الماني يرطن بالكردية وياباني يتحدث بلهجة بغداد ..وانا بلغة المندائيين ألوذ

نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 1362 - 2005 / 10 / 29 - 12:00
المحور: الادب والفن
    

ألماني يرطن* بالكردية وياباني يتحدث بلهجة بغداد
وأنا بلغة المندائيين ألوذ

ذات مساء على بيارة مكرون* أضعت عيون أمي في طرقات غيوم شتاء بارد ..فما أعادتها إلي سوى قصائد ريلكة تلك التي تذرف الدموع على أسى الحروب وتسأل إن كان قطار ميونخ سيصل مبكرا ..
عريف الفصيل قال : النجمة دليل إلى بيت الفراشة ..وبيت الفراشة مهجعنا الأخير ..
في الصباح قتلت شظية حارة عريفنا الطيب
فيما بقي الراين يدفع بزوارق من ورق شفاف يتسلى بها أولاد القيصر غليوم ..
في الشمال العراقي ..يسكن الكرد بناياتهم الزعفرانية ..قلوبهم طيبة كحليب الماعز ..وأصابعهم خشنة كالصخر ..في نظراتهم لغز أبدي ..سره إن الله قد يمنح هذه القمم العالية شموخ الفضاء..لكن القرية خاوية ومن تبقى ينام مبكرا..
هناك ..رطنت سهوب بنجوين* بالألمانية وتمنت شوق البافاريات فما حصدت سوى نعوشا من جنوب البلاد وأسماكا من اهوار الطار* غنت لها أغنية القصبة المعطرة بنفي الجمل السريالية ولوحات العلوي الطيب فان كوخ ثم استدارت إلي أنا المتأمل بيت النحل وقالت : هل تحب التفاح .
قلت نعم . ولكني أحب أمي أولاً ..
ذات مساء عندما تهجع العصافير إلى أغصان الشجر المروق بتذكر النساء والنخل وحانات سومر ..سيطل وجهك المندائي ناصعا ببياض دفتر الصف فأقود خطاي إلى برج الحوت أتوسل يونس النبي كي يزرع في ذاكرة العشب خطا الراعيات في البلاد العالية نقشت على الصخر اسم بغداد فنقش الصخر على قلبي قصيدة لأبي نؤاس . ندامة الكأس وعصا المعري وحنجرة المتنبي وعنق المدفع تلك حياتي على بياره مكرون أو في سهوب توتمان* حيث أوقعني الحب من الرابية وكنت أقرا في ساعة صبح رواية لساغان تدعى ( قطة على صفيح ساخن ) ..
بارد كان الصباح . باردة خدود رومي شاندر . بارد خد غورباتشوف إذ ترك بطرسبورغ تعاني من زكام الإمبريالية وتركني وحدي على ساتر الصد أقرا رواية جرمانية وأتعلق بذكرى مساء مدينة الناصرية ثم أعود إلى بغداد مع أول وهاد لأسمع صديقة الملاية* تغني عن الحب والميتافيزيقيا والأبادات الجماعية ..
شوق يصعد إلى فوق
جسدي يطير في اليوم المطير
والسيد غوته يصير خوخة في شجرة الوادي
وأنا وحدي
الحرب بلادي
وأمي نايا يرتجف بيد البنادق..
فترتعش الليدي ديانا في قبرها
وعلى مهد ذكريات الفقر
سيرمي المندائيون على قبرها زنابق الماء
فتنهض من فراش السبات
وتأخذ بيدي إلى رغيف ينتظر جوعي
وبلاد تحن الى سلام جنودها
فيما الكرد
قرب الشلالات يصلون لوحدة القرى عواصف البرد ورحيق شجر البلوط
ستسأل أمي بطيفها الوردي
وهل للشجر رحيق ؟
أرد : نعم ..
حين تلتهم النار قلبه
وتسكن قرب لحاء مودته مجارف المواضع وبكاء الجرحى واغماضة موتى حجاب الكتف الأيمن
آه أيتها المراثي
من دعاك لتطرقي بابي
وتؤدي التحية الى دمعتي المتجمدة
هولدرن سيكتب الليلة عن وجعي ورغبتي بامرأة زنجية ...

2ــ ذات مساء في بغداد ..تجمدت خواطري بانفعالات حب
لم يكن ممكنا الوصول إليها لن الحافلات تتحرك إلى الجنوب في مواقيت تكون هي فيها نائمة ..
سيكتب أبن زريق* عن عيون المها التي ضاعت بطنجة حيث الرصافة ذكريات تعبت من عبور نعوش الجسرين ..
سيكتب أبن زريق دمعته بالخط الثلث وستمشي بون إلى المكنون هناك سيسعى صبانا لافتراض مقالة تحيي فيها فوز الألمان بحصد اكبر كمية من رمان القلعة* ..
ستضحكون ..
الضحك رأسمال المفلس
أنا أقرا في قصة قبو البصل*
الدموع شبابيك
تضئ بانتظار من نفارقهم بفضل حروب الجبال العصية
كردي قرب نافذة البيت
يغني
قلبي سهل اخضر وفي الوادي قبر حييتي
عيون المها
ضاعت في شوارع طنجة
من يخبر بنات الأوراس إن بغداد غفت من جرح احتراقها
ونامت تحلم بالدستور ..

3 ـــ البلادُ كلها غنيت ( هياما )
لقلبٍ عاشقٍ ليلى هياما
وأنتِ الشوق والنجوى هياما
عيونك ضوءها ..يسبي البشر..
أدرك أن قلبا كهذا سيمضي بعيدا
إلى حيث برج الكنيسة
هناك سيتلو إنجيله على لحظة الصمت ويفكر بمثالية يسوع
هل كان ممكنا أن نغادر الصليب ونسكن في فندق على ضفاف الدانوب؟
ستقول هيام : إن أور بلد طيب
وأن القطارات وسائد الجائعين
قلبي من الهوى أنكوى
قلبي سيقرأ بعد حين قصائد ريلكه كلها

4 ــ اليابانيون في السماوة ..لا يريدون الذهاب إلى بغداد رغم إن كابواتا فكر مرة بزيارة مرقد الشيخ عبد القادر *..
الأكراد نصحوه بأن في الجبل الأخضر الواقف على سهل حرير* هناك أديرة وصوامع للقراءات الذهنية ..
ملح السماوة* لا يتفق وحلم الساموراي
لكن درس هيروشيما عجل بكتابة الفرمان
لقد جاءوا وهم يحلمون بحانات بغداد
وكنا نبتسم من عيونهم المنتفخة ..
لحظة وستولد اللوتس زهرة أخرى
اهديها لضحكتها الأولى وهي تشق طريقها إلى صدري
ما مات من جوع جنوبي
ولكن الحروب تميتهم كثيرا
في ذلك معضلة تذكرها ميشيما بالقول التالي :
الوردة برحيق الصباح تحتفي بعبيرها كفأل لنهار القادم
قيما فأل قطرة الدم قبر يفتح شهوته ليأس البشر..
هم جاءوا بهذا القول وسكنوا قرب بحيرة ساوة .
يمشون بأنتباه
فيما نخل السماوة التي طردته السمراء
يقهقه من وجوههم الغربية
بغداد سمعت القهقهة
ونامت بعد أن شربت القهوة

5 ــ على هامش الود ..جلبت الذكريات دفاترها
الكرد موعدون بالود ..لهذا ترى خدودهم تنقط دما من الترافة
نحن هنا في الجنوب السومري خدودنا تنقط دموع أمهاتنا ، لهذا ففي ألفة الشوق بين روح الجبال وملح الجنوب تمد الطفولة عشق القرى
كم هياما عليك أن تصنع حتى تصير شاعر بخمسة نجوم ؟
واحدة .. اثنان ..ثلاثة ...............ألف
سيكتب المندائيون لك طلسم مودة الروح
وسينقعون لك حكمة يحيى في كأس حليب
أشربه
فيوما ما ستأخذك قدماك من لحظة ظل الخوذة وذعر الحرب إلى فرانكفورت..
هناك تتأمل مافي الجمال رؤى شهوة غابت في اوامر العرفاء
وهناك سيسألك شيللر أن كنت تعلمت فلسفة البنادق
التي ترمي اللحظة الإنسانية من فوهة القلب
الأكراد ..أوراد
والجنوب قلوب
ومن يرطن في الألمانية ..استيقظ في الصباح
وثمة جرح فوق صدره ..

6ــ بلغة المندائيين ألوذ ..أبحث عن فقه اللحظة التي أتأمل فيها نجمة الليل ..أتصورها عارية كعذراء في فراش الرغبة . لغة لاتعبثر معناها في طيش الشتائم والبيع والشراء وخطب السياسة ..
تنطق شوقها بهدوء
تخضع تفاسيرها إلى هواجس ناعمة
تمشي على أوراقي
كدبيب إصبع أم يتحسس نومة ولدها المقتول بشوق صبايا سومر
لغة تعرف المعنى
وأنا اعرف الطريق إلى بيت حبيبتي


هوامش :
ــــــــــــــــــــــ
* يرطن : بالعامية العراقية يتحدث سريعا بلغة غير لغته فيكون فهمه صعب حتى من سامع اللغة الأصلية .
* بيارة مكرون : جبل في كردستان بمنطقة السليمانية .
* بنجوين : قضاء حدودي مع إيران يتبع للواء السليمانية.
* الطار : ناحية من نواحي الأهوار تابعة للواء الناصرية العراقي.
* توتمان : منطقة منخفضة تقع بين العراق وإيران من جهة بنجوين يشرف عليها عراقيا جبل حديد وقاية وهرزله فيما يشرف عليها إيرانيا جبل سورين .
* صديقة الملاية : مطربة عراقية معروفة .
* أبن زريق البغدادي : شاعر بغدادي .عاش في العصر العباسي الثاني وقضى عمره في بلاد المغرب وهو صاحب البيت المشهور : عيون المها بين الرصافة والجسر ........ جلبن الهوى من حيث ادري ولا أدري
* رمان القلعة : رمان مشهور في العراق كونه حلوا كالسكر وتكثر زراعته في منطقة قلعة سكر وهي أحدى نواحي لواء الناصرية .
* قبو البصل : قصة شهيرة لغونتر غراس .
* الشيخ عبد القادر : هو الشيخ عبد القادر الكيلاني . الولي الصالح . ولد في كيلان غرب الإيرانية . له مكرمات كثيرة ومرقده في منطقة الأعظمية ببغداد
* السماوة : أحد الوية العراق وفيها بحيرة ساوة المالحة التي لا يعرف حتى الآن مصدر مياهها وقربها تقع مدينة أوروك مدينة الملك السومري جلجامش وهي أول مدينة دونت حرف الكتابة كما اكتشف الأثريون الألمان وكتبوا فيه .




أور السومرية 28 تشرين أول 2005

#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات