أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - أدونيس: الظلاميُّ مُنوِّراً















المزيد.....

أدونيس: الظلاميُّ مُنوِّراً


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 4946 - 2015 / 10 / 5 - 15:01
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


بعد أن تبين أن السيد أدونيس لم يكن داعية سلام يوما في بلده، لم تسحب مدينة أوسنابروك جائزة السلام التي كانت تنوي منحها له، بل سحبت سبب منحه الجائزة، وأبدلته بغيره: دفاعه عن العلمانية وحقوق المرأة وتنوير المجتمعات العربية. والحال أنه لم يعرف عن الشاعر المعروف تحمس خاص أو انخراط في الكفاح من أجل حقوق النساء، وليس له سجل شخصي في النضال النسوي. والرجل ممثل للعلمانية التسلطية التي تتشكك في الممارسات الدينية- السياسية للمعارضين، وليس بحال لكيفية ممارسة السلطة العمومية ولهيكلة الحقل الديني في بلد مولده. ولم يكن في أي وقت قريبا من تفكير علماني تحرري، يكافح ضد التسلط الديني من أجل حرية أكبر وعدالة أكبر لعموم الناس، المؤمنين وغير المؤمنين. علمانية الشاعر تخاف من الجمهور العام، وليس من نظم الطغيان، وتعارض التسلط الإسلامي لأنه إسلامي، وليس لأنه تسلط، ولذلك صوته أخفت بما لا يقاس حيال التسلط الأسدي ونظائره.
لكن بدلا من ملاحقة ما يقول أدونيس وما لا يقول، أريد أن أتكلم على منهجه الذي أسارع إلى القول أنه منهج انطباعي، لا يطيق الانضباط بالوقائع ولا يهتم بالتفاصيل ولا يورد معلومات موثوقة، ولا يحيل إلى وثائق ومستندات معاصرة، ولا يناقش كتابات بعينها. منهج الرجل يتمحور حول تفسير الأوضاع الاجتماعية والسياسية الثقافية للعرب المعاصرين بثقافتهم، وبصورة خاصة بدين أكثريتهم، الإسلام. هياكل السلطة العمومية ونمط ممارستها إما معدومة الأهمية أو ثانويتها في أحسن حال. ولن نجد في عمله شيئا عن أوضاع السكان الاجتماعية والتعليمية والحقوقية، لا إشارات من أي نوع إلى الاقتصاد السياسي، لا شي عن علم الاجتماع السياسي، لا شيء أيضا عن السجون والتعذيب وأوضاع حقوق الإنسان. ولا يبدو أن الرجل مرّ يوما بطور من مساءلة الذات وتفحص الضمير والاستنارة الشخصية. كان على الدوام راضيا كل الرضا عما يرى، ومثابرا كل المثابرة على الشكوى من غيره.
وليس منهج السيد أدونيس اختيارا فكريا مجردا، وإنما هو مرتبط بموقع في الحقل السياسي والثقافي السوري والعربي، وجد نفسه دوما أقرب إلى نظم الطغيان "العلمانية" منها إلى أي من معارضيها، وفي سورية بخاصة. أدونيس ليس معارضا للإسلاميين وحدهم من معارضي النظام، بل هو معارض لأي معارضين للنظام، بمن فيهم ديمقراطيون علمانيون من أمثالنا، وله في ذلك نصوص تجمع بين العداء والجهل. وهو ينتقد استبدادا مجردا لا ملامح له وبلا انفعال، يشتقه كالعادة من تكوين المجتمعات الثقافي، لكن حين يتعلق الأمر بمعارضين للنظام الأسدي تحديدا تجده منفعلا ويراهم الوجه الآخر لهذا النظام بالذات.
واستنادا إلى منهجه الثقافوي استطاع أدونيس أن يرى أن المشكلة في سورية هي في "الرأس" وليس في "الكرسي"، أي في رؤوس السوريين وليس في كرسي بشار الأسد الذي استطاع الشاعر بأن يصفه بـ"الرئيس المنتخب"، فيما يشكل أهانة للحقيقة وإهانة للسوريين. بشار هو وريث أبيه الطاغية حافظ الذي قتل في جيل سابق عشرات ألوف السوريين، وبنى سلالة ضارية، تتحمل مسؤولية لا تدانيها مسؤولية عن مقتل نحو 300 ألف سوري، وعن خراب اجتماعي وسياسي واقتصادي هائل في البلد. خرج الشاعر بنظرية الرأس والكرسي في مطلع عام 2013، بعد أن كان السيد بشار قضى على ما كان يقترب من 50 ألف من السوريين، ولم يكد يكن له شريك في القتل وقتها.
وبفضل المنهج نفسه استطاع الرجل مؤخرا أن يتكلم باستخفاف على الشعب السوري الذي هجر ثلثه البلد. لا تستحق معلومات أدونيس الخاصة بثلث السوريين التعليق عليها: أكثر من 4 ملايين هجروا بلدهم مضطرين، وهم يشكلون ما يقترب من 20% من السوريين، أما مجموع من نزحوا من مواطنهم وبيوتهم فيبلغ أكثر من 11 مليونا، أي نحو نصف السكان. لكن حكمه الانتقاصي على السوريين جدير بقول كلمتين عنه: لم يخرج خمس السوريين من وطنهم لأنهم محبون للسياحة في الأرض أو بفعل كارثة طبيعية، بل لأن نظام "الرئيس المنتخب" يقصفهم بالبراميل المتفجرة والقنابل الفراغية، ويحاصر مناطقهم ويجوعهم، وقتل عشرات الألوف منهم تحت التعذيب، ثم لأن للرئيس المنتخب وحلفاءه شريك مجرم آخر، ناشط في القتل والتهجير، داعش.
ولا يحتاج إلى توضيح خاص أن منهج الرجل الثقافوي يضعه في موقع قريب من تيارات اليمين الغربي اليوم، وإيديولوجيي الكولونيالية بالأمس. والواقع أن هذا القرب من تيارات الفكر "الأبيض" في العالم الأول ليس منفصلا عن البرنامج الكامن في منهج أدونيس وفكره: "الحداثة"، باعتبارها سياسة تطوير عالم أول داخلي لا يشعر فيه أمثاله بالغربة. وهذا حداثة أشياء ومظاهر، وليست حداثة علاقات وحقوق وسياسة واجتماع. حرية عموم الناس، العدالة، الكرامة الإنسانية، ليس من مقتضيات العالم الأول الداخلي الذي يتعامل بمنطق فاشي مع تمردات عالمه الثالث الداخلي.
السيد أدونيس لم يكتب مقالة واحدة مخصصة حصرا لإدانة قاطعة للدولة الأسدية بعد أربعة أعوام ونصف من فتك هذه الدولة بعالمها الثالث، لم يكتب عن بيت مهدم، عن مجزرة، عن القتل تحت التعذيب، عن معتقلة أو مخطوفة غائبة، عن الاغتصاب في المقرات الأمنية. حتى أن الرجل لم يستطع أن يكتب شيئا واضحا عن ضحايا داعش لأنه لم يقل شيئا عن ضحايا الأسديين في أي وقت.
وحتى حين كتب قبل حين مقالة عن الطفل ألان الكردي الذي غرق مع أمه وشقيقه في المتوسط، بدا الأمر حدثا تعيسا، وليس واقعة سياسية، يمكن ويجب إدارجها ضمن سياق مواجهة فاشيي العالم الأول لتمرد العوام. نجح الشاعر في أسر نفسه في دائرة الانطباعية وتجهيل المسؤولية بلغة تهويمية ظلامية لا معنى محددا لها، إلى درجة أنه لم يعد يستطيع قول كلام محدد حتى حين يناسبه ذلك ويتوافق مع منهجه.
إنها لإهانة لمفهوم التنوير أن تعتبر ظلامية أدونيس التي تفسر كل شيء بالذهنيات "تنويرا للمجتمعات العربية"، وأخشى أن هذه العبارة أوثق صلة بمركزية أوربية معجبة بذاتها وبمن يعكسون صورتها، مما هي بفعل تنويري لتجهيلي محترف. ويبدو لي بالفعل أن الجائزة التي منحت للشاعر أوثق صلة بتفضيلات الجهة المانحة وإيديولوجيتها وانطباعاتها منها إلى أي شيء يخص دفاع الشاعر عن حقوق النساء أو عن العلمانية والتنوير، أو عن اللاجئين السوريين، أو عن البلد المنكوب. فهو لم يفعل.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بدون لغة مشتركة: تأملات عن المجتمع والعنف والكلام
- الظالمون العادلون: من سرديات المظلومية إلى مقاومة الظلم
- انطباعات سورية عن حركات ثورية في تركيا
- الباراديغم السلفي الجهادي وهيمنته
- المشكلة في مفهوم -العلوية السياسية-؟
- بشار الأسد، الشخص والسلالة والطبقة
- 600 يوم على الجريمة المستمرة في دوما
- في الليل السياسي، حيث تتخلق الأشباح وتنتشر
- ما بعد انهيار الإطار الوطني للصراع السوري
- من الثورة إلى الحرب: الأرياف السورية تحمل السلاح
- تعريبان وتكريدان وما شابه
- تل أبيض وما بعدها
- تدمر كسياسة: عن المصنع السري للدولة الأسدية
- مقابلة/ سورية، مصر، الإسلام، الثورة والثورة الثقافية
- فلنسلّح المجرم: عن الأكاديميا الألمانية والقضية السورية
- الثائرون والسلطان: أدوار ونماذج، واستحالات
- بعد 48 عاما على 1967، و67 عاما على 1948
- تأسيس الإبادة
- من السيادة إلى ... السياسة أم الإبادة؟
- رزان زيتونة: قوة الرمز


المزيد.....




- أندر إوز بالعالم وُجد بفناء منزل في كاليفورنيا.. كم عددها وك ...
- بعدما وضعتها تايلور سويفت في كوتشيلا.. شاهد الإقبال الكبير ع ...
- طائرتان كادتا تصطدمان في حادث وشيك أثناء الإقلاع.. شاهد رد ف ...
- بعد استخدامها -الفيتو-.. محمود عباس: سنعيد النظر في العلاقات ...
- لبنان.. القبض على رجل قتل زوجته وقطع جسدها بمنشار كهربائي ود ...
- هل ستجر إسرائيل الولايات المتحدة إلى حرب مدمرة في الشرق الأو ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن قتل 10 فلسطنيين في مخيم نور شمس شمالي ...
- الصين.. عودة كاسحتي الجليد إلى شنغهاي بعد انتهاء بعثة استكشا ...
- احباط عملية تهريب مخدرات بقيمة 8.5 مليون دولار متوجهة من إير ...
- -كتائب القسام- تعرض مشاهد من استهدافها جرافة عسكرية إسرائيلي ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - أدونيس: الظلاميُّ مُنوِّراً