أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - المبعوثون والممثلون الدوليون وما شابه















المزيد.....

المبعوثون والممثلون الدوليون وما شابه


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 4993 - 2015 / 11 / 22 - 15:54
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


هناك فئة واسعة من الموظفين الدوليين، الغربيين أساسا، المعنيين اليوم بالقضية السورية، وبالأمس واليوم بالقضية الفلسطينية، يمثلون هيئات "أممية"، أو بلدانهم النافذة. وحين لا يكون الواحد منهم شخصيا من صناع القرار في شأن قضايانا، فإنه يتحرك في دوائر صناع القرار في بلده وفي الهيئات الدولية، وله بالقطع تأثير على القرارت التي تمس مصائرنا، بلدانا ومجتمعات وأفرادا. فما هو تكوين هذه الفئة المخصوصة، الخطيرة الشأن؟ ماذا يشبه أولئك الرجال الذين تكلفهم بلدانهم الغربية أو الأمم المتحدة بمتابعة قضية سورية أو فلسطين أو ليبيا أو اليمن أو السودان أو الصومال أو أفغانستان؟ بحدود ما أعلم ليس هناك كتابات بالعربية عن الأمر، ولست مطلعا على كتابات محتملة عنهم بالانكليزية. هذه المقالة تستند إلى معرفة شخصية ببعض العاملين في هذه الدوائر، وإلى متابعة لبعض تصريحاتهم وكتاباتهم.
يتعلق الأمر برجال غالبا، وبنساء أقل، من الشرائح العليا من الطبقة الوسطى أو من الطبقة العليا في بلدانهم، درسوا في جامعات من الأفضل في العالم، رواتبهم عالية، يسافرون كثيرا، ويلتقون في بلداننا برؤساء وملوك ووزراء وسفراء. وهم يتقلبون في مناصب تترواح بين السفير والوزير والمبعوث الخاص والمستشار في "مركز دراسات استراتيجية" مرموق. ومن يكن سفيرا منهم يقيم في بيت فخم في الأحياء الدبلوماسية، أما المبعوثون فيقضون أوقاتهم خارج العمل في فنادق ومطاعم "راقية"، في صحبة مرافقين من نخبة البلد الذي يزورونه، أو دبلوماسيي بلدهم، أو النخبة الدبلوماسية الغربية في البلد المعنى.
ينحدر معظم هؤلاء البيروقراطيين الدوليين من الغرب، المنطقة الأغنى في العالم، الأقوى عسكريا، الأقوى تأثيرا عالميا، والتي لم تعان منذ سبعين عاما من مآس عامة كبيرة سببها إنساني. ومعظم سياسيي اليوم في الغرب ولدوا بعد الحرب العالمية الثانية، فلا هم سليلو صراعات اجتماعية أو حروب كبرى، ولا هم خبروا في حياتهم الخاصة والعامة مآس يمكن مقارنتها بما حصل لأكثر بلدان العالم الأخرى، ومن هذه الأخيرة ما أوقعتها بها بلدان المبعوثين والممثلين. يحصل أن يكون بينهم من ليسوا غربيي المنبت، مثل كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي بخصوص "الأزمة السورية"، لكنهم بيروقراطيون دوليون، يتبنون اللغة المعقمة للمنظمات الدولية، بحيادها القيمي الزائف، ويحولون الصراعات الاجتماعية والسياسية الكبيرة إلى "أزمات" تعالج بمنهج "إدارة الأزمات" الذي ينزع الصفة السياسية عما هي قضايا سياسية جوهريا. وبحكم تكوينهم في دول "متقدمة"، منظمة، ومستقرة، يُعتقد على نطاق واسع أنها نموذج ريادي للعالم ككل، منظورات المبعوثين والممثلين دولتية جدا، متمركزة حول الدولة، ومنحازة لكل ما هو دولة ومنظم ومركز. هذا في الغرب نفسه أولا، حيث الدولة-الأمة أهم اختراعات الحداثة وضمانتها في الوقت نفسه.
وليس هذا التكوين مقصورا على الممثلين والمبعوثيين الدوليين وكبار العاملين في مؤسسات بحثية غربية ودولية تعنى بشؤون "الشرق الأوسط"، بل هو كذلك تكوين النخب السياسية الغربية عموما في زمن ما بعد الحرب الباردة. كانت هذه النخب قد طورت في زمن الحرب الباردة، وكضرب من التطعيم ضد الشيوعية السوفييتية ومشتقاتها، إيديولوجية ومؤسسات دولة الضمان الاجتماعي التي توسع نطاق الديمقراطية ليشمل شرائح أدنى من المجتمع. وهو ما أسبغ على فكر النخب الغربية عناصر إيديولوجية وقيمية عامة، لا تقتصر على "الحداثة" و"العقلانية".
مع نهاية الحرب الباردة قبل ربع قرن، لم تعد هناك وجهة عالمية ولا رؤية عالمية لسياسات النخب الغربية التي تطورت في اتجاه أكثر بيروقراطية وفنية وإدارية، وأقل سياسية. وهذا مع بقائها، تلك النخب، في موقع لا منافس له عالميا في التأثير على مصائر بلدان وشعوب كثيرة، والكوكب بملياراته السبعة.
وفيما يخص منطقتنا لدي تلك النخب ما يتراوح بين النفور والعداء حيال الإسلاميين، والمودة والحب الشديد لإسرائيل. وهي في كل حال لا تعرف جديا من مجتمعاتنا غير حكام كانوا يخنقون محكوميهم ويعزلونهم عن العالم. مجتمعاتنا، في عين المبعوث والممثل الدولي، مكونة من هلام لا ملامح واضحة له، ومن ملامح واضحة جدا لأشخاص مثل بشار الأسد وحسني مبارك وملوك الخليج وأمرائه، ومن شابههم. وهو ما تفاقمه المهنة الدبلوماسية المتمركزة تكوينيا حول الدولة، ثم أولوية الشواغل الجيوسياسية والجيواستراتيجية في تكوين المبعوثين والممثلين والباحثين في شؤون الشرق الأوسط. والاستراتيجيا "علم" يستخلص توجهيات سياسية ضرورية، يمكن أن تترتب عليها عواقب وخيمة، من مقدمات اعتباطية جدا، تتمثل أساسا في مفهومي الهوية القومية والمصلحة القومية (تختلط حتى في "الديمقراطيات" الغربية بمصالح الفريق الحاكم، الحزبية والشخصية). الاستراتيجيا لا ترى مجتمعات ولا ترى صراعات اجتماعية، ترى دولا ولاعبين سياسيين كبارا فقط.
على أن المبعوثين يعرفون جيدا جدا، والحق يقال، أن بلداننا مكونة من مسلمين وغير مسلمين، ولديهم انجذاب غريزي قوي تجاه الشؤون الدينية والإثنية، موروث من أيام الاستشراق والاستعمار. في بلدان مثل سورية ولبنان والعراق، يعرف الدبلوماسي الغربي والمبعوث الغربي والباحث الغربي في مركز دراسات من نوع "المجموعة الدولية لمقاربة الأزمات"...، أشياء كثيرة عن المسلمين والمسيحيين، وعن العلويين والسنيين، وعن الكرد والعرب، ولديهم في هذه الشؤون تفاصيل ومعطيات يتواتر أن لا نملك نحن أهل البلد مثلها.
في المحصلة، الرجل مبرمج على ترجمة المآسي الإنسانية إلى اللغة الباردة للبيروقراطية الدولية، وهو لا يكف عن محاولة معالجة الصراعات الاجتماعية والسياسية الكبيرة باقتراح حلول وسط فنية، لا تترك مجالا لقضايا العدالة، ولا تؤسس لأوضاع اجتماعية وسياسية وقانونية أفضل على مدى أبعد. المدى الأبعد لا يهم منهج إدارة الأزمات على كل حال. وكلما كان هناك طرف مركزي منظم أشد إجراما كانت الحلول الوسط المقترحة أنسب له وأقرب إلى موقعه. الضعيف خاسر منهجيا ودوما من هذا المنهج السياسي. فرص بشار الأسد السياسية بعد أن قتل ربع مليون صارت أفضل من فرصه حين كان قد قتل 10 آلاف فحسب.
هذا المنهج الإداري التسييري معاد للديمقراطية في كل مكان، بما في ذلك في المراكز الغربية. وهو متولد في تقديري عن تحولات سياسية ومؤسسية في الغرب إثر انتصاره في الحرب الباردة، تحولات تستتبع السياسة للاقتصاد وترجح نموذج الشركة الخاصة بعيدا عن الدولة الاجتماعية العامة في صيغة اشتراكية ديمقراطية أو في صيغة كنزية.
لا يزال الغرب "ديمقراطيا"، لكن ظاهر اليوم أنه ليس قوة دمقرطة عالمية، وأنه يفتقر أكثر وأكثر إلى طاقة كامنة تحررية. وهو متقدم، لكنه ليس قوة تقدم عالمية، ولا كمون تقدميا لديه. إنه منطقة ممتازة في العالم وحريصة جدا على امتيازاتها، وتقاوم المساواة بكل قواها. إن لم تجر معاكستها بقوة، يرجح لهذه التحولات أن تؤدي إلى ضمور الديمقراطية في الغرب ذاته، وإلى تحجر التقدم في صورة أرستقراطية ممتازة مسلحة، في استنفار دائم ضد برابرة مهددين.
طوتل عقود، كان لقاء بنية المصالح الغربية في منطقتنا الشرق أوسطية مع التكوين الدولتي للمبعوثين الغربيين والدوليين، ومع وضع امتيازي محافظ للغرب في العالم، يدفع إلى الصدارة قضية الاستقرار. وهو ما يضمنه الشيء الذي يسمى "الدولة"، ويغلب ألا يتجاوز معناها جهازا منظما قادرا على القتل، يقوم عليه رجال يرتدون ربطات عنق.
والخلاصة أنه يلتقي في تكوين المبعوث الدولي منزع دولاني مع ضمور متفاقم للعنصر القيمي والسياسي في تصور العالم لمصلحة الاعتبارات الفنية والإجرائية (ومع أرجحية الحداثة في تصور العالم على حساب العدالة، والعقلانية على حساب التحرر)، ومع انتمائه إلى شرائح ممتازة في بلدان تشكل الشريحة الممتازة في العالم. وبفعل هذا التكوين، المبعوث لا يحس حتى حين يعرف، والقليل الذي يعرفه منزه عن الإحساس.
نقد المبعوثين مقدمة ضرورية لنزع هيمنة تصوراتهم عن العالم، وللإمساك الفكري والسياسي بقضايانا. اليوم يرتضي المبعوثون لنا ما لا يرتضونه لبلدانهم، وهو ما يكفي للقول إنهم ليسوا فاعلين أخلاقيين، وما يسوغ الاعتقاد بأن ما يعدونه لنا هو "سلام لا سلام بعده"، على ما عنْون ديفيد فرومكين كتابا له عن تكوين الشرق الأوسط المعاصر، صدر عام 1989.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول مفهوم -البيئة الحاضنة-
- تطور ظاهرة -المخبر الأهلي-
- مستقبل إنكار: عن القتلة وشراكاتهم
- زوج سميرة
- سورية والعالم: الرجعية عائدة، وتتقدم
- جدار ونوافذ/ نوافذ ونوافذ
- صادق جلال العظم، إشارات أولى
- من القومية العربية إلى النهوض بالعبء الإسلامي
- سورية والقوى الغربية: مشكلة عالمية
- في وجوب مفارقة الجماعة وشق عصا الطاعة
- مسالك حيال الفظيع
- أدونيس: الظلاميُّ مُنوِّراً
- بدون لغة مشتركة: تأملات عن المجتمع والعنف والكلام
- الظالمون العادلون: من سرديات المظلومية إلى مقاومة الظلم
- انطباعات سورية عن حركات ثورية في تركيا
- الباراديغم السلفي الجهادي وهيمنته
- المشكلة في مفهوم -العلوية السياسية-؟
- بشار الأسد، الشخص والسلالة والطبقة
- 600 يوم على الجريمة المستمرة في دوما
- في الليل السياسي، حيث تتخلق الأشباح وتنتشر


المزيد.....




- وحدة أوكرانية تستخدم المسيرات بدلا من الأسلحة الثقيلة
- القضاء البريطاني يدين مغربيا قتل بريطانيا بزعم -الثأر- لأطفا ...
- وزير إسرائيلي يصف مقترحا مصريا بأنه استسلام كامل من جانب إسر ...
- -نيويورك تايمز-: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخ ...
- السعودية.. سقوط فتيات مشاركات في سباق الهجن بالعلا عن الجمال ...
- ستولتنبرغ يدعو إلى الاعتراف بأن دول -الناتو- لم تقدم المساعد ...
- مسؤول أمريكي: واشنطن لا تتوقع هجوما أوكرانيا واسعا
- الكويت..قرار بحبس الإعلامية الشهيرة حليمة بولند سنتين وغرامة ...
- واشنطن: المساعدات العسكرية ستصل أوكرانيا خلال أيام
- مليون متابع -يُدخلون تيك توكر- عربياً إلى السجن (فيديو)


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - المبعوثون والممثلون الدوليون وما شابه