أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد سليمان - في وصف العنصرية على الشاشة الصغيرة















المزيد.....

في وصف العنصرية على الشاشة الصغيرة


خالد سليمان

الحوار المتمدن-العدد: 1364 - 2005 / 10 / 31 - 10:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هناك بين جامعة بنسلفانيا الأمريكية في مقاطعة جورجيا وبين قناة راديو كندا التلفزيونية في مدينة مونتريال ، مساحات جغرافية شاسعة ، لكن نظرية علم الأحياء العنصري أو "الهندسة الذكية" بالأحرى تضعهما في دائرة واحدة . ذلك انهما اتفقتا ضمنياً ، على فتح سجال عنصري ضد " العالم الجديد " الذي طالما تباهى بتنوع ثقافي مُفترض يحتذى به في العالم .
تتحدث المؤسسات الكندية والأمريكية الأكاديمية والثقافية عن التنوع الثقافي والعمل الجاد ضد العنصرية أكثر من مثيلاتها المنتمية للعالم الجديد أيضاً وهي أستراليا ونيوزلنداوالمكسيك . هناك اسبوع ثقافي في مدينة مونتريال الكندية ضد العنصرية كل عام تحت شعار: ( نحن لم نأت من عالم عنصري ) . لكن الواقع هو دائماً شيء آخر ، فيه ما يناسب التباهي بالعرق والتفوق الثقافي والهندسة الذكية . هناك بالتالي نقاش على مستوى النخب حول العنصرية ، تتجاوز أبعاده المفاهيم القومية والسياسية وتصل إلى حدود علم البيولوجيا . وإذا بسجال كهذا الذي يستمر حول معدل الذكاء بين الطلاب في مدارس وجامعات جورجيا معتبراً " الهندسة الذكية " نظرية ثابتة مثلها مثل تكوين العالم خلال سبعة أيام منذ أكثر من ثلاثة أعوام ، يتحول في مونتريال إلى الشاشة الصغيرة وضمن برنامج شعبي يقدمه الممثل ومقدم البرنامج التلفزيوني المشهور " غي آلا باج " بعنوان (كلام الناس ) .
في إحدى حلقات البرنامج المذكور استضاف مقدمه ، الطبيب "البسيكياتر " الكيبيكي (بيير مايوو) المعروف بمعاداته العنصرية ضد السود والهنود .وسمح له غي آلا باج أمام الملايين من المشاهدين ان يعلن فلسفته العنصرية التي تقول
:( تثبت الدراسات العلمية تدني معدل الذكاء عند السود والهنود بالمقارنة مع الآخرين ). أدخلت هذه الفكرة التي وصفها الكاتب جان لاروز في مقال منشور في صحيفة لودفوار بـ " العيب " ،الأوساط الثقافية والاكاديمية والجاليوية في سجال عنيف إذ جاءت ردود الأفعال من جميع الشرائح الإجتماعية التي طالما خصها الموضوع بشكل مباشر . ففيما حاول الكتاب والصحفيون دحض أفكار البسيكياتر " مايوو " في العنصرية والدفاع عن مجتمع الثقافات المختلفة في كيبيك ، نشر كل من مقدم البرنامج ومدير قناة راديو كندا التلفزيونية بياناً مشتركاً دافعا فيه عن سياسة القناة . ذلك ان مثل هذه المواضيع برأيهما يجب ان تناقش عشرات المرات بدل مرة واحدة و أن لا يتردد البرنامج الذي يفتخران بشعبيته في طرحها في لحظة المشاهدة المفضلة . ولابد من الإشارة أن برنامج " كلام الناس " يستقطب الملايين من المشاهدين بسبب إستضافته الاسبوعية لنجوم التلفزيون والغناء والسينما والعلوم والآداب والصحافة والسياسة . وهذا ما دفع معد البرامج في القناة ذاتها " محمد لطفي " لإرسال رسالة إحتجاجية لمدير القناة يقول فيها : ان راديو كندا اختارت لحظة المشاهدة المفضلة لنشر أفكار عنصرية .
وقال " آلا باج " بأنه كان يعرف آراء البسيكياترالذي طالما اشتهر بآفكاره العنصرية من خلال محطة راديو محلية وقناة " تي كو إيس " التلفزيونية ، لكنه لم يوضح لماذا سمح له بإحتلال الشاشة الصغيرة وإعلان وعظه العلمي الذي أربك الصغار والشباب أكثر من الكبار .
كتبت الكاتبة الكيبيكية " ماري غودانس " في صحيفة لودوفوار أيضاً ودافعت عن السود من خلال بنتيها اللتين أربكتهما أفكار البسيكياتر وقالتا لأُمهما أثناء تأكيده على تدني معدل الذكاء بين السود والبيض :
( هذا ليس صحيحاً ، أُمي ما يقوله الدكتور مايوو ليس صحيحاً ) . ولو توقفنا عند هذا الإحتجاج العفوي لهاتين الصبيتينن اللتين أغضبتهما فكرة إهانة أصدقائهما ويومياتهما المدرسية ، نلاحظ ان إحتجاجهما يعبر عن جانب من الذكاء يجهله الدكتور مايوو وغيره في كلية الفنون والعلوم في جامعة مونتريال ، ذلك انهما تعيشان أيامهما في المدرسة مع السود والهنود والعرب والصينيين والمسلمين واليهود دون احساس بالفروقات التي أعلنها الطبيب المذكور أمامهما .
عودة إلى جذور السجال ، وآثاره بالطبع ، نرى ان له إمتداد تاريخي في الأوساط الجامعية والأكاديمية في كل من الولايات المتحدة وكندا. وقد كان أول من تناول أبعاده ونقد آلياته اللاإنسانية في الثقافة الغربية المفكر الأمريكي البارز " ستيفن روز " إذ كتب في ثمانينات القرن المنصرم كتاباً بعنوان " علم الأحياء والآيديولوجيا وطبيعة البشرية " . ربط فيه بين تحديد نسب الذكاء وفق المعايير البيولوجية وبين السياسة . ذلك ان نظرية " الهندسة الذكية " برأيه ، ما هي إلاّ وجه السياسة الخفي وخدمة مجانية لها بغية السيطرة على الجينالوجيا الإجتماعية للمجموعات البشرية ، وإلاّ ماذا يعني الإيمان بفروقات جينية بين معدلات ذكاء الإنسان الأسود والأبيض واعتبار " القصص الخلقية " من خلال سبعة ايام حقيقة ثابتة في اعلى هيئات التعليم وهي المؤسسة الجامعية .
فمثل هذه النظرية التي تتلقى دعم الحكومات ، وتفتح باب " الداروينية الإجتماعية " في مجتمع الثقافات المختلفة من جميع الجهات ، تعيد الإعتبار للعبودية السوداء في العالم ، وتحط من قيم جميع الثورات الإجتماعية والإصلاحات التي شهدها تاريخ البشرية . لأنها توسع " الهوة " الموجودة أساساً في الهيكلية الإجتماعية والثقافية للعالم الجديد . فإذا عدنا إلى الأحصائيات الرسمية التي تسجل الفروقات العنصرية في مجالات العمل داخل المجتمع الكندي مثلاً ، نستنتج بأن الغالبية العظمي من المهاجرين رغم تحصيلها الأكاديمي تحتل مواقع عمل تقع خارج دائرة تنافس الكفاءات .وهناك دراسات سوسيولوجية جديدة تؤكد ى وجود نظرية " ستيغماتيزم " ، في تحديد صورة المهاجر ووصمه ليس وفق مشاركته في مجتمعه الجديد ، وإنما وفق تفكير عنصري مسبق يرسم له الشكل الذي يناسبه ؛ أي وضعه في دائرة مغلقة تتجسد غالباً في مجالات عمل خدمية في المطاعم والمقاهي ، أو في المانيفاكتورات .
كانت رسالة الدكتور " بيير مايوو " في برنامج " كلام الناس " امام المشاهد الكندي إعلاناً فردياً عن تدني معدلات الذكاء بين أطفال السود والهنود وبين أطفال البيض ، لكنها تستند على مؤسسات علمية وأكاديمية وهي بالتالي إمتداد مباشر لذات السجال الذي يسود جامعة بنسلفانيا التي تبغي إثبات نظرية الهندسة الذكية كما يريد الانجيليون الجدد إثبات قصص الخلق في سبعة ايام . وإن رجعنا قليلاً إلى تاريخ كندا نفسها ، نرى ان هناك خلفية واضحة حول هذه المسألة التي تجسدت في القانون الكندي المتعلق بالهجرة
والمهاجرين . ففي خمسينات القرن المنصرم ، كان يفضل الكنديون "المهاجر الأبيض" . فلا غرابة إذاً من كلام ضيف برنامج كلام الناس وفي ساعة المشاهدة المفضلة حيث الويك- آند والتاسعة مساءاً طالما هناك رغبة تاريخية للبحث عن الإنسان الأبيض ، إذا أمكن.
لقد اكتفى الصحفيون والكتاب في ردودهم ونقدهم لآراء مايوو بمقولات مألوفة حول التنوع الثقافي ،ولم يشر أحد من المساجلين بالتالي إلى العنصرية كتاريخ " مركنتيلي " ، يقف وراء الجامعات والمؤسسات العلمية . ففي كلية الفنون والعلوم في جامعة مونتريال تُدرس نظريات الهندسة الذكية ويعتبرها الكثير من طلاب الجامعة ذاتها بأنها كلية عنصرية حيث انها من خلال أستاذ فيها إسمها " سيرج لاريفيه" دعمت الخلفية الثقافية التي استند إليها بيير مايوو . ولم يخف السيد " لاريفيه " رأيه حول حقيقة كلام ضيف البرنامج ، لكنه أخطأ برأيه في جوابه وفي شرحه للمسألة . ذلك ان معدل الذكاء كما يراه يختلف من شخص إلى آخر في مجالات العلوم .فبينما يبلغ عند شخص ما 110 في الرياضيات مثلاً ، فإن نسبة الذكاء لدى ذلك الشخص ذاته لا تتجاوز الـ " 50" في اللغات . بذلك تهرّب " لاريفيه " من الجواب الذي رسم فيه بورتريه رجل علمي وبراغماتي لذاته ، من سجال قد يشكل هو نفسه احد وجوهه الخفية ، يقف وراء الدكتور "مايوو" الذي قال ان الإثباتات العلمية التي اعتمدها لتحديد معدلات الذكاء عند الأطفال هي منهاج جامعة مونتريال وتُدرّس فيها .
في "كلام الناس " ، تمر السياسة والثقافة والعلوم والفنون من خلال ضحك توتاليتاري ،يصبح فيه الضيف الفنان أو " العالِم " أو السياسي طاغياً مُسَلطِناً على الضحك والويك – آند . وهكذا مرّ الطبيب ووصل لآلاف البيوت ليعلن فلسفته العنصرية ، لقد كان سلطاناً حقيقياً في إضحاك مقدمي البرنامج ومشاهديه ، ولا ننسى الزمن وهو ساعة المشاهدة المفضلة .



#خالد_سليمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الموت في سيارات طويلة بلا نوافذ
- عن المفكر الراحل هادي العلوي - بورتريه تختلف لرجل استعاد لذا ...
- القومية ...تقاسيم على ذاكرة مشتعلة
- ثقافتنا وجثث العراق
- تعليق كُردي على نقاش عربي - الفيدرالية توقظ العروبة من سباته ...
- لكن لماذا لا يكون - عراق جديد- في كُردستان
- الأخطاء ، عندما ترتكب باسم القومية
- صَهيَنَةُ الكُرد ...لماذا؟
- لماذا لا يصدّق المثقفون العرب ماساة الجارالكردي؟
- ليلة دفنوا الأكراد...إعترافات حفّار
- مقبرة الفوانيس لشيركو بيكه س : عندما تشترط المأساة على اللغة ...
- بورتريه خلفي لمدينة مونتريال...العالم الثالث الكندي الذي لاي ...
- فرهاد شاكلي :خرج من كردستان غاضباً من المؤتلف الشعري واسترد ...
- أي أدب يُصور الكارثة ...آسيا بطلاً جغرافياً لحزن مطلق
- التقليم المُراد في الثقافة - الاخوانية - ومبدأ تخوين الشيعة
- المثقف الكردي ... الموقف من الذات أولاً
- الهروب من الحرية
- الأنفال …مصيرالانسان في يوميات القتل البعثي وإحتفالات الكتما ...
- بورتريه تركي في حرب الكوة الصغيرة في العراق
- أدب كردي جديد يظهر في العراق


المزيد.....




- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...
- بلينكن يأمل بإحراز تقدم مع الصين وبكين تتحدث عن خلافات بين ا ...
- هاريس وكيم كارداشيان -تناقشان- إصلاح العدالة الجنائية
- ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟
- عراقيل إسرائيلية تؤخر انطلاق -أسطول الحرية- إلى غزة
- فرنسا تلوح بمعاقبة المستوطنين المتورطين في أعمال عنف بالضفة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد سليمان - في وصف العنصرية على الشاشة الصغيرة