أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - محمد دوير - ويسألونك عن البرلمان !!















المزيد.....


ويسألونك عن البرلمان !!


محمد دوير

الحوار المتمدن-العدد: 4970 - 2015 / 10 / 30 - 16:34
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


تقول الاسطورة الاغريقية أن إيكاروس حكم عليه بالسجن فصمم له والده اجنحة من الشمع وقررا أن يطيرا للخروج من المتاهة التي وضعهم فيها الملك مينوس ، ولكن قبل الطيران حذره ابوه من التحليق عاليا والاقتراب من أشعة الشمس فتذوب أجنحته ويسقط من علياء، ولكن ايكاروس لم يستمع الي النصيحة ونسي نفسه وظل يرتفع في الهواء فرحا بنفسه رافضا أي قيود أو عقلانية حتي ذاب جناحاه فسقط في البحر.
والمشهد الانتخابي لبرلمان 2015 يشبه الي حد كبير أسطورة ايكاروس حيث صنعت النخبة المحيطة بالنظام أو ذات الوعي المشوه بطبيعة التقدم الاجتماعي أجنحة من شمع لتلك النسخة الجديدة من نظام التبعية المصري معتقدين أن بقدرته التحليق عاليا في سماء التقدم والاستقلال الوطني والحريات السياسية، متكئين في تلك الرؤي علي مادة شمعية لا تصمد أمام تحديات الواقع وحرارة الصراع الاجتماعي،الي أن ينتهي ذلك الغلو في التحليق والتحليل الي سقوط في بحر الظلمات ومتاهة التفسيرات والتبريرات غير المنطقية ، لنصحو علي حقيقة مؤلمة شديدة القسوة وهي إنكسار موجة الحلم الزائف حينما رفضت، أقول رفضت ،الجماهير المصرية المشاركة في انتخابات برلمان 2015
وليس مطلوبا منا سوي الاجابة علي سؤال لماذا قاطع المصريون انتخابات برلمان 2015 ؟؟ وهذه محاولة متواضعة منا... محاولة أولية متعجلة لوضع خطوط عريضة علي هذا السؤال..اعتقادا مني أن الاجابة ستظل مفتوحة لسنوات قادمة نظرا لأهمية ومحورية هذا الامتناع عن الحضور.
المشهد العام
دخل المجتمع المصري علي الاستحقاق الثالث من خريطة الطريقة مثخن بجراح وتخوفات عديدة يأتي علي قمتها الوضع الاقليمي المتلهب وتهاوي الدولة العربية الحديثة التي تأسست ملامحها "الراهنة " إبان مرحلة التحرر الوطني، وفي ظل سعي دولي لإعادة النظر في ترسيم الجغرافيا السياسية وفق معطيات جديدة في غالبها إثني أو عرقي بهدف مزيد من التشظي ولأسباب تتعدد مسالكها..ثم يأتي الوضع الاقتصادي الاجتماعي المصري في صدارة المشهد العام أيضا متمثلا في ارتفاع اسعار السلع والمنتجات، وتراجع الصادرات ، استمرار العجز وزيادة الدين ، وتفشي البطالة ، وسيادة الفساد ، وتدهور الخدمات ....إلخ.. وعندما تتداخل أزمة الوضع الإقليمي مع مشكلات الوضع المحلي لابد أن يتسم المشهد العام بعدة خصائص منها البحث عن منقذ والعزوف عن متابعة التفاصيل مثل اختيار نائب محليات أو برلمان فالقضايا الكلية هي التي تهيمن علي العقل الجمعي للأمة. ويتحول كل استحقاق سياسي الي جزء من عملية أشمل لخصتها عبارة " تحيا مصر" التي تبناها السيسي وتبعه بعد ذلك كل من يراه الرئيس الضرورة..الذي يختزل كل الضرورات في شخصه وفي منصبه..فنسمع عن تعديل صلاحياته في الدستور، ويصبح هو باسمه أو صورته أو مقولاته جواز المرور لقلوب الناس ومن ثم لصناديق الاقتراع أو حتي مقاومة أي فساد مؤسسي..إذن انتهي المشهد العام الي خلق حالة مفارقة وهي تضخم قيمة الرئيس كشخص في مواجهة تراجع قيمته الدستورية..فالرئيس – فيما يري قطاع كبير من المجتمع – أكبر من صلاحياته ..وهذا أمر يجب – فيما يري ذات الفريق " الكورس " – تعديله وبسرعة...السمة الأخري الفرعية لتداخل الاقليمي مع المحلي – وكلاهما تداخل أزمة – هو تراجع القيم الانسانية والحريات الشخصية لصالح الدفاع عن مصير الوطن..فصارت المقابلة مطروحة ومنطقية !! وغالبا ما تنتهي لصالح مضمون " تحيا مصر " الذي نفهمه علي الطريقة الناصرية.
ننتهي من هذا الرصد السريع لحالة المشهد العام بنتيجة أولية شكلة خلفية الوعي العام.. وهي " أن ما يعانيه الوطن من تحديات ليست من مهام البرلمان إذ أنها قضايا أمن قومي تختص بها الرئاسة وبعض المؤسسات السيادية كالمخايرات والأمن الوطني ومؤسسة الرئاسة ، ومن ثم نحن أمام استحقاق شكلي نستوفي به ملامح الدولة "..بغض النظر علي موافقتي الشخصية أو اختلافي مع هذا الرأي..إلاأنني أراه كامن خلف قناعات قطاع كبير في المجتمع.
المشهد الانتخابي
خاض المجتمع المصري في سنوات الثورة من 25 يناير 2011 حتي الآن أي في غضون خمس سنوات تقريبا عدة رحلات الي صندوق التصويت.. بدأت باستفتاء 19 مارس 2011 الكارثي وانتهاء بانتخابات برلمان 2015..تضمنت تلك الرحلة استفتاء واحد، ثم انتخابات برلمان ، ثم دستور ، ورئاسة وإعادة رئاسة ، ثم دستور ثم رئاسة وبرلمان نتحدث عنه الآن ..والمحصلة أن ذهب المصريون عشر مرات تقريبا الي صناديق الاقتراع في غضون خمس سنوات بمعدل مرتين في العام الواحد وهو معدل كبير نسبيا وثقيل علي كاهل مجتمع لم يزل بعد يتقدم ببطء نحو بناء تجربته الديمقراطية.. ومن الطبيعي أن ننتظر تراجعا ملحوظا في نسبة المشاركة وحماس المواطنين .ولكن ليس هذا السبب الشكلي هو المعيار الوحيد في الحكم علي ظاهرة عزوف المواطنين عن المشاركة السياسية عموما والحضور في انتخابات البرلمان خاصة..إذ كان من الممكن أن نبني علي هذا القدر من نمو الوعي السياسي في السنوات الثلاثة التالية لثورة يناير بحيث نصعد بمقدار ثقة المواطن في النتائج الاجتماعية والاقتصادية للحراك السياسي.. ونظرا لأن ذلك لم يحدث؛ تحول الامتناع عن الحضور من حالة كسل شعبي الي لا جدوي سياسية... تشابهت كثيرا مع مرحلة ما قبل يناير، ما يعني أن الحالة الثورية تمر بعملية تبريد وأن النخبة المصرية في غالبتها تاهت في مرحلة الخلط بين متطلبات الوطن ومطالب المواطنين..ويعني أيضا من ناحية ثالثة - علي الصعيد التجريبي ذاته - أن صندوق التصويت عموما كان يتجه عكسيا في غير صالح المسار الثوري وهو ما يجب أن يخضع لتحليلات علمية تفسر تلك العلاقة العكسية بين الصناديق والثورة.
أما عن المرحلة الأولي للعملية الانتخابية ذاتها فيمكن رصد مقدماتها الخاصة كالتالي :
1- انها انتخابات مؤجلة منذ فبراير 2015 لأسباب قال عنها النظام أنها أسباب إدارية وقانونية..ينبغي تعديلها.. وهو ما استغرق عدة شهور وليس شهرا واحدا كما ذكر أنصار التأجيل.. هذا التأجيل أو التأخير كان مقصودا لاعتبارات اقليمية ولمزيد من تحسين الوضع الاقتصادي ولمنح الرئيس الفرصة منفردا في المضي قدما باليلاد نحو استقرار سياسي واقتصادي تمناه هو ورجاله .. ولكن النتيجة جاءت عكسية تماما إذ تزاديت حالة البؤس الاجتماعي وضعفت جذوة حماس الجماهير تجاه النظام ودعمه..وتأكلت شعبية الرئيس وعادت النظرة للحكومة كما كانت قبل يناير..وشعر الناس أن الدولة غير قادرة علي تلبية احتياجاتهم وأن عليهم الاستمرار علي ذات النهج السابق وهو البحث عن حلول فردية بعيدا عن الإلتزام الخلقي بمقررات العقل الجمعي.. وهو ما سوف نشهده في يومي الانتخاب من زيادة معدلات شراء الأصوات بصورة موسعة وعلنية .
2- كان من نتائج الصراع السياسي الحاد بين جناحي الثورة المضادة ( الاسلاميين واليمين الطفيلي أي رجال الدين ورجال المال ) أن تم استقطاب مؤسسات حيادية مثل القضاء والجيش والشرطة لصالح أحد طرفي الصراع ونعني لصالح رجال المال أو من يمثلهم اليمين الطفيلي وأعوانه " يظهر هذا بوضوح في خلطة حب مصر ".. هذا الاستقطاب كان يجب أن ينتهي بنهاية الصراع رسميا بعد تولي السيسي الرئاسة وتعود تلك المؤسسات الي سابق مهامها.. ولكنها استمرت في موقفها المستحدث وكأن تحالف 30 يونيو كان بينهم وليس تحالفا شعبيا..وقد بدا هذا الدور الجديد لتلك المؤسسات الحيادية في كثير من مظاهر حياتنا الاقتصادية والاجتماعية، تمثلت مثلا في اسناد كثير من المشاريع للهيئة الهندسية للقوات المسلحة .. وتكليف ضباط مخابرات مصريين بإدارة مهام سياسية في العملية الانتخابية كسامح سيف اليزل وغيره من من لم يظهروا في الصورة ...الخ.. ولكن الأخطر من وجهة نظري هو دور القضاء أو القضاه في تلك الانتخابات والذي تمثل في أن اضطلع هو بمهام تمرير نسبة المشاركة لتصل لمعدلات مقبولة دوليا ومحليا..وفي اعتقادي أن هذه المهمة كانت في السابق من مسئوليات رجال الشرطة..وليس رجل القضاء..إن هذا التحول يتم بمنتهي الشعور الوطني لدي هؤلاء القضاه حيث يمارسونه بوعي تام انطلاقا من أن الحفاظ علي الوطن هو أمر أجل وأعظم من مخاطر التدخل لرفع نسب المشاركة..مع بعض التدخلات البسيطة لصالح بعض العناصر.ما اقوله هنا ليس تنجيما أو قذفا في حق أحد..بقدر ما هو تعبير عن منطق سياسي لدي بعض مؤسسات الدولة التي اكتشفت أن الوطن مهدد بالخطر، ودرء هذا الخطر الداهم مقدم علي جلب منفعة الشفافية.
3- تمت العملية الانتخابية في ظل حالة سيولة سياسية ورؤي ضبابية مستحكمه لم تحدث من قبل في تاريخ مصر الحديث، فلم نعرف جيدا من ضد من ؟ ومن مع من ؟ ..فالجميع رفع راية مصر عالية.. تساوي في ذلك الملائكة والشياطين ، رجال الدين ورجال المال ، الفلول ومدعي الثورية ....الخ..تلك السيولة انعكست علي غياب البرنامج..وإن وجد فهو شكلي ولم يهتم به المرشحون أنفسهم ، وغياب الرؤية لدي الجماهير..فكثير منهم لم يري المرشح الذي يريد انتخابه، وكثير ايضا إحتار في الاختيار..غياب السياسة في انتخابات المفروض أنها سياسية بالدرجة الأولي وليست انتخابات مركز شباب..هذه اللوحة الضبابية أدت الي بروز سمات لا سياسية في الترشح وكذا في التصويت..فكان من الطبيعي أن يهيمن المال السياسي والشعار الوطني...فجاءت نسبة رجال الاعمال في الاعادة أعلي من 75 % وهو رقم خطير ودلالته أخطر.. أضف الي ذلك أن النتائج اظهرت غياب ممثلي القوي التقدمية التي شاركت في الانتخابات وبالتالي غياب التصنيف الحزبي وهو ما يعني أننا أمام برلمان بجناح واحد، جناح يميني متطرف فاقد القدرة علي الشعور بأي مسئولية اجتماعية...ما يعني أيضا أننا في انتظار برلمان داعم للسلطة وليس رقيبا عليها.
4- عندما يختزل الوطن في الدولة.. والدولة في الرئيس، ويتولي هذا الرئيس اكثر من سلطة في يديه فيصدر التشريعات ويتخذ القرارات ويقاوم المشكلات الخارجية ويتحدث باسم الفقراء والأغنياء ورجال الجيش والأمن القومي وباسم رجال الاقتصاد ...الخ..فنحن أمام رجل المرحلة..ويكفي الشعب المصري – هكذا يفكرون- أن لديه رئيس يشعر به...ولكن هذا الرئيس الذي أصدر اكثر من 400 قرارا بقانون بديلا للبرلمان سوف تتقلص صلاحياته فور انعقاد المجلس..ما يعني أن ميلاد هذا البرلمان سيؤدي الي إنتاج أزمة في الحكم، اذ كيف لبرلمان جاء بـ 3 % من أصوات المصريين أن يعلو في مهامه علي مهام الرئيس الضرورة..وفي اعتقادي أنها أزمة غير مسبوقة علي الأقل منذ 1952..وهذه الأزمة المحتملة تفسر سيطرة قائمة حب مصر علي الترشح ثم علي حصد الأصوات.. وتفسر الكثير من أسباب نجاح أو تقدم عدد من المحسوبين علي 30 يونيو في البرلمان القادم..فالهدف هنا ليس بناء كتلة مؤيدة للرئيس.فالرئيس لا يحتاج كتلة مؤيدة له، فقط يحتاج سلطة مخولة كافية دون الحاجة لغيره..ومن ثم تصبح مهمة هؤلاء الأنصار ليس دعم الرئيس.. ولكن التكفل بعودة صلاحيات دستور 71إليه..كيف سيتم ذلك ؟؟ قالها سامح سيف اليزل في تصريح أخير له..بوضوح علي ما اذكر في المصري اليوم 23 اكتوبر.اننا سنسعي الي تغيير صلاحيات الرئيس وتعيل 7 مواد في الدستور.
5- من السهل تكرار أن الشعب لم يحضر لأنه مطمئن للرئيس وهذا يكفيه..أو أن طبيعته التحرك وقت الأزمات وهو لم يري أزمة راهنة تستوجب حضوره بكثافة.. أو أن نقول أن المرشحين أنفسهم ليسوا علي مستوي طموحات المصريين فعزف عن تأييدهم ،أو شعور الناس بالملل من كثرة الاقبال علي الصناديق.....الخ. ولكنني أري إضافة إلي كل ذلك الذي يبدو معظمه معقولا ومقبولا..ولكن إذا كان هذا أمر الجماهير.. فلماذا أحجم المرشحون أنفسهم عن السياسة في ندواتهم وبرامجهم وتحركاتهم...طبعا لم ينعدم تماما .. ولكنها لم تكن بالقدر المطلوب فجاءة نسبة الفعل السياسي أقل حتي من زمن حكم مبارك..إذ كنا نسمع عن مرشح يصف نفسه بالمعارض.. وهذا لم يحدث مطلقا في برلمان 2015..؟؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا تدنت النسبة الي أقل من 3 % حتي أقل من تلك النسبة في تعديلات 2007 وهي أقصي درجات الاستبداد السياسي في زمن حكم مبارك ؟ وإذا كان الأمر كذلك..فلماذا لم نر أنصار المرشحين ينتشرون أمام اللجان للدعاية لمرشحيهم، ولم نسمع عن مشكلات في اللجان بسبب كثير المندوبين ؟ .. واذا كان الأمر كذلك ..فلماذا تدنت مشاركة المصريين بالخارج ؟؟ وهل يعقل أن تضعف نسبة الحضور في ظل برلمان يستحوذ علي سلطات أكبر من أي برلمان سابق منذ 1866 ؟؟ هنا علامة استفهام كبيرة...فالدستور الذي أيده 98 % من المصريين ويثبت حق البرلمان في جزء كبير من توجيه السياسة العامة..يفترض بناء عليه مشاركة أوسع لتثبيت هذا الحق الدستوري للبرلمان ... هنا هل العقل الجمعي يقدم اعتذارا للرئيس لأنه وافق علي دستور يقلص صلاحياته ؟؟ هنا هل ترك الجميع يخالف قواعد الدعاية ويشتري الأصوات من أجل تشويه برلمان قادم لا توجد الرغبة الكافية لدي مؤسسة الرئاسة في الحفاظ عليه قويا مستقلا نزيها ؟؟ إن تفسيري الوحيد فيما يخص الموقف من البرلمان هو أن الرئيس شخصيا غير مقتنع بدور أكبر منه في ادارة الدولة..وبالتالي يجب تغيير الدستور.. والبداية من تشويه المجلس وافتقاره الي اسناد شعبي حقيقي..ولذلك ففي اعتقادي أن السيسي هو الأكثر سعادة من كل المصريين بذلك الاحجام عن المشاركة.ولكن هل وصلت تلك الرسالة الي الجماهير ؟؟ أشك أن هناك من يمرر تلك الفكرة.. ولكن يبقي السؤال مطروحا بلا إجابة ..لماذا أحجم المصريون عن المشاركة ؟
6- هل ارتفاع الأسعار كاف لامتناع المصريين ؟ هل تقديس منصب الرئيس بشكل عام لدينا دفع لهذا المشهد الانتخابي الخالي من البشر ؟ هل عدم القناعة بمستوي المرشحين يفسر ذلك ؟ هل غياب المنافسة وحصرها في أبناء النظام فقط يفسر لنا ضعف المشاركة ؟ كلها اسباب منطقية.. ولكني لدي تفسير آخر..يضاف الي كل ذلك وليس بديلا لها..
.. بداية من استفتاء 19 مارس وحتي انتخاب السيسي رئيسا.. كانت العملية الانتخابية تتم علي طاولة الوطنية المصرية..فالوطن مهدد – هكذا يقولون – وعلي الشعب أن يدافع عن وطنه.هذا الدفاع اتخذ صورا عديدة منها التظاهر الجماعي الحاشد..أو الوقوف ساعات طويلة أمام اللجان الانتخابية.. كل مواطن كان يشعر وهو يشارك في تظاهرة أو تصويت أنه يمارس دورا وطنيا ما..ثم انتهت تلك الحالة الاستثنائية مع ترشح السيسي بوصف عملية انتخابه هي أخر عمليات الدفاع الوطني..لم تشأ الدولة المصرية أن ينسحب هذا الشرف الوطني علي البرلمان.. فانتخابات البرلمان هي عمل سياسي وتنافس بين خصوم علي مقاعد ليس أكثر..ولا نريد منه سوي وجود جوهر صلب يستطيع أن يحرر السلطة من يد البرلمان وعودتها الي الرئيس.. وتلك ستكون مهمة رجال السيسي في المجلس وخارجه.إذن..التحول من الوطني الي السياسي مهمة قام بها الاعلام ورجال الدولة وكان الشعب علي استعداد لتقبلها نظرا لاجهاده طوال السنوات السابقة..وليس مصادفة أن تختفي كلمة " الاستقرار" في الحديث عن البرلمان..تلك الكلمة التي انتشرت بكثافة في الدعاية للسيسي أثناء الرئاسة ..بصورة أخري..اسهمت السلطة الحالية في تفريغ معني البرلمانية من مضمونها وتلاعبت بمواعيد الاستحقاق وبالقوائم مثل " صحوة مصر " واحيانا سرقة مستندات قوائم أخري.. مثل قائمة شرق الدلتا ..واغماض العين أمام الدعاية الانتخابية وشراء الأصوات وخلق نمر من ورق كحزب النور لتدور عليه معركة الوطنية في القوائم فقط دون الأفراد..ما أريد قوله هنا أن الدولة المصرية وأقصد تحديدا النظام الحاكم من حيث أنه المسئول رسميا عن تحقيق مصلحة الدولة العليا هو الذي يحدد الخط الفاصل بين المشروع الوطني والمشروع السياسي... فإزاحة الإخوان مشروع وطني.. وشق تفريعة للقناة مشروع وطني.. أما انتخابات البرلمان فهي مشروع سياسي.. والفارق بينهما سوف يصب مباشرة في الحشد الشعبي... وبالتالي فالنتيجة معلومة مقدما..ولم أتوقع أبدا مشاركة شعبية في البرلمان..ذلك أني رأيت كيف يتم تسويق الانتخابات ..بوصفها سنة وليست فرض.. عملا مكملا وليست عملا ضروريا.. استحقاق ثالث نعم.. ولكنه ليس علي ذات القدر من استحقاق الرئاسة أو الدستور اللذان تما علي قاعدة وطنية وليست سياسية.والسؤال هنا..كيف يمكن اعتبار انتخاب رئيس دولة مسألة وطنية ؟؟ وهل هذا الاعتبار يفتح الباب أمام نوع خاص من الاستبداد ؟ اعتقد ذلك.ولكن السؤال الآخر ..اذا كان الأمر هكذا..فلماذا يحتقر المصريون السياسة ورجالها ؟ دع عنك مقولات لأن السياسيين منفصلين عن الناس...فالأمر ربما أعمق من هذا ؟ في تقديري أن السلطة المصرية منذ 52 لعبت دورا مهما في فصل ما هو سياسي عن ما هو طني..فصار الوطن مقدسا والسياسة مدنسة..بالضبط كما فعل الاسلام السياسي حينما اصروا علي أن الدين مقدس والسياسة مدنسة وليس من حل سوي تمكين الدين...وكذا في حالتنا الراهنة ليس من حل سوي تمكين الوطنية..أو الوطنيين من غير أصحاب الاجندات والمصالح.هنا مربط الفرس..هنا التلاعب بالعقول..هنا – سواء ادرك نظام السيسي أو لم يدرك – اصطفاء البشر..واللعب بورقة الوطن المقدسة حينا وورقة السياسة المدنسة أحيانا...وكان مقصودا تأطير انتخابات البرلمان بوصفها تتم علي ملعب الدولة المصرية وليس الوطن المصري..وهل هذا صحيح.. نعم بكل تأكيد.. ولكن بشرط أن ندير كل صراعتنا علي ملعب الدولة وليس الوطن..فليس من المعقول أن يكافيء السيسي علي موقفه من الإخوان برئاسة مصر..فهذه نقرة وتلك نقرة أخري..وليس من المعقول أن يترك حزب النور في الساحة لمجرد أنه دعم السيسي .. وليس من المعقول أن يقود ضابط مخابرات دفة أمور البرلمان المصري وكأننا نكرر عمدا تجربة صفوت الشريف.. وليس من المعقول ترك المال السياسي وحيدا في ملعب الانتخابات ونكتفي نحن كيسار بشعار إدارة معركة شريفة والالتحام مع الجماهير التي اكتشفنا انها غير معنية اصلا.
إذن الجماهير لم تحضر لأنها معركة سياسية وقد علمهم النظام أن المعارك الوطنية فقط هي التي تستحق العناء.. الجماهير لم تشارك لأن النظام علمهم أن السياسيين هم أصحاب مصالح خاصة..ولذلك فلا يوجد في البلد من يخاف عليها سوي قادة الجيش..وتلك الرسالة ارسلت عبر شفرات عديدة وبطرق مختلفة طوال السنوات الماضية ..الجماهير لم تحضر لأنها صدمت في سياسات السيسي الذي يسير علي نهج السادات وليس مبارك فقط..صدمت ولكنها لم تمتلك الارادة بعد للمناداة بتغييره..ليس لشيء سوي لأنهم تعلموا أن القوات المسلحة هي مدرسة الوطنية المصرية ( الوحيدة ) وبالتالي فهي لم تشارك ربما في انتظار جنرال جديد .
ولكن هذا ليس عيبا في جماهيرنا المصرية..ولكنه تراكم استمر لعقود طويله..اذ كان من بين أسباب ثورة يوليو فساد الحياة الحزبية...وكذا من بين أسباب تقدم السيسي للترشخ هو ضعف كوادر ورموز الحياة الحزبية.. وكذا من أسباب غياب الجماهير هو قناعاتهم بفساد الحياة الحزبية وخلوها من رموز حقيقية..إن تغييب الوعي بقيمة السياسة..هو سبب طردها من جنة الوطن.. وبالتالي من دعم الجماهير.. تسقط السياسة للمرة الألف بعدما فرغ رجال الدولة من لعبة الوطن والوطنية..فترك البرلمان وحيدا دون مناصرة..بعدما تم تشويه السياسة وهو تشويه غير مباشر للقوي المدنية..لأنها المنوط بها دون غيرها العمل بالسياسة..ولم يتبقي في الحياة العامة سوي ممثلي الوطنية الحقيقيين !! اقصد رجال الجيش ومن دعمهم من مدنيين ودينيين..لتصبح مصر وطنا بلا دولة.يعلو فيها صوت الرئيس ويخفت فيها صوت البرلمان.وهي صورة مشوه لنظام سياسي لم يدرك بعد حدود مهامه.
ما العمل ؟
سأكرر ما سبق قوله مرارا علي صفحتي وفي مقالاتي أن بناء بديل ديمقراطي اجتماعي معارض لنظام الحكم الحالي..يبدأ من بناء جوهر صلب من اليسار المصري، اليسار الاشتراكي العلمي بوصفة الأقدر علي طرح رؤي بديلة تهم الطبقات الشعبية، ثم ننطلق من هذا الجوهر الي خلق قوة توازن اجتماعي تناهض قوي السوق الحر مهما اختلف زيهم ومراسيمهم كاب أو عمامة أو بدلة مودرن بسيجار...هنا .. وهنا فقط.. تتجلي الوطنية في اسمي معانيها..أي حينما يجد المواطن نفسه في مأمن من صعوبات الحياة..سيصبح لدينا وطنا حقيقيا..وليس وطنا من الجغرافيا فحسب.



#محمد_دوير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ردا علي الاستاذ مصطفي مجدي الجمال - عن المقاطعة
- عن المقاطعة
- نجوم في سماء الاشتراكية: الدكتور عبد المنعم خربوش
- قاطعوا برلمان رجال_الاعمال
- الرأسمالية .. وأزمة العلم
- برنامج دورة الكادر الاشتراكي بالاسكندرية- يسار موحد
- برنامج دورة إعداد الكادر الاشتراكي بالأقصر – مصر
- لماذا أقاطع ...2-2
- لماذا أقاطع..1-2
- موجز تطور المعرفة العلمية
- محمد دوير - مؤسس حملة يسار موحد وناشط يساري مصري - في حوار م ...
- رسالة الي الشباب
- مقاطعة انتخابات الرئاسة المصرية
- لينين... في ذكري وفاته التسعين 2-3
- لينين ..في ذكري وفاته التسعين.. 1-3
- الذرة .. كمعيار للتقدم العلمي
- الرابح والخاسر في معركة الوطن
- وحدة اليسار المصري.. الفريضة الغائبة
- حملة يسار موحد- مصر- .. ماذا نريد..؟
- هذه الفرصة الأفضل في التاريخ ل «يسار موحد».. ولكنه يضيعها


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - محمد دوير - ويسألونك عن البرلمان !!