أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - انطباعات سورية عن حركات ثورية في تركيا















المزيد.....

انطباعات سورية عن حركات ثورية في تركيا


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 4912 - 2015 / 9 / 1 - 13:49
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


مما يلفت نظر مراقب سوري في الحياة العامة في تركيا أن هناك حركات ثورية، تحررية وراديكالية اجتماعيا وثقافيا وحقوقيا وسياسيا، نجت من تداعي الحركات الثورية بالتواقت مع نهاية الحرب الباردة. ليس فقط في العالم العربي لا نتبين هذا المستوى من النشاطية القوية العزم والمتعددة المستويات، لا نجد شيئاً مشابها في الغرب أيضاً. من هذه الزاوية، يبدو أن انتصار الغرب الرأسمالي الليبرالي الديمقراطي في الحرب الباردة كان عامل تعقيم: ذهبت روح التغيير والتمرد الاجتماعي والسياسي مع سقوط شكل من أشكال النزعة الثورية في القرن العشرين، الشيوعية. تخلّف عنها رضا مرفّهٌ عن الذات دون طاقة تحررية كامنة، تخلّف أيضا ضرب فوقي من معاداة الامبريالية، لا يفتقر فقط إلى روح ثورية، وإنما هو بديل منحط عنها.
هناك ثلاث ميادين لظهور الحركات الثورية في تركية. أولاها ومن أهمها الحركة النسوية التي مرت بأطوار متنوعة، لخصتها مؤخرا شناي أوزدن، الباحثة والناشطة اليسارية التركية في محاضرة نظمها البيت الثقافي السوري في اسطنبول، "هامش". لا مجال لاستعراض هذه الأطوار هنا، لكن منذ ثمانينات القرن الماضي تخرج نساء إلى الشارع في مظاهرات، وتؤكد اليوم على استقلال النساء وملكيتهن لأجسادهن، وعلى الحرية الحنسية، وتنفتح على جيل المطالب التحررية الأحدث، الخاصة بالمثليات والمثليين وثنائيات وثنائيي الجنس والمتحولين جنسيا (LGBT). في وجه منه يبدو تاريخ هذه الحركة تاريخ تفاعلها مع ما تعرضت له من نقد في أطوارها المختلفة، ومنها نقد من الحركة النسوية الكردية، التي أخذت على النسويات التركيات أنهن إن كن متمردات على النسوية الجمهورية التركية التي "تحرر" النساء من فوق وتنكر عليها الحق في الاستقلال السياسي وتنظيم أنفسهن، إلا أنهن مدينيات متعلمات من الطبقة الوسطى، لا يرين حال نساء الأرياف، ولا يرين ما يفعل الجيش في المناطق الكردية. وهو نقد يستعيد نقد النسوية السوداء في أميركا للنسويات البيض، على ما قالت أوزدن.
الحركة الثورية الثانية هي الحركة الكردية، وقد كانت ناشطة اجتماعيا وحقوقيا بقدر لا يقل عن نشاطها العسكري. واستطاعت أن تتحول إلى حركة عامة في تركيا، على ما يشهد صعود "حزب الشعوب الديمقراطي" في الانتخابات الأخيرة إلى البرلمان. هنا أيضاً خروج متكرر إلى الشارع، ليس في المناطق الكردية فقط، ولكن في المدن الكبرى كذلك، وفي اسطنبول بخاصة. هناك مستوى عال من النشاطية السياسية في الوسط الكردي التركي، في بلد يتمتع بواحد من أعلى مستويات التعبئة السياسية العامة في العالم. يشارك في الانتخابات دوما أكثر من 80% من الناخبين الممكنين، وفي الانتخابات البرلمانية الأخيرة شارك نحو 87% منهم. في الغرب تتدنى النسبة دائما عن 60%.
الحركة الثالثة هي حركات الشبيبة والطلاب الجامعيين، المشاركة بقوة في أنشطة احتجاجية متنوعة، بما في ذلك داخل الجامعات، احتجاجاً على المجلس الأعلى للتعليم الجامعي، وعلى الحكومة. في اسطنبول التي أعرف شيئا متواضعاً عن جامعاتها هناك نقاش سياسي متنوع، الجامعات غير معزولة عن المجتمع، بما في ذلك بقدر ما عن مجتمع اللاجئين السوريين الحديث الظهور.
أتكلم على حراك ثوري في كل الحالات لأنه راديكالي من حيث التطلعات والقيم، ولأن حضوره في الفضاءات العامة متواتر وشبه يومي، رغم أنه يتعرض أحيانا إلى قمع مشتط، وأكثر من ذلك لأن له أثرا ثوريا على البنية الاجتماعية في البلد. المجتمع يتغير بفعل هذه الأنشطة وتتطور نظم القيم ومواقف السكان، والثقافة، وهو ما يبدو أنه يحفز استعدادات أكبر للتحرر الاجتماعي والثقافي والحقوقي، في الوقت الذي تتسع صفوف هذه الحركات التمردية بفعل هذه الدينامية. على سبيل المثال، بعد مظاهرات منتزه غيزي في صيف 2013 انطلقت موجة من الأنشطة الفنية والثقافية والنسوية والطلابية، يبدو أنها تذكر بصورة ما بالموجة التي انطلقت في أوربا بعد تمردات الطلاب في عام 1968.
بالمقارنة، كانت مشكلة حركات الاعتراض في سورية أنها وجدت نفسها منذ ثمانينات القرن العشرين على الأقل معزولة عن البنية الاجتماعية بفعل الرقابة السياسية المشددة، فظلت راديكاليتها المحتملة غير ذات أثر عام، واتجه تركيزها بفعل التقييد السياسي إلى المسألة السياسية أساساً.
وبفعل هذه الديناميكية، تشمل النشاطية السياسية والانخراط في الشؤون العامة قطاعات المسلمين المتدينين والإسلاميين المتنوعين في تركيا، الذين ينافس نشاطهم القاعدي المجموعات الأخرى، إن لم يتفوق عليها. هناك أيضاً اتساع في مساحة انشغالات القطاعات الإسلامية والمحافظة، لتشمل أيضا قضايا المرأة وحقوق الإنسان، واعتراضها لا يتوجه إلى الجذر الكمالي للجمهورية التركية، بل كذلك إلى بطريركية القيادات الإسلامية ذاتها. وهذا الحرك أوسع من أن يختزل إلى حزب العدالة والتنمية، وغير قليل منه معارض للحزب وحكومته من مواقع أكثر ديمقراطية.
لكن يبدو أن هناك حدود بنيوية للحراك الثوري في تركية. أولهما أنه أقل انتشارا إلى الأرياف ويغلب عليه الطابع المديني (نحو ربع السكان يعيشون في الأرياف اليوم)، مع ذلك ظهرت في بضع السنوات الأخيرة حركات ومبادرات بيئية في الأرياف، وجرى تعطيل أكثر من مشروع حكومي لأسباب بيئية. وثانيهما إن الثورية التركية المعاصرة إن جاز التعبير هي ثورية الطبقة الوسطى، وبقدر أقل العمال، وأقل بكثير فقراء المدن والأرياف. وثالثها إن الحركات الثورية هذه تحفزها في معظمها الهوية، سواء النسوية منها أو الكردية أو الإسلامية، أو العلوية، ذات الحضور المميز في اليسار التقليدي التركي. ولحركات الهوية حدود معلومة، تتمثل في أن القيم التي تجاهر بها تتخلى عنها بيسر حين يخص الأمر جماعات أخرى، وقد تكرر حين تصير في موقع قوة التعديات ذاتها التي كانت تشكو منها وقت كانت في موقع ضعف.
هذه الانطباعات لا تقول "الحقيقة" عن تركيا أو عن جانب من جوانب الحياة فيها. إنها ملاحظات شخصية، لا تخلو من حسد لسوري يقيم في البلد منذ ما يقترب من عامين. متحسرا، يقارن هذا الوافد بلده بتركيا التي تحظى بداخل اجتماعي وسياسي واقتصادي وثقافي واسع، الفضل فيه بقدر كبير لهذه الحركات الثورية المتنوعة.
الأتراك لا يقارنون بلدهم بسورية.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الباراديغم السلفي الجهادي وهيمنته
- المشكلة في مفهوم -العلوية السياسية-؟
- بشار الأسد، الشخص والسلالة والطبقة
- 600 يوم على الجريمة المستمرة في دوما
- في الليل السياسي، حيث تتخلق الأشباح وتنتشر
- ما بعد انهيار الإطار الوطني للصراع السوري
- من الثورة إلى الحرب: الأرياف السورية تحمل السلاح
- تعريبان وتكريدان وما شابه
- تل أبيض وما بعدها
- تدمر كسياسة: عن المصنع السري للدولة الأسدية
- مقابلة/ سورية، مصر، الإسلام، الثورة والثورة الثقافية
- فلنسلّح المجرم: عن الأكاديميا الألمانية والقضية السورية
- الثائرون والسلطان: أدوار ونماذج، واستحالات
- بعد 48 عاما على 1967، و67 عاما على 1948
- تأسيس الإبادة
- من السيادة إلى ... السياسة أم الإبادة؟
- رزان زيتونة: قوة الرمز
- تحديق في وجه الفظيع: مساهمة في النقاش السوري حول الصور
- الثورة السورية ومصير التدين المقاتل
- ثلثا قرن على النكبة


المزيد.....




- بسرعة 152 ميلًا في الساعة.. ثنائي مغامر يقفزان من مروحية ويح ...
- -ألف حمساوي- في تركيا.. -زلة لسان- إردوغان وماذا وراءها؟
- ماذا يعني إعلان مصر التدخل رسمياً لدعم دعوى جنوب أفريقيا ضد ...
- شتائم واتهامات بين نواب المعارضة والحزب الحاكم في البرلمان ا ...
- وسط التغييرات في الكرملين.. القبض على مسؤول كبير آخر في وزار ...
- حزب الله يرد على -اعتداءات إسرائيل على المدنيين بصواريخ وأسل ...
- الصين تتعهد باتخاذ -جميع الإجراءات اللازمة- ردا على الرسوم ا ...
- القسام تعلن تنفيذ عملية مركبة ثانية في المساء ضد قوة إسرائيل ...
- الجيش الإسرائيلي: مقتل إسرائيلي وإصابة 5 جنود بإطلاق صواريخ ...
- زاخاروفا تصف الاتحاد الأوروبي بالمريض بـ-اضطراب القطب الثنائ ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - انطباعات سورية عن حركات ثورية في تركيا