أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سليمان الهواري - قصة امرأة أعدموا أنوثتها!















المزيد.....

قصة امرأة أعدموا أنوثتها!


سليمان الهواري

الحوار المتمدن-العدد: 5067 - 2016 / 2 / 6 - 15:05
المحور: الادب والفن
    



امرأة فارعة القامة من سمراوات مراكش.. بكل اكتناز أرداف السمراوات، قبل أن يتغول عليهن الزمن ليأكلن من أثدائهن.. لا عيون لها وهي التي لم تكمل بعد عقدها الثالث.. لاحياة في ملامحها بقيت سوى غابات حزن وخرائط محنة لا تغادر ذاكرتها.. مَن قال أن شابة بدلع المراكشيات، ستنتهي كسالة في حمامات البيضاء التركية، لتنفث تعبها بين أجساد البيضاويات..

كل رائدات الفضاء البُخاري يعرفنها بانطوائيتها وطيبوبتها، لكن ما أن تبدأ في الدلك والتعامل مع الصابون البلدي والحناء على الأجساد العارية، حتى تزداد عصبيتها، وتستغرق في عوالمها كأنها تمارس طقوس صلاة تستفرغ فيها معاناة زمن، لا تخرجها منه الا لحظات الخلاص، وهي تسكب حفنات ماء التطهر الأخيرة على جسد زبونتها الأخيرة هذا المساء..

عتيقة، هو الإسم الذي يناديها به الجميع في الحمام.. وهي تنظف ظهر خديجة بادرتها بالكلام: هل حقا أن الله سيعاقب طفلة ذنبها الوحيد أنها أحبت رجلا وعمرها لما يتجاوز الرابعة عشر لتجد نفسها ممزقة بين فاكهة اللذة التي تكبر في رحمها، ونكران الحبيب الذي أشهر في وجهها سؤال الشرف؟..

وكأن الغواية امرأة.. وكأن الشرف ذكر.. كل يوم بطنها ينتفخ أكثر وأمها تلح عليها أن تتخلص من بِذرة الخطيئة من بطنها، تخضعها كل حين لجلسات دهاقنة الأسرة والحومة.. وحدها عتيقة تعرف إنها لن تفرط في جنين حبها، حتى ولو تخلى عنها كل العالم.. إنها غريزة الأمومة تشدها إلى قرار الهروب والارتهان لحياة الهامش..

رضا الموسوي
رضا الموسوي

كيف تنسى صرخة أمها وهي تطردها من البيت ليلا، لتستقبلها أبواب المحطات والبيوت الخلفية للطرقات المهجورة.. سمته سفيان حين شهق أطلق أول زفير على سرير متواضع بين يدي عجوز في أحد هوامش البيضاء..

تتوالى الصور وتفاصيل الوجع وسنين المحنة التي جعلت سفيان يبلغ إثنى عشرة سنة وهو يتابع دراسته عند نفس العجوز التي ولد في حضنها.. سفيان يكبر رجلا وذاك الذي زرعه في رحم عتيقة لا يعلم لحد الساعة بوجوده في الحياة حتى..

كانت سنوات قاسية وعتيقة تتنقل بين كل حرف الهامش لتجد نفسها في حضن رجل يكبرها عمرا، لكنه و هو أب بنتين وابن ، من تجربة زواج سابق، عرف كيف يلملمها ويعيد إليها كينونتها التي فقدتها في شوارع الوطن.. محمد شكل لها كل العالم رغم الفقر وضيق ذات اليد، لأنه ببساطة كان الحضن والملاذ والأمان.. كان صديقا لعتيقة وأبا حكت له كل تفاصيلها فرغب فيها أكثر ..

أيام كفاح جميلة جمعت محمد وعتيقة وكل منهما يحفر في صخر البيضاء من أجل لقمة عيش وبيت يحميهما وبعض أحلام بدأت تكبر.. محمد يريد أن يعمد علاقته بعتيقة بأن يملأ حياتهما بابن من صلبها، وهو ما زاد فرحة عتيقة، لكنها انتظرت سنة اولى ثم ثانية ليأتي هذا الحمل دون نتيجة..

عتيقة ابنة الحارات القديمة تفهم أن أسهل طريق هو أن تعرض نفسها على طبيب الولادة.. لملمت نفسها وقطعت المسافة لعيادة الطبيب ويا ليتها لم تذهب في تلك الصبيحة المفجعة.. نصف ساعة كانت كافية لتُقفل في وجهها كل أبواب الحياة ولتوصلها بعد ساعة الى مستشفى الأمراض العقلية بالمدينة..

كل شيء يوحي بأنوثة عتيقة وخاصة أن تجربتها في الولادة كانت طبيعية.. لكن دهشة الطبيب وكلماته أصابوها في مقتل وهو ينظر الى صور رحمها ومنظاره أمام عدسته.. يستحيل أن تكوني أما يا سيدتي.. ماذا تسمع؟ طلبت منه أن يعيد ما قال لأنها لم تفهم قصده حقا.. هل سبق لك سيدتي أن أجريت عملية جراحية في رحمك؟

السماء تكاد تطبق على أنفاسها، وهي التي تعرف أن مبضع الجراح لم يلمس جسدها يوما.. دماغ عتيقة يكاد يتوقف و هي تعيد رسم ما جرى عند خروج سفيان الى الحياة.. لم يستشرها أحد في مصيرها حين تصرف الطبيب كأنه الله وهو من يقرر أن يمنع الذرية عن عتيقة.. تصرف كقاض في محكمة وأصدر حكمه في عتيقة حين وضعها في خانة اسمها.. عاهرة.. عاهرة تهدد أمن المجتمع بمزيد من الولادات العشوائية..

الطبيب لم ينتظر قانونا ولا تشريعا ولكنه تصرف كفقيه يعتقد إنه المسؤول عن أخلاق المجتمع والناس.. كان هذا ما تتذكره عتيقة وهي تطلق صرخات هستيرية عرفت فيما بعد أنها اوصلتها الى مستعجلات مستشفى “الحماق” كما يسمى هنا..

أصبحت بعدها عتيقة مدمنة مهدئات بعدما فقدت شمس الحياة مع محمد الذي احتضنها أكثر بكل خيباتها.. لكنها مذبوحة في أمومتها .. مذبوحة في أنثويتها.. مذبوحة في إنسانيتها.. كل أسئلة العالم تنهشها كل حين.. هل يكفي أن نخطىء مرة واحدة ليحكم علينا المجتمع بالاعدام؟ كيف تستطيع أم أن تقطع رحم بنتها التي من صلبها وتلفظها للشارع من أجل شرف يدعيه المجتمع وهو الغارق في الرذيلة؟ ما العلاقة بين الحب والمسؤولية؟ كيف لهذا الذكر المغربي أن يتكلم عن الحب وهو الذي لا تقوده الا شهوته، وعند امتحان المسؤولية ينسحب، ليُسفك شرف هذه المرأة التي طالما ادعينا عشقها على طرقات المجتمع؟

ترتفع نوبات عتيقة وهي لم تنه حديثها، والماء لم يجف بعد من عنق زبونتها خديجة.. تحاول هذه الأخيرة أن تلملم جراحها وتهدئ من روعها.. لكن من يهدئ ثورا هائجا؟ تجمعت النسوة الموجودات في الحمام حول عتيقة ليتحكمن في حركاتها، قبل أن تقمن باستدعان الإسعاف.. عتيقة تفقد عقلها للمرة المليون..

خديجة وهي تسوق سيارتها في طريق عودتها للبيت، لا تغادرها صورة عتيقة التي تعزها كثيرا.. أي امرأة أنتِ يا عتيقة وأنت تختزنين كل هذه الجبال من القهر؟

عتيقة بركان حزن لا يملك حق النطق في هذا المجتمع.. وتعيد في داخلها السؤال: هل يكفي أن نُخطئ مرة واحدة ليحكم علينا المجتمع بالإعدام؟ مَن يملك حق محاكمة الآخرين؟ تناسلت الأسئلة الصعبة في ذهن خديجة لتصبح مقلقة حقا، فهي لم تنتبه أن سرعة سياقتها أصبحت كبيرة جدا لتضغط على كوابح السيارة فجأة وتتوقف.. هل أنت أيضا يا الله ستحاسب عتيقة؟ وهل أنت أيضا تحسبها فاجرة وتعد لها جحيمك ونارك؟ أين عدلك يا الله؟

خديجة تعرف أنها لا تملك إلا قلقها وطريق الصمت التي يعيدها إلى بيتها.. لكنها على يقين أن الله أكبر من كل الفقهاء الذين يتكلمون باسمه في الأرض.. الله ليس حقودا كما وكلاءه بينا.. الله وحده الجميل..
**الرباط 31 يناير, 2016 ***



#سليمان_الهواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جرعة حب لهذا المساء ..
- صباح الصبر يا وطن القهر ..
- و يحي .. كم أعشقك أنا
- ويحي .. ما كل هذا العشق في صدري
- فاء طاء ميم ..
- اليك انا اشتاق
- و كانهم على قيد الوطن ..
- ربي .. أفرغ علي عشقا ..
- تعالوا نشيع هذا الحب
- هل اتاك حديث الغافية ،،
- بحران و زغرودة انثى
- ايتها الممعنة في الغياب
- أنا وعدتك .. 2
- انا وعدتك
- هل يمكن اعتبار تحرير مدينة الرمادي العراقية مكسبا لجبهة المق ...
- حق لاسرائيل ان تجزع بعد اغتيال عميد المقاومة في الجولان المح ...
- تراتيل الشوق على انفاس سمير القنطار
- واستشهد عميد الاسرى المحررين سمير القنطار
- لي في ذمتك ..عشقا
- رشفتان


المزيد.....




- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سليمان الهواري - قصة امرأة أعدموا أنوثتها!