم من نهب كنوز الفراعنة ، والبابليين ، وهم أنفسهم من سرقوا لسان سي علال ذاك الفتى الذي أنكروا على آبائهم داره وموطنه ، فهل من المعقول أن ينسى الرئيس كل ذلك ، ولم يكتب لي عنه شيئا ؟ هل فقد عقله تلك الليلة أم أنه كان يقرأ التاريخ بعين واحدة .

كان هناك عصفور يزقزق على شجرة عود سامقة وقت أن كان الرئيس يكتب رسالته الحزينة لي في صبيحة تلك الليلة المشؤمة ، وبين الفينة والفينة كانت زقزقة ذلك الطائر ترتفع ، وكان الرئيس يسمعها بوضوح رغم أن العصفور كان معلقا في غصن من أغصان أعلى الشجرة التي كانت فارعة الطول ، وتقع خلف جدار سميك لغرفة الرئيس في بيته الأبيض .
تخيل الرئيس أن العصفور ذا العقل الصغير يسخر منه كلما وضع كلمة على سطر من رسالته تلك ، ولكن مع هذا ظل الرئيس يكذب فيما يكتب ، ولم يراجع نفسه مرة واحدة ، فهو مهتم بأمر الارهاب الذي يطال المدنيين من الناس في تلك الليلة ، وينغص الحياة في عاصمة النور .
اهتمام الرئيس الزائد جعل العصفور أن يسأل شجرة العود عن أصلها ، وعن مكان ولادتها قبل أن تهاجر مثل الرئيس الى الضفاف الغربية للمحيط الأطلسي ، وقد أثار هذا السؤال استغراب الشجرة ، فردت بغضب عليه ، قائلة له : إنها لم تهاجر أبدا ! إنها شجرة مسبية منذ سنوات خلت ، اقتلعها من أرضها جندي من جيش الرئيس ، وأتى بها الى هذا المكان الذي خرجت منه خطط كثيرة أزهقت أرواح الناس في اصقاع كثيرة من العالم.
- قبلي أيها العصفور سبوا الكثير من أشجار القرنفل والعود من باريس آسيا ، هانوي ، وحملوها الى باريس أوربا ، وصنعوا منها أفضل العطور ، كي يتعطر بها رجال ونساء تجار المال والحروب .
- أنا من هناك أيضا . رد العصفور.
- من هانوي ؟
- كلا . من سايكون .
- وكيف وصلت الى البيت الأبيض ؟
- قولي لي أنت كيف وصلت ؟
- بعد أن سبوني ، حملوني بسفينة حربية ، قطعت بي بحورا عدة ، وشاهدت من الأمواج العاتية ما يخيف كل حي في هذا الوجود ، وحين رست تلك السفينة قرب نصب الحرية في خليج نيويورك حُملت بطائرة من هناك ، وكنت وقتها ما زلت صغيرة في السن ، بعدها غرسوني قرب غرفة الرئيس مثلما تشاهد .
- يبدو أن رحلتك استغرقت أياما طويلة !
- نعم . طالت كثيرا ، وعلى ما أتذكر فقد زادت على شهر .
- ربما كنت أنا أسعد حظا منك ، فقد حملني جند الرئيس بطائرة ، وبعد ساعات أطلق سراحي في باحة البيت الأبيض ، لكن شعورا ما في الارتياح هو الذي قادني نحوك ، وفضلت أنا أن تكوني لي وكرا في هذه الديار الغريبة ، والبعيدة .
- من هانوي أنت ؟
- لا . من سايكون قلت لك !
- قل من مدينة هو ش منه ، فقد تبدل اسمها ، وحملت اسم ذلك الطباخ الفيتنامي الذي طالما أضطهد من قبل تجار المال والحروب من الفرنسيين ، حين كان يطبخ لهم الكثير من الطعام في مطاعم سفنهم ، ولمثلهم فقد طبخ لرئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل حين كان يعمل هو في فندق كارلتون بلندن في الشهور الأولى من الحرب العالمی-;---;--ة الاولى.

ذاك الاضطهاد هو الذي قاد هو شي منه الى يقاد مشاعل الثورة دفاعا عن وطنه الذي يهيمن عليه تجار الحروب ، ونهبوا ثروته ، ثم لاحقوه بتهمة الارهاب ، فراحت تتساقط قنابل طائراتهم المحرقة على القرى والمدن الفيتنامية ، ولم يسلم من قنابلهم الحارقة تلك حتى الأطفال الصغار الذين هاموا على وجوههم في الشوارع ، والطرقات ، وهم يحملون على ظهورهم نيران تلك القنابل التي ألقت بها عليهم طائرات جند الرئيس الذي بعث لي رسالة أغفل فيها ذكر الكثير من الحقائق التاريخية ، تلك الرسالة التي وصلتني في صباح ليلة مشؤمة فر فيها رجال وأطفال ونساء في شوارع باريس أوربا ، وهم في حال لا يختلف عن حال الطفلة الفيتنامية ، كيم وان ، التي فرت مثلهم عارية من نيران قنابل النابالم التي لازالت تحمل آثارها على ظهرها للآن رغم مرور سنوات طويلة على ذلك ، ولكن كل هذه الفظائع أغفلها الرئيس ، ولم يدونها في رسالته التي أرسلها لي ، بينما حدثني عن فظاعة الترويع الذي أصاب الناس المدنيين في عاصمة النور في تلك الليلة ، وقد عد الرئيس الاعتداء ذاك هو اعتداء على البشرية جمعاء ، وعلى القيم العالمية التي يتقاسمها معها ، ولكنه وبكل صلافة لم يتحدث عن القيم التي قتل بها جيشه الناس المدنيين ، وهم يسيرون مسالمين في شوارع بغداد ! والناس المدنيين في غزة الذين تنهال على بيوتهم قنابل الفانتوم الأمريكية ، وهم ينامون فيها ، كما أنه نسى أن يحدد لي القيم التي على هديها غزت جيوش حلفائه بلدانا عدة طمعا بثرواتها.

كان الأستاذ أحمد الحلي كثير الخصومة معي حين كنت طالبا عنده ، أتلقى منه دروسا في الفلسفة البراغماتية التي أخذت لب الأستاذ ذاك ، فهام بها غراما ، وراح يبذل جهودا جبارة من أجل أن يتعلق طلابه بها ، ولكنني كنت أنا الطالب الوحيد الذي يعتبرني مشاكسا له ، ولا أريد ، مثلما يزعم ، أن أقترب من فلسفة المال والربح ، ولهذا كثيرا ما كانت تدور مناقشات حامية الوطيس في قاعة الدرس بيني وبينه ، وهو القادم من عاصمة المال حيث يقبع الرئيس صاحب الرسالة .
- نعم . هذه الحرب مبررة في عرف ديوي !
- كيف مبرر يا أستاذ وهي تطحن كل اليوم مئات من الشعب الفيتنامي بقنابل النابالم ؟ ألم تشاهد أنت صور أطفال فيتنام ، وهم يفرون الى الشوارع عراة ، بينما راح جنود المال يلاحقونهم بقنابلهم ؟
- قلت لك هذه الحرب مبررة في فلسفة ديوي ، ولكنها ستكون عقيمة حين ينعدم ربح تجار الحروب منها .
- ومتى ستكون عقيمة برأيك ؟
- عندما تكون الخسارة في هذه الحرب تفوق أرباح الفحم الفيتنامي ، تلك الأرباح التي تدخل جيوب أصحاب المال والثروة الجالسين على المقاعد في الكونغرس الأمريكي .
- قل لي يا أستاذ علام يتبجح الرئيس بقيم النهب هذه ، مثلما يتبجح بحقوق الأنسان ، وحرية الأفراد .
- هم يعملون ويصرحون وفقا لشعارهم : دعه يعمل ! دعه يمر ! يضاف الى ذلك أنهم يفكرون ، ونحن لا نفكر !
- نحن نفكر يا أستاذ لكن القمع يطاردنا ، هذا هو الفرق .

مما ورد في رسالة الرئيس لي كذلك أنه سيحارب الارهاب والتطرف ، وسيطارد الارهابيين في كل مكان من العالم ، والى أن يلقى القبض عليهم ، ويحالون الى المحاكم لينالوا ما يستحقون من عقاب ، ولكن الرئيس لم يكتب لي كلمة واحدة عن ارهاب جنوده ، وما ارتكبوه من جرائم في أكثر من بلد ، وأكثر من مكان ، ومع ذلك يريد الرئيس من الاجيال الصاعدة أن تنسى ، وهو يعلم علم اليقين أن الشعوب لا تنسى أبدا !

في مساء صيفي ، رخي النسائم ، أنهيت عملي في مدرسة ثانوية لا تبعد كثيرا عن ضفاف البحر المتوسط ، صادفت في الطريق زميلة لي قادمة من اسبانيا ، وتعمل معي في المدرسة ذاتها ، وبينما كنا نسير سوية تخلف عنها ولدها الصغير الذي كان برفقتها ، ولهذا صاحت به : جاءك موشى !
هب الطفل مذعورا نحوها ، وصار يلوذ بها ، متلفتا يمينا ويسارا ، وهذا ما ثار دهشتي واستغرابي ، فقررت أن أسألها بسبب من أنه خطر لي أنها ذكرت اسما لشخص أنا على معرفة به حين صاحت هي بولدها :
- سمعتك تقولين لولدك : جاءك موشى ، من هو موشى هذا ؟
ردت علي هي بكل ثقة ، ودون تردد أو وجل ، وبرحابة صدر متناهية :
- هو موسى بن نصير !
أخذتني سورة من خجل لثوانيٍ ، ثم قلت :
- لا زلتم تذكرون موسى بن نصير بعد هذه السنين الطويلة التي عبرت في عدها الألف سنة ويزيد.
- الشعوب لن تنسى أبدا ، والتاريخ لن يرحم أحدا .



#سهر_العامري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العبور الى أيثاكا
- الهجرة الى دول الكفر !
- مرضان مستبدان في العراق : أمريكا وإيران
- الدين والحكم (2)
- الدين والحكم (1)
- لا وجود لدولة اسلامية أبدا !
- الحل في الثورة الشعبية !
- رحلة في السياسة والأدب ( 7 )
- رحلة في السياسة والأدب ( 6 )
- رحلة في السياسة والأدب ( 5 )
- البيت الذي طاردته شرطة الأمن !
- الأزمات في العراق تجاوزت الحلول !
- السقوط المذل !
- الى بلاد العم سام (3)
- الى بلاد العم سام (2)
- الى بلاد العم سام* (1)
- التعصب الطائفي صنو التعصب القومي (3)
- التعصب الطائفي صنو التعصب القومي (2)
- التعصب الطائفي صنو التعصب القومي (1)
- المالكي في أمريكا !


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سهر العامري - رسالة الرئيس