أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حامد الحمداني - نوري السعيد / الحلقة الثالثة والعشرون















المزيد.....


نوري السعيد / الحلقة الثالثة والعشرون


حامد الحمداني

الحوار المتمدن-العدد: 4967 - 2015 / 10 / 26 - 21:49
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


نوري السعيد رجل المهمات البريطانية الكبرى
الحلقة الثالثة والعشرون
حامد الحمداني 26/10/2015
فيصل الثاني يبلغ سن الرشد، ويتوج ملكاً على العراق
في الثاني من أيار 1953، بلغ الملك فيصل الثاني سن الرشد، وتولى مهامه الدستورية ملكاً على العراق، وأقيمت في بغداد حفلة التتويج حيث اقسم اليمين القانونية، وأبدى الشعب العراقي سروراً بالغاً بانتهاء وصاية الأمير عبد الإله، لما كان يكنه له من كره، محملاً إياه كل ما حدث في العراق من مآسي وويلات، كما أنه كان وراء مقتل الملك غازي بالتعاون مع نوري السعيد، والإنكليز.

كان الشعب العراقي يتوق إلى التغيير، بعد تولي الملك فيصل الثاني مهامه الدستورية، لكن آماله خابت، وظهر فيما بعد أن الملك الشاب كان لا حول له ولا قوة، وكان ألعوبة في يد خاله عبد الإله، ونوري السعيد ، ومن ورائهم الإنكليز، وأصيب الشعب العراقي بخيبة أمل مريرة في إجراء أي إصلاح لأوضاع البلاد وأحوال الشعب.

وبمناسبة انتقال السلطة إلى الملك فيصل الثاني قدم السيد[جميل المدفعي]استقالة حكومته، حسب ما ينص الدستور، وقد كلفه الملك بإعادة تأليف الوزارة من جديد في 5 أيار 1953، وجاءت الوزارة الجديدة بنفس تشكيلاتها السابقة باستثناء إضافة وزيرين للدولة هما السيد[علي الشرقي] و[السيد نديم الباجه جي] الذي أصبح فيما بعد وزيراً للأعمار التي استُحدثت في 2حزيران 1953.

ورغم تسلم الملك فيصل الثاني سلطاته الدستورية فإن شيئاً لم يتغير، فقد بقيت حكومة المدفعي بتشكيلاتها السابقة، تضم أقطاب الزمرة الحاكمة بكل تاريخها المرتبط بخدمة المصالح الإمبريالية البريطانية، والتنكر لطموحات الشعب في الحرية والاستقلال، والحياة الحرة الكريمة. .
وبقيت الأحكام العرفية سيفاً مسلطاً على رقاب الشعب، وبقيت الصحافة الوطنية معطلة، والأحزاب الوطنية ملغاة رسمياً، ومحاربة فعلياً،على الرغم من إصرار تلك الأحزاب على عدم الاعتراف بحلها، لكن نشاطها اقتصر على تقديم المذكرات للملك والحكومة، فقد قدم الحزب الوطني الديمقراطي في 18 أيار 1953 مذكرة إلى الملك فيصل الثاني حول الأوضاع السائدة في البلاد، وضرورة أجراء الإصلاحات الضرورية، وإلغاء الأحكام العرفية، وإفساح المجال لحرية الأحزاب والصحافة، وانتهاج سياسة وطنية بعيداً عن الهيمنة الإمبريالية.

كما بعث حزب الاستقلال بمذكرة أخرى مشابهة استعرض فيها أوضاع البلاد المتدهورة جراء سياسة الحكومات المتعاقبة على سدة الحكم، مطالباً بالإصلاحات الضرورية، ومعالجة مشاكل الشعب المعيشية .

مذكرة الحزب الوطني الديمقراطي للملك فيصل الثاني:
حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم:
يا صاحب الجلالة: لابد أن جلالتكم قد اطلعتم على المذكرات التي تقدم بها حزبنا، وحزبا الاستقلال والجبهة الشعبية، بتاريخ 28 تشرين الأول 1952 إلى سمو ولي العهد المعظم،عندما كان يزاول الوصاية على العرش، إذ بلغ سوء الأوضاع في العراق غاية في التردي، وعمت الشكوى أوساط الشعب، وباءت كل دعوة للإصلاح بالفشل. .
وقد اتفقت الكلمة في تلك المذكرات على خطورة الوضع القائم في البلاد، وقد طالب كل حزب بما يجب القيام به من إصلاح شامل ليتمتع الشعب العراقي بحرياته الدستورية، وفي تعين سياسة العراق الخارجية على أسس وطنية، وتحديد موقفه من المشاريع الاستعمارية التي يراد فرضها على البلاد، بإعلان حياده تجاه التكتلات الدولية، واجتناب كل ارتباط له بالدول الاستعمارية، والمحافظة على سلامته، وتنظيم أحواله الاجتماعية والاقتصادية والماليةعلى أسس سليمة وقد كانت هذه المطالب ولا تزال تعبر عن ضرورة ملحة للشعب العراقي في تحقيق الإصلاح الذي ينشده، مما كان يستوجب المبادرة إلى تحقيقها .

غير أن الجو الذي تركه مؤتمر البلاط المنعقد في اليوم الثالث من تشرين الثاني 1952، لبحث ما جاء في تلك المذكرات، وعدم الاكتراث بتلك المطالب، والإصرار على استبقاء قانون الانتخاب السابق، وسوء تصرف الحكومة القائمة آنذاك في قضايا الطلاب، وما إلى ذلك من أمور تتعلق بتصرفات المسؤولين، كل ذلك أدى إلى وقوع حوادث دامية أسفرت عن استقالة حكومة السيد[مصطفى العمري]، وتسليم مقاليد الأمور إلى الجيش، وإعلان الأحكام العرفية، وإلغاء الأحزاب والصحف الحزبية، ومعظم الصحف الحرة، واعتقال عدد كبير من المواطنين، بما فيهم قادة الأحزاب والكثير من الصحفيين وأصحاب الرأي، دون سبب مبرر، وقد أضافت تلك الإجراءات الشاذة إلى حالة البلاد سوءاً على سوء، وخلقت جواً إرهابياً لا يستطيع معه الشعب التعبير عن إرادته في القضايا الداخلية والخارجية على السواء، ومن ضمنها الانتخابات العامة التي أجريت في ذلك الجو الإرهابي. .
إن الأحكام العرفية التي أعلنت فور تسليم مقاليد الأمور إلى الجيش قد اتُخذت وسيلة لإجراء تغير كبير في أسلوب الحكم، إذ أن تلك الأحكام قد ألغت نظام الحكم الديمقراطي المقرر للبلاد، وقلبته في الواقع إلى نظام دكتاتوري سافر. فالحياة الحزبية لا تزال معطلة، وحرية الصحافة لا تزال مفقودة، والحملة الإرهابية ضد المواطنين عامة، والمثقفين خاصة لا تزال مستمرة، ومن شأن ذلك كله كما تعلمون جلالتكم أن يزيد من استياء الشعب، ويعزز الاعتقاد بأن استمرار هذه الحالة الشاذة يضع جميع المواطنين في قلق دائم، ويجعل بإمكان السلطة انتهاك الحريات العامة والخاصة لكل مواطن لأعذار واهية لا تتصل بالمصلحة العامة.

لقد قدم الحزب الوطني الديمقراطي عدة مذكرات إلى فخامة السيد [جميل المدفعي]،منذ أن ألف وزارته السابقة، أثبت فيها خطأ تلك الإجراءات التي اتخذت ضد الأحزاب الوطنية، وصحافتها، والصحافة الحرة، من الوجهة الدستورية والقانونية، وطالب مراراً بإنهاء هذا الوضع الشاذ، وإعادة الأحزاب الملغاة، وفسح المجال لصحافتها والصحافة الحرة للقيام بواجباتها الوطنية في هذه الظروف الدقيقة التي يجتازها العالم، وبصفة خاصة العراق باعتباره جزء من البلاد العربية التي تجري المساومة على كيانها ومستقبلها من قبل المستعمرين، إلى جانب معالجة حالة البلاد السيئة التي تتطلب إبداء كل مواطن عراقي رأيه فيها، وقد وعدت الحكومة مراراً، سواء في جواب رئيسها إلى الأحزاب، أو في تصريحاته وتصريحات بعض المسؤولين في البرلمان والصحف بأنها سوف تنهي الإدارة العرفية حالما ترى زوال الأسباب التي دعت إلى إعلانها،غير أن الحكومة استبقت الإدارة العرفية من دون سبب مبرر، كما أنها لم تتخذ أي إجراء من شأنه أن يعيد إلى الأحزاب كيانها القانوني وحقوقها الدستورية.

كان المعتقد أن الوعود التي قطعت للأحزاب، وللرأي العام، بإنهاء الوضع الشاذ القائم لا يمكن أن تبقى مجرد أقوال، وخاصة بعد تسلم جلالتكم سلطاتكم الدستورية، لأن الشعب العراقي حريص على إنهاء هذا الوضع الإرهابي الذي يرزح تحت نيره. ولاشك أن في عدم الاستجابة لمطالب الشعب التي تبنتها الأحزاب في مذكراتها، واستمرار الحكم على أساس دكتاتوري، وانتهاز الفرص لإعلان الأحكام العرفية واستبقائها، وجعلها هي الأساس لمزاولة الحكم، كل ذلك لا يتفق مع رغبة الشعب في أن يكون هذا العهد دستورياً تضمن فيه للمواطن جميع حرياته المغتصبة، وتسترد فيه حقوقه السياسية المسلوبة، ولا تزال فيه سيئات العهد الماضي الذي عانى الشعب منه الأمرّين.
الشعب يا صاحب الجلالة إنما يتطلع إلى استرداد حرياته وحقوقه، وإلى إنهاء هذا الوضع الشاذ الذي لا يزال قائما، أملاً أن يكون في مقدمة ذلك إلغاء الأحكام العرفية، وإعادة الحياة الحزبية، وما يرافقها من حريات تمهيداً لتحقيق المطالب الشعبية الأساسية التي عبرت عنها الأحزاب في مذكراتها، والحزب الوطني الديمقراطي إذ يتقدم بهذه المذكرة، ليأمل أن يكون عهد جلالتكم، عهداً تحترم فيه أحكام الدستور، لتحقيق سيادة الشعب التي هي أهم مقوماته، وبذلك يكون هذا العهد حقاً جديداً للعراق، من حيث واقع حياته، لا من حيث الشكل فحسب. وتفضلوا يا صاحب الجلالة بقبول خالص احترامنا. (25)
بغداد في 5 رمضان 1372 هجرية المصادف 18 أيار 1953 ميلادية
كامل الجادرجي
رئيس الحزب الوطني الديمقراطي
لكن الملك فيصل، ومن ورائه عبد الإله ونوري السعيد، لم تعجبهم تلك المذكرات، ولم يكلف نفسه مشقة الرد عليها، بل لم يتح له خاله الوصي عبد الإله فرصة الرد عليها، وأشار عليه أن يحيلها إلى رئيس الوزراء السيد[جميل المدفعي] ليجيب عليها نفسه إجابة مقتضبة فيها الكثير من المراوغة والتهرب من تلك المطالب، وبدا للشعب وأحزابه الوطنية أن العهد الجديد ما هو إلا امتداد لذلك العهد الأسود، عهد عبد الإله ونوري السعيد، وأن السلطة الحاكمة ماضية في سياسة اضطهاد الشعب وحرياته الدستورية، واضطهاد الأحزاب والصحافة الوطنية، حيث بقيت تلك الأحزاب ملغاة رسمياً والصحافة معطلة، والأحكام العرفية سيفاً مسلطاً على رقاب الشعب.
الحكومة تقترف جريمة كبرى ضد السجناء السياسيين:
لم تكتفِ تلك الحكومة بكل هذا، بل تمادت في غيها وارتكبت جريمة كبرى بحق السجناء السياسيين الشيوعيين في سجن بغداد ذهب ضحيتها 7 سجناء استشهدوا برصاص الشرطة، وجرح23 آخرين، وهذا وصف للمجزرة البشعة التي نفذتهما الحكومة في السجن المذكور. (26)
أحدثت تلك الجريمة النكراء صدمة كبرى للشعب العراقي وقواه السياسية الوطنية، وانبرت الأحزاب والصحافة تهاجم الحكومة، وتفضح حججها في تبرير الهجوم، وقتل وجرح السجناء العزل دون وازع أخلاقي أو إنساني.
لقد تلبد الجو في بغداد من جديد لهول تلك الجريمة، وقامت على أثرها مظاهرات ضمت عوائل السجناء وأبنائهم وذويهم، وتوجهوا إلى المستشفى للبحث عن أبنائهم وذويهم، لكن الشرطة تصدت للمتظاهرين هذه المرة أيضاً وأطلقت الرصاص عليهم، مما أدى إلى استشهاد وجرح عدد آخر منهم، وألقت الشرطة القبض على الكثيرين، حيث سيقوا إلى المجلس العرفي العسكري الذي وسعت الحكومة صلاحياته في 20 حزيران 1953، إمعاناً في سياستها المعادية للشعب.(27) .
وعلى الأثر قدم الحزب الوطني الديمقراطي وحزب الاستقلال القومي مذكرتي احتجاج شديدة اللهجة إلى الحكومة، واتهمتها بتدبير المؤامرة على السجناء السياسيين لأجل تصفيتهم جسدياً، وطالبت المذكرتان بإجراء تحقيق قضائي عادل، وتحديد المسؤولين عن تلك الجريمة، وإحالتهم إلى المحاكم لمحاكمتهم. .
كما قدم 20 نائباً في البرلمان احتجاجاً على تلك الجريمة، وقدموا طلباً لمساءلة الحكومة أمام البرلمان. إلا أن الأكثرية الموالية للسلطة رفضت الاستجابة للطلب، حيث صوت 65 نائباً سعيدياً ضده، وبذلك افشل الطلب، ولم تجرِ الحكومة أي تحقيق جدي حول الجريمة، ومدبريها ولم يتم إحالة أي مسؤول إلى المحاكمة، وتم إسدال الستار عليها. (28)

وتجاهلت حكومة المدفعي كل الاحتجاجات والحملات الصحفية، ومذكرات الأحزاب، والمظاهرات، على جريمتها في سجن بغداد، وتمادت في غيها وتحديها للرأي العام، وراحت تخطط لمجزرة جديدة في [ سجن الكوت ] الذي كان يضم 123شيوعياً كانوا قد احتجوا على جريمة الحكومة في سجن بغداد، ومحاولة الحكومة نقلهم إلى سجن بعقوبة، كما فعلت مع السجناء الشيوعيين في سجن بغداد.
وتنفيذاً لهذه الغاية حاولت الحكومة تجريد السجناء في ذلك السجن من كل وسيلة يمكن بواسطتها الدفاع عن أنفسهم، فقد تعلمت الحكومة التجربة من سجن بغداد، أرادت أن توقع أكبر عدد من الإصابات في صفوف السجناء، وعليه أجرت سلطات السجن حملة تفتيش واسعة لأمتعة السجناء، وأدوات المطبخ، وجردتهم من كل ما اعتبرته آلة حادة كسكاكين الطعام وغيرها. وبعد أن تم لهم ما أرادوا حاولت الحكومة نقلهم بالقوة إلى[سجن بعقوبة] لكن السجناء رفضوا تنفيذ القرار، واعتصموا بردهاتهم رافضين الخروج منها، ومانعين حراس السجن و الشرطة من دخولها. .
ورداً على موقف السجناء لجأت سلطات السجن إلى قطع الماء والطعام والكهرباء عن السجناء لإجبارهم على الخروج، مما أدى إلى نفاذ الماء والطعام لديهم، واضطر السجناء إلى حفر بئر داخل إحدى الردهات للحصول على الماء، لكن الماء كان مالحاً، مما أضرّ بصحتهم، وبلغ بهم الجوع حداً لا يطاق، وقد تعمدت السلطة ذلك من أجل إنهاك السجناء وإضعاف مقاومتهم.
ولما تم لها ذلك بدأت قوات الشرطة بالهجوم على السجناء مستخدمة في بادئ الأمر الحجارة، حيث راحت تنهال على السجناء بكثافة حال خروجهم من الردهات، وحاول العديد من السجناء استخدام القدور غطاءاً واقياً لرؤوسهم، لكن الشرطة فاجأتهم باستخدام الرصاص الذي حصد من السجناء 8 شهداء، وجرح 96 سجيناً آخر، وتحولت باحة السجن إلى مجزرة حقيقية تغطيها الدماء، ولم ينجُ من السجناء سوى 19 فرداً فقط. .
أحدثت الجريمة الجديدة هيجانا شديداً لدى الرأي العام العراقي الذي تأكد لديه أن الحكومة قد تعمدت قتل السجناء الشيوعيين عن سابق تصميم، وأنها لا تعير أي أهمية للرأي العام في البلاد، واستنكرت الأحزاب السياسية جريمة السلطة واتهمتها بالتعمد في قتل الأبرياء العزل، وتجاهل أراد الشعب وقواه الوطنية، وتجاهل الدستور وحقوق وحريات الشعب التي نص عليها، والتي جعلتها الحكومة حبراً على ورق، إرضاءاً لأسيادهم الإمبرياليين. (29)

ونتيجة للغضب العارم الذي اجتاح البلاد من أقصاها إلى أقصاها، والخوف من تحوله إلى انتفاضة جديدة، حاول النظام الملكي امتصاص ذلك الغضب، فأوعز إلى رئيس الوزراء بتقديم استقالة حكومته، بعد أن أنجزت المهمة القذرة التي أوحى لهم بها أسيادهم الإمبرياليون، وسارع جميل المدفعي إلى تقديم استقالة حكومته إلى الملك في 15 أيلول 1953، وقُبلت الاستقالة في 17 منه.
وعلى أثر استقالة الحكومة دعا الملك فيصل وخاله عبد الإله كل من [الشيخ محمد الصدر] رئيس مجلس الأعيان، و الدكتور[ فاضل الجمالي] رئيس مجلس النواب، إضافة إلى رئيس الديوان الملكي[ احمد مختار بابان ] إلى مقر أقامته في [مصيف سرسنك] للتداول في أمر تأليف وزارة جديدة، وقد اقترح الشيخ الصدر على الملك تأليف وزارة من وجوه جديدة، وحل مجلس النواب،وإجراء انتخابات جديدة.

استقر رأي الملك، بعد استشارة السفير البريطاني في بغداد،على أن يكلف الدكتور فاضل الجمالي بتأليف الوزارة، وأن تضم وجوهاً جديدة فيما اختار الملك وزيرا الدفاع والداخلية، وصدرت الإرادة الملكية بتكليف الجمالي في 17 أيلول 1953، وتم استبعاد نوري السعيد من الوزارة على الرغم من أن حزبه يتمتع بالأغلبية المطلقة في البرلمان رغبة من النظام في امتصاص النقمة الشعبية على سلوك الحكومة السابقة لفترة من الزمن، ليعود بعدها إلى الواجهة من جديد. (30)

بدأت وزارة الجمالي عملها بإجراءات تهدف إلى التنفيس عن الشعب وإطلاق بعض الحريات العامة التي كانت حكومة نور الدين محمود قد كتمتها إثر وثبة تشرين الثاني المجيدة عام 1952، فأعلنت الحكومة إلغاء الأحكام العرفية في 5 تشرين الأول، وأحالت قرار حكومة نور الدين محمود حول حل الأحزاب والجمعيات إلى ديوان التفسير القانوني الذي جاء قراره بعدم شرعية قرار الحل، وبذلك عادت الأحزاب السياسية إلى ممارسة نشاطها.
كما أعيدت الصحف إلى الصدور، مما خلق جواً من الارتياح لدى الشعب بعد أن خنقت وزارة نور الدين محمود، ووزارتي جميل المدفعي أنفاس. كما قررت الوزارة إعادة المفصولين من الأساتذة والمدرسين والطلاب، بغية امتصاص النقمة الشعبية، كما قامت ببعضالإجراءات الطفيفة التي تمس أحوال الشعب المعيشية، كتخفيض الرسوم والضرائب المفروضة على الشعب الكادح، لكن تلك الإجراءات لم تستطع حل مشاكله، واستمرت معاناته من سوء الأوضاع المعيشية، وجاء إضراب عمال نفط البصرة لينسف كل الإجراءات التي اتخذتها حكومة الجمالي لتهدئة الأوضاع، وعادت بها إلى الصفر من جديد.
الحكومة تقمع إضراب عمال نفط البصرة بالحديد والنار:
كان عمال شركة نفط البصرة قد تقدموا بمطالب عدة تهدف إلى تحسين وضعهم المعيشي، لكن الشركة رفضت الاستجابة للمطلب الرئيسي المتضمن زيادة الأجور، مما اضطر العمال إلى إعلان الإضراب عن العمل حتى تستجيب الشركة لمطالبهم.
وفي الأول من كانون الأول سافر وزير الشؤون الاجتماعية حسن عبد الرحمن إلى البصرة في محاولة لإقناع العمال بالعودة إلى أعمالهم واعداً إياهم بأن تقوم الحكومة بالضغط على الشركة لتلبية كافة مطالبهم.(31) .
وبالفعل عاد العمال المضربون إلى أعمالهم في 14 كانون الأول 1953،على أمل أن تحقق الشركة تلك المطالب، إلا أن الشركة أصرت على موقفها ورفضت الاستجابة لزيادة الأجور، مما دفع العمال إلى العودة إلى الإضراب من جديد. (32)

سارع وزير الداخلية [ سعيد قزاز ] إلى اتهام الشيوعيين بالتحريض على الإضراب، ثم عاد ووصم العمال المضربين أنفسهم بالشيوعية تمهيداً لقمع الإضراب بالقوة، وسافر[سعيد قزاز] إلى البصرة ليكون على مقربة من الأوضاع هناك، وليهيئ الأجواء لتوجيه ضربته للمضربين وكسر إضرابهم. ولم يمض وقت طويل حتى نفذ ما في جعبته، مطلقاً جهازه القمعي لتوجيه رصاصه إلى صدور المضربين، مما أدى إلى استشهاد أحد العمال،وجرح العديد منهم. (33) .

تصاعدت أجواء التوتر بعد الصدامات بين الشرطة والمتظاهرين، وفلت الزمام من أيدي الشرطة، وبات الوضع ينذر بعواقب وخيمة، مما جعل الحكومة تستدعي الجيش للسيطرة على الوضع، وأعلنت الأحكام العرفية من جديد، كما تم تعطيل 9 صحف وطنية لفضحها جرائم السلطة بحق المضربين، وتأييدها لمطالبهم التي لا تعدو مطالب تتعلق بالحالة المعيشية، وشمل التعطيل صحف النداء والأخبار والميثاق والدفاع والجيل والآراء والجريدة والعزة.
كما تم إحالة صحيفة الحزب الوطني الديمقراطي ـ الأهالي ـ وصحيفة حزب الاستقلال ـ لواء الاستقلال ـ إلى محكمة الجزاء لقيامهما بفضح جرائم السلطة، واستنكارهما لإعلان الأحكام العرفية من جديد، ولمّا يمضي على إلغائها سوى أيام معدودات. أما حزب الجبهة الشعبية الذي اشترك اثنان من قادته في الوزارة، وهما [حسن عبد الرحمن]و[عبد الرحمن الجليلي]،فقد قرر الحزب سحبهما من الوزارة احتجاجاً على سياسة الحكومة، وقدم الوزيران استقالتيهما في 17 كانون الثاني 1954. (34) .
وعلى أثر الاستقالات المذكورة قدم الجمالي استقالة وزارته إلى الملك فيصل الثاني الذي قبلها على الفور، وكلفه بإعادة تأليفها من جديد، جاء تشكيل الوزارة الجمالية بعيداً عن إرادة البريطانيين، ورجلهم القوي نوري السعيد، لكنها كانت برغبة أمريكية، فقد جاء توقيع اتفاقية الأمن المتبادل، والمساعدة العسكرية مع الولايات المتحدة في 21 نيسان 1954، لتؤكد هذا الاتجاه لحكومة الجمالي.

أثار تشكيل الوزارة استياء وغضب نوري السعيد، وجعله يغادر العراق إلى بريطانيا، والمكوث فيها أكثر من ثلاثة اشهر، محتجاً على عدم استشارته في تأليف الوزارة، رغم أن له الأكثرية المطلقة في البرلمان وأخذ نوري السعيد يتحين الفرص لإسقاطها، مستنداً على رجالاته في مجلس النواب الذين أخذوا يعرقلون أعمال الحكومة لإجبارها على على الاستقالة. (35)
لم يمضِ سوى شهر واحد على تأليف وزارة الجمالي الثانية حتى بدأ النواب الموالين لنوري السعيد والسفارة البريطانية يشنون الهجوم تلو الهجوم عليها، ويضعون العراقيل أمامها، فلم يجد الجمالي بُداً من تقديم استقالة حكومته في 19 نيسان 1954حيث تم قبول الاستقالة في 29 منه.



#حامد_الحمداني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نوري السعيد / الحلقة الثانية والعشرون
- نوري السعيد / الحلقة العشرون
- نوري السعيد / الحلقة التاسعة عشرة
- هذا ما يناضل من أجله الشعب العراقي المنتفض
- نوري السعيد/ الحلقة الثامنة عشرة
- نوري السعيد / الحلقة السابعة عشرة
- نوري السعيد / الحلقة السادسة عشرة
- نوري السعيد / الحلقة الخامسة عشرة
- نوري السعيد / الحلقة الرابعة عشرة
- نوري السعيد / الحلقة الثالثة عشرة
- نوري السعيد / الحلقة الثانية عشرة
- نوري السعيد / الحلقة الحادية عشرة
- نوري السعيد / الحلقة العاشرة
- نوري السعيد / الحلقة التاسعة
- هذا هو الطريق لإجراء الاصلاحات الجذرية في البلاد يا سيادة رئ ...
- نوري السعيد / الحلقة الثامنة
- نوري السعيد / الحلقة السابعة
- هكذا جرى تشريع الدستورالعراقي ، وهذه عوراته
- نوري السعيد رجل المهمات البريطانية الكبرى - الحلقة الخامسة
- نوري السعيد رجل المهمات البريطانية الكبرى - الحلقة الرابعة


المزيد.....




- نقل الغنائم العسكرية الغربية إلى موسكو لإظهارها أثناء المعرض ...
- أمنستي: إسرائيل تنتهك القانون الدولي
- الضفة الغربية.. مزيد من القتل والاقتحام
- غالانت يتحدث عن نجاحات -مثيرة- للجيش الإسرائيلي في مواجهة حز ...
- -حزب الله- يعلن تنفيذ 5 عمليات نوعية ضد الجيش الإسرائيلي
- قطاع غزة.. مئات الجثث تحت الأنقاض
- ألاسكا.. طيار يبلغ عن حريق على متن طائرة كانت تحمل وقودا قب ...
- حزب الله: قصفنا مواقع بالمنطقة الحدودية
- إعلام كرواتي: يجب على أوكرانيا أن تستعد للأسوأ
- سوريا.. مرسوم بإحداث وزارة إعلام جديدة


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حامد الحمداني - نوري السعيد / الحلقة الثالثة والعشرون