أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حامد الحمداني - نوري السعيد / الحلقة الثامنة و العشرون















المزيد.....


نوري السعيد / الحلقة الثامنة و العشرون


حامد الحمداني

الحوار المتمدن-العدد: 4977 - 2015 / 11 / 6 - 17:34
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


نوري السعيد رجل المهمات البريطانية الكبرى
الحلقة الثامنة والعشرون
مواصلة التآمر على سوريا
حامد الحمداني 6/11/2015

استغلت الإمبريالية البريطانية والأمريكية الظروف التي سادت سوريا على أثر موجة الانقلابات اكبر استغلال، نظراً لأهمية موقع سوريا الجغرافي بالنسبة لضمان أمن دولة إسرائيل، القاعدة المتقدمة للإمبريالية في قلب العالم العربي، فقد كان قيام نظام حكم وطني حقيقي في سوريا يشكل خطراً على إسرائيل.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى كانت الولايات المتحدة تسعى جاهدة لإزاحة النفوذ البريطاني في منطقة الشرق الأوسط والاستئثار بها لوحدها، نظراً لما تشكله هذه المنطقة من أهمية بالنسبة للاستراتيجية الأمريكية، حيث يوجد اكبر خزان للنفط في العالم فيما كانت الإمبريالية البريطانية تسعى جاهدة لإحكام سيطرتها على المنطقة، فقد سعت إلى قلب الحكومة السورية، وإقامة مشروع [الهلال الخصيب] بزعامة العرش الهاشمي، وتحت هيمنتها، وقد لعب نوري السعيد دوراً كبيراً في تنفيذ المخطط البريطاني.

لكن الإمبريالية الأمريكية كانت أسرع في تحركها، حيث دبرت انقلاب [حسني الزعيم ] رئيس الأركان السوري في 30 آذار 1949، واستطاع حسني الزعيم السيطرة على الأوضاع في سوريا دون أن يلقى انقلابه أية مقاومة تذكر، مستغلاً عواطف الجماهير السورية الناقمة على الحكومة السابقة بسبب دورها في نكبة فلسطين، وطبيعي أن يستغل حسني الزعيم تلك النكبة ليظهر نفسه بمظهر الوطني الحريص على قضية فلسطين، لكن الحقيقة لا يعدو أن يكون انقلاباً أمريكياً، حيث يقول الكاتب الأمريكي [كوبلاند] في كتابه لعبة الأمم ما يلي :
{ وكان انقلاب حسني الزعيم من إعدادنا وتخطيطنا، فقد قام فريق العمل السياسي بإدارة الميجر[ ميد ] بإنشاء علاقات منتظمة مع[ حسني الزعيم]،الذي كان يشغل منصب رئيس أركان الجيش السوري، ومن خلال هذه الصداقة أوحى الميجر ميد لحسني الزعيم بفكرة الانقلاب العسكري، حيث اضطلعنا نحن في السفارة بمهمة وضع كل خطته، وتثبيت كافة التفصيلات المعقدة }. (20)

وقد أفتضح أمر الانقلاب الأمريكي عندما نشر وزير الخارجية في حكومة حسني الزعيم [الأمير عادل أرسلان ] مقالاً في صحيفة الحياة اللبنانية في 26 أب 1949 فضح فيه اتصالات حسني الزعيم مع حكام إسرائيل، ولقاءاته مع [موشي شاريت] وزير الخارجية الإسرائيلي في القنيطرة بهدف إجراء الصلح مع إسرائيل، لكن الزمن لم يسعفه في مسعاه بعد أن تم إسقاط حكمه ومقتله.
أحدث انقلاب حسني الزعيم قلقاً عميقاً لدى الدوائر البريطانية والعرش الهاشمي في العراق، فأسرع نوري السعيد إلى دمشق يستكشف طبيعة الانقلاب، واختلى السعيد بحسني الزعيم، ونصحه بالعودة إلى واجباته العسكرية، وترك الأمور السياسية، وكان نوري السعيد أثناء زيارته لدمشق يلبس بزة عسكرية برتبة كبيرة في محاولة للتأثير عليه. (21)
لكن بريطانيا لم تستسلم لما حدث في سوريا، ونشطت أجهزة مخابراتها في العمل لتدبير انقلاب عسكري معاكس. ونجحت الجهود البريطانية بإحداث انقلاب جديد بقيادة اللواء[سامي الحناوي] في 14 آب 1949، وقبل أن يمض على انقلاب حسني الزعيم ستة اشهر، وكان واضحا أن الانقلاب الجديد كان بإخراج بريطاني. وقد تم لسامي الحناوي السيطرة على البلاد، وجرى إعدام حسني الزعيم، ورئيس وزرائه[محسن البرازي] بعد محاكمة لم تدم سوى ساعتين، مما أثار غضب الإمبرياليين الأمريكيين. (22)

لم يخفِ العرش الهاشمي، ونوري السعيد فرحهما وسرورهما لنجاح انقلاب[سامي الحناوي]،وسارع سامي الحناوي إلى بغداد، وبصحبته الملحق العسكري العراقي [ عبد المطلب الأمين ]، واجتمع مع نوري السعيد وعبد الإله، ثم عاد في نفس اليوم إلى دمشق.
ولم تلبث حكومة بغداد أن أرسلت رئيس الديوان الملكي [احمد مختار بابان ] إلى دمشق لمناقشة موضوع إقامة اتحاد بين العراق وسوريا، لكن المشروع لم يكتب له النجاح، فقد أفلح الأمريكيون في إحداث انقلاب جديد في سوريا بقيادة العقيد [أديب الشيشكلي] في 19 كانون الأول، بالتعاون مع[فوزي سلو] و[ أكرم الحوراني ]، وتم اعتقال سامي الحناوي.
لكن أديب الشيشكلي لم يستلم الحكم بصورة رسمية، بل حكم من وراء الستار، وأعاد الحكم المدني للواجهة حتى تشرين الثاني من عام 1951، حيث قام بانقلابه الثاني، وأقال الحكومة المدنية، وأعلن نفسه دكتاتوراً للبلاد. وبقي الشيشكلي في الحكم حتى شباط 1954،عندما أسقطه انقلاب جديد بقيادة [فيصل الأناسي] بمساعدة[غسان جديد]،حيث تحرك الجيش تدعمه الأحزاب السياسية التي ضاقت الأمرين على أيدي الدكتاتور الشيشكلي، وفرض الانقلابيون على أديب الشيشكلي وحكومته الاستقالة، وتم إعادة النظام البرلماني إلى سوريا من جديد، لكن مسلسل الانقلابات في سوريا لم ينته، وتعرضت سوريا من جديد لمحاولات نوري السعيد التآمر عليها ومحاولة ضمها إلى العراق، أو تنصيب [عبد الإله] ملكاً عليها. (23)
فلم يكد الشعب السوري يتخلص من النظام الدكتاتوري العسكري، وقيام المؤسسات الديمقراطية، وإطلاق الحريات العامة، حتى بدأ الضغط الإمبريالي يتصاعد على سوريا، وخاصة بعد أن أقدمت الحكومة السورية على شراء الأسلحة من دول المعسكر الاشتراكي، بعد أن يأست من إمكانية الحصول عليها من الدول الغربية، في الوقت الذي كانت تلك الدول تغدق شتى أنواع الأسلحة، وأحدثها على إسرائيل، عدوة العرب، مما شكل خطورة كبرى على مستقبل سوريا، ودفعها للبحث عن مصادر أخرى للسلاح للدفاع عن نفسها ضد التهديدات الإسرائيلية، وحلف بغداد.

لقد طار صواب الإمبرياليين للتوجه الجديد لمصر وسوريا نحو الشرق، واعتبرت ذلك العمل تغلغلاً سوفيتياً في منطقة الشرق الأوسط، وتهديداً للمصالح الغربية، وبدأت اللقاءات والاجتماعات للدول السائرة بركاب الإمبريالية في المنطقة من أعضاء حلف بغداد تتوالى مع بعض أقطاب الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا للتصدي للتوجهات السورية، ومحاولة الاعتداء عليها بحجة وجود الخطر الشيوعي، واحتمالات سيطرة الشيوعيين على الحكم في سوريا.

فقد سارعت الولايات المتحدة إلى إرسال مساعد نائب وزير الخارجية الأمريكي [ لوي هندسن ] إلى اسطنبول حيث التقى بالملك[ فيصل الثاني] وولي عهده [ عبد الإله ] و [نوري السعيد ] و[ أحمد مختار بابان ] ورئيس أركان الجيش [ وفيق عارف ]. كما حضر عن الجانب التركي رئيس الجمهورية [جلال بايار]، ورئيس الوزراء [عدنان مندرس ] ووزير الخارجية [ فؤاد كبرلو ]، وجرى نقاش مطول حول الوضع في سوريا، وضرورة التصدي للخطر الشيوعي المزعوم، وجاء في محضر الاجتماع المذكور كما ذكر الدكتور فاضل الجمالي ما يلي:
{ قال هندسن: إن أمريكا راغبة لإعطاء الفرصة لعمل يقوم به العراق والأردن، وبإسناد من قبل تركيا، لقد تكلمت مع الرئيس[ايزنهاور] ووزير الخارجية [ جون فوستر دلس]، وهما يعتبران الموقف خطيراً جداً، والولايات المتحدة مستعدة لإسناد أي مداخلة من العراق والأردن، واتخاذ كل الوسائل لمنع مداخلة الاتحاد السوفيتي ومصر، وراغبة بإعادة حرمتها في المنطقة، وستسند الموقف في الأمم المتحدة }.(24)

أما وزير الدفاع العراقي أحمد مختار بابان، فقد أعترف أمام المحكمة العسكرية العليا الخاصة أن عبد الإله كان متحمساً للتدخل في سوريا عسكريا، وأضاف احمد مختار بابان يقول: عند عودتي إلى بغداد بصحبة عبد الإله، ورفيق عارف، رئيس أركان الجيش استدعاني عبد الإله في اليوم التالي، وتحدث معي عن الأوضاع في سوريا قائلأ :{ أن الوضع قد أصبح في غاية الخطورة، وان هناك أربعة حلول لمعالجة الوضع وهي بالتحديد ما يلي :
1ـ تنحية بعض الأشخاص عن السلطة في سوريا.
2 ـ إيجاد ثورة داخلية فيه للقضاء على أولئك الأشخاص.
3 ـ إيقاد ثورة بواسطة العشائر على الحدود.
4 ـ تدخل عسكري،بعد التمهيد له}. (25)
وقد ذكر أحمد مختار بابان أمام المحكمة العسكرية العليا الخاصة بأن [علي ممتاز الدفتري] وزير المالية، ووزير الخارجية بالوكالة، قد أجتمع في لندن في أيلول 1957 مع عدد من المسؤولين البريطانيين بالإضافة إلى نوري السعيد، وفهم منهم أن الوضع قد أصبح خطيراً في سوريا، وأن الولايات المتحدة على وشك أن تتخذ قرارات خطيرة في الشرق الأوسط. وفي يوم 10 أيلول 1957 زارني السفير الأمريكي في ديوان وزارة الخارجية بحضور [أمين المميز] واستعرض الوضع في سوريا، وبين أن الحكومة الأمريكية تعتقد أن الوضع في سوريا خطير ويدعو للقلق، وتقتضي المصلحة عملاً سريعاً. وفي 13 أيلول 1957 طلب السفير الأمريكي مقابلتي بالتلفون فوراً، قائلاً إنه تلقى معلومات من حكومته تشير إلى ما يلي: (26)

1ـ إن الوضع في سوريا قد تردى كثيراً،بسبب تغلغل الشيوعيين هناك.
2 ـ إذا وقع أي عدوان من سوريا على أي بلد عربي، وطلبت حكومة ذلك البلد مساعدة ما فإن الحكومة الأمريكية تعاونها بالمال والسلاح.
3ـ إذا تصدت سوريا لقطع أنابيب النفط على أراضيها فإن الحكومة الأمريكية ستساعد العراق بصورة مؤقتة.
4ـ الأسطول السادس الأمريكي في البحر المتوسط على أتم الاستعداد للمساعدة.
5ـ إذا وقع تعدي من سوريا بمساعدة السوفيت، فالحكومة الأمريكية تعاون بالمال والسلاح.
6ـ إذا جرت محاولة للقيام بأي عمل داخل سوريا فإن أمريكا تساعد أيضاً.
7ـ إن هذه الإجراءات لإعادة الحالة الطبيعية لسوريا وليس للمس باستقلالها، وأراضيها.
8 ـ الأتراك يشعرون أيضاً بتردي الحالة.
9 ـ لقد جرى الاتصال بإسرائيل، وطلب منها عدم التدخل منعاً للإحراج.
10 ـ إن هذه المعلومات قد أُبلغت للأتراك والبريطانيين] .

ولم تكتفِ الولايات المتحدة بالعمل من وراء الستار لقلب الأوضاع في سوريا، بل كانت تتحدث على المكشوف، فقد أصدر وزير الخارجية [جون فوستر دلس ] البيان التالي:
بتاريخ 7 أيلول 1957،جرى اجتماع بين [ لوي هندرسن ] و[وليم رونتري ] وبيني وبين الرئيس [ ايزنهاور]، وعرض المستر[ هندرسن] عرضاً وافياً، وتبادل وجهات النظر حول المباحثات التي أجراها في الشرق الأوسط مع موظفين كبار المسؤولين من تركيا والعراق والأردن ولبنان، وقد بين هندرسن بأنه وجد في الشرق الأوسط اهتماماً بالغاً لازدياد التسلط لسوفيتي الواضح في سوريا، وتكدس أسلحة الكتلة الشيوعية فيها، ذلك التكدس الذي لا تبرره أي مقتضيات دفاعية صرفة، وهناك وضع خاص بسبب حوادث الحدود التي تألفت حديثاً في الدول العربية المجاورة لسوريا.
لقد أولى الرئيس [ايزنهاور] تقرير هندرسن، وكذلك التقارير الواردة لوزارة الخارجية الأمريكية من سفراء الولايات المتحدة في المنطقة تمعناً دقيقاً، وقد قدر الرئيس ايزنهاور الوضع على ضوء ميثاق الأمم المتحدة، الذي ينكر على سوريا حق استخدام القوة، إلا لغرض الدفاع عن النفس. وقد استعاد الرئيس برسالته الموجهة إلى مجلس الكونجرس بتاريخ 5 كانون الثاني 1957، والتي يطلب فيها تخويله الصلاحية لمساعدة شعوب المنطقة للذود عن استقلالها]. (27)

يستفاد من كل ما سبق، أن الولايات المتحدة وحلفائها الإمبرياليين كانوا قد عقدوا العزم على إسقاط النظام الديمقراطي في سوريا، وإخضاعها لمشيئتهم بكل الوسائل والسبل، وقد استهوت هذه الأفكار ولي العهد العراقي عبد الإله، الذي كان يطمح بعرش له على سوريا، ولذلك نراه كان أكثر اندفاعاً في محاولة الاعتداء على سوريا.
لقد أثبت المحاكمات التي جرت لرجال الحكم الملكي انخراط نوري السعيد وعبد الإله في عملية التآمر على سوريا، والأسلحة التي تم نقلها إلى القوى المتعاونة معهم، والمبالغ الكبيرة التي كانت ترسل للسياسيين المعارضين للنظام الديمقراطي في سوريا، والعديد من رؤساء العشائر عن طريق الملحق العسكري في لبنان، حيث كانت لبنان مركز تجمع المعارضين في سوريا.

لقد اعترف اللواء الركن [ غازي الدغستاني ] معاون رئيس أركان الجيش في شهادته أمام محكمة الشعب بأنه قد حضر مؤتمراً في البلاط الملكي حضره كل من [ فيصل الثاني] و [عبد الإله ] و[ نوري السعيد ] ورئيس أركان الجيش [ رفيق عارف] و[ أحمد مختار بابان] و[ برهان الدين باش أعيان ] و[ عبد الله بكر] رئيس الديوان الملكي، وقد تقرر في المؤتمر تخصص الأموال المطلوب إيصالها إلى المعارضة السورية عن طريق الملحق العسكري في لبنان.

أما ما يخص السلاح فكان قد طلب المعارضون السوريون ما يزيد على عشرين ألف قطعة سلاح، ولما تعذر تأمين ذلك من أسلحة الجيش، فقد قرر[ نوري السعيد ] شراء كمية من الأسلحة من إيطاليا، وقد تمت الصفقة بالفعل عن طريق المفوضية العراقية في روما، وأكملت المعاملة من قبل ضابط تم إيفاده لهذا الغرض هو الرئيس الأول [ صالح مهدي عماش]، وقد تم شحن السلاح إلى العراق أولاً، ومن ثم تم شحنها إلى بيروت، وقد أكد الداغستاني سفره إلى بيروت والتقائه ب[ أديب الشيشكلي ]، وتقديم الأموال المرسلة له من قبل الحكومة.
كما طلب نوري السعيد من الأمريكان تجهيز كميات أخرى من الأسلحة والبنادق، وقد جرى تكديس أسلحة لفرقة كاملة في قاعدة [ ج3 ]كما أكد الداغستاني أن الاتصالات كانت تجري من قبل الأمريكان والبريطانيين مع عبد الإله ونوري السعيد. (28)

أما الزعيم [ أحمد مرعي ] رئيس المخابرات العسكرية فقد ذكر في شهادته أن اتصالات الحكومة بالأمريكان والبريطانيين كانت تجري تحت أسماء مستعارة، فكان يرمز للأمريكان بـ [الرصافة] وللإنكليز بـ [الكرخ] . كما أكد أن الحكومة كانت قد استخدمت عشائر شمر على الجانبين العراقي والسوري، وجرى تسليحها لدعم الانقلابيين السوريين.
كما أكد أنه كان يتلقى الأوامر من رئيس أركان الجيش بإيصال الأسلحة إلى الملحق العسكري في بيروت بعلم عبد الإله. (29)

أما رئيس أركان الجيش [ رفيق عارف ] فقد ذكر في دفاعه أنه كان يحاول دائماً التخفيف من اندفاع [ نوري السعيد ] و[عبد الإله] نحو العمل العسكري ضد سوريا، ودعم الانقلابيين السوريين لقلب نظام الحكم في سوريا، وضمها إلى العراق، وكان نوري السعيد من أكثر المتحمسين لاستخدام الجيش العراقي لتحقيق ذلك الهدف، وأن عبد الإله والملك فيصل ونوري السعيد كانوا قد تعمقوا إلى درجة كبيرة في اتصالاتهم بسياسيي سوريا وضباطها من الانقلابيين.

كما ذكر في دفاعه أنه كان قد اجتمع في إحدى المرات مع السياسي السوري [معروف الدواليبي ] في بغداد، وأن الدواليبي ألح على دخول الجيش العراقي إلى سوريا لتنفيذ الانقلاب ضد نظام الحكم الديمقراطي في سوريا، وأدعى أنه كان قد حذر من مغبة زج الجيش العراقي في عملية التآمر على سوريا محذراً من الصدام بين الجيشين العراقي والسوري، وأن عبد الإله قد انزعج من آرائه تلك. (30)

لقد كانت حكومة نوري السعيد قد اتخذت قرارها بإرسال اللواءين التاسع عشر والعشرين صبيحة الرابع عشر من تموز 1958 إلى الأردن بغية الاعتداء على سوريا، ولم يدرْ في خلد نوري السعيد وعبد الإله أن هذين اللواءين سينفذان ثورة 14 تموز في ذلك اليوم، وينهيان النظام الملكي نفسه، ونهاية حياة نوري السعيد وعبد الإله كذلك.

وبسبب اشتداد الضغوط على سوريا أكثر فأكثر، حتى وصل الأمر إلى اغتيال رئيس أركان الجيش اللواء[عفيف البزري]، مما سبب قلقاً بالغاً لدى سوريا التي رفضت بإصرار السير في ركاب المخططات الإمبريالية، وبدأ قادة سوريا يفكرون في الوسائل والسبل الكفيلة بإفشال تلك المخططات، والحيلولة دون وقوع البلاد تحت السيطرة الإمبريالية، وكان من بين الأفكار التي طرحت للبحث هو إعلان الوحدة الكاملة والفورية مع مصر، وهذا ما جرى فعلاً في 4 شباط 1958.
لكنها كانت وحدة مستعجلة لم تجرٍ بأسلوب ديمقراطي، ولم تحافظ على المكتسبات الديمقراطية التي كان الشعب السوري يتمتع بها، بل على العكس جرى تصفية كل مظاهر الديمقراطية، مما أدى إلى فشلها وانفراطها عام 1961.

دعم نظام شمعون في تصديه لثورة الشعب اللبناني:
كانت الأوضاع السياسية والاجتماعية في لبنان قد بلغت غاية في التعقيد على عهد رئيس الجمهورية [ كميل شمعون ] المعروف بولائه للغرب، فقد وقف شمعون موقفاً معادياً من حركة التحرر العربي، مما أثار مشاعر الشعب اللبناني الذي كان يعاني بدوره من الحكم الطائفي البغيض، ومن البؤس والفاقة لأغلبية الشعب، وبشكل خاص سكان الجنوب.
وعندما وقع العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وقف كميل شمعون موقف المؤيد للإمبرياليين، وموقف التشفي من الرئيس عبد الناصر، مما أثار غضب واستنكار الشعب اللبناني.
وفي تلك الأيام حاول كميل شمعون تعديل الدستور اللبناني بغية تجديد مدة رئاسته، فكانت تلك المحاولة الشرارة التي أشعلت نار الثورة ضد حكم شمعون وبطانته، وامتدت رياح الثورة لتشمل كل أنحاء لبنان، واتهمت حكومة شمعون القيادة المصرية بالتدخل في شؤون لبنان، وتوترت العلاقة بين البلدين، بينما وقف العراق ـ بقيادة نوري السعيد ـ موقف المؤيد لكميل شمعون، وقدم له المساعدات العسكرية المختلفة، وزيادة على ذلك قرر نوري السعيد إرسال قوات عراقية،إلى الأردن، في محاولة للاعتداء على سوريا، والتقدم نحو لبنان لدعم حكم شمعون حيث دأب النظام العراقي على التآمر على سوريا في محاولة لضمها إلى العرش الهاشمي بإسناد من الإمبريالية.

لقد عمل الشعب اللبناني بكل قوة للإطاحة بالرئيس شمعون، رغم كل الجهود التي بذلتها الإمبريالية لدعمه، فكانت انتفاضة الشعب اللبناني ثورة عارمة، ولم يستطع شمعون الصمود أمامها. كان موقف نوري السعيد الداعم للرئيس شمعون مثار غضب واستنكار شعبي واسع، وشكل ذلك الموقف دفعاً لجبهة الاتحاد الوطني، وتنظيمات الضباط الأحرار، للعمل على الإطاحة بالنظام الملكي بالعراق، وتحريره من الهيمنة الإمبريالية، وعودته إلى ركاب حركة التحرر العربي الدافقة.

واستمرت ثورة الشعب اللبناني بالتصاعد، واستمر التدخل العراقي والإمبريالي الأمريكي والبريطاني، واستمرت الأسلحة تنهال على حكومة شمعون، مما أطال في مأساة الشعب اللبناني الذي دفع الآلاف من أبنائه حياتهم دفاعاً عن حرية لبنان، ومن أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين أبناء الشعب، حتى وقوع ثورة الرابع عشر من تموز 1958، وسقوط النظام الملكي في العراق، وعلى الفور أنزلت الولايات الأمريكية قواتها في لبنان بعد أن يأس نظام شمعون من إمكانية الصمود أمام الثورة الشعبية. وبغية تهدئة الأوضاع في البلاد أزيح كميل شمعون من الحكم، وتم انتخاب قائد الجيش [ فؤاد شهاب ] رئيساً للجمهورية، وعاد السلام إلى لبنان، ولكن إلى حين .



#حامد_الحمداني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نوري السعيد / الحلقة السابعة والعشرون
- نوري السعيد / الحلقة السادسة والعشرين
- نوري السعيد / الحلقة الخامسة والعشرون
- نوري السعيد / الحلقة الرابعة والعشرون
- نوري السعيد / الحلقة الثالثة والعشرون
- نوري السعيد / الحلقة الثانية والعشرون
- نوري السعيد / الحلقة العشرون
- نوري السعيد / الحلقة التاسعة عشرة
- هذا ما يناضل من أجله الشعب العراقي المنتفض
- نوري السعيد/ الحلقة الثامنة عشرة
- نوري السعيد / الحلقة السابعة عشرة
- نوري السعيد / الحلقة السادسة عشرة
- نوري السعيد / الحلقة الخامسة عشرة
- نوري السعيد / الحلقة الرابعة عشرة
- نوري السعيد / الحلقة الثالثة عشرة
- نوري السعيد / الحلقة الثانية عشرة
- نوري السعيد / الحلقة الحادية عشرة
- نوري السعيد / الحلقة العاشرة
- نوري السعيد / الحلقة التاسعة
- هذا هو الطريق لإجراء الاصلاحات الجذرية في البلاد يا سيادة رئ ...


المزيد.....




- لاكروا: هكذا عززت الأنظمة العسكرية رقابتها على المعلومة في م ...
- توقيف مساعد لنائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصا ...
- برلين تحذر من مخاطر التجسس من قبل طلاب صينيين
- مجلس الوزراء الألماني يقر تعديل قانون الاستخبارات الخارجية
- أمريكا تنفي -ازدواجية المعايير- إزاء انتهاكات إسرائيلية مزعو ...
- وزير أوكراني يواجه تهمة الاحتيال في بلاده
- الصين ترفض الاتهامات الألمانية بالتجسس على البرلمان الأوروبي ...
- تحذيرات من استغلال المتحرشين للأطفال بتقنيات الذكاء الاصطناع ...
- -بلّغ محمد بن سلمان-.. الأمن السعودي يقبض على مقيم لمخالفته ...
- باتروشيف يلتقي رئيس جمهورية صرب البوسنة


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حامد الحمداني - نوري السعيد / الحلقة الثامنة و العشرون