أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزمي موسى - الوهن














المزيد.....

الوهن


عزمي موسى

الحوار المتمدن-العدد: 5026 - 2015 / 12 / 27 - 18:01
المحور: الادب والفن
    


الوهن
اليوم وعلى غير المعتاد , أنتابه شعور عالي وكأن ألصراع بداخله قد بلغ من التناقضات حد الذروة , وأقترب من ألانفجار. فمنذ ساعات الصباح الباكر , تراكم بأزدياد هذا الاحساس عنده . مصحوباً بتوتر شديد تعمق لحظة بعد لحظة . حتى بلغ ألأمر حد لا يستطيع عنده تميز ألاتجاهات ولا الفواصل بينها . لا ممر لي ألا هذا الممر الوحيد الذي لا أدرك نهايته أين . بهذا كان يهمس وهو يرفع عينيه الى السماء . يجب أن أجتازه وأنا بقمة أناقتي التي أعتاد الناس عليها , لكنني أفضل الانتظار قليلا قبل أتخاذ القرار. فربما يأتي من يقول لي شيء أجهله عن دهاليز الخطى القادمة .
أه يا رباه , لقد أنهكني هذا الصراع المركب كثيراً . صراع بين ثنايا الذات قد ألفته , وبين الذات وممرات محيطها الصخري . ألى متى سيستمر شقائي به ؟ هل بأستطاعتي ألاستمرار بصمود ألارادة هذه . أم أنني سأنكسر في لحظة ما لا أدري موعدها ؟. أنها كلمة واحدة يمكن أن تفعل فعلها بي , فتنقلني من المؤقت الى الدائم , أو أن أبقى في المؤقت حيث أنا على جبهة نار بين فكي ماضي يقاوم حاضر .
أنه ألدوران حول الذات بغية أكتشاف معناها وجغرافية مداها , عبر سيل من أسئلة لا أجوبة لها . هكذا وصف أحمد أباه . الذي أمضى جل عمره يطارد حلم ورثه عن جده . نظر ألي أحمد ونظرنا معاُ نلاحق أمتداد بصر أبيه , الممعن في البعيد . وكأنه يتابع شيء ما نجهله , سيطل عليه من خلف غمام أسود يتمدد تدريجيا في الافق . قد أخافنا هذا القادم المكلل بالسواد , أرتعشت أجسادنا كما لو كان قد مر عليها هواء بارد . مما جعلنا نخطط في مخيلنا درب النجاة هرباً . رد بصره ألينا وهز رأسه مبتسماً , وكأنه أدرك حقيقة ما يجول في دواخلنا من ضعف رغم فتوتنا.
في قادمات ألايام , سوف تفقد ألأشياء مضامينها الحقيقية وتتلاشى من حولك يا ولدي . وبعضها ألأخر ستبدل ألوانها بأستمرار , كما لو كانت حرباء متقلبة ألألوان كي تتماهى مع ألوان الطبيعة التي تمر عليها , كي تحتمي بها . لن يعود الماء بدون لون , في ألأغلب سيميل الى الحمرة أو ألصفرة تبعاً لتقلابات الطقس أنذاك . والليل سيكون طويل بدون نهار , شعاع الشمس لن يكون ساطعاً , مما يجعل ألارض دائمة البرودة . أما أعمدة النور الحجرية هذه التي تزين الطرقات ليلاً للعاشقين , والقناديل التي تزهو بها المنازل . ستذهب بها ريح شرقية الى خلف بحر لا ماء فيه . لونه أصفر من كثرة ما صب فيه الرحالة والعبيد دماً وعرقاً من عذاباتهم على أمتداد الممرات الرملية التي تقطعة . وعلى أطرافة يحتشد القوم ويقتتل الجميع .
في تلك الساعة , سينتشر الجنون وستكون له سلطة وسلطان يا ولدي . أنه الضياع ألكبير , كما وصفه أبن المهزوم البدوي لجدي ذات يوم , حين كنت بصحبته في رحلة الصيد . لا يعرف ألأبن أبيه ولا الزوج زوجته . تغيب فيه ألأسماء والمسميات وتختلط ألوان البشر على أرصفة المشاة . ألا عند ألعقلاء , فهم مدركون منبوذون , لكنهم سائرون بقناديل الزيت على طريق النحل كما لو كانوا فراشات ضوء في ليل . فكن منهم على قلتهم تنجو. فأذا أنعقد الظلام وتعقد , أتخذ لك نجما أحرفه من نور وأتبع خطاه . ولكن أحذر فأكثر النجوم في الظلام خادعات . خذ هذه مشكاتي أهديها أليك , أجعلها على يمينك وأمضي الى نجم عقلك وردد يا عقل أعقل .
هذا ما ورثته عن جدي يا أحمد . ومضيت أقلب ألايام كما لو كانت كتاب . لا تأخذني العواطف بسحرها ولا العقل بمكره . حتى بلغت ما بلغت , وأصاب جسدي من الوهن ما أصاب . فأنت تعلم أن كل عضو في جسدي يشكو من ألم خاص به ويشارك باقي ألأعضاء بألم أخر , وبأن قدماي تأنان من شدة ما يعلوهما , بحيث لم يعد الجسد يقوى على ألأنتصاب رغم أني أبذل في هذا المبتغى كل ما في طاقتي . وما أن أصل أليه حتى أعود ألى ما كنت عليه .
يسخر مني هذا الجسد ويعاتبني . أنت يا صاحبي قد أصابك ما أصاب غيرك , وما أصابهم لن يخطئك . لم تعد قادر على ألأمساك بي كما كنت , ولا أعلم أن كنت أنت حقاً ألذي مكنته من نفسي وطوعتها له , أم أن الذين حولك أو في داخلك قد مكنتهم منك أكثر مما يجب . فقد جعلت من البساطة ممر لمن يريد الدخول اليك لا يضيع في ثناياك فهزمتني وما هزمت أنت . تذكر يا هذا قول جدك ألأول , ولا تجعل ألألوان تنسحب من عينيك كي لا تفقد المعاني في مسارك ألأبدي , ففي الصورة ما زالت ألألوان تفعل فعلها .أبقي على ما تبقى فيك من توازن أتزن به وألا تركتك ومضيت .
كم كان قاسياً عتاب الجسد هذا يا أحمد . وأنا الذي كنت كمثل زهرة يافعة تنظر ألى السماء , تسر رؤيتها الناظرين وتعرفهم , وتطارد الجمال حيث كان . أحببتهم وقدمت لهم الطيب والترياق وحسن الجمال . وما تركت من شاردة ولا واردة في القول والفعل الحسن ألا وقدمتها لهم . لم يتعبني الذي بداخلي ولا تقلص رؤياي عن متابعة ذاك النجم الذي أصبح صورة قديمة واهنة ألالوان في ذاكرة من حولك . هذا عهدي لجدك كان , وعهدك لي ألآن . فكل ألأشياء مهما تعقدت أمامك , سهلة أذ ما أردت أن تجعلها كذلك .
أنا يا بني موجوع , لكني أحمل نفساً لم يتغلغل فيها الوهن بعد . وهذا الجسد الملقى على ألارض ينشد الهواء والماء , تحلق فوقه روحي في عالم الجمال والحرية . أعدك بأن أبقى في حقل المقاومة والصمود , خلفك يا نجم . بقدر ما أستطعت الى ذلك .
أصمد بعقلك يا أحمد تنجى
[email protected]



#عزمي_موسى (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكايات أبو صابر ( 1 )
- داعش / جذورها وعلاجها ( 1- 4 )
- داعش جذورها وعلاجها ( 1—3)
- داعش / جذورها وعلاجها ( 1 -- 2 )
- فلسطين قضية أرض وأنسان / لمحة تاريخية
- حركة داعش جذورها وعلاجها (1 ___1 )
- مفهوم اليسار الديمقراطي المعاصر
- ألأسلام السياسي - والربيع العربي
- الجذور التوراتية للفكر الاصولي والارهابي العالمي
- رسائل الى حنظله ... في زمن الخريف العربي
- .الهويات المتناحرة .... أزمة الوجود العربي
- دفع بنفس العمله
- الصراعات الدولية واتجاه حركة التغير
- ألهث بين الخبز والحياة


المزيد.....




- الشاعر حسين جلعاد يوقّع كتابه الجديد -شرفة آدم- في معرض الدو ...
- العراق ضيف الشرف.. ما أسباب تراجع المشاركة العربية في معرض ط ...
- العراق حاضر بقوة في مهرجان كان السينمائي
- رئيس الوزراء الإسباني يتهم -يوروفيجن- بـ-ازدواجية المعايير- ...
- بنزرت ترتدي عباءة التاريخ.. الفينيقيون يعودون من البحر
- نيكول كيدمان محبطة من ندرة المخرجات السينمائيات
- الأميرة للا حسناء تفتتح الدورة الـ28 لمهرجان فاس للموسيقى ال ...
- مهرجان كان: موجة الذكاء الاصطناعي في السينما -لا يمكن إيقافه ...
- عبد الرحمن أبو زهرة اعتُبر متوفيا.. هيئة المعاشات توقف راتب ...
- عمر حرقوص يكتب: فضل شاكر.. التقاء الخطَّين المتوازيين


المزيد.....

- اقنعة / خيرالله قاسم المالكي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزمي موسى - الوهن