أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسر العدل - !! دوابنا الثقافية














المزيد.....

!! دوابنا الثقافية


ياسر العدل

الحوار المتمدن-العدد: 1373 - 2005 / 11 / 9 - 02:31
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لأن تاريخ التقدم لا يمجد غير الشرفاء وبعض الأقوياء، من يحبون الحياة ويملكون إرادة التغيير ويصنعون حضارة الإنسان، ولأن عائلتنا تعانى منذ قرون مشاكل الانحدار والتخلف الحضارى، لذلك اجتمع أصحاب الأمر من رجالنا مع الحكيمات من أمهاتنا، وقرروا أن تحتل عائلتنا مواقع الفخر فى كل البقاع، كان رجالنا أكثر التحاما بالطبيعة، يدبّون فى الأرض حفاة الأقدام ويحتفظون بما يستر أبدانهم ويحطبون بأيديهم خشن الطعام، وكانت نساؤنا أكثر امتلاء بالحكمة، يملكن قلوبا مليئة بالحب وأيادى ساعية بالخير، تساوم الجميع وانعقد أمر تفوّق عائلتنا على امتلاك دابّة تجوب بنا أصقاع الحضارة، تكفينا مشقة الانتماء لصناع التاريخ وتحمينا عواقب السير حفاة عراة جائعين.
فى القرن الأول، كنّا نرحل فى الوديان وشقوق الجبال وراء الماعز، طلبا للمرعى وسعيا فى الخفاء وراء دواب الآخرين، فكانت الماعز هى دوابنا التى أبدعنا امتلاكها وركوبها، نأكل لحمها ونشرب لبنها ويكسونا شعرها، وحين بلغ صيت عائلتنا كل القفار، انتشرت الأحقاد والدّسائس ضدنا، تجوب البلاد والعقول والقلوب، حتى أن ولاة أمورنا أهملوا شكاوانا من هجوم الضباع على دوابنا، وحين جيفت الضباع حياتنا عاد أهلنا حفاة عراة فقراء من جديد، لكن الرّائع أن المأساة لم تكتمل، فقد فرح الكثيرون من فقرائنا بما فعلته الضباع، ذلك بأن الماعز لم يركبها من عائلتنا غير قصار القامة، ولم يستفد من جلدها غير قارعو الطبول، أولئك الذين أورثونا قدرا كبيراً من حنكة ضرب الأسافين وزرع الشقاق بين البشر.
فى القرون التالية، كنّا نرحل فى الوديان والصحارى وراء الجمال، طلبا للمرعى وسعيا فى الخفاء وراء دواب الآخرين، فكانت الجمال هى دوابنا التى أبدعنا امتلاكها وركوبها، نأكل لحمها ونشرب لبنها ويكسونا وبرها، وحين بلغ صيت عائلتنا كل الفيافى، انتشرت الأحقاد والدّسائس ضدنا، تجوب البلاد والعقول والقلوب، حتى أن كل الولاة تناسوا شكاوانا من هجوم الذئاب على دوابنا، وحين هتكت الذئاب حياتنا عاد أهلنا حفاة فقراء للمرّة الألف، لكن الرّائع أن المأساة لم تكتمل، فقد فرح الكثيرون من فقرائنا بما فعلته الذئاب، ذلك بأن الجمال لم يركبها من عائلتنا غير طوال القامة، ولم يستفد من وبرها غير صناع الخيام على وجه الصحارى، أولئك الذين أورثونا قدراً كبيراً من البلاهة والسّفه.
فى القرون الأخيرة، وصلنى بعض ما فعله الأجداد فى عائلتنا الكريمة، فبعت كل ما ورثته من ماعز وجمال، واشتريت بآبار الزيت دواب من ثقافة تكرس بين العقول فكر العبيد، وتزرع فى القلوب إيمان التعاويذ، وسعيت وراء أكل عيشى فى تجارة المماليك وجلود المضحكين وحراس المقابر، وأقمت كشوف بركة يغشاها الشّحاذون وبعض الفقراء، ونشَرٌتُ مسارح رقص وخطب وصالات دُعاء واستغفار يملأها روّاد المآدب وصانعوا القرار، وحين ذاع صيتى لدى كل البنوك ومخرجى الأزمات، ترصّدنى الحسّاد وقاطعوا الطريق، يدفعوننى مع كل الضعاف من ولاة الأمور فى عائلتنا كى نختبئ فى حفر من موائد طعام تنصب فى مواسم الغفران، موائد لا تستحى فيها عيون الجوعى وتموت بها قلوب المفكرين.
فى العقود الأخيرة، مازلنا نبحث عن دواب ثقافية تحمل تيار التحضر بين أهلينا، وبرغم صقيع بياتنا الحضارى إلا أن صورة الأقوياء فى عائلتنا لم تتجمد بعد، فمازال بيننا من يفكّر ويحمل رأيا ويبحث عن دواب ثقافية أكثر تحضرا، لكن سلطة القهر فى بلادنا تراه حاسدا وقاطع طريق، يدعو بالتّلف على ثقافة عقلنا الجمعى، ويشيع أن ثقافتنا المعاصرة ثقافة فقيرة لا تحمى غير ولاة الأمور من بعض الشرر.



#ياسر_العدل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- !!دكتوراه.. للبيع
- !!الرقص .. على حافة البئر
- !!ويغتالون بحر النيل.. يا كبدى
- البيات الحضارى
- !!صناعة دماغ.. ثقيلة
- !!.. للشهامة ضوء أحمر
- موت إبن الملك
- موت ابن الملك
- !!صاحب الهوى.. الديمقراطى
- !!دراساتنا العليا.. بلا وكسة
- !! .. موائد اللئام
- !!التلوث .. بالصمت والأمونيا
- !! فسادنا .. ثقافة فقر
- !!.. عملية إختيار مدير عام
- !! التسعة جنيهات.. ياخرابى
- !! .. حرب المعيز
- !! .. شحّاتين الّطرب
- مطرب .. بالصدفة!!
- !!.. ورم تلفزبونى خفبف
- الموت .. فى عبوات مزركشه


المزيد.....




- المواطنون المسيحيون يؤكدون دعمهم للقيادة وللقوات المسلحة الا ...
- مفتي القاعدة السابق: هذه الرؤى جعلت بن لادن يعتقد أنه المهدي ...
- حزب الله يُصدر بيانًا حول -النصر الإلهي- للجمهورية الإسلامية ...
- بعد تفجير انتحاري داخل كنيسة بدمشق.. هل المسيحيون مهددون في ...
- -رحل صدام والجمهورية الإسلامية لا تزال موجودة-.. دبلوماسي سا ...
- السنة الهجرية: حقائق عن التقويم القمري الذي سبق الإسلام بمئت ...
- -تعازي الرئيس غير كافية-... أكبر رجل دين مسيحي في سوريا ينتق ...
- -سرايا أنصار السنة- تتبنى تفجير الكنيسة بدمشق والبطريرك يازج ...
- المسيحيون في سوريا.. قلق وتخوف بعد هجوم كنيسة مار الياس
- إيران تعلق على مواقف دول عربية وإسلامية متفاوتة بالشدة والله ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسر العدل - !! دوابنا الثقافية