أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مرعي ابازيد - عيون الملاك














المزيد.....

عيون الملاك


مرعي ابازيد

الحوار المتمدن-العدد: 1370 - 2005 / 11 / 6 - 10:43
المحور: الادب والفن
    


صحوت من شرودي الذهني بينما كنت أسير في الطريق فشاهدت عيني ملاك ، زرقاوين عميقتين كمياه المحيط ! مرحتين ، أفضل عينان في العالم ! فيهما لمعان مَرِح .
جف فمي فتنفست الهواء البارد بتعطش ، إنها جالسة خلف النافذة الدافئة وبيدها قلم رصاص تحركه على أنغام لحن موسيقي ، قرع إيقاع طبل فَنَظَرَتْ إلى الثلوج المتراكمة خلف النافذة مطلقة ابتسامة جميلة .
مَسَكْتُ ياقة قميصي بيد ودفعت الباب باليد الأخرى ودخلت فاقتحم المكان معي تيار هواء بارد ، التفت الزوار الجالسون في الداخل إلي بامتعاض بينما هي أوقفت تحريك قلم الرصاص للحظة ونَظَرَتْ باتجاهي .
يا إلهي، كم بذلت من الجهد كي تخلق هذا الإنسان الرقيق ! إنها رائعة، مبدعة، انحناءة يديها وأصابعها الرقيقة وحركة جسدها حواجب عينيها نظرتها وجهها ! إنها كاملة، يا أبي !
منذ سنين وأنا أمر من أمام هذا المقهى، منذ سنين وأنا أرتاد هذا المكان أحتسي " الفودكا " أسمع الموسيقى الكلاسيكية وأقرأ الصحيفة اليومية، كم من الكؤوس في هذا المقهى تذكر لمسات أصابع يدي، دائما كنت أجلس في المقهى وحيداً ثملاً وأعود إلى البيت وحيداً مطلقاً ترنيمة موسيقية من أنفي. كم عام كان هذا المكان مملاً خالياً رطباً وكئيباً، أحياناً أكرهه ولا أستطيع النظر إليه وأحياناً كنت أحبه وأحن إليه، لكن الآن أفكِّر يا إلهي بأنَّك أحطته بعنايتك الإلهية .
إنها رائعة..... بكل بساطة إنها رائعة.
لقد عشت ألف عام وحيداً أزرع الصبار والأشواك وأزرع شخصية خاصة داخل قطتي . يعجبني أن أستفيق وحيداً وأن أذهب إلى المطبخ لغلي فنجان قهوة بدون سكر.
لقد أحببت آلاف الأشياء الصغيرة في حياتي: الاسطوانات القديمة والصور الطلابية الجرس الصيني والمرور أمام السيرك بالقرب من ساحة المدينة . لقد تعودت أن أعيش وحيداً وأحياناً كنت أشرب وأحيانا أشتري الكتب الغالية. كنت أحب النوم والتجول في الحديقة الكبيرة وحيداً، وأن أفعل كل شيء وحيداً.
يا إلهي إنك تعرف.... كنت أظن أن كل شيء يجب أن يكون هكذا في حياتي مزعج ببطء معتاد. فلماذا إذاً أرسلت لي ملاكاً يا إلهي ؟
ابتلعت أنفاسي وجلست على الكرسي المجاور، أومأ النادل برأسه باتجاه " البار " فأشرت له بالنفي " لا " لا تجلب لي " الفودكا " الآن. إنني مسحور كطفل ساذج ، وضعت يدي تحت أسفل ذقني متكأً عليها.
إنها تشرب العصير بينما تحرك القلم حركات لطيفة رائعة، نظرت إلي مرة أخرى وعدلت السماعات على أذنيها وابتسمت بحرية وارتياح، هكذا بشكل طبيعي وبدون تصنُّع فظهرت على خديها حفرتين ولمع ضوء في زوايا عينيها.
...... نظرت إليها بصمت.....
لقد كان باستطاعتي أن أحب هذه المرأة وإهدائها باقة ورد جميلة كل يوم أو كتابة قصيدة شعر لها، أن أتنزه معها على الثلج الرطب ممسكاً بيدها، كان باستطاعتي إهداءها السماء والشمس والصباح وكان باستطاعتنا بناء منزلا وأن ننجب أطفالاً، وكان باستطاعتنا أن نبقى في الفراش طويلاً في عطلة نهاية الأسبوع ومشاهدة أفلام السينما في المساء. قد أجلب لها أشياء صغيرة مختلفة وأطعمها شوكولاته بيدي، كنت حفظت عن ظهر قلب كل شامات جسدها.
لقد كان باستطاعتي أن أحب هذه المرأة يا إلهي.
أنهى القلم رقصته المرحة فَخَلَعَتْ السماعات عن أذنيها ونهضت عن الكرسي وسارت باتجاهي، يا إلهي إنها ممشوقة القد لطيفة ومحببة، اقتربت مني وقدمت لي لوحة فنية وقالت لي: كل عام وأنت بخير يا..... !
لقد مَسَكْتُ بيدي صورتي بكل تفاصيلها " بورتريت "، سمعتها وهي تتحدث عن الثلج بلطف ورومانسية وعن الأصدقاء وعن أشياء أخرى، يا إلهي كم هذا جميل ! إنها تعرفني.
لقد نَظَرْتُ إليها ومَسَكْتُ رؤوس أصابعها وراحة يدها، اجتاحتني نشوة من السعادة لم أشعر بها من قبل. لأول مرة منذ سنين شعرت بهذا الفرح والسعادة. كانت تتكلم بينما الشمس تخترق بأشعتها النوافذ لتضيء حول رأسها آلاف الخيوط الشعاعية مشكِّلة إضاءة مقدسة.

1988



#مرعي_ابازيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هدية الأرض للسماء
- لماذا توسيع حلف شمال الأطلسي ( الناتو ) يشكل خطرا على روسيا ...
- تساؤلات
- لماذا توسيع حلف شمال الأطلسي ( الناتو ) يشكل خطرا على روسيا ...
- لماذا توسيع حلف شمال الأطلسي ( الناتو ) يشكل خطرا على روسيا ...
- الأدباء الروس واللغة العربية
- فـي الصـمـت الجـائـر
- من الممكن ان تضيع أمريكا دورها كدولة عظمى
- مـذكـرة - 3 لماذا توسيع حلف الأطلسي(الناتو)يشكل خطرا على الع ...
- حتى لا يبقى شعري أصداء
- كـوارث الـلـغـات
- لماذا توسيع حلف شمال الأطلسي ( الناتو ) يشكل خطرا على روسيا ...
- حرب العطش وصراع الأجيال
- مستعمرات القرن الحادي و العشرين


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مرعي ابازيد - عيون الملاك