|
هذا هو سبب انفصام الشخصية العربية، وضعفها وانحطاطها!!
سليم مطر
الحوار المتمدن-العدد: 4961 - 2015 / 10 / 20 - 17:55
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هذا هو سبب انفصام الشخصية العربية، وضعفها وانحطاطها!! الفروق العظمى بين الصراع الديني ـ الحداثي في العالمين العربي والغربي؟
سليم مطر ـ جنيف تشرين الثاني 2015 http://www.salim.mesopot.com
ان أي مراقب لحال مجتمعاتنا العربية منذ اكثر من قرن وحتى الآن، يجد ان ثلاثة أرباع مصائبنا وطاقاتنا وصراعاتنا وخياناتنا وانقلاباتنا وحروبنا، متأتية من هذا الانشقاق التاريخي العظيم: الصــــراع بيــــن أهـــل الديـن عباد الماضي الاسلامي، وأهل الحداثــة عباد المستقبل الاوربي(ماركسيون وليبراليون وقوميون)!!
وهذه الهوة الخطيرة، لم نفشل فقط بردمها، بل لم نكف عن توسيعها بمزيد من التطرف الديني والتطرف الحداثي. واكبر دليل انها تحولت الى حروب اهلية ارهابية ادت وتؤدي الى تدمير دول وشعوب وتقسيمها ودفع ابنائها الى الهروب والتتشتت في انحاء العالم.
هذه محاولة سريعة ومختصر للمقارنة بين (الاحوال العقائدية: الدينية ـ الحداثية) في المجتمعات العربية والغربية. فلعل هذه المقارنة تساعدنا على رسم معالم الطريق الذي يساعدنا على الخروج من هذا القمقم المغلق، وهذه اللعبة الجهنمية التي لا تكف عن التفاقم منذ حوالي القرن والنصف. نعم هنالك مجال لمقارنة لأن المجتمعات الغربية، ايضا تعيش مثلنا هذا الصراع بين (الدين والحداثة) ولكن بخصوصيات كبيرة لم ينتبه لها لا حداثيونا ولا متدينونا. ويمكن اختصار هذه الفرون بالعاملين التاليين:
اولا ـ في المجتمعات الغربية، إن مرجعيات أهل الدين وأهل الحداثة، مقرهما وجذورهما في الغرب نفسه، وتستلهم مصادرها وحججها من الثقافة والتراث والتاريخ الغربي نفسه. مثال على ذلك: ان المسيحي الغربي مهما تعصب، والحداثي الغربي مهما تعصب، الاثنان يعترفان ويفتخران وينتميان الى الحضارتين اليونانية والرومانية. بل هنالك مثال أوضح: إن الطرفان المسيحي والحداثي، معاً استفادا من الفتوحات الاستعمارية الاوربية خلال قرون 1500 ـ 1945. فالكنائس المسيحية الاوربية، في ظل دولها الليبرالية الحداثية، نشرت مبشريها في جميع المستعمرات وأجبرت غالبية سكان أفريقيا وأمريكا وبعض آسيا، على إعتناق المسيحية الكاثوليكية والبروتستانية!!
بينما نحن في مجتمعاتنا العربية الممسوخة، فان أهل الدين وأهل الحداثة، يعيشان في كوكبين مختلفين، بل متحاربين. فالمتدين مهما كان عقلانياً، فأنه لا يعيش الحاضر، بل جذوره ومصادره محصورة في العصر الاسلامي وبالذات الحقبة الاولى. وهو يعتبر رغماً عنه إن كل التاريخ الحضاري العظيم السابق في الدول العربية مرفوضاً وثنيا كافراً. أما أهل الحداثة فهم أيضاً لا ينتمون الى واقعنا وميراثاتنا لأنهم يعيشون في كوكب آخر اسمه (اوربا وامريكا). فالحداثي مهما كان وطنياً وقومياً ويسارياً أو ليبرالياً، فانه رغماً عنه مصدره وملهمه وحلمه نابع من الحداثة والتجربة الاوربية. وحتى عندما يحاول أن يجبر نفسه ويتقرب من التراث الاسلامي، فأنه يلجأ بحذر ودبلوماسية وانتقائية يسارية أو ليبرالية، مستعيناً طبعاً بالمستشرقين الاوربيين!
ثانيا ـ إن التجربة الاوربية والامريكية، تمكنت خلال القرون الاخيرة من خلق تيار شعبي وسطي ثالث بين التيار الحداثي الالحادي المتطرف والتيار الديني المسيحي الكنسي. وهذا التيار الثالث موزع الى عدة اتجاهات بمختلف الالوان والعقائد، لا مسيحية ولا ملحدة: • اتجاه شعبي يمكن تسميته بـ (التيار اللا أدري Agnostique). فمثلاً، لو طرحت هذا السؤال على الناس الشعبيين في الغرب: هل أنت متدين أم ملحد؟ فأن نصفهم على الأقل سوف يكون جوابه التالي: (لا أدري.. اني أبحث عن الجواب..).. لهذا تراه من الطبيعي، إنه يتقبل الحوار معك إذا كنت متديناً أو ملحداً، لأنه يبحث عن اختيار..
• اتجاه روحاني بدائلي (New age- Alternative )، ينمو بقوة منذ أعوام الستينات يعتمد على العقائد الروحانية والآسيوية وغيرها. وفلسفته البدائلية تشمل مختلف جوانب الحياة، الروحية والطبية والتربوية، بالاضافة الى الموقف الرافض للتطرف الصناعي والسلاحي المدمر للطبيعة والانسان.
أما نحن، فأن نخبنا الدينية والحداثية، معاً بقيت حبيسة تحَّجرها وكسلها المرعب. فليس أسهل من استنساخ ثقافة السلف الصالح بالنسبة للديني، أو استنساخ الطروحات الاوربية الجاهزة، ليبرالية ويسارية، بالنسبة للحداثي.
أسطع دليل على غياب أية ثقافة أخرى مختلفة عن الثقافة السلفية (سنية وشيعية) والثقافة الحداثية الغربية (يسارية وليبرالية)، غياب أي اهتمام بتقديم العقائد الدينية القديمة والجديدة المنتشرة في العالم. كذلك غياب الثقافة البدائلية التي لها في الغرب نخبها الكبرى المعروفة وما لا يحصى من كتبها التي تجدها في جميع المكتبات. فنحن لسنا متخلفين عن اوربا فقط بالثقافة الحداثية، بل نحن متخلفون عنها خصوصاً بالثقافة البدائلية الروحانية الغنية والمتنوعة والشاملة لمختلف جوانب الحياة المعيشية والفلسفية والطبية.
النتيجة إن المواطن العربي المسكين ليس أمامه غير خيارين، أسود أو أبيض: أما أن يكون سلفياً صالحاً، أو حداثياً طالحاً!!!! وأي موقف ثالث متردد أو متسائل أو باحث، فأنه مرفوض بقوة من قبل الطرفين!! وهذا سر تفاقم انحطاط مجتمعاتنا بسبب إنفصام الشخصية وانمساخ الهوية وسيادة مشاعر الحقد والعنف. بينما الاوربي والامريكي، أمامه خيار ثالث فيه جميع الالوان والاذواق والاتجاهات. وبالتالي، فأن المجتمعات الغربية لا تعاني مثل مجتمعاتنا، من التمزق والاحتراب الوحشي بين أهل الدين وأهل الحداثة. لأن الخيار الثالث يشكل جسراً حوارياً بين أهل الدين وأهل الحداثة. ــــــــــــــ مهــــــم جـــــدا: هذا الموضوع جزء من الملحق ـ الخاتمة، الذي اضفناه الى الطبعة الثانية 2015 من كتابنا(المنظمات السرية التي تحكم العالم). ويمكن لمن ان يرغب مطالعة هذا الملحق بكامله مع الصور التوضيحية المهمة: http://www.salim.mesopot.com/images/stories/PDF/%20%20%20%20%20-%20%20os-4.pdf
#سليم_مطر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
آخر واهم اكتشاف في العصر الحديث: القصة الحقيقية لتحول اول قر
...
-
الساعات الاخيرة من حياة زعيم
-
أنا وآخري
-
زعيم ثورتي
-
خرافة الديمقراطية
-
يا عراقيين اصحو اصحو اصحو اصحو.. الى متى تصرون على دفن رؤوسك
...
-
ماذا تعني ثورة المزج بين الروحانيات والعلم:مثال علم النفس ال
...
-
سؤال عقلاني وحيادي وضميري بخصوص جرائم المجتمعات الاسلامية..
...
-
مازوخية الافراد والشعوب
-
اول كتاب شامل مصور عن تاريخ العراق: العراق.. سبعة آلاف عام م
...
-
صدور كتاب سليم مطر: مشروع الاحياء الوطني العراقي
-
اسماء الاشهر الميلادية، لنبقي على تسميتها العراقية الشامية
-
تاريخ العشق الامتلاكي الايراني للعراق
-
نظرية المؤامرة العالمية، هل صحيحة؟!
-
سر الخراب العراقي، وعلاجه؟َ!
-
الامة والقومية.. ما الفرق بينهما: نعم هنالك امم وقوميات عربي
...
-
من اجل ثقافة وسطية، بين تعصب الحداثة وتزمت الدين
-
حول موقفنا من الاسلام: اما ان نتجاهله ونتركه بيد الدجالين وا
...
-
الاكراد وحكايتي الطويلة معهم!
-
العراقي الحقيقي من يدين جميع القيادات الفاسدة ويقدس الوحدة ا
...
المزيد.....
-
بزشكيان: لو تآخى المسلمون لما تجرأت -اسرائيل- على ارتكاب جرا
...
-
المقاومة الفلسطينية: ندعو الأمة العربية والإسلامية وأحرار ال
...
-
صعود الإسلاميين.. ماذا يتغير في اللعبة السياسية بالأردن؟
-
-بدعة من الجفاء التهيؤ لها-.. خطيب المسجد النبوي يعلق على ال
...
-
المقاومة الإسلامية في لبنان تشن هجوما جويا بأسراب من المسيرا
...
-
باريس تتهيأ لإعادة افتتاح نوتردام: أجراس الكاتدرائية ستدق مج
...
-
صعود الإسلاميين.. ما الذي يتغير في اللعبة السياسية بالأردن؟
...
-
toyour el- janah .. تثبيت سريع لـ تردد قناة طيور الجنة الجدي
...
-
قائد حرس الثورة الاسلامية: كلما قدمنا المزيد من الشهداء اصبح
...
-
-موديز- تتوقع أرباحاً قوية للبنوك الإسلامية الخليجية
المزيد.....
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
المزيد.....
|