عزمي موسى
الحوار المتمدن-العدد: 4082 - 2013 / 5 / 4 - 09:23
المحور:
الادب والفن
أولا - المتسللون
طريقي ليس مثل غيري , محفوفا بالسنابل , لا حفرة ولا حجر . بل مزدحم وغير امن , حيث لا مكان على الدرب لخطاي القريبة . من وراء البحر من كل الزوايا قدموا ألينا . على أجسادنا رسموا خرائطهم , ومن هياكل موتانا صنعوا خنادقهم . في أعماق أرواحنا انغرزوا وبين متاهات فكرنا استقروا . ثم قالوا : هالكم الحياة
كل ما فينا لم يعد لنا بعد هذا اليوم . جذورنا بماضيها وحاضرها التفوا عليها ,غذوها بأفكار لا نألفها , كي نتوه ونغرق . اعوج لساننا في الدفاع عن مبادئهم . حتى أخذنا نقتل أنفسنا , ونزف جنازاتنا إليهم شهداء . نبحث عن هويتنا بين مفرداتهم , كي نرمم ما تبقى منا , فلا نجدها . نرفع رؤوسنا قليلا , فتسحقها إقدام العسكر .
يصرخ فينا حراس مدائننا . لم التشاؤم ؟ اعلموا يا جهلاء هذا الزمان . أنهم قد جاؤوا أليكم كي يحموا غذائكم من غبار أجسادكم . ويعلموكم كيف يصنع الخبز ويأكل الزعتر . فهم سادتنا وأرباب نعمتنا . فلا حياة لنا بدونهم . احذروا ... احذروا يا جهلاء هذا العصر .
ثانيا – طائر الحنطة
حين قررنا الحياة وتعلمنا رسم خطى لإقدامنا الراجفة , خافوا علينا من أنفسنا . قلصوا أحلامنا الى رغيف خبز , ضننا انه سر الخلود الآدمي , والحياة الأبدية . حتى غدا هدفنا وأقصى أمانينا . كل من فينا يبحث عنه , يلهث خلفه لا يستطيع الإمساك به . يدفعنا الجوع إليه . نركض خلفه أذلاء ويركض إمامنا متكبرا . تبددت إبعاد الرؤية عندنا وتشابهت الصور. لا نرى سواه . فكلما اقتربنا منه نبدأ التوسل إليه , عسى ان نمسك به , يغمز بعينه اليمنى ويهز رأسه ضاحكا وساخرا منا , ثم يطير مبتعدا بين السحب . نسقط على الأرض مغشيا علينا . وحين نصحوا نكرر الكرة من جديد . ولما عرفوا سرنا هذا , تصدقوا به علينا .
أنها الرحلة اليومية نحو الحياة, ليس فيها للزمن من معنى غير الذي أرادوه لنا . غابت عقولنا في الشتات المعرفي , ونسينا سبب علتنا , غرائزنا مشدودة إلية , فقدت حواسنا وظائفها المتصلة بغيره . فلا نشعر إلا ببعد المسافة عنه . قد باتت كل الكواكب اقرب ألينا منه . في زمن التقارب واختفاء المسافات . أي بعد هذا الذي يفصلنا عنه ؟
ندرك أنهم هم وحدهم وراء كل ذلك . ولكي لا نفكر في أمرنا وأمرهم أكثر . يقدموه لنا كلما شعروا بأننا قد نغضب أكثر . ويمنعوه إذ ما اعتقدوا إننا بدئنا نشبع . هذا ما أرادوه لنا وأردناه نحن .
ثالثا – ذوق غريب
اكتشاف الحقيقة افجعنا . حقيقة الرغيف الذي أحببناه , عشقناه أكثر من أنفسنا ’ من أبنائنا ومن موتانا . نحن دائما في اشتياق إليه وان كان بين أيدينا وإمام أعيننا , نخاف علية من اقتراب الهواء منه كي لا يؤذيه من غضب الرب علينا ان نحن أهملناه أو تركناه على الأرض وحيدا . نسرع بلهفة الخائف الى التقاطه وتقبيله ووضعه على رؤوسنا , سائلين الله العفو والمغفرة على ما اقترفت أيدينا من خطيئة . حقيقة من أنهكتنا السنين في رحلة البحث عنه , قاتلنا أنفسنا كي يبقى معنا .
كم كان يكرهنا يحقد علينا . وكم كانت فجيعتنا اكبر حين قال لنا بمليء شدقيه : إني أكرهكم بل واحقد عليكم . إنا لست منكم , لم أنمو على ترابكم , لم اشرب من مائكم ولم أتنفس هوائكم أكرهكم .
أيدي فلاحينكم لم تلامس سنابلي , لم أرى طيوركم على البيدر , ولم تداعبني حجارة أرضكم . إنا لست منكم , لا أدين لكم ولا أتكلم لغتكم .. هل عرفتموني ؟؟
إنا لا أطيق الجلوس على موائدكم , ولا في إدراج مطابخكم . أشعركم كذبا بالشبع وانتم جوعي , لكي لا تهضم باقي أجزائي في أمعائكم , وتبقوا اسري مذاقي العفن . فان أكلتم مني قنطار لن أزيد في صحتكم غراما, وان مللتم شكلي خرجت عليكم بأخر .. هل عرفتموني ؟؟
من شدة حقدي وكرهي لكم , أشفق عليكم . أقول لكم ناصحا , ابحثوا عن أخا لي لم تلده ارضي منكم . هو اقرب إليكم بين ظهرانيكم ازرعوه وبأيدكم احصدوه انصبوا له البيدر والمصنع .. فهل عرفتموني ؟؟؟
إنا ابن تلك البلاد البعيدة , ابن سهول وشلالات أمريكا هل عرفتم من أكون اليوم ؟
#عزمي_موسى (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟