أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جاسم العزاوي - وجيب قلب.. في سماعة طبيب مستجد















المزيد.....

وجيب قلب.. في سماعة طبيب مستجد


جاسم العزاوي

الحوار المتمدن-العدد: 5071 - 2016 / 2 / 10 - 01:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


وجيب قلب.. في سماعة طبيب مستجد

د. جاسم العزاوي
إلتزام معايير علمية واخلاقية، إقرار ضمني في الشهادة الطبية، تدون وتؤدى أثناء قسم التخرج، في أية كلية طبية؛ بقصد نمو الإحساس المعنوي، بموازاة التطور المعرفي.. إحترافيا.. في ما بعد.
الفكر / الضمير، والعقل / العاطفة، والإيمان / الإخلاص، نماذج من ثنائيات يقوم الوجود عليها، والخلل في أي منها (تهدل) الدنيا، متلكئة عرجاء كسيحة نصف حية وشبه ميتة، يجب غرسهما في مناهج العمل، وتنشيطهما بإستمرار، وإيقاظهما معا.. بسياق طردي متوالي.. لا تناوب فيه، كلما مالت كفة أحدهما لصالح الاخر، يعدلها المعني.
اهم هذه المعايير الاخلاقية المثبتة عالميا هي: "إحترام إرادة المريض وترجيح رغبته" و"إيلاء مصلحته إهتماما يفوق كل الإعتبارات" و"تحاشي إيذائه" و"إحترامه ومعاملته إنسانيا" و"المساواة في تقديم الخدمات الصحية لكل من يحتاجها" و" تبصير المريض بالقرار، ضمن الحدود النفسية المساعدة على تسهيل العلاج وعدم إرعابه".
تلك الاقانيم، هي إصول المهنة، التي درسناها منهجيا، بطريقة تؤكد، ان الطب أسمى العلوم ورسالة إنسانية راقية، يمنح محترفه مؤهلا للتعامل مع كيان فطره الرحمن على صورته؛ فأية قدسية، تلك التي تترتب على "ترتيش" صورة رب السماء.. أرضيا.
عليه ان يتأهب بكل ما تعلم، جاهزا في أطراف مخيلته وعقله، يستحضره بداهة، من دون تلكؤ، عند معاينته مريضا، يكشف على حالته.
إنها ثوابت لا يتردد الأستاذ عن تكرارها على مسامع طبيب متخرج حديثا، ليضعها نصب عينيه، طوال حياته العملية المقبلة، وهو يلتحق بوحدته الصحية.

القوة والفعل
صدرية الطبيب، مسوح كاهن، والسماعة صولجان فارس.. يتذكر والده.. أهداه صدرية جديدة وسماعة راقية التصميم والمنشأ؛ بمناسبة تخرجه واضعا "باج" الدكتور على صدره، وسامَ شرفٍ.
شعر يومها بحلمه يتحقق، حاصل مزج الذكاء الفطري بالموهبة المنظمة والإجتهاد المواظب.. أشار أستاذه الى فسيلة نخل يزرعها فلاح، قائلا:
- انك لهذه الفسيلة ستزرع في ارض المهنة وسيتم نسيانك وسقيك وعليك ان تبقى شامخا كالنخلة.. تسقط عنك السعف اليابس؛ لتنمو مثمرا.
سأل الطبيب الشابُ أستاذَه:
- هل درست كل هذه السنين لاصبح فسيلة؟ أجاهد وأكدح لأنضج بالغا مرحلة النخلة؟.
أجابه:
- نعم.. غذاء السعف صبرك وتعليمك المستمر وأخلاقك.. تكون او لا تكون؟ هذا هو السؤال الذي ينطوي على إجابة ضمنية.. والآن اذهب يا ولدي لتسلم أولى خفاراتك.. واجه مرضاك وحدك! ولا تنسى العلم والاخلاق والصبر والعزيمة.
شكر الطبيب الجديد عمه، معاهدا:
- عمي سأكون عند حسن ضنك.
وغادره ناقلا نظره بين الفسيلة والنخلة.. وصل العيادة الخارجية، ليجد زحاما من مرضى في الباب، فسحوا له المجال احتراما لصدريته، وتسلم العمل مناوبا زميله، الذي مكث معه رويدا.. يرشده، ريثما يتماهى مع المكان.
بغية التأمل بأسرار العمل الإجرائي.. ميدانيا؛ طلب من البواب التأني لحظات قبل ادخال المريض الاول.. سوى هندامه وصدريته ومسح باجه وأخذ صورة ( سيلفي) لأول مشواره الطبي، فهو اليوم اصبح دكتورا بالفعل، أمدته الكلية بالقوة!

تكاسل مستفز
تذمرت الأصوات، وراء بابه الموصدة، تستعجله؛ فأوعز بإدخال المرضى تباعا، وكجزء من التوثيق صور نفسه مع المراجع الاول في حياته الطبية.
تعالت الأصوات قرب الباب الموارب، سامعا احدهم يقول:
- اطباء جهال.. احنا بيا حال والطبيب ملتهي بالتصوير.
تلقن درسا عمليا مبكرا؛ أزال نشوة التباهي بالوظيفة؛ مدركا أنها ليست صدرية وسماعة، إنما خدمة لحاملي هموم تحت وهن الألم، مندفعين نحو ردود فعل غير قياسية؛ لأن المرض إستثناء والصحة قاعدة؛ فلا تتوقع ردة فعل طبيعية؛ من إنسان في وضع عضلي ونفسي غير طبيعيين!
وجم صامتا، يتأهب للرد، فبادره موظف الخدمة:
- يلله دكتور مشي، كل اللي قبلك مروا بهذا.

تأمل واقعي
ماذا حصل؟ ولماذا؟ وهل يزهف المبتدئ حاكما على مستقبله بالنهاية قبل البدء؟ هذا هو الدرس الثاني، الذي لخصه في ثوان فاصلة بين بركان الغيظ وهدأة الأمراء.
آمن بأن "خير البر عاجله" و"من عمل عملا فليتمه" لذا حرص على تقديم افضل الخدمات؛ سال الاول عنما يشكو؟.. أجلسه جنبه؛ متبعا أصول وفن المهنة، الذي تعلمه أثناء الدراسة.. تحدث المريض عن آلامه، التي تبدء من الرأس الى الأقدام؛ فكل شيء في جسده "مألوم" يتمزع!
واصل الإستفهام عن نوع الألم وإمتداداته وتاريخه المرضي والعائلي.. جردة أسئلة، نفذت الى صميم الحالة، طالبا منه النوم على سرير الفحص، وأشار لموظف الخدمة بغلق الباب؛ حفاظا على حرمة الخصوصية! عورة الجسد الواهن، وأسراره، لا يصح ان يطلع عليها سوى الطبيب؛ بإعتباره ربا ثانيا، بعد الله جل وعلا.
فحصه وفق ما تعلم، مستحضرا خطوات المعالجة، مضفيا عليها احتمالات تشخيص مقترحة، بذكاء ميداني، منها تحاليل وفحوصات؛ لإكمال التشخيص وإيجاد العلاج.

درس ثالث
طول الفحص إستفز المراجعين الذين إكتظت بهم صالة الانتظار؛ فتعالت أصوات الاحتجاج:
- ماذا يفعل صار له ربع ساعة مع المريض؟، نحن متى يصل دورنا؟
اجابهم البواب بانه حديث عهد:
- بعد ما ماخذ شمره!
فأقلقهم، بدل التهدئة:
- يعني يتعلم بروسنه.
- إحنا والله مستعجلون.
قال ثالث:
- آنة كلش تعبان ما أتحمل.
رابع:
- راح اموت!
أقبل موظف صائحا:
- دكتور.. تره هيج ما يصير، اذا كل مريض عشر دقايق؛ يعني ستة في الساعة، واني هسه عندي اكثر من ثلاثين مريضاً والعدد في تزايد مستمر، تره هسه يهجمون ويكسرون العيادة، يلله هم إيدك ومشيهم وهم واقفون.
وقف واضعا السماعة جانبا، وقال له:
- الانسان ثروة وطنية وعلي تقديم افضل الخدمات الصحية له، فكيف لي ان اقدمها لهذه الإعداد وبهذا الوقت.. ضميري وعلمي لا يسمحان.
اجابه الموظف:
- أخذ الدرس مني ومعليك من اللي قريته.
.بهذا تعلم درسا عمليا ثالثا، يتلخص بأن ثقافة قصور الخدمات، تعيقه عن شمول المريض بما يلزم.. صار يهمش على المخاطبات الرسمية: "أجري اللازم" من دون إجرائه!



#جاسم_العزاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللائمة على الطبيب مهما جار مرضاه
- لا تشتجروا.. الصحة رهان وجودي للطبيب
- وجيب قلب في سماعة الطبيب


المزيد.....




- روسيا تعلن احتجاز نائب وزير الدفاع تيمور ايفانوف وتكشف السبب ...
- مظهر أبو عبيدة وما قاله عن ضربة إيران لإسرائيل بآخر فيديو يث ...
- -نوفوستي-: عميلة الأمن الأوكراني زارت بريطانيا قبيل تفجير سي ...
- إصابة 9 أوكرانيين بينهم 4 أطفال في قصف روسي على مدينة أوديسا ...
- ما تفاصيل خطة بريطانيا لترحيل طالبي لجوء إلى رواندا؟
- هدية أردنية -رفيعة- لأمير الكويت
- واشنطن تفرض عقوبات جديدة على أفراد وكيانات مرتبطة بالحرس الث ...
- شقيقة الزعيم الكوري الشمالي تنتقد التدريبات المشتركة بين كور ...
- الصين تدعو الولايات المتحدة إلى وقف تسليح تايوان
- هل يؤثر الفيتو الأميركي على مساعي إسبانيا للاعتراف بفلسطين؟ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جاسم العزاوي - وجيب قلب.. في سماعة طبيب مستجد