أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشاراه أحمد - رَشِيْدِيَّاتٌ ضَالَّةٌ, لا تَرْشُدُ 2 ( ب ):















المزيد.....



رَشِيْدِيَّاتٌ ضَالَّةٌ, لا تَرْشُدُ 2 ( ب ):


بشاراه أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5029 - 2015 / 12 / 30 - 14:25
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


دحض شبهة سورة الإخلاص وإعادة الشبهة إلى أهلها (جزء ثاني):

قلنا في موضوعنا السابق - (دحض شبهة سورة الإخلاص ... جزء أول) - إن الله تعالى أنزل سورة الإخلاص لحسم موضوع التوحيد بصورة نهائية. وقد ردَّ سبحانه وتعالى على ثلاث أسئلة طرحت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من العناصر الثلاثة المكونة للمجتمع المشرك, وهم بعض من اليهود, وكثير من النصارى, ثم المشركون عبدة الأصنام والأوثان, حيث جاءت سورة البَيِّنَة لمعالجتها وحسمها وفك رباطها المتين المانع لأي تغيير إيجابي أو خروج من ذلك الشرك الراسخ وعودة للإيمان مرة أخرى, وقد كان الوضع مستقراً على الشرك لسبيبن أساسيين, هما:
1. غياب المرجعية لدى المشركين التي يمكنها المساعدة في إحداث أي تغيير لدىهم, لأنه لا يوجد شيئ يمكن أن يجعلهم يتركون ما وجدوا عليه آباءهم وهي عبادة الأصنام.
2. فساد مرجعية أهل الكتاب (يهود ونصارى), بعد فقدانهم (أصل التوراة وأصل الإنجيل), ما عدى النُسخ المحرفة والمشوهة التي كانت لديهم متضمنة شيئاً منها يصعب - إن لم يكن يستحيل - عليهم فرز الغث من السمين, فأصبح المرجع غير موثوق به وغير قادر على إعادتهم إلى عقيدة موسى وعيسى عليهما السلام.

لذا إلتقى مشركو العرب عبدة الأصنام, مع مشركي اليهود الذين قالوا "عذير ابن الله", مع مشركي النصارى الذين قالوا "المسيح ابن الله", بل قالوا "هو الله الخالق الاديان",, - كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلَّا كذباً - فجاءت سورة البينة لتوضح خارطة الطريق للنبي الخاتم محمد ومهمته الصعبة لقاسية, وهي:

أولاً: فك رباط الشرك الوثيق الذي كان يربط الأقطاب الثلاثة برباط متين لا أمل في فكه أو تطويره لذاته,

ثانياً: نسخ كل الكتب التي أفسدها أهل الكتاب بالتحريف والتجريف والتأليف,,, ثم إنساءها "عملاً" والإبقاء عليها إيماناً بأنها كتب كريمة من عند الله تعالى,

ثالثاً: إبدالها بخير منها أو مثلها وهو القرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى متضمناً كل تجارب الأمم السابقة وكل ما جاء به الأنبياء الكرام الذين سبقوا الخاتم الأمين قال تعالى: (رسول من الله يتلوا "صحفاً مطهرة" فيها "كتب قيمة"). وقال تعالى في سورة الأنبياء: (أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ «« هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي »» بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ 24).

على أية حال,,, جاءت إلى النبي الخاتم مجموعة من الأسئلة التي طرحتها هذه الأقطاب الثلاثة المكونة للمجتمع, كانت هي من مقتضيات نزول سورة الإخلاص للرد عليها.
فالسؤال الأول: كان من قريش الوثنية، تسأل الرسول عن "ذات الله" تعالى فتقول له "يا محمد صف لنا ربك، ما هو؟ أمِنْ شيءٍ هو؟"، --- إذ هم في ذلك قد يوجد لهم العذر، لأن آلهتهم الإفك التي إتخذوها إنما لها جرم ومادة محسوسة وملموسة ومشاهدة فإلهتهم التي يعبدونها مجسدةٌ أمام أعينهم، فكان سؤالهم عن المادة ينسجم مع ثقافتهم ومعتقدهم وجاهليتهم,

والسؤال الثاني: كان أيضاً من المشركين أنفسهم حيث قالوا له فيه: أنْسِبْ لنا ربك؟ ..... وكانوا ينسبون الولد الذكر لأنفسهم, والأنثى لله تعالى,, قال تعالى في ذلك عنهم وعن مشركي أهل الكتاب في سورة الصافات:
- (فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ 149)؟,
- (أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ 150)؟,
- (أَلَا إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ 151), (وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ 152)!!!,
- (أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ 153)؟,
- (مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ 154), (أَفَلَا تَذَكَّرُونَ 155)؟؟؟,
- (أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ 156)؟؟؟,
- (فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ 157),

فبهذا هم يتوقعون جواباً يتعلق بنسب الله خاصة وهم يعتقدون بأن الملائكة بنات الرحمن، يقول تعالى عن ذلك: (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ 158)، وفي سورة الزخرف, قال: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ 19).

أما السؤال الثالث فكان لرهط من اليهود، قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا محمد هذا الله خلق الخلق، فمن خلق الله؟). فهم قد إعتادوا على سؤال الأنبياء بهذه الوقاحة, فتاريخهم حافل. وهذا السؤال من هؤلاء المتمردين "الذين كفروا" من اليهود ليس بغريب فقد سُئِلَ موسى أكبر من ذلك وطلبوا منه أن يريهم الله جهرةً بعد أن إتخذوا العجل، يقول تعالى مخاطباً لهم مباشرة: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ 55).

ووفد نجران الذي قال للنبي: "صف لنا ربك أمن زبرجد أو ياقوت أو ذهب أو فضة؟ هذه الأسئلة قد صدرت من كل شرائح المجتمع آنذاك، وهي تدل على أن السائلين إما لا يعرفون حقيقة الله تعالى المخالفة للحوادث, جهلاً وضلالاً وإما كفراً وإعراضاً وإستهذاءً وإعجازاً في آياته. ومع غلاسة وغلظة الأسئلة, كما يفعل الآن بيداويد وأمثاله,,, فالنبي لعله لم يغضب من الأسئلة الأولى لأنها صادرة عن أناس ليس لهم علاقة بالله الواحد القهار فهم لهم أصنام وتماثيل بعدد أيام السنة لا يعرفون غيرها.

أما الذي أغضبه هو غضب الله تعالى من سوء أدب وكفر السائلين من رهط اليهود ووفد نجران، وهم أهل كتاب، فأكبر منهم زوال وإختفاء تعاليم موسى وعيسى من وجدانهم. فجاءهم الرد من الله كاملاً شاملاً مستوفياً, على كل تلك التساؤلات وقطعياً ومؤبداً. وجاءت سورة الإخلاص الحاسمة الناسخة المنسية لكل شائبة طرأت على كلمة التوحيد، وذلك بنفي النسب، والنوع، والتركيب والإحلال والتثليث الأقانيمي المفترى وإثبات التوحيد الخالص الفريد لله رب العالمين.

جاءت سورة الإخلاص رداً على كل منهم حسب سؤاله:
1. ردت على أهل التعدد بقوله تعالى لنبيه الكريم: (قل هو الله أحد 1)،

2. وعلى أهل الثالوث والأقانيم المركبة أو المخلوطة أو المدموجة أو التي حل بعضها في بعض,,, من هذه التراهات والسخافات التي لا يقبلها عقل وليد رضيع بقوله لهم: (الله الصمد 2)، تأكيداً للذات الواحدة التي لا تقبل "التعدد" ولا " الإنقسام" أو "التجميع بالإحلال" ، لأنه تعالى فريد في ذاته وصفاته وأفعاله وأقواله،

3. ثم رد على من إدعوا لله الولد (بنين) كقول بعض اليهود وبعض النصارى أو (بنات) كما إدعى المشركون عن الملائكة. بقوله لهم جميعاً: (.. لم يلد ..) لا أبناء ولا بنات،

4. ورداً على النسب بقوله تعالى: (.. ولم يولد 3)، فلا أصول له ولا فروع.

5. ثم ردَّ على أهل الأقانيم والجوهر والإحلال (لاهوت حل في ناسوت), وأولئك الذين قالوا بأن عيسى إبن الله وشريكه في الخلق وهو يجلس على يمينه في العرش,,, لدرجة أنهم قالوا عنه (هو الله الخالق الديان).... بقوله: (ولم يكن له كفواً أحد 4). - كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلَّا كذباً. فيا لها من قولة فظيعة مجرمة خبيثة,,

يقول تعالى عنها في سورة مريم: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا 88), (لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا 89), (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا 90), (أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا 91), (وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا 92), (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا 93).

إذاً جاءت سورة الإخلاص فقط لمحمد الخاتم الذي واجه بها كل تيارات وأطياف وأنواع شرك الأمم السابقة وبدعهم, وهو وحده من دون الرسل السابقين قد واجه النصارى الذين إتخذوا مع الله إلهاً آخر وشريك له في الملك (بل حتى في ذاته العلية المقدسة سبحانه). علماً بأن هناك كثير من النصارى المعتدلون الذين لا يقولون بألوهية المسيح عيسى ولا يؤمنون بفرية ودرامى الصلب والقيامة ولا بالأقانيم المركبة كرشيد وبيداويد وزكريا وغيرهم, لأنهم يؤمنون بالله الواحد الأحد وقد ذكرهم الله تعالى في كتابه الكريم, فقال عنهم مثلاً في سورة آل عمران:

(وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ 199).
فكانت سورة الإخلاص خالصة لإزالة ما أحدثه كفار النصارى "حصرياً" في توحيد الذات الإلهية والخوض فيها وتقسيمها وتمثيلها بالأشياء المادية.

إما إدعاؤه الساذج بأن المسلمين لا يعرفون لأي سبب نزلت فهذا أمر مضحك مبكي في آن معاً فهو الذي لا يفهم ما يقرأ، ولن يفهم, لعل الله "هكذا حكم عليه"، ولا يركز جيداً في نصوص قد أعجزت أسلافه من فطاحلة الكيد والمكائد والتحريف من المحرفين المحترفين والمنحرفين، لقد نزلت السورة لكل هذه الأسباب، فلا يحتاج هذا لكبير ذكاء، فما هي الأسباب التي يريد المسلمون إخفاءها يا هذا؟ ليس بين آيات الله أي تحريف أو حروف عاطلة زائدة، ولن يكون أبداً ما دامت السموات والأرض، يجب أن يستوعب الجميع هذه الحقيقة التي لن يستطيع أحد من الخلق كله بثقليه مجتمعين تغييرها أبداً, وعشررات آيات التحدي بالقرآن نفسه موجودة, فهلم إليها إن كنتم صادقين.

فالقرآن الكريم سمته وروحه وعبقه العطر "النشر" وليس "الإخفاء",, والمسلم لديه في القرآن علم الأولين والآخرين، وتفاصيل كثيرة عن حياة البرزخ والحياة في الآخرة من جنة ونعيم وفردوس،، ونار وجحيم مقيم، ولظى وصاخَّة, وندم, وبكاء, وغبرة وقترة في وجوه التعسين،، وصراط وأعراف، وميزان، ورحمة، وملائكة عذاب وملائكة رحمة. فالباحث العلمي تلزمه معايير علمية وأدوات سليمة وحياد، أما اللجاجة والتحريف فيكفي أن ترفع صوتك فتظن أنك تفتي بعلم صادق، يقول تعالى في سورة البقرة: (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ 171), هذا هو أنت يا رشيد للتو يصفك الله مباشرة, ولست أنا الذي يقول أو يصف.

أما سؤالك عن كون سورة الإخلاص مكية أو مدنية فهذه كلها مماحكات قد أعيت شيخك ومعلمك زكريا بطرس, وسامي الذيب الذي يلف ويدور في حلقة مفرغة, وقد أضاع عمره جرياً وراء سراب بقيعة, وسيفارق الدنيا وهو مفلس, ويظن أنه يحسن صنعاً, وغيرهم فلم تُجْدِ معهم نفعاً مع رسوخ وشموخ القرآن الكريم, لذا فهذا لا ولن يغير من الأمر شيء، إلا إذا كنت تريد أن تنسبها إلى أربابكم – ورقة الحبر, وبحيرا الراهب كما فعلتم في فرية الحروف المقطعة من القرآن التي ألجمناكم بحقيقتها والمدعين إلجاماً, بعد أن تركناكم تفرغون ما في جعبتكم من شطحات ووهم وسذاجة حولنا فأغريناكم بها, ثم حاصرناكم بالحق المبين فأتاكم الله من حيث لم تحتسبوا... و لا زال "لنا موعد معكم فيها"، وحينئذ ستكون قاصمة لكم بإذن الله.

لا!!! يا رشيد، نحن نعرف آيات الله وسوره وكلماته وحروفه ما يكفينا وما قصد الله أن يبلغنا به فأبحث لك عن شيء آخر إن إستطعت أما هنا فلا مؤطيء قدم لك فيه. فأعلم أن القرآن إنما يتحدث عن الذين كفروا من أهل الكتاب وليس عن أهل الكتاب كلهم, والنصوص موجودة فلا تصطاد في الماء العكر, أما من ظلم نفسه وصدق خداعك المتعمد له فهذا شأنه,, ولا يلومن إلَّا نفسه التي أوبقها ودساها,, "فكل من إتبع نبياً أو رسولاً في فترته، وصدَّق به فهو أخونا في الإسلام" سواءاً بسواء لأنه أخلص لله دينه وعمل بأمره وإجتنب نواهيه وأقام الوزن بالقسط بين عباده.

مثلاً قوله تعالى:
- في سورة البينة: (إِنَّ - « الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ » فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ 6). فالمقصود الذين كفروا منهم وليس كلهم.

- وفي سورة البقرة: (مَّا يَوَدُّ - « الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ » أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ 105).

- وفي سورة الحشر, قال: (هُوَ الَّذِي - « أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ » مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ 2). وقال: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ 11).

عليك أن تَصْدُقْ إخوانك اليهود والنصارى الذين أبتلوا بك, ولا تخلط الأوراق، فأهل الكتاب أنفسهم يعترفون بأن هناك كافرين منهم وقد نشبت حروب طاحنة بينهم وبين اليهود من جهة، وبينهم وبين طوائفهم المختلفة المنشقة، والمتشظية إلى مذاهب وكنائس فرعية وفرعية من الفرعية، وما زالت وستظل إلى ما شاء الله تعالى، وهكذا.

أليس منهم من تطلقون عليهم "هراطقة"، فمن هم هؤلاء؟ وما علتهم؟ ولماذا أحرقتم بعضهم أحياءاً من بينهم كثير من العلماء والمفكرين الذين أفكارهم الآن واقع ساهم في التطور؟؟ ثم من تنكرتم لهم مثل "برنابا"، وغيرهم كذلك؟ ..... وليس ما فعلتم بالعالم جاليلي جاليلو ببعيد

لهذا السبب كان لا بد من تصحيح العقيدة للرجوع إلى حسم: (قل هو الله أحد الله الصمد...) وهذا هو الجــديد الذي جاءت به سورة الإخلاص, الجديد الذي تصدى للشرك المركب ومحاولة العبث في الذات الإلهية السامية, ولو اتفق أن جاء موسى أو عيسى عليهما السلام للوجود مرة أخرى لن يسعهما إلَّا العمل بقتضيات سورة الإخلاص حصرياً.

وهناك أمر في غاية الأهمية أنتم غافلون عنه وهو سورة البينة. ولقد فصَّل الله فيها حيثيات وحتمية مجيء النبي محمد الخاتم والقرآن "الناسخ" في سورة البينة هذه التي أوضحت أن الذين كفروا من أهل الكتاب كان كفرهم شرك بالله بقولهم"عذير" إبن الله ومنهم من قال المسيح ابن الله ومنهم من قال هو ثالث ثلاثة ومنهم من قال عن عيسى إنه هو الله الخالق الديان، ومنهم من ألَّه مريم العذراء,, هذا بجانب المشركين الذين عبدوا الأصنام من دون الله أو معه, وقالوا الملائكة بنات الله, والمجوس الذين عبدوا الشمس والقمر والنجوم والكواكب والأشياء,,, الخ, فكانت مهمة الرسول الخاتم هي "التوحيد" بمستوى ومعطيات ومعايير سورة الإخلاص, ثم نسخ ما دون ذلك وإنساءه ... وقد فعل الرسول كل ما جاء من أجله, والتوثيق قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضييت لكم الإسلام دينا).

يقول تعالى فيها: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ...), بل كانوا مترابطين برباط متين هو رباط الشرك, وبين أن هذا الرباط سيستمر هكذا دون أدنى تغيير: (... حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ 1).

فلم يشأ الله تعالى أن تكون تلك البينة "آية" عقابية في عهد محمد الخاتم, كناقة صالح مثلاً، أو هلاك وإستئصال كعاد وثمود... ولكنه أرادها وحياً وكتاباً منه لرسول من البشر, فلا تفيد الآيات,, إذ أن تجارب البشر معها في الأمم البائدة عديدة ومتنوعة ولا تزال آثارها موجودة وهي كافية للإنذار والعظة, إذ يكفي التذكير بها بالإشارة إليها وإلى أسبابها ونتائجها من وقت لآخر,, لأن الله تعالى لا يرسلها إلَّا تخويفاً فإكتفى بالإشارة إليها والتذكير بها في القرآن الكريم وأنها ليس ببعيدة عن الكافرين.

ولأن عناصر الشرك الثلاثة قد إلتقوا وإرتبطوا برباط وثيق هو الشرك بإتخاذ آلهة مع الله أو من دونه. وأصبح لا بد من تدخل السماء لتصحيح المسار لأن المشركين لا مرجع لهم من وحي فهم يتبعون ما وجدوا عليه آباءهم، وفي نفس الوقت "تحريف الكتاب" بتوراته وإنجيله جعله غير موثوقٍ فيه بكامله كمرجع للتصحيح التلقائي بالرجوع إليه، فكان لا بد من كتاب جديد ومنهج جديد يجتمع عليه الناس كلهم.

يقول تعالى بأن البينة هي: (رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً 2)، وهذا الرسول هو محمد الخاتم، وأن هذه البينة: (فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ 3)، وهي زبدة منقحة من الكتب السابقة تحكي العبر من قصص التوراة والإنجيل وما سبقها من أمم بائدة. فالغاية هي نسخ الكتب السابقة بغضها وغضيضها لأن التحريف بالحذف والإضافة والتغيير والتبديل قد أفسدها فلم تعد سيرتها الأولى, لذا شاء الله تعالى أن يأتيَ بخير منها أو مثلها, وقد كان القرآن الكريم,, منهجاً موحداً لكل البشر لا يقبل الله تعالى أي عمل من أحد بعده بغيره أبداً.

فحين واجهت البينة أهل الكتاب بالحقائق التي كانوا يخفونها ويحرفونها ورأوها شاخصةً أمام أعينهم وملىء سمعهم وبصرهم, لم يسعهم إلا أن يتحزبوا ويختلفوا ويتفككوا كسابق عهدهم,,, يقول الله تعالى في ذلك: (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ 4). ولكن النتيجة الإيجابية لهذه البينة أنها حققت الهدف الإستراتيجي الأول للدين وهو (فك رباط الشرك) تمهيداً لتقبل المنهج الجديد.
لاحظ أن الله تعالى بين في سورة البقرة جوهر خلافات أهل الكتاب خير تصوير وبين أصل خلافهم العقدي غير القابل للمراجعة من كلا الطرفين.

فأنظر إلى قوله تعالى في سورة البقرة: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ 113). ومصوراً تصدي أهل الكتاب للبينة والإعراض عنها ومقاومتها - مع أنها جاءت منقذة لهم من ذلك التردي والخلاف ضماناً لأمنهم وسلامهم وحقناً لدمائهم وأعراضهم وأموالهم وإنسانيتهم... – ومع أنه لم يطلب منهم بأكثر مِمَّا جاءتهم به رسلهم وهو الإخلاص لله ونبذ الشرك ثم الإستقامة.

قال تعالى في ذلك: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ). فكانت المؤامرات والدسائس والأحقاد والتحاريف والتحايل على مر العصور حتى مجلسكم هذا الذي أنتم فيه اليوم يا رشيد!!!، وسيستمر إلى أن يشاء الله تعالى.

أود هنا أن أطرح سؤالاً جريئاً "حقيقياً" عليكم !! هل اليهود يؤمنون بأن عيسى بن مريم هو المشيا، أو هو إبن الله؟؟؟
وماذا تعني كلمة "Ben-Pandera" عندهم،، ثم عند النصارى؟؟ رجاءاً يكون الجواب مباشراً لأنه ستترتب عليه أمور فارقة, ينبغي عليكم ذكرها للقراء إن استطعتم لذلك سبيلاً أو جرءةً.

الآن،، بالشفافية والأمانة العلمية والمجهر الذي تدعون بأنه لديكم، أخرج لنا هذه الأقوال النصرانية من دائرة الشرك البواح من الدرجة الأولى إن كنتم من الصادقين,,, فأنتم تقولون:
1. "يسوع المسيح هو ابن الإله" - بنوة صريحة، ..... (فالإب ذات مستقلة و كذلك الإبن ذات مستقل,, فهل هذا شرك أم ماذا)؟؟؟

2. "خليفة الله هو يسوع المسيح ابنه"، - بنوة كاملة وخلافة، " ..... (هنا جعلتم الله مخلوفاً والمسيح خليفة له,, ومعلوم أن الخليفة لا يخلف إلَّا غائب سواءاً أكان الغياب "بموت" أو "بفقدان الأهلية", ), فكيف يكون لله تعالى خليفة وهو الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم, وهو "الأول بلا إبتداء" و "الآخر بلا إنتهاء",,, فما قولكم في هذا الفجور؟؟؟

3. "يسوع هو ابن الإله الوحيد.. (وتقولون إن هذا النص هو نص إنجيلى سائد فى الإنجيل كله)، - بنوة مؤكدة مجمع عليها فهل نتوقع أبناء آخرين بعده لأنه البكر؟ لأن كلمة "البكر" تتعارض مع كلمة "الوحيد" وتنسخها اليس كذلك؟ وتقولون: المسيح هو شخص واحد ، وهو ابن الله الوحيد الذي جاء ليفدى ويخلص البشر بدمه المسفوك على الصليب".. أليس هذا شرك!

4. تقولون أيضاً،، "وهو ابن الله الوحيد الذي جاء ليفدى ويخلص البشر بدمه المسفوك على الصليب" - ، تأكيد للبنوة وتوثيق لها،

5. "ويسوع المسيح هو ابن الإله"، (والله وكلمته وروحه إلهاً واحداً)! (هذا شرك مركب من ثلاث ذوات سميتموها أقانيم) فجعلتم الله ثالث ثلاثة ..... إن لم يكن هذا أصل الشرك فما يكون إذاً.... "إنتهوا خير لكم"،

6. " صفات المسيح الابن هى صفات الله الآب "، فهل يوجد شرك أكبر من الندية هذه؟؟؟

وهناك الكثير،، وكلها تتعارض تماماً مع رسالات كل الأنبياء والرسل الذين أجمعوا على أن الله واحد لا شريك له ولا ند ولا كفوء، ولكنها لديكم تنسب إلى كيان آخر وتقول إن "صفات المسيح الإبن هي صفات الله الأب". هل علمت الآن الجديد الذي جاءت به سورة الإخلاص؟ ولماذا هي " تعــــدل" ثلث القرآن؟

فما بالكم بصفات الله التي لا تعد ولا تحصى فهو (الخالق، الباريء، المصور، القهار، الوهاب, الرزاق،،، الخ) فهل لعيسى أو كما يحلوا لكم "ليسوع" نصيب من هذه ؟ إن وجدت فعليكم بإقامة الدليل المادي عليها كما فعل الله تعالى؟

أما سؤالك الثالث: (لماذا تعتقد أن سورة الإخلاص ذات أهمية للمسلمين)؟؟؟ هذا أيضاً سؤالٌ منطقيٌ ومقبولٌ ويستحق الشكر لله على أن إستدرجك من حيث لا تعلم لتطرحه، وليكشف ما يدور في ألأذهان من جهل ووجد وحسد.
إن أحاديث النبي في سورة الإخلاص: بأنها تعدل ثلث القرآن فهذه حقيقة لا يمكن أن يدركها من لم يستطع التفريق ما بين كلمتي (تَعْدِلُ) و (تُسَاوِيْ)، فهي" تَعْـدِلُ " ثلث القرآن في الفضل والأجر والدور لأنها تحقق الإيمان الذي معني به ما يعدل ثلث القرآن من آيات ومقاصد، فمن قرأها نال أجر من قرأ بثلث القرآن لأنها ستحقق له من التوحيد الخالص الذي يحققه ثلث القرآن المتعلق بترسيخ التوحيد, ولكنها "لا تسـاويه" من حيث الكم المادي, كما يظن ويأفك الجهلاء المجهلين.

فالحديث المروي عن ابْن عَبَّاسٍ قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ: (مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّي مَعَنَا؟ قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ لَنَا إِلَّا نَاضِحَانِ "بعيران"، فَحَجَّ أَبُو وَلَدِهَا وَابْنُهَا عَلَى نَاضِحٍ ، وَتَرَكَ لَنَا نَاضِحًا نَنْضِحُ عَلَيْهِ "نسقي عليه" الأرض، قَالَ الرسول: فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي، فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْـدِلُ حَجَّةً) وفي رواية لمسلم: (تعـدل حجة معي) أيعقل أن هذه العمرة تسقط عنها حجة الفريضة, أم هي تعدلها في الفضل والأجر, وتبقى فريضة الحج في ذمتها إن إستطاعت لها سبيلاً؟؟

وقوله تعالى: (ليلة القدر خير من ألف شهر)، ليس المعني المقصود الفترة الزمنية (29/30 يوم x 1000 شهر), ولكن المقصود هو فضل العمل فيها وإدراكها يعـدل فضل ألف شهر فيما سواها, خاصة وأن المؤمن يقيس عمره بمقدار العمل الصالح الذي أحرزه فيه, فهناك الصدقة الجارية التي تستمر إلى ما بعد الموت, وهناك الشهادة التي تبقي الحياة حتى بعد مفارقتها,,,

أما الحديث عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ (بغض النظر عن تخريجه)، الذي قَالَ فيه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ كُلَّ يَوْمٍ ثُلُثَ الْقُرْآنِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَحْنُ أَضْعَفُ مِنْ ذَلِكَ وَأَعْجَزُ» فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى جَزَّأَ الْقُرْآنَ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ، "فَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ" أَحَدُ أَجْزَائِهِ),, فهذه حقيقة قد صاغها ببلاغته المعهودة.

فالقرآن والكتب التي جاءت قبله غايتها توحيد الله وتنزيهه من الند والشريك والوالد والولد, ثم الإستقامة. ولكن إعتدى الأشرار على هذا التنزيه تحريفاً وتزويراً ودساً وإخفاء فأظهروا الكفر الصريح والضلال والبدع و الإلحاد. فبعث الله الأنبياء والرسل تباعاً لإعادة الأمور إلى نصابها، فمنهم من إتعظ ومنهم من غلبت عليه شقوته فعاند وكذب وخاض في آيات الله كما تفعلون أنتم الآن يا رشيد بكل سفور وفجور. فأنذرهم الله فلم يستجيبوا، فأنزل عقابه عليهم، بدءاً من قوم نوح، فعاد وثمود وأصحاب الأيكة وقوم تبع وقوم صالح وأهل السبت وغيرهم. فكانت قصصهم عبرة لمن يعتبر.

ثم أدخل أهل الكتاب البدع في العبادة فأضافوا إليها ما لم يأمر به الله وغيروا وبدلوا وهرطقوا،، فكان لا بد من نزول كتاب جامع يصحح المسار كما فعل عيسى بالتوراة مصدقاً لها، ويعيد الناس إلى الطريق القويم، وأن يتولى الله حفظه هذه المرة بذاته مانعاً إمكانية التحريف والتبديل والتغيير فكان لا بد أن يكون هذا الكتاب من ثلاثة أجزاء لا رابع لها:
1. الحزء الثالث (الأخير لأنه هو الغاية), يعالج مسألة التوحيد: حيث يزخر القرآن بالآيات المحكمة والمفصلة التي تحقق كل هذه الغاية والتي بإجمالها لاتخرج عن مفهوم سورة الإخلاص "قل هو الله أحد ..". لذلك "عَدِلَتْ" الإخلاص الجزء الثالث من القرآن الذي يلتقي عنده كل البشر والجن.

2. أما الثلث الثاني, فكان لتصحيح مسار التشريع للعبادة التي إرتضاها الله وقضى بها ثم ضبط العلاقات بين الإنسان وأخيه الإنسان، ثم بينه وبين ما حوله من مخلوقات أخرى تشاركه العيش ووَجَّهَ لكل ما يصون البيئة من فساد وإفساد أيدي البشر. ثم وضع الحدود والميزان، وهيأ الناس للإستعداد ليوم الرحيل بعد فترة الإمتحان التي تنتهي بالموت فبشرهم بالجزاء والثواب على ما قدموا لأنفسهم من خير. فكان هذا هو الجزء الثاني من القرآن (البشارة).

3. ولأن القرآن جاء بشيراً ونذيراً، لذا تقتضي النذارة تذكير المُنذَرين بمغبة مخالفة النبي وبما حدث لمن قبلهم من الأمم التي كانت أشد منهم قوة وبأساً فلم يعجزوا الله شيئاً وكانوا من الهالكين. هذا هو الثلث الأول من القرآن الكريم وهو (النذارة).

فالباحث المنصف كان يفترض أن يتسآءل لماذا وقف النبي عند الجزء الثالث فقط ولم يعدد الجزئين الآخرين؟ ... ولكن الله يهدي من يشاء. فسورة الإخلاص "لا تُشَـــكِّلُ" ثلث القرآن كما تأفك يا رشيد، "بل تَعْــــدِلُهُ" وشتان بين هذا وذاك. لو كنت تضع الأشياء تحت المجهر كما تدعي للاحظت المعاني السامية التي يتضمنها هذا الحديث، ولعلمت أن النبي حقاً لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يُوحَى.

فمثلاً: لماذا وقفت عند قول النبي: (... مُحِيَ عَنْهُ ذُنُوْبُ خَمْسِيْنَ عَامَاً ...)، وسخرت منها، ولكنك لم تقف عند عبارة (... إلَّا أنْ يَكُوْنَ عَلَيْهِ دَيْنٌ ...؟) ألا تعني هذه لك شيئاً قط!!! أم على قلوب أقفالها؟ ألا تعرف أن توجيهات النبي وهديه فيما يتعلق بحقوق الإنسان صارمة ولا يغفل عنها أو يماري فيها أو يداهن؟ إذ يؤكد لهم أن الله تعالى لن يغفر حق الناس إلا إذا غفره أصحابه أنفسهم،، حتى لو كان صاحب الحق عدواً مجاهراً لله بالعدوان؟ هذه قيم ومعاني بينك وبينها أمداً بعيداً (إلا أن يشاء الله) طبعا فالحكم له.

أما فضل قراءة سورة الإخلاص والإكثار منها والتحفيذ عليها هي عبادة ومناجاة لرب العباد بأحب العبادات إليه وتوحيده والتأكيد على ذلك مراراً وتكراراً ويجزل العطاء عليه.
والغريب!! أنك أنت تستهجن ذلك التكرار والإلحاح في الذكر, وتسخر من عبادة حرمت منها فقلاك الله وودعك بمكره وأبعدك، لذا نراك تقول لضحاياك من ألمضللين بخيلك ورجلك: (... لاحظوا معاي أن الإسلام يعلمك ترديد الكلام بدون أي شيء "ماكينة تردد الكلام" ...), ثم تدلس قائلاً (... تخيلوا معي شخص جالس اليوم كله يردد ...)، مع أنه "لم يأتِ ذكر اليوم بقصد النهار نهائيا" في كل الروايات وإنما الحديث كله عن الليل فقط في الخلوة, قبل النوم وهي ساعات الذكر ومناجاه الرب وسؤاله والشكوى إليه وتسبيحه, وإن كان ترديد القرآن ليل نهار لا يحتاج إلى أن يجلس الإنسان أو يتبطل كما تحاول أن يضحك على عقول السذج الذين يلتفون حولك ويستمعون لإفكك وضلالاتك.

العجيب أنك دائماً متناقضاً مع نفسك, تقول شيء وتفعل نقيضه في آن معاً.. مثلاً الذي يستمع إليك وأنت تنتقد ترديد الذكر وتستهجنه يظن أنك في واقع حياتك لا تفعل ما تنتقده, أو بمعنى آخر أنه لا يوجد تكرار في عبادتك اللاهوتية, وليس موصى بها في كتابك المقدس لديك... أليس كذلك؟؟؟
قد لا تكون أنت مستدركاً لهذه الإزدواجية لتعودك عليها ولمكيالك المزدوج,, ولكننا سنذكرك به لعلك تستحي منه قليلاً,, وإنك مع كل هذا الوضوح والبيان تصر على التشويه والتحامل المريض.

والملاحظ أن هوى النفس والتشفي والغل قد صرفك عن المبدأ الذي ناديت بإلتزامه وهو الشفافية وعدم قبول المسلمات، ولكنك دون أن تفطن لحديثك وقعت في المحظور، فواضح أنك تكيل بمكيالين لأنه على ما يبدوا قد أسكرك صوتك العالي وغيبة المناظر المباشر أمامك، فظننت أنك قد ملكت زمام المبادرة وناصية الفكر، وأن الكرة في ملعبك.

لاحظ أنك تنكر التكرار كمناجاة "ليلية" لله، في ذلك الوقت الذي يقضيه الآخرون في معصية الله والعكوف على الحرام، ثم تثبتها لليهود والنصارى. لذا، ولمكاييلك المزدوجة، كان عليَّ أن أذكرك بسفر تثنية, إصحاح 6 الذي استشهدت أنت به "جدلاً ولجاجة" ونسيته مرجعاً وثوابت حيث يقول هذا الإصحاح 4-14:
(إِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ. فَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُوَّتِكَ. وَلتَكُنْ هَذِهِ الكَلِمَاتُ التِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا اليَوْمَ:
1. عَلى قَلبِكَ.
2. وَقُصَّهَا عَلى أَوْلادِكَ
3. وَتَكَلمْ بِهَا حِينَ تَجْلِسُ فِي بَيْتِكَ
4. وَحِينَ تَمْشِي فِي الطَّرِيقِ
5. وَحِينَ تَنَامُ
6. وَحِينَ تَقُومُ.
7. وَارْبُطْهَا عَلامَةً عَلى يَدِكَ
8. وَلتَكُنْ عَصَائِبَ بَيْنَ عَيْنَيْكَ.
9. وَاكْتُبْهَا عَلى قَوَائِمِ أَبْوَابِ بَيْتِكَ
10. وَعَلى أَبْوَابِكَ.
وَمَتَى أَتَى بِكَ الرَّبُّ إِلهُكَ إِلى الأَرْضِ التِي حَلفَ لآِبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أَنْ يُعْطِيَكَ إِلى مُدُنٍ عَظِيمَةٍ جَيِّدَةٍ لمْ تَبْنِهَا).

ما رأيك الآن في هذه الشخصية التي تحملها على ركبتيك ويركض بها حافيةً قدميك؟؟؟ هل بقيت لك معها مصداقية؟ ..... فأنظر لهذا التكرار والإلحاح الذي يستوعب كل الوقت حيث يظل أحدكم يكرر صباحاً ومساءاً وليلاً ونهاراً يكتب ويعلق ويعصب ويحكي,,, ثم قارنه مع قراءة سورة الإخلاص 50 مرة في جوف الليل قبل النوم والتي لا تحتاج لأكثر من عشرين دقيقة فقط أو أثناء العمل والمرور في الحريق وهي لا تعطل عمل أو تأخذ مجهود بدني من القاريء, بدون ربط علامة على اليد, ولا عصابة بين العينين, ولا كتابتها على قوائم أبواب البيت,,, الخ.

فما بالك بهذا التكرار المكثف ليلاً ونهاراً، قياماً وقعوداً ومشياً وعلى الأشياء، وفي الطرقات والفنادق وعلى الأبواب وعلى الأسرة وفي القلب وعصابة على العينين ورباط في اليدين،،، وهلم جراً). لماذا لم تستهجن هذه الديمومة في التكرار؟ أيهما أكثر ترديداً ومبالغة وإلحاحاً؟؟ هذه أم تلك التي تصرف الإنسان ليلاً "من شر غاسق إذا وقب"، وبدلاً من أن يشغل نفسه بالتفكير في الرزيلة والخمر والميسر والعكوف على المنكر والبغي والخوض في الناس والتسكع في الطرقات لمعاكسة المارة والتضييق عليهم والسطو على منازلهم وعلى كراماتهم.

فالنبي الكريم قد حفذ المؤمن على قفل باب الشيطان بذكر كلمة التوحيد - التي أنت توافق وتصر على أنها هي نفس الآية التي عند اليهود والنصارى - إذن لماذا تسب وتتطاول على من إحترم أهم عنصر في عقيدتك المسيحية أو اليهودية وحرص على تحفيذ الناس عليها إن كنت من الصادقين حقاً؟؟؟
- الا تتفق معي أنك متناقض مع نفسك ولا تلتزم بالمواثيق ولا تحترم توحيد موسى وعيسى لربهما؟ أليس الإله الذي يعبده المسلمون ويخلصون له العبادة – أولاً وأخيراً - هو خالق السموات والأرض وخالق كل شيء؟

- هل مَنْ مَجَّــدَ إلهك وخالقك وخالق كل شيء,,, يستحق منك الإكرام والتمجيد أم التحقير والتشكيك والعدوان؟؟؟ ..... أم أنت تعبد غير الله خالقك وخالق كل شيء, ولذلك يضيق صدرك بكل من يوحد رب السماوات والأرض, رب العرش العظيم؟؟؟

- هل أنت حقاً تؤمن بالله الواحد الأحد بغض النظر عن إتجاهك الديني وإنتمائك العنصري؟

- وهل حقيقةً تعرف رب موسى وعيسى، رب العرش العظيم؟

فقولك بأنك عندما كنت صغيرا في مرحلة "الكُتَّابِ" لم تستطع حفظ سورة الإخلاص رغم أنك ترددها أكثر من مائتي مرة ليل نهار؟ أليست هذه وحدها تكفي شهادة منك مباشرة ومؤكدة تدل على أنك منذ حداثة سنك المبكرة، لم تكن على عقيدة الإسلام أصلاً,,, كما تفتأ تردد وتدعي أن خلفيتك مسلمة وأنت وجدانك خاوياً من التوحيد ولم تحركه سورة الإخلاص وأنت الآن تحفظ التلمود, فكيف إذاً إن لم تكن كما تدعي,,, المنطق يقول إنك لم تعرف الإسلام ولا الإيمان بالله الواحد الأحد يوماً من الأيام لأن سورة الإخلاص التي تحاربها وتنتقدها إنما هي خالصة لله رب العالمين؟؟؟

هل نعتبر هذا الظاهر "والله أعلم" إما لأنك كنت تفعل ما كنت تفعله فقط إرضاءً لوالدك ولم يلمس القرآن والإيمان شغاف قلبك، وهذا مصداقاً لقوله تعالى "... وهو عليهم عمى..." وهذا هو الختم ... نسأل الله السلامة؟؟؟ ..... لأنه إن لم يكن ذلك كذلك فليس هناك تفسير آخر مقبول سوى إصابتك بخلل في المدارك ونقص في القدرات العقلية والذهنية الطبيعية التي تؤدي إلى الفعم والإستيعاب.

نحسب أن الله تعالى قد علم أنك ستكون حرباً عليه وعلى كتبه ورسله، فصرفك عنه وقلاك. أما بالمقابل فإن هذا القرآن يحفظه أطفال المسلمين عن ظهر قلب بالتجويد وعلى سبعة ألسن، وهم دون الحادية عشر من عمرهم. أما في باكستان، فيحفظ الطفل القرآن كله بتجويده وعلى سبعة ألسن في مدة أقصاها ستة شهور. علماً بأنهم ليسوا عرباً فلك أن تقارن نفسك بهؤلاء وتضع ذلك الواقع المعاش تحت المجهر التي لا تعرف طريقة إستعماله إبتداءاً.

أما قولك ساخراً بأنك رددت صورة الإخلاص عشرون مرة وأن عندك عشرون قصراً في الجنة، فهذا دليل على الجهل والعمه المركب والغباء الذي أنت فيه. ونذكرك بحديث النبي الذي قال فيه: (رب قاريء للقرآن والقرآن يلعنه). فأنت تقرأ القرآن لتخوض فيه وبالتالي ستنال ما تستحقه على ذلك البغي من رب القرآن, وغداً لناظره قريب.

لا يزال للموضوع بقية باقية

تحية طيبة للقراء الكرام

بشاراه أحمد



#بشاراه_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وقفة تأمل .... وتقويم:
- رَشِيْدِيَّاتٌ ضَالَّةٌ, لا تَرْشُدُ 2 (- أ -):
- رَشِيْدِيَّاتٍ ضَالَّةٌ, لا تَرْشُدُ (1):
- الإسلام والعنصرية وجه لوجه (جزء ثاني عشر):
- الإسلام والعنصرية وجه لوجه (جزء 11):
- الإسلام والعنصرية وجه لوجه (جزء عاشر):
- الإسلام والعنصرية وجه لوجه (جزء تاسع):
- الإسلام والعنصرية وجهاً لوجه (جزء ثامن):
- الإسلام والعنصرية وجهاً لوجه (جزء سابع):
- الإسلام والعنصرية وجهاً لوجه (جزء سادس):
- الإسلام والعنصرية وجهاً لوجه – (جزء خامس):
- تعليقات عن - الإسلام والعنصرية وجهاً لوجه:
- الإسلام والعنصرية وجهاً لوجه (جزء رابع):
- الإسلام والعنصرية وجهاً لوجه (جزء ثالث):
- الإسلام والعنصرية وجهاً لوجه (جزء ثاني):
- الإسلام والعنصرية وجهاً لوجه (جزء أول):
- خلاصة ملك اليمين في الإسلام
- تكملة التعليقات - مِلْكُ اليَمِيْنِ في الإسلام (ب):
- تعليقات - مِلْكُ اليَمِيْنِ في الإسلام (أ):
- الحوار الحر قيمة إنسانية وحضارية:


المزيد.....




- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشاراه أحمد - رَشِيْدِيَّاتٌ ضَالَّةٌ, لا تَرْشُدُ 2 ( ب ):