أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شاهين - أديب في الجنة ! (2)















المزيد.....

أديب في الجنة ! (2)


محمود شاهين
روائي

(Mahmoud Shahin)


الحوار المتمدن-العدد: 5006 - 2015 / 12 / 6 - 02:39
المحور: الادب والفن
    


لم ألق خطبة في الجن والإنس منذ أن فارقت الكون عائدا إلى الأرض ، ولم يعد لدي أعصاب تحتمل مواجهة الجماهير ، حتى أنني في أمسياتي الأدبية القليلة كنت أتمالك أعصابي بصعوبة
لتخوفي من صدى وقع كلماتي غير المألوفة على الأسماع والعقول ، فكيف أبرئ الشيطان من شيطانيته وأجعله ملكا وصديقا ، لأصفع بذلك عقول المستمعين التي اعتادت لعنه . كنت أحبذ معارض الرسم على الأمسيات الشعرية والأدبية لأنني لا أضطر إلى إلقاء كلمات فيها ، غير أنني كنت أرتبك قليلا في القليل من الحوارات التلفزيونية . عزائي أن معظم جمهوري هنا من الجن المغضوب عليهم وكل ما أرجوه أن تسعفني الكلمات لقول بعض ما أريد . رفعت هذا التاج الذي أشعر أنه يثقل رأسي لعدم تعودي عليه، ووضعته أمامي على المائدة ، دون أن أنسى أنني الآن ملك سيخاطب ملوكا وملكات ، ونهضت متماسكا بقدر ما أتاحت لي شيخوختي وشرعت في الكلام :
صاحبات وأصحاب الجلالة ،صاحبات وأصحاب السمو ، السيدات والسادة الأشراف والأدباء والعلماء الكرام . محبتي وجزيل شكري لكم جميعا لهذه الحفاوة البالغة التي أحطتموني بها ، وشكري الخاص لجلالة الصديق الوفي إبليس الذي أصر على إنقاذي للحاجة إلي ولضرورة بقائي على قيد الحياة ، اعتقادا منه أن في مقدورنا أن نسبرغور الحقيقة الوجودية ونغير مجرى التاريخ البشري إلى ما هو أجمل وأفضل .
جئتكم محملاً بأوجاع كوكب ينوء تحت وطأة الآلام والعذابات منذ آلاف السنين . وإذا كانت الحروب تقام في الماضي بالسيوف والرماح والنبال ، فإنها تقام اليوم بأسلحة الدمار الهائلة ،لتبث الرعب والهلع في قلوب الملايين من البشر ، وتحيل الصروح إلى أنقاض، وأجساد البشر إلى أشلاء . أي ضمير يحمله هذا العالم ويخوض به حروبه الفتاكة، باسم العدالة ، وباسم الأمن ، وباسم الله . كم هو مسكين هذا الإله الذي يقتل كل يوم على أيدي هؤلاء بحجة الدفاع عنه . وكم هي العدالة بائسة التي تقتل كل يوم باسم القضاء على الإرهاب. فضاع الإنسان لدى هؤلاء بين الإرهابي وبين المكافح للحصول على الحد الأدنى من حريته وكرامته وحقه في أن يكون مواطنا يحصل على كافة حقوقه كمواطن ، أو حتى عن مجرد حقه في أن يكون وطنه له ! هل يعقل أن لا يحصل شعب على حقه في وطنه ويظل رازحا تحت نير المحتل في القرن الحادي والعشرين ؟ أين هي العدالة التي يتشدق بها العالم ؟ وأين هو الله ؟ هل هناك من يؤمن بالله حقا . هل يعقل أن يقبل الله القتل وسفك الدماء ؟! النبلاء من البشر يعفون عن الخاطئين وحتى عن المجرمين في لحظة صفاء وعمق محبة ، فهل لا يعفو الله ويصفح ويسامح ؟! هل خلق الله الوجود لينعم بجماله ويحقق به ذاته أم ليدمره ؟ لقد شوهوا حقيقة الله وأساءوا إليه حين جعلوه معذبا فظيعا وقاطع أيدي وأرجل وقالع أعين وقاطع ألسن ومدمر أدمغة. الأيدي التي أوجدها لتبني الحضارة وترقى برفاهية الإنسان . والألسن التي أوجدها لتنطق بالحق وحسن الكلام ، والعيون التي أوجدها للبصر والتبصر وإبداع الجمال ،والأدمغة التي تمنحنا العقل لنعقل لا لنجن ، ولنطور العلوم وسائر الوسائل والوسائط التي ترقى بحياة الإنسان ، وتحقق أرفع قيم الحق والعدل والمساواة والخير والجمال لبني البشر، مما يرضي الله ، وهو يرى خلقه يحقق الغاية التي أوجده من أجلها ،أي المساهمة معه في عملية الخلق وبناء الحضارة التي لن تقوم دون الفعل الإنساني . فعملية الخلق يا صاحبات وأصحاب الجلالة ،تكاملية بين الخالق وخلقه ، فلا خلق دون خالق ولا خالق دون خلق ،ولا غنى لأحدهما عن الآخر ،وفناء أحدهما فناء للآخر ، فالله في كل كائن في الكون وفي كل إنسان، يسري بطاقته العظيمة الخلاقة في كل جسد، وفي كل مكان ، دون أن يحد وجوده مكان أو زمان ، ونحن دون طاقته السارية فينا لن نقدر على فعل شيء وأن نقوم بأية حركة .
فلا تنتظروا الله أن يبني لكم الحضارة بإقامة المدن وشق الطرق وبناء الجسور والمصانع . إنه واجبكم أيها البشر وأيها الجن إن شئتم . لقد جن البشربدلا من أن يعقلوا وقتلوا الإنسان
ليقتلوا الله معه ،بدلا من أن يسعوا إلى المحبة والتسامح وتحقيق القيم النبيلة . فغدا القتل حقا
وارتكاب الجرائم بحق الشعوب عدالة ! فهل يمكن أن يكون هناك جنون أفظع من هذا الجنون !؟
إن القيم البشرية كلها في حاجة إلى إعادة نظر بل وإلى إعادة بناء على أسس إنسانية حديثة وسليمة . وإذا كان أجدادنا قد فكروا واجتهدوا حسب ثقافة زمنهم ، فإنه ينبغي ويتوجب علينا أن نفكر ونجتهد حسب ثقافة زمننا . أمة كوكب الأرض أمة واحدة وليست أمما وإن اختلفت وتنوعت ثقافاتها وعاداتها وتقاليدها. وإلهها إله واحد هو إله الوجود كله . وينبغي عليها أن تنبذ الخلافات وأن تتحد وتتعاون لحل مشاكل الشعوب واقتسام ثروات الأرض ورفع شعار الإنسانية والمواطنة المنتمية إلى كوكب الأرض . الأرض الأم الكبرى التي جئنا منها وإلى أحضانها سنعود كمادة وطاقة تساهم في ديمومة الحياة وتجددها .
وعلى أمة كوكبنا أن تسعى للإتصال بالأمم في الكواكب والأكوان الأخرى وتقيم معها علاقات حسن جوار وتعاون والإفادة من ثقافاتها وعلومها وخبراتها .
لقد قمنا بنزع السلاح سلميا من كوكب الأرض كله في رحلتنا السابقة، فكيف أعيد إلى الأمم وكيف تسنى لها أن تصنع الأسلحة المدمرة والفتاكة من جديد ، هل كنا نحلم ؟ أم أننا كنا نتوهم أونكذب على أنفسنا ؟
صاحبات وأصحاب الجلالة.. السيدات والسادة .. آمل أن ننجح ولو بالحد الأدنى من مسعانا في إقامة السلام والمحبة بين البشر .أكرر شكري لكم، والسلام عليكم .
******
هب الجميع وقوفا وشرعوا في التصفيق الحاد ، وأنا أحييهم بحركة من يدي .. ثم دعوتهم إلى الجلوس ، فيما دعت الملكة إلى تناول الطعام والشراب .
لم تكن الخدمة في عالم الجن غريبة علي فقد خبرتها بشكل جيد وأنا الآن أتذكرها فحسب . وإن كانت تختلف بعض الشيئ حسب رغبة المضيف وعاداته .. فكل ما تريده يمكن أن يأتي إليك وحده بمجرد النظرإليه والرغبة فيه. وما الحوريات المضيفات إلا لإضفاء الإحترام وإبداء المساعدة للضيف ليشعر بمكانته المرموقة . لذلك لم أفاجأ حين بدأت الكائنات المشوية تحلق بسفافيدها وأطباق السلطات والمقبلات تحلق بأطباقها دون أن يكون لها أجنحة لتقدم لكل انسان ما يريده ،دون أن يصطدم سفود بسفود أو طبق بطبق ، وكأننا أمام خلية نحل تحلق في فضاء مملكتها دون أن تصطدم نحلة بنحلة . وحمدت الله أن الحدائق قائمة على الأرض وليست تحت الماء وأن الشواء يتم على مناقل تتوهج بالجمر فوق الأرض أيضا وليس تحت الماء كما رأيت في أول وليمة أسطورية دعوت إليها برفقة الملك إبليس. حيث كان الشواء يتم تحت الماء ونحن نأكل ونشرب في الماء دون أن نبتل ودون أن يبتل الشواء أو الطعام .
لا أكاد أصدق أنني في عالم متخيل . فقبل قرابة ساعة كنت أجر خطاي المتعبة نحو أبراج عابدون في عمان لأنتحر . وأنا الآن ملك بين ملوك وملكات غير عاديين . ما هي الحدود الفاصلة بين الواقع والخيال؟ وهل وجودنا خيال أم واقع . وهل الوجود كله واقع أم خيال ؟ وإذا كان الوجود الحقيقي لله وحده حسب ابن عربي فهل يمكن أن يكون وجودنا واقعيا ؟ وإذا كان وجود الله لا ينفصل عنا وعن الوجود كله حسب فكري الوجودي، فهل نحن واقع افتراضي متخيل أم أننا واقع حقيقي؟! ثمة مسائل أكبر من عقولنا .. حتى الفيزياء أنبأتنا بالوجود الوهمي والكون الهيلوغرامي وغيره ، وكل شيء يمكن أن يتلاشى بلحظة . إذن لنعش الحياة كما نستطيع أن نعيشها وكما يمكن أن نعيشها لنتمتع بها ، حتى لا نجد أنفسنا يوما نبحث عن دقائق نطيل بها عمر زمننا لنتمسك بلحظة سعادة .. تنبهت الملكة إلى أنني سرحت لثوان وأنني قلق بعض الشيء وأنني لا أستشعر ولو الحد الأدنى من السعادة . أمالت رأسها نحوي لأستشعر طيب أنفاسها وهمست :
- ماذا تريد يا حبيبي ؟
ألقيت نظرة على أطباق المقبلات والسلطات الشامية وإذا بها تثب من مكانها وتدنو من الصحن الكبير المتموضع أمامي وقد اصطفت فوق المائدة واحدها خلف الآخر بانتظام شديد فيما راحت حورية تسكب لي ما أريد ، أما الملكة فقد فاجأتني بتقريب طبق كافيار أسود أمامي .. ابتسمت لها وأنا أدرك نواياها وطموحها في إعادة الشيخ إلى صباه . هتفت :
- ماذا تريد من اللحوم ؟
ونظرا لأنني لم آكل لحما منذ أشهر هتفت " كل شيء"!
ولم أصدق ما جرى بعد ذلك فقد راحت السفافيد تطير بما عليها وتهرع نحوي وتصطف بانتظام طبقا خلف الآخر في فضاء الموائد. ضحكت وضحكت الملكة والملوك والملكات . كان ظبي صغير يصطف أولا ،تبعه خروف صغير أيضا ، تبعته إوزة ، فدجاجة ،فحجلة ، فحمامة ،فسمكة . وحتى لا أكسف هذه الأطباق التي هرعت نحوي، أشرت إلى المضيفة أن تضع لي مقدار لقمة من كل سفود . وهذا ما حصل دون أن تراعي المضيفة حجم لقمتي فكل قطعة كانت بحجم ثلاث لقمات لي على الأقل . وأشرت إلى مضيفة ثانية أن تأتيني بعرق ريان شامي. . سكبت لي كأسا حسب ذوقي ،رفعته وشربت نخب الجميع.
ما أن ابتلعت أول لقمة من قطعة لحم الظبي حتى قفز الأطفال السوريون والفلسطينيون والعراقيون واليمنيون والمصريون والليبيون وكل المشردين والمشردات في الآفاق والغرقى العائمون في البحار تتقاذفهم الأمواج لتطرح جثامينهم على شواطئ العالم القاتل. ألقيت الشوكة والسكين على الطبق وابتلعت اللقمة بصعوبة وتوقفت عن تناول الطعام ودمعتان تتمردان علي وتنزلقان على وجنتي . تنبهت الملكة إلي وقد أدركت تماما ما دار في خيالي . ضمت رأسي إليها وقبلتني وتوقفت عن تناول الطعام ليتنبه الجميع للأمر ويتوقفوا تضامنا معي في انتظار أن أستأنف الطعام .
*******



#محمود_شاهين (هاشتاغ)       Mahmoud_Shahin#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أديب في الجنة ! (1)
- أديب في الجنة !!
- رحيل إلى المطلق الأزلي على طيف ابتسامة !
- نظرية الأوتار وتفسير الكون (3)
- نظرية الأوتار وتفسير الكون (2)
- نظرية الأوتار وتفسير الكون ! (1)
- هل تدرك الطاقة وجودها وهل تعرف أنها خالقة ؟ (2)
- هل الطاقة السارية في الكون تعرف أنها خالقة وأنها الله ،وهل ت ...
- في المادة والطاقة وتجلياتهما !!
- آه يا إلهي .. كم نحن حزناء ؟
- أقوال ومقالات . في الخالق والخلق والجنة والناروالمرأة والجنس ...
- آه يا أمي . آه يا حبيبتي . كم أنا حزين من أجلك !
- إعلان هام إلى من يعنيهم تاريخ القدس ولديهم معلومات عنه !
- هل نحن كنعانيون حقا ؟ وهل القدس يبوسية أم كنعانية ؟
- ما العمل مع هذه العاهرة حبيبتي وعدوتي اللدودة ؟
- هل تدرك الطاقة وجودها وتعيه تماما ؟!
- شاهينيات صادمة جدا في الحب والجنس والوجود والخلق والخالق وال ...
- شاهينيات أ: في الخلق والخالق والتخلف !!
- سلطة النص أم سلطة العقل ؟!
- يوم أن توجت ملكا !! شاهينيات ذكرى يوم مولدي !30/10/1946- 201 ...


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شاهين - أديب في الجنة ! (2)