أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان علي - فيلم عازف البيانو- تحفة لرومان بولانسكي وفيض من ثرائه















المزيد.....

فيلم عازف البيانو- تحفة لرومان بولانسكي وفيض من ثرائه


حسين علوان علي
(Hussain Alwan)


الحوار المتمدن-العدد: 4962 - 2015 / 10 / 21 - 10:34
المحور: الادب والفن
    


The Pianist - 2002

كلما اعدت مشاهدة هذا الفلم المأساوي الكبير الاتقان، تبادر اليّ قدما السؤال الذي لم اجد سبيلا الى جوابه ابدا.. الا وهو كيف يمكن ان يتفق حضور جانبان شديدا التناقض في طبيعة الشعب الالماني الملهِم،
فهم اهدوا الانسانية (كانت) و(هيجل) و (فاغنر) و(غوته) و(شلر)، و(برشت) و(نيتشة) والبقية الباقية من صفوة المفكرين والفلاسفة والادباء والفنانين.. رغم كل هذه الهدايا النفيسة وهذا التراث الغني قامت الامة الالمانية خلال الحرب العالمية الثانية في العقد الرابع من القرن الماضي بتدمير اوربا عن بكرة ابيها تحت امرة زعيم الرايخ ادولف هتلر؟!!. ولم يقم هتلر بأعمال القتل والابادة تلك بيده لوحده، بل فعلها بمعيته الملايين من ضباط الجيش النازي وجنوده ومنتسبوا الغستابو وفصائل الامن والمخابرات الالمانية، هذه الازدواجية وذلك التناقض تبقى على الدوام من الامور العصية على التفسير في تأريخ شعوب بعينها كان لها قصب السبق في مسيرة الجنس البشري، ومنها الشعب الالماني الذي يشهد التأريخ بكفائته وعبقرية ابناءه، ويحسب عليه في الوقت نفسه عثرات بالغة الاسى والبشاعة والخطل، مثل الاسطورة المزعومة للأمة الجرمانية المتفوقة التي جرت على العالم الوبال والدمار.

من المؤكد أن لاشيء ولامنطق سَويّ يمكن أن يبرر ازدواجية كهذه تبدو وكأنها حالة انفصام مزمنة ابتلي بها البعض من بني البشر في حقب تاريخية تقاطعت فيها المسببات والظروف ونتائج احداث سابقة، هل يمكن القول أن هتلر خدع الشعب الألماني في مكيدة عظيمة؟.. لكن كيف يمكن لفرد ان يخدع أمة ؟!، هل أجبرها على خوض الحرب وامتهان كرامة الاخرين بجبروته وطغيانه ؟! أم أن الشعب كان شريكا متكاملا؟! أسئلة ستظل تدور غامضة مبهمة في ثنايا التاريخ وذاكرة الجنس البشري التي حفلت بالأعاجيب.

الحبكة (النازية):

يتناول فلم عازف البيانو إضطهاد الجيش النازي ليهود بولونيا خلال غزوهم لذلك البلد المنكوب، حيث عمد حكام بولونيا الغازون الى عزل اليهود في احياء مغلقة ( غيتو) لغرض حصر اعدادهم والاستيلاء على ممتلكاتهم، ومن ثم تحميلهم في قطارات الموت الى حيث لقوا حتفهم في المحارق، وخلال ذلك يعرض لنا كاتب السيناريو (رونالد هاوارد) والمخرج الكبير (رومان بولانسكي) ضروب المأساة والمحن التي واجهها اليهود ومن بينهم الموسيقار البولوني ذو الاصول اليهودية (والدزلا شبيلمان) مع عائلته في تفاصيل تلك العملية البشعة من التطهير العرقي، حيث كانت العائلة ضمن طوابير اليهود الذين تمت تصفيتهم جسديا بعد فترة الاعتقال، غير أن شبيلمان استطاع النفاذ بجلده بمساعدة احد اليهود المتعاونين مع الالمان، انقذه ذلك اليهودي لانه وضع في حسبانه مكانته باعتباره احد عباقرة يهود بولونيا ومن اشهر عازفي البيانو في اوربا بأسرها والعالم.

ويتابع الفلم في حبكته وتفاصيله اللاحقة التخفي والهروب المستمر لشبيلمان بين البيوت المهجورة والاحياء المدمرة، يتجول وحيدا دون طعام او شراب، او يقضي بضعة شهور في شقق سكنية يوفرها له سرا اصدقاء بولونيون، كل ذلك في حال شديد من البؤس والجوع والامال الواهية والحزن العظيم على حاله وحال اهله الذين خطفتهم قطارات الموت،اخوته ووالديه الذين انفصل عنهما ولم يعرف عن مصيرهم شيئا، حتى ينتهي به المطاف في بناية مهجورة لأحد مراكز القيادة الالمانية التي كانت تلملم جحافلها لمغادرة بولونيا بعد تفوق الحلفاء قبيل نهاية الحرب.

يفلح المخرج العبقري رومان بولانسكي في أن يجرنا الى أعماق تلك المأساة، فنعيش فصولها الدامية دون ضوضاء وبهدوء ودون أن يخضع للاغراء الكبير الذي تمثله تراجيديا الاحداث المتلاحقة، دون أن يقع في حبائل التطهير الارسطي الذي يصل بتقنيات العرض الدرامي الى حدّ الانخراط الروحي ذي الطابع الديني ممّا ميز التراجيديا الاغريقية الغابرة وبقي على مرّ الزمن يشوب التناول الفني للحكايات الملحمية. كسب تعاطفنا مع شبيلمان الانسان المسالم والمبدع الشاب الذي يمثل الجانب المعاكس تماما للعسكري النازي الذي كان يغرق في وحل الجريمة وتحطيم المثل والقيم الانسانية النبيلة.

سخرّ بوبلنسكي كل طاقات العرض الصوري وامكانات الممثلين الحرفية ومكملات الطرح السينمائي من ازياء ومؤثرات وموسيقى ومونتاج ومكياج، فيصهر كلّ هذه المفردت في كلّ واحد لا نكاد ان نتبين اختلافاته ومراحله المتداخلة

البناية المهجورة:

يشكل وصول شبيلمان الى البناية المهجورة مفصلا اساسيا في الفيلم، فهي شكلت ملاذا اخيرا للهارب يمكن ان يظل مختبئا في سراديبها الكثيرة وانحائها دون ان يكتشفه احد بعد أن يأس من العثور على مأوى وهو الذي اختبأ حتى في جحور وسعت حجم جسده فحسب. لم يكن شبيلمان يعرف طبيعة البناية تلك التي تمثل برأيي معادلا لحال اوربا في تلك الحقبة، بناء محطم مهجور يملكه غصبا ضابط نازي، ويحوي في ذات الوقت آلة بيانو لم يطالها التدمير والتحطيم، البيانو الذي شكل الأمل في مستقبل وحال جديد حين يستطيع رغم كا هذا الدمار أن ينتج فنا وموسيقى تصل الاسماع بين دوّي المدافع وهدير الرصاص.

وجد نفسه يقف وجها لوجه امام الضابط الماني كبير الرتبة الذي عاد الى البناية مصادفة ليتفقدها، كان شبيلمان يبدو امام الضابط مثل شحاذ رث الملابس اشعث الشعر بيحث عن كسرة خبز بين الغرف الخالية ليبقى على قيد الحياة، لفت عازف البيانو انتباه الضابط الذي كانت تبدو على وجهه سيماء الهزيمة والانكسار بسبب خسارة المانيا الحرب والقرار بمغادرة بولونيا، عرف الضابط بهوية شبيلمان اليهودية، ثم عرف به عازف بيانو، طلب منه العزف ليختبره، لم يصدق شبيلمان أنه اضطر ليجلس على كرسي بيانو ليعزف بحق وحقيق وقد حسب في قرارته بانه لن يمسه ثانية، وكيف يمس آلة بيانو وهو لايستطيع ان يجد كسرة خبز، الخبز اولا، ثم البقية الباقية، وبأصابع مرتجفة وخوف وارتعاب عزف شبيلمان وكأنه كان يعزف روحه ويسفحها على أصابع البيانو، كان ذلك مشهدا عظيما من مشاهد الفيلم وربما من أعظم المشاهد في تاريخ الشاشة البيضاء، مشهد ادّاه الممثل برودي ببراعة وتمكن لايضاهى.

قرر الضابط الالماني ان يساعد هذا اليهودي العازف الشحاذ، هنا يتجاوز الفلم الطرح التقليدي لأفلام الحرب العالمية الثانية.. اذ يبرز امامنا ضابط الماني كبير المنصب.. رحيم القلب من جهة اخرى، لماذا يقرر الضابط مساعدته؟! سؤال يتركه بولانسكي وهوارد مفتوحا، هل لانه كان مغرما بالموسيقى..؟ ام لان الرايخ انكسر وخسرت المانيا الحرب، فلربما كان يتوسم في شبيلمان ان ينقذه لاحقا من العقاب ؟! لا ندري.

تنتهي الحرب وبعود شبيلمان الى اذاعة وارسو ليعزف البيانو كما كان يفعل قبل الحرب، بينما يقع الضابط في الأسر ويبحث عنه شبيلمان دون جدوى كي يحاول انقاذه.

فاز الفلم عام 2002 بثلاث جوائز اوسكارات ذهبت الى المخرج بولانسكي وكاتب السيناريو.. والممثل المبدع أدريان برودي الذي ادى اداء لايفارق الذاكرة بالفعل واستحق هذه الجائزة ( أفضل ممثل رئيس) الرقم الصعب في لائحة الاوسكار الذهبية.



#حسين_علوان_علي (هاشتاغ)       Hussain_Alwan#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في فلم (غراند تورينو) لكلنت ايستوود
- الفلم الالماني حياة الاخرين - الخيار الاخلاقي في مواجهة سلطة ...
- فيلم السقوط.. الساعات الاخيرة من حياة هتلر والرايخ الثالث.
- يا وجود
- أصل الشر!
- مسرحية فان كوخ - الطريق إلى الشمس
- السومري الدائن في زاهي الكتابة.
- حين تقع في غرام مدينة


المزيد.....




- الجمعة.. انطلاق نادي السينمائيين الجدد في الرياض
- غدا.. اجتماع اللجنة الفنية للسياحة العربية بمقر الجامعة العر ...
- “مبروك لجميع الطلاب ” رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور ...
- مذكرة تفاهم رباعية لضمان التمثيل القانوني المبكر للأحداث بين ...
- ضحك طفلك طول اليوم.. تردد بطوط على القمر الصناعي لمتابعة الأ ...
- الياباني أكيرا ميزوباياشي يفوز بالجائزة الكبرى للفرنكوفونية ...
- كيف تحولت شقة الجدة وسط البلد إلى مصدر إلهام روائي لرشا عدلي ...
- القهوة ورحلتها عبر العالم.. كيف تحولت من مشروب إلى ثقافة
- تاريخ اليهود والمسيحيين في مكة والمدينة حتى ظهور الإسلام
- رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2025 لكل التخصصات “تجاري، زراعي، ...


المزيد.....

- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان علي - فيلم عازف البيانو- تحفة لرومان بولانسكي وفيض من ثرائه