ياسير بلهيبة
الحوار المتمدن-العدد: 5003 - 2015 / 12 / 2 - 13:24
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
ياسير بلهيبة : رئيس مركز الدراسات و التثقيف الذاتي بالمغرب
الفصل الثالث :على عتبة التاريخ
اصطحب لينين تروتسكي في نزهات طويلة بمدينة لندن ، وفي الوقت الذي كان ينشغل لينين فيه بالنضال السري ، كان الآخر منشغلا بالإجابة عن اسئلة محرقة : التخلي عن تلك الاستطرادات للعودة الى التجمعات الفوضوية في حزب ممركز .كيف كانت تناضل ضد الاقتصاديين الذين يحاولون أبقاء الحركة ضمن حدود نقابية لاسياسية؟
في الحقيقة لم تكن تنتظره أية مهمة خاصة، كل ما هنالك ان لينين كان يهتم في العادة بلقاء كل الذين تميزوا بالعمل السري .لقد كانت قبل أسابيع لكي يكون القائد قادر دائما لا على النصح و الاقناع و النقاش وحسب،بل كذلك على أن يقود الأوكسترا حقا ، يجب ان يعرف بدقة من يعزف على كل آلة وكيف يعزف ، أين تعلم كل واحد العزف،وعلى أية آلة ،من يحدث نغمة شادة ، وأين و لم..؟من ينبغي تغيير موقعه، وكيف وأين ينبغي وضعه لتحاشي الانغام الشادة؟.
فلنين شخصية مختلفة تماما عمن عرفهم تروتسكي ، ذاك ان لينين لم يكن متجردا كليا من الرومانسية ، يضيف اسحق :" فبدون الرومانسية ما كان في وسع احد ان يكون ثوريا في وقت كانت لا تزال الثورة فيه حلما، او فكرة لا أكثر
بعد قليل من وصوله الى لندن ،التقى ببليخانوف أحد مؤسسي الماركسية الروسية ، ليكتشف أنه شديد الإعتزاز بمجده وقيمته، متعاليا،وفي اول لقاء حدث نوع من النفور الغريزي مع المتعاون الجديد مع الايسكرا، ليتحول فيما بعد الى كراهية ، فالرجلان كانا يمتلكان نفس الطباع و المواهب.ولم تمضي ثلاثة اشهر من وصوله(شهر مارس 1903)، حتى أرسل لينين مذكرة إلى كل من العاملين في الايسكرا لقبول ترشيح تروتسكي في هيئة التحرير.واصفا اياه " بأبرز الطاقات ألاستثنائية " مضيفا أن تعاونه " ليس مفيدا وحسب بل ضروري بشكل مطلق" .
كان لينين وتروتسكي على خلاف دائم مع بليخانوف، فقد كتب له قبل وصول تروتسكي في مايو 1902" لديك معرفة كاملة بالذوق..إلا أنك لا تتردد في استعمال التعابير الأكثر تحقيرا.فإذا كنت تهدف الى جعل كل عمل مشترك أمرا مستحيلا ، فالطريقة التي اخترتها ستسمح لك بالنجاح سريعا جدا.اما علاقتنا الشخصية ..فلقد افسدتها نهائيا ، أو انك نجحت في قطعها كليا"، وهو ما يظهر حجم العون الذي قدمه لينين لتروتسكي الذي يصغره بعشر سنين.
لم تمر تسعة أشهر بين وصوله الى لندن وافتتاح المؤتمر الثاني للحزب الاشتراكي ـ الديمقراطي الروسي ،حتى بلغت شهرة تروتسكي مبلغها ، ليجد نفسها يكنس القدامى في جداله بسهولة،ببلاغة وحماسة وذكاء ونبره صادمة ،اعترف له خصومه بقوة شخصية ،بخلاف تلك الشخصية القديمة المعروفة بالتعلثم و الاحمرار و الارتباك .باتت تحكمه " غريزة بقاء وحشية " حسب تعبير تروتسكي نفسه.
في فرنسا ، بباريس التقى زوجته الثانية ،ناتاليا سيدوفا، وكانت طالبة قادته الى اللوفر وحاولت ان تطلعه على الرسم و النحت.كانت تصغر امرأته الأولى بسنوات،وكانت هي الأخرى ثورية،فلقد طردت من مدرسة داخلية لبنات النبلاء في خاراكوف لأنها اقنعت رفيقاتها بعدم المشاركة في الصلوات و باستبدال قراءة الكتاب المقدس بقراءة الأدب الراديكالي الروسي.
وفي بداية تموز/يوليو 1903 انعقد ببروكسل المؤتمر التأسيس للحزب واقعيا ، فقد سبق وان انعقد مؤتمر سابق سنة 1898 إلا أنه لم يضم إلا ثمانية أشخاص منتدبين ، في حين مثل المؤتمر الجديد ،44 مؤتمر له حق التصويت و14 آخرون كأصوات استشارية، حضره تروتسكي بصفة ممثل عن الاتحاد السيبيري للشغيلة الاشتراكيين ـالديمقراطيين. افتتح النقاش بليخانوف ، وهيمن على النقاش قضية البوند اليهود التي تطالب بحقها الوحيد في تمثيل اليهود ، حيث عارض تروتسكي بصفته كيهودي مطالب البوند ، وهي حالة نادرة في تحدثه بصفة التخصيص ،مدافعا عن حق اليهود في مدارس شرط ألا تخرج عن النظام التعليمي القومي ، ورفضه ان تكون الثقافة اليهودية منغلقة على ذاتها، معتقدا ان لا مستقبل لليهود كجماعة معزولة.وعلى الرغم من أن البوند كانوا معارضون معارضة مطلقة للصهيونية ،إلا أن تروتسكي اتهم البوند بكونهم بمواقفهم لا يخرجون عن جوهرها القومي.
احتدم الصراع في هيئة تحرير الايسكرا والحزب ،وعارض الاقتصاديون امثال مارتينوف واكيموف اقامة منظمة مركزية وانتقدوا السياسات الثورية لصالح الظفر بالإصلاحات ، في حين عارضهم تروتسكي حتى لقبوه ب " هراوة لينين " وتقدم لينين بصيغة تنص مشروع تنص على ان."يكون عضوا في الحزب كل من يوافق على برنامجه ويقدم له دعمه المادي ويشارك شخصيا في عمل أحد أجهزته" في حين خالفه مارتوف بصيغة غامضة لشرط العضوية تنص على " تعاون شخصي ومنتظم تحت اشراف احد أجهزة الحزب" وانعكس ذلك أيضا على اعادة تنظيم هيئة تحرير الايسكرا.فطغى جو التشكيك و التهجم و لغة المؤامرة ، وتحولت صداقة لينين ومارتوف الى مواجهة منفعلة في المؤتمر ، وانقلب تروتسكي على لينين مساندا مارتوف ،وبليخانوف حليفا للينين .
اتهم تروتسكي بأن لينين يريد ان يبني حلقة مقفلة من المتآمرين لا حزب الطبقة العاملة، متسائلا لما لا يفتح الحزب دراعيه للشغيلة ، فرد لينين بأن الطبقة العاملة لازالت تعاني من الارتباك و التردد و الانتهازية، مما يعني ان فتح الحزب اتجاه العمال هو ادخال عناصر ضعف في صفوفه.وينبغي لأعضاء الحزب ان يشكلو طليعة البروليتاريا وحسب ، باعتباره اشد عناصره شجاعة ،وأكثرهم وعيا لمهمتهم " الطبقية" وقد حاول لينين اقناع تروتسكي خارج الاجتماع دون جدوى ، فانتصر مارتوف بأغلبية ساحقة.في حين حاز لينين وجماعته على الأكثرية (نسبة تسمية البلاشفة) في مشروع اعادة تنظيم قيادة الايسكرا ، وقد هال ذلك الأقلية (المناشفة) على تجرؤ لينين بإزالة زاسوليتش و اكسلرود من الهيئة فاعلنو مقاطعتهم للجنة المركزية و الايسكرا.
قاد تروتسكي هجمات عنيفة على لينين ، بهدف الضغط لإرجاع القادة القدامى الى الايسكرا، فصاغ الى جانب مارتوف بيانا يعلنون فيه مواقفهم من الحزب دون الخروج منه ، بالمقابل تمسك لينين بمواقفه رافضا أي ضغط ونفد مارتوف تهديده فاستقال ، مما دفع بليخانوف باعتبار رئيس مجل الحزب باستدعائه الى جانب القدامى اكسلرود وزاسوليتش وبتريسوف للانضمام الى هيئة التحرير. فقدم لينين استقالته، وقد كانت هزيمة قاسية للينين ، حيث بات معزولا .
غدا تروتسكي يعتقد ان الايسكرا القديمة لديها ميول تآمرية ،تماما كالناردونيين ، وأنها كانت تظلم الاقتصاديين وأخطأت في الدفاع عن اولوية التنظيم عل الحركة العمالية العفوية .كانت تلك هي الاستنتاجات التي توصل اليها معظم المناشفة حين كانوا يتفحصون الماضي القريب ، وكان تروتسكي يواكبهم حق ذلك.
ترك تروتسكي الايسكرا في نيسان : ابريل ،وفي آب : اغسطس ظهرت في جينيف مقالته النقدية : مهامنا السياسية ،وتكمن الأهمية السيرية والتاريخية الخاصة بهذه المقالة في كونها قرار الاتهام الأكثر فظاظة الذي حدث ان كتبه اشتراكي ضد لينين.وقد تساءل :" هل من الصعب للغاية أن نرى...انه حين ينبغي لأي مجموعة جدية ان تجيب على مسألة معرفة ما اذا كان عليها ان تمحي وتصمت احتراما للانظباط ، سوف تختار الحل الثاني وتقول.فليموت الانضباط الذي يخنق المصالح الحيوية للحركة"
#ياسير_بلهيبة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟