أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - خالد سليمان - ثقافتنا وجثث العراق















المزيد.....

ثقافتنا وجثث العراق


خالد سليمان

الحوار المتمدن-العدد: 1329 - 2005 / 9 / 26 - 11:15
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


بعيداً عن جميع السجالات السياسية المتمثلة بدستور العراق الجديد ، وفيها ضمناً ، ما قولنا عن جثث تُكتَشف يومياً في أطراف المدن وفي دهاليزها . ما هي المبررات الأخلاقية التي ، يُجهل بموجبها موت يومي يؤسس لنفسه سيلان الإفناء ، وكأن " العراقي" أصبح قرباناً مستقدماً للنسيان . هل صرنا في عصر " الفرجة " أو الإستعراض المُستَولِد لظاهرة الألم ، وفيها، تقويم الأشياء بمقتضى المساواة بين القتلة والقتلى .
لقد صار بإمكان " كل غير وارد للإبتعاد عن السفسطة في شؤون هوية ولو قاتلة للبلاد " ، تشريح التاريخ ، لكن لا أحد يقترب من سؤال أو رغبة الضحايا بغدٍ أوفر كانوا يبغونه للتذكر والأحلام ، ولا أحد أيضاً ،يتصور ذاته شريكة في ألم هؤلاء الآباء والأُمهات والأطفال الذين فقدوا ذويهم ، أو فُقدوا أو أُفقدوا . انه زمن الإستخفاف بالذاكرة ورغبة الشراكة في الآلام . كل يوم تظهر جثث جديدة وتظهر عليها علامات التعذيب والرمي ، والأديادي مكتوفة دوماً ، والقتلة يتجولون بيننا كما كانوا على جسر الأئمة قبل مأساة إختفاء عابريها الألف .
أمام هذا المشهد اليومي لجثث مدن العراق وأطرافها ، هناك طاقة سجالية مكتفية بعناصرها الفعّالة بين المثقفين والسياسيين حول مستقبل العراق وهويته وإنتمائه . وإذ ترتقي الأفكار في نقاش ساخن كالدم القتلى إلى جميع المستويات الثقافية والسياسية وحتى الدينية ، تُترك الجثث في النسيان وتُعد من مخلفات الإحتلال .لم يتورع بعض من الكتاب العرب في نقاشاتهم اليومية حول العراق ، بأن القتلة هم ، اسطورة صنعتها وسائل الإعلام الأمريكية والصهيونية .وكأنهم يريدون بذلك ، رسم إحتمالات البلادة على خارطة نفوس الملايين وهم يشاهدون حواراً مشتعلاً حول مصير " الأمة " ، بينما خبر إنفجار سيارة مفخخة بين مجموعة من الأطفال في بغداد ، يُمرر في الشريط الأخباري في الأسفل .
في سياق مشهد كهذا إذ تتكون عناصره من طغاة كثر ويكرر يومياً، تبقى الضحية كائناً مجرّداً من " الأوجاع " ، لأنه أصبحت جزءً من حالة عامة مؤسِسة للفرجة .وإذا أمعنّا في تفاصيل هذه " الحالة الموتية " اليومية ومحاولات إستعراضها وفق منطق نسيان الأخ الكبير " الشاشة الصغيرة " ، نلاحظ بأن حياة القتلى كانت في دائرة النسيان أيضاً ، لم تكتشف إلاّ من خلال جثثهم الهامدة . ولا أحد يقترب تالياً من تخوم احلام هؤلاء الناس الذين أودت بهم العفوية ورغبة الحياة والكاميكاز إلى حفر ابدية .
تستحوذ رغبة سرد حكايات سجن أبو غريب على عقول غالبية الكتاب العرب ، لكن كل تلك الجثث التي تركتها إنفجارات مدن الحلة وأربيل وكركوك وكارثتي " الصغار البغادلة " وجسر الأئمة في بغداد ، ليس لها حكايات ، وكأن أصحابها كانوا مجرّدين من الذاكرة والحقوق . وإلاّ لماذا كل هذا التعتيم على تاريخ الإنفراد الدموي بهم ، ولاأقول التنكيل بهم ، لأنهم أُفقدوا حسب موت اقتضى على يد صناعه، الرعب والخطف القياسيين ؛ يعني غرسم في فعل التنكيل ذاته .
أن يصبح الموت شأناً يومياً للإنسان ، أو عملاً غير متوقع للعمال الذين كانوا ينتظرون في ساحة "الكاظمية " في بغداد دون تعريف ممكن للوحشية تلك في سجلات الحياة المُستَحقة ، هذا شيء مهين ومقزز . لكن تكمن الغرابة في سياق هذا الإنفلات الدموي في صمت المثقفين عما يتعرض له العراقيون من القتل والتنكيل اليوميين . يعتبر بعضهم إنما يجري من ( القتل الكاميكازي ) هو من صنع الأمريكان ، أما أبو مصعب الزرقاوي فهو اسطورة مؤسسة اقتضاها الإحتلال . ومفاد كل تلك الإعترافات والقصص والمقابلات والتحقيقات الصحفية عن الإنتحاريين بالنسبة للغالبيات الثقافية العربية ،هو إختلاق ، وفيه " التهمة " ضد المقاومة . في حوار بيني وبين ناشر سوري وهو قيادي شيوعي وعضو مجلس الشعب السوري سابقاً عن "المقاومة العراقية" سألته عن مغزى المقاومة وابعادها الثقافية والحضارية في حياة الشعوب. وكان سؤالي محدداً إذ تمحور عن مأساة مدينة " الحلة " التي تعرض أهلها لعملية إرهابية في الربيع الماضي ومات بسببها أكثر من 136 طفل وإمرأة امام مخبز عام في المدينة .بينما كنت أتهيئ نفسياً لسماع إدانة ولو أخلاقية منه للجريمة تلك ، قال محاوري الناشر الشيوعي : (في المقاومة كل شيء ممكن ولا يمكن أخذ الإعتبارات الأخلاقية، لأن ذلك يطيل عمر المحتل ) . لا أسرد أكثر من هذه الجملة كي لا تخونني الذاكرة وأنقل أشياء أُخرى من كلامه بشكل محرف، لكن الفكرة واضحة في هذه الجملة ولا تريد تفصيلاً وهي بالتالي ثيمة أساسية في تأسيس " الوعي المقاوم " عند غالبيات النخب العربية المثقفة .
قد لا نخطأ إن قلنا بأن جثث العراق وقبلها المقابر الجماعية وقصص الأنفالات والأهوارات والغازات السامة لم تؤثر على وجدان هذه الغالبية التي تنتج الكلمات والمفاهيم والعنف اللفظي ضد كل من يخالفها الرأي فحسب ، بل اعتبرتها في سياق الماضي ولا تشكل اية اهمية أمام واقع " الإحتلال " والخطر الذي تتعرض له عروبة العراق . بينما لا تنسى الغالبية ذاتها نهاية الوجود العربي في اسبانيا قبل مئات السنين . هذه الشيزوفرينية الثقافية التي تجيز نسيان اليوم الغارق في دم العمال والأطفال والنساء بغية استرداد مجد الأمس ، أو مستقبل يشبه ماضيها ، تعتبر هوية
" الكاميكاز " تاريخاً أو معبراً للوصول إليه "التاريخ .
نشر هذه الأيام خبر مفاده مهاجم انتحاري تم اعتقاله أمام مسجد شيعي قبل ان يتمكن من تفجير نفسه، وتبين فيما بعد من خلال التحقيقات أنه أجبِر على القيام بتلك المهمة بعد أن اختطِف وضرِب وأعطي مخدرا على يد المتمردين وكان المهاجم الذي يسمى محمد على سعودي الجنسية وتمكن من الهرب بعد ان فجر واحد آخر نفسه وتسبب بقتل 12 مصلياً. زاد بذلك عدد الجثث واستفاضت معه لغة إنتقائية تُشرَّح الخبر وفق عنف آيديولوجي قد يستوفي الكراهية . وإلاّ لماذا المصلين، هم قتلى بينما الإنتحاريون شهداءاً .
أية ثقافة ننتجها في آدابنا ومقالاتنا وشهاداتنا عن خوف يلف كل ما يحتاجه المرء من مستلزمات حياته اليومية .الخروج من المنزل بقصد العثور على عمل ما ، أي عمل إلاّ " الموت " أو التسوق في أسواق المعروفة بالخضار ، إيصال الصغار إلى المدارس والحضانات ، التوجه إلى مقهى ما أو العودة من العمل ، التخلص من ضيق الشوارع والأرصفة والعودة إلى الغرف التي ، قد تسترد شيء من الطمأنينة إلى الذات المقهورة ، كل هذه الأشياء الحيوية في يوميات القتلى قبل تجريدهم من حياة مفترضة لهم ، لم تعد لها قيمة أمام العنف اليومي الذي لا تنفلت منه حياة الأبرياء . لقد أصبحنا جزءاً من بوصلة ثقافة ترشدنا إلى العروض الرومانية القديمة حيث الموت والدم والضحك ، وتكتشف فينا المساوات بين القتلة والقتلى ، ذلك اننا فقدنا الأحساس بالألم كما افتقد له قبلاً الجمهور الروماني !



#خالد_سليمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعليق كُردي على نقاش عربي - الفيدرالية توقظ العروبة من سباته ...
- لكن لماذا لا يكون - عراق جديد- في كُردستان
- الأخطاء ، عندما ترتكب باسم القومية
- صَهيَنَةُ الكُرد ...لماذا؟
- لماذا لا يصدّق المثقفون العرب ماساة الجارالكردي؟
- ليلة دفنوا الأكراد...إعترافات حفّار
- مقبرة الفوانيس لشيركو بيكه س : عندما تشترط المأساة على اللغة ...
- بورتريه خلفي لمدينة مونتريال...العالم الثالث الكندي الذي لاي ...
- فرهاد شاكلي :خرج من كردستان غاضباً من المؤتلف الشعري واسترد ...
- أي أدب يُصور الكارثة ...آسيا بطلاً جغرافياً لحزن مطلق
- التقليم المُراد في الثقافة - الاخوانية - ومبدأ تخوين الشيعة
- المثقف الكردي ... الموقف من الذات أولاً
- الهروب من الحرية
- الأنفال …مصيرالانسان في يوميات القتل البعثي وإحتفالات الكتما ...
- بورتريه تركي في حرب الكوة الصغيرة في العراق
- أدب كردي جديد يظهر في العراق


المزيد.....




- وزير الدفاع الأميركي يجري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الـ -سي آي إيه-: -داعش- الجهة الوحيدة المسؤولة عن هجوم ...
- البابا تواضروس الثاني يحذر من مخاطر زواج الأقارب ويتحدث عن إ ...
- كوليبا: لا توجد لدينا خطة بديلة في حال غياب المساعدات الأمري ...
- بعد الفيتو الأمريكي.. الجزائر تعلن أنها ستعود بقوة لطرح العض ...
- السلاح النووي الإيراني.. غموض ومخاوف تعود للواجهة بعد الهجوم ...
- وزير الدفاع الأميركي يحري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...
- دراسة ضخمة: جينات القوة قد تحمي من الأمراض والموت المبكر


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - خالد سليمان - ثقافتنا وجثث العراق