أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ارنست وليم شاكر - رحلة تاريخية في العصمة البابوية.















المزيد.....


رحلة تاريخية في العصمة البابوية.


ارنست وليم شاكر

الحوار المتمدن-العدد: 5015 - 2015 / 12 / 16 - 15:07
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


رحلة تاريخية في العصمة البابوية.

البابا والسياسة – بين الزعامة والعصمة.

- الأنبياء والعصمة.
يبدو أن السؤال عن العصمة غريب على اسماعنا وفق ثقافتنا الشرقية، فما استقر في المفاهيم الدينية لثقافتنا الإسلامية أن العصمة فقط للأنبياء ، لا أحد بعدهم أو غيرهم معصوم مهما بلغت قامته ، بينما الأمر مختلف عند المسيحيين فجميعهم لا يؤمنون بعصمة الأنبياء وقد سجل الكتاب المقدس ما هو أكثر من الزلات والهفوات على الأنبياء لتصل إلى قتل وسرقة وزنى مع سبق الإصرار والترصد.

- عصمة المسيح.
فجميع المسيحيين يتفقون على عصمة شخص واحد على الأقل عليه اتفاق كامل ، وهو ابن الله – وكلمته – يسوع الذي صار المسيح إما بمجرد الحبل به أو عند معموديته في نهر الأردن على يد يوحنا المعمدان – فهو الذي قال عن نفسه : " مَن منكم يبكتني على خطيئة " (يو 8 : 46) وذلك في إجماع بين كل الطوائف والجماعات والكنائس المسيحية ، حتى عند الكنائس "الهرطوقية" [1] التي لا تؤمن بالمساواة الكاملة بين الابن والله الآب – "اريوسية - ومشتقاتها " – فلم يكن الخلاف قط حول عصمته بل على التفرقة بين هل الابن أي المسيح من ذات جوهر الله ، واحدا مع الآب في الجوهر - أم المثيل أو المشابه لجوهر الآب ... (باليونانية كان الخلاف حول الهوموأوسيسم و الهومويأوسيسم [2]– الاختلاف الوحيد في حرف اليوتا والتي تحول المعنى من المطابق للجوهر إلى المثيل الجوهر - وهو صراع أخذ القرن الرابع كله من تاريخ الكنيسة واستمر حتى دخول العرب في شمال افريقيا واسبانيا وبين كل مناطق الفيزوجوت والفندال – وما ترتب عليه من مجامع ومحاكم وحرومات ولعنات متبادلة وحرق كتب ونفي وإهدار لمال وأرواح وجهد وأعمار أجيال ..... وأنتقل العالم المسيحي كله شعبا ومجامع وإمبراطور مرة خلف "اثناسيوس" زعيم الهومويأوسيسم ، ومرة خلف "أريوس" زعيم الهوموأوسيسم فقط لأن مبدأ واحد لم يكن معترف به اسمه "حرية العقيدة".

الشيئ الغريب أن الناس كانت تتقاتل في الشوارع – علما بأن هذه اللغة اليونانية الفلسفية ليست لغة العوام – بل وندعي أن آلاف من الارواح زهقت وهي تردد كلام ما وعت منه "يوتا" واحدة.
وهذا العنف قابل للتفجر في أي وقت حول أي "يوتا" في أي مجتمع مازال الجهل هو صاحب الأبجدية – وله الكلمة العلية على خدام الرب – ومهاويس الله.

- العصمة المؤسساتية.
في شبه اجماع أضفى المسيحيون عصمة خاصة للمجامع المقدسة التي ظهرت ابتدأ من القرن الرابع ، بعد أن قرر الامبراطور الروماني قسطنطين الكبير او "القديس" اعتناق المسيحية – والمقصود بالمجمع المقدس هو اجتماع يجمع ممثلين من طبقة الإكليروس "مفوضية" تحمل رسالة من رئيسها أن لم يكن الرأس حاضرا .. وعن كل جماعة مسيحية لمناقشة قضية تخص العقيدة أو التنظيم أو الطقس ، ويسمى مجمع عالمي أو مسكوني عندما يجتمع مندوبين عن كل الكنائس حول العالم وعندما يكون الأمر جلل – عندها يحل الروح القدس فتكون قراراته معصومة عن الخطأ ، ومصدر من مصادر الوحي الإلهي.. فما يخرج من افواههم بأغلبية الأصوات له سلطة النص المقدس نفسه الموحى به من الله – وعلى القلة المعترضة إما تراجع نفسها فتوقع على القرار الذي صدق عليه الغالبية أو تحرم من الكنيسة فيصيرون هراطقة بكل تبعات هذه التهمة من طرد ومصادرة أموال ونفي أو ما هو أكثر من كل ذلك والذي بلغ في القرون الوسطى الحرق حيا...

فكلما تركنا القرون الأولى لندخل لعمق زمن الإيمان الذي صار واقعا منذ أن أعلن "ثيودوسيوس العظيم" عام 391م أن المسيحية هي دين الإمبراطورية الرسمي الوحيد المقبول والمصرح به في كل ارجاء الامبراطورية وبلا استثناء، وغيرها وثنية غير مسموح ببقائها . وعليه يجب تنزع المعابد من أصحابها "الوثنيين" لتعطى هبة امبراطورية للكنائس لتهدم وتحول لكنائس "يذكر فيها اسم المسيح كثيرا"
وكان ذلك وفق المنشور الامبراطوري المسمى "تشريع تسالونيك" 380م – والذي يبدأ بالأتي بعد ذكر جهة الإصدار : "على كل الشعب أن يدخل في طاعة الإيمان الذي استلمه الرومان على يد الرسول بطرس" [3] - ومع الايمان بقرار امبراطوري بدأت القرون الوسطى – التي يسميها ول ديورنت "عصر الإيمان" .. وكلما دخلنا لعمق الإيمان بالمؤسسة الكنسية المتمكنة كلما زادت بشاعة عقاب المخالفين.

فقرارات المجامع أخذت شكل من أشكال العصمة منذ القرن الرابع.. يفضل البروتستانت لفظ التدبير الإلهي ، وإرشاد الروح القدس، والله العامل في التاريخ ، والمسيح الحاضر وسط المؤمنين ....... إلى آخرة ، فيما يخص بالمجامع الأربع الأول الكبرى – نيقية / 325م - والقسطنطينية / 381م - وافسس الاول/ 431م – وافسس الثاني/ 449م ، والذي دعاهم القديس "غريغوريوس الكبير" أنه يقبلهم كما يقبل الأناجيل الأربع (من حيث الصحة والعصمة ) - ولكن الكاثوليك والأرثوذكس لا ينزعجوا لو قلت أن الاساقفة عصموا من الخطأ عندما أقروا نتائج هذه المجامع أو على الأقل عند النطق بها .. بل يضيف الارثوذكس والكاثوليك وقائع ميتافيزيقية من باب الأدب الديني الورعي عن معجزات حدثت برهنت على أن الله هو الموجه والمرشد لهذه القرارات التي صارت بهذا التدخل الرباني إلهية – لها سلطة النص المقدس ذاته.

- العصمة البابوية – والطرق المعوجة.
بقي الأمر على هذا الحال حتى تفتق ذهن البابا "بيوس التاسع" عام 1870م على اقرار عقيدة عصمة البابا ، من خلال مجمع مسكوني – دعي بالفاتيكاني "الأول" –( بعد أكثر من ثلاث قرون على اخر مجمع مسكوني في القرن السادس عشر وهو مجمع ترنت) [4]
مهد البابا لهذا المجمع بطريقة عجيبة - قام باعترافه بعقيدة "الحبل بلا دنس" للعذراء مريم عام 1854م ( أي أن العذراء مريم حبل بها هي أيضا بلا دنس أي بلا الخطيئة الأصلية لتكون مستحقة أن يولد منها مَن لم يخطأ قط – لأنها لو ورثت الطبيعة الناقصة عن ابويها ككل البشر ، نسل آدم الخاطئ ، صار يسوع وإن كان من الروح القدس إلا أنه من نسل بشري من جهة الأم – مريم العذراء- وارثا الخطيئة الأصلية ) – هذا الاعتراف بعقيدة "الحبل بلا دنس" وفق توجه "المريميين" [5] الأخذ في الازدياد ليصير جبهة قوية داخل الكنيسة تم استغلاله لتمرير عقيدة العصمة البابوية بمهارة سياسية منقطعة النظير ... فكيف كان ذلك ؟

تم ذلك كالأتي : تم الإعلان عن عقيدة "الحبل بلا دنس" في منشور بابوي عام 1854م وليس وفق مجمع مقدس مسكوني أو حتى دائري أو محلي ... ثم قام بعدها البابا "بيوس التاسع" بالتمهيد والإعداد لعقد مجمع مسكوني – فكان المجمع الفاتيكاني "الأول" – ليؤكد على حق البابا في إعلان عقيدة بدون عقد مجمع مسكوني بصفته معصوم من الخطأ فأصطف "المريميين " وهم كثر خلفه لا حبا في عقيدة "عصمة البابا" بالضرورة ولكن على الأقل لإقرار المنشور البابوي وما تضمنه من الاعتراف "بالحبل بلا دنس" كعقيدة ثابتة في الكنيسة تم إقراراها ولو لم يقرها مجمع بل صدرت عن البابا – البابا الذي هو "معصوم" – وبذلك فقد كان "المريميين" سندا قويا له في تمرير عقيدة الإيمان بعصمة البابا التي ما كان ليحصل عليها دون استمالتهم قبلا بإعطائهم ما ارادوا من تمجيد أضافي للعذراء. [6]

- عصمة البابا – عصمة مشبوهة.
كما هو الحال في أي مجمع مسكوني فأنه يحل مشكلة ليكون سببا في خلق معضلات جديدة وتجزر نزاعات وخلافات قديمة .. فبالإضافة لغير المريميين عقائديا وميلا – هناك بين المريميين من فطن لهذه الحيلة ، ورأى أن يمكن أن يوضع في دفاتر جالسات المجمع قضية "الحبل بلا دنس" – والتي غابت عن عمد من جدول أعمال المجمع - فيتم إقرارها مجمعيا لأنها في النهاية الصوت الغالب في الكاثوليك – حسب تقديرهم - دون اللجوء لإقرار عقيدة جديدة – كان في نفسهم شيئا منها .....
يضاف إلى ذلك – أن هذه العقيدة وبصرف النظر عن إثباتها من نصوص الكتاب المقدس الذي هو طيع بالتأويل لكل ما نريد وفق مشيئة القائمين على احتكار الحق في الفهم والتفسير – كما هو الحال مع أي نص مقدس صار المرجعية لديانة مؤسساتية تستمد شرعيتها أولا - بحكم الواقع ، ثانيا - القوة والنفوذ ، ثالثا - من نصوص أن لم تجد ما يؤيد توجهاتها مباشرة أولت ما لا يخدمها ليصير بقدرة قادرا برهان يؤدي أغراضها.

نقول : بصرف النظر عن الدليل الكتابي فيما يختص بتفويض الله لتلاميذه المباشرين في القرن الأول ليحلوا ويربطوا على الأرض ما حللوا وما ربطوا فتتبع السماء حلهم وربطهم (أي اباحتهم وتحليلهم أو تحريمهم) – قيلت لبطرس وحده في متى 16 : 19 – ولبطرس وباقي التلاميذ في متى 18 : 18 – [7] .. وهل جعل منه أو منهم معصومين عن الخطأ أم لا ؟ .. إلى النقاش حول فكرة الخلافة الرسولية [8] – إلى أولولية بطرس على التلاميذ [9] .....

كل هذا قابل للأخذ والرد بل للنقض بيسر، وهو في أحسن الأحوال لا يمكننا إلا أن نقول باستحالة الاطمئنان لتفسير الكنائس التقليدية لهذه الآيات لخدمة عقائدها أو بالأحرى لخدمة نظامها ورجالاتها...

إلا أن أقل قواعد المنطق ترفض ذلك ولو بعيدا عن التبرير باستخدام النصى المقدس الذي هو بطبيعته "مطاطي" لأنه بلغة غير اللغة ولزمن غير الزمن ولخارطة ثقافية وجيوبوليتكية مغايرة تماما لما سيتمخض عنه التاريخ من أحداث ومتغيرات ومستجدات ... – ويكفي مثلا ما ثبت تاريخيا على المستوى السلوكي والأخلاقي لمن اعتلى العروش المسيحية من باباوات وبطاركة وكرادلة وأساقفة ، وما كان منهم لا يمت للعصمة بصلة بل على العكس تماما لكل ما يتصوره مؤمن بسيط لم يطلع على التاريخ خوفا على إيمانه بالمفترض لا بالحادث فعلا والمثبت تاريخيا ...

فصعوبة قبول فكرة العصمة البابوية – بالإضافة لضعف النصوص التي يعتمد عليها في ذلك – فإن المنطق التاريخي يرفض ذلك على المستوى الاخلاقي السلوكي لما نريد أن نلصق العصمة بهم وكذلك لموقف الكنيسة عقديا من بعضهم.

أولا : المستوى السلوكي الخُلقي.
وعلى سبيل المثال - كان عندنا البابا الكسندر السادس( 1492 – 1503م ) رأس عائلة "بورخيا" الاسبانية – و"المتطلينة" تحت اسم "بورجيا" – وقد بلغ هذا البابا من الفساد الخلقي والخلاعة والدعارة بكل اشكال الشذوذ وزنى المحارم ما لم يعرف عن ملك أو امبراطور قبله أو بعده – وقد عين أبنائه في كل مناصب الدولة – أبنائه من الزنى لأن البابا لا يتزوج رسميا – ومنهم ابنه الثاني "سيزار" أو قيصر – والمدعو احيانا فلانتينوا، كردينالا – اي اسقف أعلى – ولكنه قتل أخيه الشقيق البكر "خوان" ليكون هو قائد الجيوش – أما عن أخته "لوتشيا" أو "لوكرس" (على حسب اللغة والترجمة ) – ابنة البابا الكسندر السادس وعشيقته ، وعشيقة أخيها ايضا ، فلها حكايات وصولات وجوالات يعف لمقال عن الخوض فيها..

فهذا البابا الذي مات مسموما، كان خلف للبابا "بيوس الثامن" ( 1484 – 1492م )- (تنقله بعض المراجع العربية بأينوسنت بدلا من بي أو بيوس ) يضاف إلى أنه أيضا كان اب لعدة ابناء وكان شديد الفخر بهم في كل مجلس واحتفال مانحا اياهم أعلى المناصب كذلك... والذي بلغ ما بلغ من التربع على العرش البابوي ليخلف القديس بطرس رأس كنيسة روما – والأول بين التلاميذ – بمساعدة عائلة "رودريج بورجيا" – البابا "الكسندر السادس" الذي سبق ذكرة ، وبمعونة فاسد أخر سيصير البابا "يوليوس الثاني" ( 1503- 1513م ) فيما بعد – ولكن يضاف إلى تاريخه الغير مشرف أخلاقيا – أنه الذي أعطى "توماس دي توركيمادا" - الاسقف الكاثوليكي الغيور وأب اعتراف الملكة إيزابلا وفرديناند - البركة البابوية ليشكل محكمة التفتيش الاسبانية الكاثوليكية الأبشع في التاريخ والذي بقي على رأسها من 1492 إلى وفاته بعد 6 سنين في 1498م حرق فيها ما يقرب من 2000 شخص – والتي ارتكبت من الجرائم في حق اليهود خصوصا ثم قلة من المسلمين الذين أدعوا المسيحية خوفا من الطرد من اسبانيا بالنسبة لليهود أو تفضيلهم البقاء من القلة المسلمة التي ارتبطت مصالحها بالأراضي الايبيريا من المسلمين بعد أن صارت اسبانيا مسيحية تماما عام 1492م – فقبلوا المعمودية خوفا وجبرا وتحت تهديد الطرد ومصادرة الأموال - ولكن بعضهم ظل على دينه في الخفاء .. يمارس بعض طقوسه الإسلامية أو اليهودية – بالإضافة طبعا لتعقب الهراطقة وأعداء البابا أو الملك باسم حماية الدين وتطهير الأرض ولكي لا تقوم فتنة في البلاد فتغضب علينا السماء.
هذا المقال لا يحتمل بأي صورة كانت سرد فساد كثيرين وضعوا مؤخراتهم على عرش القديس بطرس – تلميذ المسيح ، صياد السمك اليهودي الأبسط من البساطة والأغلب من الغُلب..

ثانيا : التاريخ العقائدي.
ودون أن نقيم قائمة طويلة عريضة نضرب فقط مثال واحد وهو البابا "هوناريوس الأول" بابا روما من 625م – إلى 638م - والذي قبل بناء على نصيحة بطريرك القسطنطينية البطرك "سيرج الأول" الوساطة ليجد حل للنزاع العقدي بين كنيسة الاسكندرية وباقي العالم المسيحي كله في عقيدة طبيعة المسيح المزدوجة – إنسانية وإلهة – حسب قرار المجمع الخلقدوني 451م – والذي على أثرة تم اعتبار الأقباط هراطقة لعدم قبولهم قرارات المجمع المسكوني الذي أقر الطبيعتين للمسيح بينما قالت الاسكندرية بل طبيعة واحدة..

فأقترح البطريرك "سرج" صيغة توافقية – يقبل فيها بابا الاسكندرية كلمة الطبيعتين على أن يكون التوحيد لا في الطبيعة بل في المشيئة – فيكون المسيح طبيعة إلهية كاملة بصفته الله الابن المساوي تماما لله الأب – من حيث طبيعته الإلهية – ولكنه الانسان الكامل ، والذي شابه الإنسان في كل شيء – من حيث طبيعته البشرية - ... ولكن بمشيئة واحدة هي خلاص البشر ... وهنا يتنازل بابا روما على القول بالمشيئتين – المشيئة الإلهية الكاملة والمشيئة الإنسانية الكاملة التي ظهرت في قول المسيح قبل : " لأني لا أطلب مشيئتي بل مشيئة الآب الذي أرسلني" ( يو 5 : 30 ) – ويتنازل بابا الإسكندرية عن القول بالطبيعة الواحدة.
وبصرف النظر عن التطورات التي حدثت بعد ذلك تاريخيا إلا أن النتيجة هي أن داخل الكنيسة الكاثوليكية قام بابا أخر اسمه "ليون الثاني" في عصر الامبراطور "قسطنطين الرابع" وأصدر حرما كنسيا ولعنة على البابا هوناريوس الأول باعتباره هرطوقيا في عام 681م لإتباعه مذهب هرطوقي أيمانا "بالميثوليتية" – أي الاعتراف بالمشيئة الواحدة كما سبق الاشارة إليها - ثم جاء مجمع القسطنطينية الثالث المسكوني عام 682م- 683م والمقدس في نظر الكنيسة الكاثوليكية وأكد حرم "ليون الثاني" وهرطقة "هورانيوس الأول"..
فكيف يكون البابا معصوم من الخطأ حتى وهو ينطق بعقيدة إن كان هناك مجامع مسكونية عالمية قد هرطقت – كفرت- ما نطق به باباوات وهم جالسين في السدة البابوية – وعاشوا وماتوا وهم في تعداد خلفاء بطرس ؟!!!

وكما سبق الاشارة أن هذه المجامع لا تحل قضية إلا لتفجر قضايا وتزيد الخلافات تأججا وصراعا يصل لحد الانشقاق والانفصال – وبالفعل فإن المجمع الفاتيكاني الأول تمخض عن انشقاق مجموعة من الاساقفة في كل من المانيا والنمسا وسويسرا وهولندا – تحالف أغلبه جرماني- وسموا أنفسهم "بالكنيسة الكاثوليكية القديمة" والتي رفضت التصديق على عقيدة عصمة البابا التي خففت فيما يخص الإعلان عن العقيدة لاجتذابهم ومع ذلك أصروا على رفضهم لاستحداث عقائد جديدة داخل الكنيسة .

- الخاتمة.
الواقع أن هذا الصراع الذي يبدوا عقائديا من الوهلة الأولى لم يخلوا من حيل سياسية واستراتيجيات خبيثة يُفترض أن الدين لا يتورط فيها، لصنع أحلاف وموائمات لإظهار شيء وإبطان أخر – لتحقيق أهداف ومصالح ربما هي بعيدة كل البعد عن طلب وجه الله – كمن يطلب وجه الله ولاشيء غير وجه الله ... بل سيظهر ذلك جليا عندما نقوم بعرض الظرف التاريخي في فترة حكم البابا بيوس التاسع والتي عقد فيها المجمع – ليتبين أننا لا يمكن أن نفهم الدين والتطور الفكر العقدي إلا بفهم الواقع الجيوبلوتيكي على الأرض .. فيبدوا أن جل العقائد منبعها من اسفل لا من فوق .. من الارض والسماء منها براء.

----------------------------
[1] - كل الكنائس بمعنى الطوائف – هي كنائس هرطوقية في نظر غيرها- فلا يوجد مسيحي إلا وكان رسميا هرطوقيا إلا في إطار كنيسته فقط – فيا عزيزي كلنا هراطقة.

Homoousisme / Homoiousisme [2]

« Tous les peuples doivent se rallier à la foi transmise aux Romains par l’apôtre Pierre« [3]

[4] - على ثلاث دورات مابين 1545 – 1563 م – عقد ردا على ما اثارته الحركة البروتستانتية الناشئة من قضايا على الكنيسة الكاثوليكية أن تحدد موقفها منها – فيما سمي بالإصلاح المضاد ، ولكنه كان أصلاحا قائما على التأكيد على كل عقائد الكنيسة الكاثوليكية القرن أوسطية.

[5] - هم مجموعة من المؤمنين يقدسون مريم بشكل حماسي لا يعرف حدا - وهم مع كل عقيدة تمجد العذراء مريم بكل الصيغ والطرق الممكنة ودون الحاجة لإثبات من كتاب ، ودون الشعور بأي مبالغة في التعظيم ولو اقتربت من صور التأليه والعبادة للإلهة الأنثى على النمط الوثني القديم من إنانا لعشتار لإيزيس لأرطميس للأم كيلي .... فمهما مُجدت وبأي طريقة كانت – ولو بلغت العبادة المباشرة - فإن ذلك قليل عليها وهي تستحق أكثر..

[6] – هذه الفكر وردت على لسان كثير ممن يؤمنون "بالحبل بلا دنس" ولكن يكدون على أن الظرف التاريخي ، ورغبة البابا بيوس التاسع لفرض عقيدة العصمة استخدمها لتحيق هذا الهدف ... راجع كتاب "مريم" لجاك دوكناي – كاتب ومؤسس لجريدة لوبوان الكاثوليكية :
« MARIE« - Jacques DUQUESNE p 212 . ED. PLON --

"[7 ] - أعطيك مفاتيح ملكوت السماوات، فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطا في السماوات. وكل ما تحله على الأرض يكون محلولا في السماوات" / متى 16 : 19
"الحق أقول لكم: كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطا في السماء، وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولا في السماء "/ متى 18 : 18

[8] - الخلافة الرسولية – بالنسبة للكاثوليك تقوم على فكرة أن التلاميذ 12 تركوا خلفهم سلسلة لا تنقطع من خلفاء لهم ملكون ذات الصلاحية والتفويض الإلهي – الأرثوذكس الأقباط تحديدا يوسعون هذه الدائرة لتشمل كل الرسل – التلاميذ 12 ومعهم 70 رسولا المعينين من المسيح وبينهم كان مرقس الرسول ، رغم النص في لوقا الاصحاح العاشر لم يذكر اسمائهم ، إلا أن الكنيسة بناء على شهادات متأخرة جدا وليس لها أي علاقة بالتاريخ – تعتمد الكنيسة عليها لتقول أن مرقس كان واحدا منهم – والهدف الحقيقي وراء هذا الاعتقاد هو فقط أنه ولابد أن يكون لبابا الإسكندرية خليفته له ذات الصلاحية.

[9] - اعتقاد عند الكنيسة الكاثوليكية مفاده أن بطرس هو رئيس على التلاميذ 12 وعليه يكون كل خلفاء هؤلاء التلاميذ خاضعين لخليفة بطرس – بابا روما.



#ارنست_وليم_شاكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسطين ومخاض النكبة
- عصر محمد علي - دمياط ومعاملة الأقباط ..ج2 الشهيد سيدهم بشاي ...
- قول مواطن غلبان لرئيس همام.
- عصر محمد علي - دمياط ومعاملة الأقباط... ج1
- نعيب تراثنا والعيب فينا
- قضية مريم ملاك و-انتحار- المجند بهاء.
- فذلكة تاريخية، في أصل وتطور البظرميط - الشيخة هبة قطب، والفق ...
- الأقباط وخالد منتصر.
- عن الزيت المقدس سألوني، فقلت: وماذا عن اللبن المقدس؟!!
- يا لطيف الألطاف نجنا مما نخاف : شعار المرحلة.
- جمال عبد الناصر: الابن الروحي لحسن البنا .
- بالمختصر المفيد : جمال عبد الناصر..
- مَن قتل الراهب مرقس ؟
- محنة القرآنيون في دولة المرجعية الداعشية ..
- المثلية: بين الدين وحقوق الإنسان.. بين الله وقيصر .
- المثلية الجنسية ، ومجتمعنا الشاذ ...
- حرية التعبير في زمن قوانين ازدراء الأديان ..
- هل اجتمعت أمتي على باطل قبل البابا شنوده ؟؟؟
- هل مات أبو الفقير بطرك النصارى وأمام المسلمين ؟؟ ... البطرك ...
- مناطق الحكم الذاتي داخل الدولة المهترءة .. والتهجير القصري


المزيد.....




- قناة أمريكية: إسرائيل لن توجه ضربتها الانتقامية لإيران قبل ع ...
- وفاة السوري مُطعم زوار المسجد النبوي بالمجان لـ40 عاما
- نزلها على جهازك.. استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 20 ...
- سلي أولادك وعلمهم دينهم.. تردد قناة طيور الجنة على نايل سات ...
- قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال ...
- نزلها الآن بنقرة واحدة من الريموت “تردد قناة طيور الجنة 2024 ...
- قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال ...
- كاتب يهودي: المجتمع اليهودي بأمريكا منقسم بسبب حرب الإبادة ا ...
- بايدن: ايران تريد تدمير إسرائيل ولن نسمح بمحو الدولة اليهودي ...
- أستراليا: الشرطة تعتبر عملية طعن أسقف الكنيسة الأشورية -عملا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ارنست وليم شاكر - رحلة تاريخية في العصمة البابوية.