أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد صالح الطحيني - اليهود – الأرض الموعودة















المزيد.....

اليهود – الأرض الموعودة


محمد صالح الطحيني

الحوار المتمدن-العدد: 5052 - 2016 / 1 / 22 - 15:00
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


اليهود – الأرض الموعودة


في وسع كاتب مثل بُكَل Buckle أو مونتسكيو يريد أن يفسر تاريخ الأمة بالرجوع إلى موقع بلادها أن يجد ما يؤيد أقواله في فلسطين. إن بلاداً يبلغ طولها من دَاْن في الشمال إلى بير سبع في الجنوب نحو مائة وخمسين ميلاً، ويتراوح عرضها من مساكن الفلسطينيين في الغرب ومساكن السوريين والآراميين والعمونيين، والموآبيين والإدميين في الشرق خمسة وعشرين وثمانين ميلاً- إن بلاداً ضيقة الرقعة إلى هذا الحد لا يتوقع الإنسان أن يكون لها شأن في التاريخ أو أن تخلف وراءها أثراً أعظم مما خلفته بلاد بابل أو أشور أو فارس، بل لعله أعظم مما خلفته مصر أو بلاد اليونان. ولكن كان من حسن حظ فلسطين أو من سوء حظها أن تقع بين عواصم النيل وعواصم دجلة والفرات. وهذا الموقع قد جاء إلى بلاد اليهود بالتجارة كما جاءها بالحرب؛ وكم من مرة ضيق على اليهود فلم يجدوا مخرجاً لهم من ضيقهم إلا بالانضمام إلى أحد الطرفين في الصراع القائم بين الإمبراطوريات الكبرى، أو بأداء الجزية عن يد وهم صاغرون؛ وكم من مرة اجتاح المصطرعون بلادهم، وكان من وراء التوراة، ومن وراء صراخ أصحاب المزامير والأنبياء وعويلهم وطلبهم الغوث من رب السماء، كان من وراء هذا كله موقع اليهود الذي تتهدده الأخطار، بين شقي الرحى، من فوقهم دول أرض الجزيرة ومن تحتهم مصر.
ويحدثنا تاريخ الأرض المناخي مرة أخرى أن صرح الحضارة صرح مزعزع، وأن عدويها الألدين- الهمجية والجدب- يترصدانها ليقضيا عليها. لقد كانت فلسطين في يوم من الأيام " أرضاً تفيض لبناً وعسلاً " كما تصفها كثير من الفقرات في أسفار موسى الخمسة؛ وكان بوسفوس في القرن الأول بعد المسيح لا يزال يقول عن فلسطين وأهلها أن بها من "الأمطار ما يكفي حاجة الزراعة، وأنها جميلة، وأن بها كثيراً من الأشجار، وأنها مملوءة بفاكهة الخريف البري منها والمنزرع...، وأن هذه الأشجار لا ترويها الأنهار رياً طبيعياً، ولكنها تنال معظم ما تحتاج إليه من الرطوبة من ماء المطر الذي لا ينقطع عنها قط". وكانت أمطار الربيع التي تسقي الأرض تخزن في الأيام الخالية في صهاريج أو ترفع إلى سطح الأرض مرة أخرى من آبار كثيرة العدد، وتوزع في أنحاء البلاد في شبكة من القنوات؛ وكان ذلك هو الأساس المادي للحضارة اليهودية. وكانت الأرض التي تروى بهذه الطريقة تنتج الشعير والقمح والذرة، وتجود فيها الكروم، وتثمر أشجارها الزيتون والتين والبلح وغيرها من الفواكه على منحدرات الجبال جميعها؛ فإذا داهمتها الحروب وخربت حقولها التي أخصبتها الصناعة، أو جاءها فاتح فأخرج منها إلى بلاد نائية الأسر التي كانت تعنى بهذه الحقول، زحفت الصحراء عليها فأفسدت في بضع سنين ما أصلحته الأيدي العاملة في أجيال. وليس لنا أن نحكم على جدب أرض فلسطين بما نشاهده فيها الآن من فياف مقفرة، وواحات قليلة ضئيلة، تواجه اليهود الذين عادوا الآن إلى تلك البلاد بعد ثمانية عشر قرناً من النفي والعذاب والتشريد.
والتاريخ في فلسطين أقدم مما كان يظنه الأسقف أسشر Ussher، فقد كشفت بقايا نيندرتالية قرب بحر الجليل، كما كشفت خمسة هياكل عظيمة نيندرتالية في كهف قرب حيفا. وليس ببعيد أن تكون الثقافة المُسْتِيرية التي ازدهرت في أوربا حوالي عام 000ر40 ق.م قد امتدت إلى فلسطين. فقد كشفت في أريحا أرض حجرات ومواقد من مخلفات العصر الحجري الجديد، وهي ترجع بتاريخ هذا الإقليم إلى عصر برنزي متوسط (2000- 1600 ق.م) جمعت في مدن فلسطين وسوريا من الثروة ما أغرى مصر بفتحها. وكانت أريحا في إبان القرن العشرين قبل الميلاد مدينة مسورة يحكمها ملوك يعترفون بسيادة مصر عليها. وقد وجدت في قبور هؤلاء الملوك التي كشفتها بعثة جارستانج Garstang مئات من المزهريات والهدايا الجنازية وغيرها من الأدوات التي تدل على وجود حياة مستقرة في تلك المدينة وقت سيطرة الهكسوس على مصر، وعلى وجود حضارة لا بأس بها في أيام حتشبسوت وتحتمس الثالث. ويبدو من هذا الكشف وأمثاله أن الأزمنة المختلفة التي تبدأ بها تواريخ الشعوب في ظننا إن دلت على شيء فإنما تدل على جهلنا؛ وتدل ألواح تل العمارنة على أن الحياة في فلسطين وسوريا بالصورة التي تطالعنا في بداية تاريخ اليهود ترجع إلى قرب دخولهم في وادي النيل. ومن المرجح- وإن لم يكن من المؤكد- أن "الخبيرو" الذين تتحدث عنهم هذه الألواح كانوا عبرانيين .
ويعتقد اليهود أن شعب إبراهيم (أو أبراهام) جاءوا من أور في بلاد سومر واستقروا في فلسطين (حوالي 2200 ق.م) أي قبل موسى بنحو ألف عام أو أكثر؛ وأن انتصارهم على الكنعانيين لم يكن إلا استيلاء العبرانيين على الأرض التي وعدهم بها الله. والراجح أن أمرافَل الذي يقول عنه سفر التكوين (14 : 1) أنه "ملك شنعار في تلك الأيام" كان هو أمربال والد حمورابي الذي كان يجلس قبله على عرش بابل.
ولم تصل إلينا من مصادر معاصرة إشارات مباشرة إلى خروج بني إسرائيل من مصر أو إلى هزيمة الكنعانيين.
وكل ما وصلنا من إشارات غير مباشرة هو ما كتب على اللوحة التي أقامها منفتاح (حوالي 1225 ق.م) والتي وردت فيها هذه العبارة:


لقد غُلب الملوك وقالوا "سلاما!"

وخربت تحينو.

وهدئت أرض الحيثيين،

وانتهبت كنعان، وحلت بها كل الشرور،...

وخربت إسرائيل، ولم يعد لأبنائها وجود؛

وأضحت فلسطين أرملة لمصر،

وضمت كل البلاد. وهدئت؛

وكل من كان ثائراً قيَّده الملك منفتاح


وليس في هذه الأقوال ما يدل على أن منفتاح هو فرعون الذي خرج بنو إسرائيل من مصر في عهده؛ وكل ما تثبته أن الجيوش المصرية اجتاحت فلسطين مرة أخرى. ولسنا ندري متى دخل اليهود مصر، وهل دخلوها أحراراً أو عبيداً . ولربما كان من حقنا أن نرجح أن من هاجروا منهم إلى مصر كانوا في بداية الأمر قليلي العدد، وأن وجود الآلاف المؤلفة منهم في مصر أيام موسى كان نتيجة لكثرة تناسلهم، وأن شأنهم في ذلك الوقت كان كشأنهم في جميع العصور، فقد كان "عددهم يتضاعف وينمو كلما زاد اضطهادهم وتعذيبهم". وأن قصة "استعباد" اليهود في مصر، وتسخيرهم في أعمال البناء الضخمة، وتمردهم، وهربهم- أو هجرتهم- إلى آسية لتحمل في ثناياها أدلة كثيرة على صدقها، وإن اختلط بها بطبيعة الحال كثير من الأقوال الغريبة وخوارق العادات كما يحدث عادة في جميع الكتابات التاريخية في الشرق القديم.

وحتى قصة موسى نفسها يجب ألا نتعجل فنرفضها من غير بحث وتحقيق، وإن كان من العجيب حقا أنه لم يرد له ذكر على لسان عاموس أو إشعيا، وهما اللذان سبقت خطبهما تأليف أسفار موسى الخمسة بنحو قرن من الزمان .
ولما سار موسى باليهود إلى جبل سيناء، لم يكن في سيره هذا إلا متبعاً نفس الطريق الذي كانت تسلكه البعثات المصرية التي تبحث عن الفيروز منذ ألف عام. وتبدو الآن قصة الأربعين عاماً التي تاهوا فيها في الصحراء، والتي كان يظن من قبل أنها قصة غير معقولة، تبدو الآن من الأمور التي يقبلها العقل، لأنها تصف مسير قوم من البدو الذين كانوا طوال عهدهم قوماً رحلاً، كما أن هزيمتهم للكنعانيين ليست إلا مثلاً آخر لانقضاض جموع جياع على جماعة مستقرين آمنين. وقتل المهاجمون من الكنعانيين أكثر من استطاعوا قتلهم منهم وسبوا من بقي من نسائهم، وجرت دماء القتلى أنهاراً، وكان هذا القتل كما تقول نصوص الكتاب المقدس "فريضة الشريعة التي أمر بها الرب موسى".

و"زكاة للرب". ولما استولوا على مدينتين من المدن قتلوا من أهلهما 000ر12 رجل. ولسنا نعرف في تاريخ الحروب مثل هذا الإسراف في القتل والاستمتاع به، ومثل هذه السهولة في تعداد القتلى إلا في تاريخ الآشوريين. ويقال لنا أن "الأرض استراحت من الحروب أحياناً" فقد كان موسى من رجال السياسة المتصفين بالصبر والأناة، أما يشوع فلم يكن إلا جندياً فظاً؛ وقد حكم موسى حكماً سلمياً لم تسفك فيه دماء وذلك بما كان يفضي به من أحاديث جرت بينه وبين الإله، أما يشوع فقد أقام حكمه على قانون الطبيعة الثاني، وهو أن أكثر الناس قتلاً هو الذي يبقى حياً. وبهذه الطريقة الواقعية التي لا أثر فيها للعواطف استولى اليهود على الأرض الموعودة.

يتبع – اليهود – النبي سليمان



#محمد_صالح_الطحيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- آلهة الأشوريين
- آلهة بابل
- الدين عند المصريين القدماء
- نشأت الأديان
- أخلاق الجنس
- الزواج
- الفن
- العلوم
- الآداب
- مهام الدين الخلقية
- طرائق الدين
- المعبودات الدينية
- نشوء الاديان
- المجنون6
- اعتدت
- عندما تبكي السماء
- أعمى
- الروائي المصري إدوار خراط
- دعيني ....
- المجنون 6


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد صالح الطحيني - اليهود – الأرض الموعودة