|
حوار مع الشاعر الفلسطيني يوسف القدرة
منى وفيق
الحوار المتمدن-العدد: 1357 - 2005 / 10 / 24 - 10:56
المحور:
مقابلات و حوارات
المقاهي الالكترونية لعبةُ الرُّوح حوار أجرتهُ منى وفيق مع يوسف القدرة
إنّه حُلُم ما زال يتشكَّلْ..هو انتصار للذّات، مُحافظ على "المسافاتِ" و"التوازنِ" و"كيفية الرؤية". ينفخُ لذّةً وجنوناً رامياً العالمَ خلف نهرهِ. ..إنّه يوسف القدرة الّذي ولد في ليلةِ الثالث من حزيران للعام 1983 حيثُ قلعة برقوق شامخة ومشروخة، في رُبى خان يونس بدأت علاقته بالكتابة ..كتابة لا تؤمن بثوابت اللغة و تعزي إخفاقها بضرورات الحياة .
.يوسف القدرة هو حنظلة آخر رسمه الشّعر ذات امسية ذابت فيها الشّمس في الماء .. يجعل الملح يزداد في دمائنا ظمأ!!
- مالشّجرة الشّعريّة التي تنتمي إليها؟ لو تذكَرتْ روحي البدايةَ الأولى، سأعرفُ حقيقةً لأيّ شجرةٍ أنتمي! ولأنّ روحي مُكبّلة بجسدٍ من طينٍ يشتهي، لا أعرف إن كانت هي من تحملهُ أو تحلُمه، فإنّها حتماً ستبقى تبحثُ عن شجرةٍ لتنتمي إليها، وأخيراً ستتحرر، حتماً ستتحرر، ولن تعود بحاجةٍ لشجرةٍ شعريّةٍ لتُعرّف بها بانتماءٍ يُحدّدها، وقتها ستكونُ قد فضحتْ سرّ الموتْ، ودخلتْ في عوالمٍ واضحة، عارية من أيّ غموضٍ يُشبهُ الذي تتلبّس به وترتديه في الحياة الآنية، ولكن يبقى لها تجاربها مع هذا الجسد، لأقول أنّ الشعر لديّ ما هو سوى كتابةٍ لتجربة الرُّوح مع الجسد، دونَ أدنى قلقٍ بما بعد الموتْ، لأنّهُ حتماً آتٍ، لذا لا زلتُ أحبو نحو شعريّة لا تعترفُ إلا بحواسٍ خمس، وحاسة سادسة شاملة للحواس، ذاهباً بها نحو نصٍّ لا يعترفُ بالأجناس الأدبية وإنما يجمعها في نصٍّ واحدٍ قادر على مسّ الآخر، الذي تُمثلهُ أناي نهايةً.
- أيّ طعم هو للقصيدة في عالم السّيبرنيتات؟ المقاهي الالكترونية، هي لعبةُ الرُّوح، تُدخلُ في متاهاتٍ لا تعرفُ خروجاً منها، بهذا يكونُ الجسدُ جزءً من عالمٍ قريبٍ منّي، وربما فيَّ! وعادةً ما تكونُ للقصيدة طعم الحالة التي يكون عليها القارئ، وتأخذُ تأويلاً مبنياً على مستواه المعرفي والثقافي والنفسي أيضاً، وأركّزُ على المستوى النفسي، لأقول أنّ القارئ، يقعُ في منطقة الاشتراك في كتابة النصّ المقروء دونَ وعيٍ منهُ، وذلكَ بما تُسقطهُ ذاكرةُ روحهِ على النصّ، وليخرج نهاية بما هو في داخله أساساً، وهنا تلعبُ القصيدة دور الكاشف، الذي يُمسك القارئ "متلبِّساً بحالته".. أعودُ لطعم القصيدة؛ لأسمع موسيقىً صوريّة تُدغدغُ أسراراً تُخجلُ المعنى، ولأنّ الشاعر "حسين البرغوثي" رحمه الله، عادةً ما كتب: "كنْ مركزاً.."، ففي عالم الانترنت، دائماً ما أكونُ مركزاً، أختارُ الطعمَ الذي أشتهي.
- حين تنادي : "يوسـف " أيكون في النّداء معان قويّة كتلك التي قالها الفلاسفة عن شعر هولدرلين؟ لأنني لا زلتُ أجهلُ يوسف، لم يحدثْ أن فعلتها. ولكنني دائماً ما أقرأهُ بوضوحٍ على البياض، ذاهباً به نحوَ اعترافاتٍ أعمق، كي يتسنى لي قراءتهُ بشكلٍ أوضحْ. حينَ أعرفهُ تماماً، وقتها سوف أفعل، وأخبركِ ما إذا كانت معانٍ قويّة كائنة في ندائي عليه، أم لا، دون تشبيهٍ بأيّ آخرْ.
- أصحيح أنّ قصيدة النّثر لم تضف شيئاً للشّعر العربي ؟ أصحيح أنّ من تفوّه بهذا الرأي قارئ لكلّ ما كُتب ضمن هذا الجنس عربياً؟!!، عادةً ما أسخرُ من الآراء المُطلقةْ، وأفضّلُ أن لا أسمعها، وأُؤكد أنّ زمن المطلق قد انتهى!
- كيف تتشكّل القصيدة لديك. انفعال، عزلة، انكسار، أم لحظات صفاء ؟؟ النصّ يتشكّل من مجموع هذا وذاك، بمعنى أنّ حالة الكتابة تكون تتويج لإرهاصات تقدّمت عليها بصمتٍ بالغٍ، وترقُّبٍ مصحوبٍ بارتفاع تأمُّليّ. ما يهمُّني هو اللذّة التي تنتجُ عن هذا الكلّ، باتصالي مع عمق ذاتي والبُعد الإنساني اللذين تنصهرُ بهما الأشياء والأسماء والأفعال...الخ. - أيّ العوالم ترتّب من خلالها هواجسك الشّعريّة؟ أتقصدينَ طقوس الكتابة؟!، أومن بذلك ولا أومن. ولكنّ حالة الكتابة تختزل كلّ شيء، تضغطهُ في اللحظة، فيها تختلفُ المفاهيمْ، ويُصبحُ الانسجام _في الكائن_ لا مفرّ منه. عدا ذلك، أستطيعُ أن أخبركِ أنّ [ الشموع، البخور، السجائر، فنجان القهوة، جهاز الكمبيوتر]، طقس أنسجم معه، وأجدني مُتصالحاً مع ذاتي ومع العالم ضمن هذا السياق.
- أجبني في كلمتين أو جملتين : . المرأة الحلم ليوسف القدرة؟ أعتقد أنّها واضحة في نصوصي، ولا زلتُ أحلُمُها. . الدّيانات الثّلاث لا تحرّم سرقة الكتب، سبق و فعلتها؟ سبق وفعلتها، ولكن ضمن منظومة أخلاقي. . ذاكرتك الشّعريّة، من يحفظها غيرك؟ هي كفيلة بأنْ تحفظ نفسها، إنْ كانت لديها القدرة. . أحبّ قصائدك إليك ؟ أحبُّ كلّ قصيدة لي، فهنّ جزء مني، وألعنهنّ في ذات الوقتْ.
- مالذي يشكّله لك الزّمن كبعد شعري ووجودي؟ الزّمنُ كبُعدٍ شعريٍّ يُشكّلُ لي "شبكة سلالمْ"، يُصعدُني ويهبطُ بي، والذي يُحدد السُّلم الذي أتواجدُ عليه، هي طاقتي، وما أبذلهُ منها، وقدرتي على تحديد حاجتي، ورغبتي في معالجة ذلكْ. عادةً أنتصرُ للحياة، كي أنتصرُ بالزمنْ. وكما تعرفينَ، عُمر الإنسان لا يكفي كي يحقق كلّ ما يرغب به، والانتباه لذلك وفهمهُ، يُقللُ من هوّة اليأس التي تترصّد بنا. وجودياً أحاول أن أحوّلُ ما يمكنهُ أن يكون صراعاً مع الزمنْ، إلى تصالحٍ، يُفضي بنا نحو الإنجاز، الإنجاز الذي لديه القدرة أن يغمرُنا بما نشتهي بعد اختيارٍ دقيقْ.
- ما أقصى أنواع الظّلم الّتي تراها تمارس في حقّ الشّعر العربي؟ دائماً سيبقى من يحفظ للشعر حقّهُ. وبما أنّ الشّعر كائن حيّ، فهو يحتاجُ لمزيدٍ من الاهتمام، ومزيدٍ من الانفتاح به على الجهات، وكسر للقوالب التي تخنقه، ليفرد جناحيه محلقاً متنفّساً ما يشتهي.. هكذا نضمن لهُ حقّهُ في الحرية. - ما يفتأ العديد يقول أنّ الشّعر لغة ما عادت صالحة لهذا الزّمن.. ما تقول أنت؟ أرى أنّ الشعر هو الكون ذاتهُ، وهو جوهر كل الكائنات، والزّمن غير قادر على إلغاء لغة هي حاجة طبيعية لاستمرار التوازن، ولغة الكون دائماً ستبقى واضحة في إشراقها من "صباح الخير" التي نهديها للأحبّة بداية كل نهار، وستبقى واضحة في ابتسامةٍ تُطرّزُ "خاصرة الصباح" التي تتراقص أمامكِ.. نهاية أقول: سينتهي الشعر حينَ ينتهي كلّ شيء!
- أما من قصيدة صدأت في درج مكتبك بعد أن صدأت في دواخلك؟ سأبحثُ في الدرج، لأجد نصوص مال لونها إلى الأصفر المحروق، رائحتها تُسعدني، وتُعيدني إلى لحظات كتابتها، وما قبل الكتابة، لأجد بها جزءاً منّي، أتذكّرهُ ولكن يُصيبني الحنين إلى مشاركة الآخر بهذه الذاكرة.. بهذا الشّعر.
- ماذا أعطت فلسطين لأشعارك ؟؟ المأساة الفلسطينية التي أدركتها مع بداية إدراكي للحياة، تحوّلت لديّ إلى ملهاة، وهي أيضاً مؤلمة، ومن إيماني أنّ المكان لهُ علاقة بتكوّن الشخصية الثقافية لدي الإنسان، فأنا أومن أنّ خان يونس _مكان ميلادي_ هي التي بدأت تُشكّل وعيي اتجاه الأشياء، وبعد ذلك.. أعتقد أنني تحررت من "الزمكان" شعرياً، وهذا واضح في نصوصي، فالزمكان دائماً غامضين، ولا يستطيع القارئ أن يُمسكهم بيديه. ولكن فلسطين تبقى دائماً في القلب، وفي الذاكرة. – ما رأيك في المقولة تلك " الشّعراء يكتبون قصائد للنّوم فقط"؟ ما أكتبهُ ينتمي للحياة أولاً وأخيراً، حتى النوم لديّ؛ هو مادة خامْ أوظّف في نصوصي ما تزورني من أحلام هي إعادة صياغة للواقع، أو لأقل هي الواقع الذي أتمناهْ، بعيداً عن واقعٍ أعيشه، وعادةً ما أتهمهُ بـأنّهُ "مشبوه بلا انتماءه للحياة"، أعتقد أنني أكتب ما هو بمثابة النصّ الذي يدعو للانتباه، والحياة، والانغماس بها حتى أطراف الأصابعْ.
- كيف يقيّم يوسف القدرة حركة الشّعر الحديث؟ هي حركة، كما التي نعرفها مسطرة في كتب التاريخ الروحاني للإنسانية، تشتمل على الجيد المُغاير، والسيئ الرديء، والزمن سيكونُ حاكماً عادلاً يفرزُ ويفصل، ويحكم بالاستمرار والخلود لكل ما يستحق ذلك، الجميل في الحركة الشعرية الجديدة أنها تحنى منحى تجريبي يُنتج أحياناً ما هو مُدهشْ، وقادر على التواصل مع روح عالم جديد، ومُستمر في تجدّدهُ، والشّعر كذلك.
– حنظلة .. الطفل الكاريكاتيري الّذي أبدعه الفنّان العالميّ ناجي العلي هو ذلك الطّفل الفلسطينيّ الغاضب على الواقع العربيّ الحالي و الّذي يدير لنا وجهه لن يلتفت إلينا إلى حين ينجلي الّليل الطّويل .. لماذا نحسّ في شعر يوسف القدرة أنّه حنظلة آخر بطريقة أخرى؟ ربما أنّني أُمارس الصراخَ على الورق، لأنني أومنُ أنّ حريتي تَكمنُ على هذا البياض، الذي أجرّدهُ، لأكتشف السواد الذي يلبسُ أقنعةً لم تعد قادرة على أن تُدير ظهرها لعالمٍ ذاهب بسرعةٍ نحو ما يجهلهُ، تاركاً المعاني الجميلة بين أقدامهِ. صراخي يقول أنّ الجمال يكمنُ فينا، والحقيقة تكمنُ فينا، والسعادة التي نشتهي أيضاً تكمنُ فينا، تعالوا لنعيد اكتشاف ذواتنا، الإنسان معنىً أبديّ، ونحتاج دائماً أن نضيفُ للإنسانية المعاني التي تخدمها.. والشّعر رسماً باللغة، تحيّة بالغة الدفء لروح الفنّان ناجي.. والخلود لحنظلة!!
_ نهايةً، تكّلمْ لنا عن تجربتك مع النشرْ؟ سأعوُد لبدايةٍ رخوةٍ، كانت اللغةُ فيها بريئةٌ من شهوةِ النشر التي راودتني بمكرٍ وهمّتْ بي وهممتُ بها ولمْ أرى أي برهانٍ لأتراجع دونَ أن أكونَ فريسةً لها، كان عمري 18 عاماً، كان عالمي عبارة عن غرفتي وبعض الكتبِ المُستعارة وشموعٍ وبخورٍ وأوراقٍ وقلمْ..وأصدقاءْ. بدأتُ أرسمُ عالمي المُتخيل، بسذاجةٍ وانفعالٍ _لم أعُدْ أثق بهما_ صففتُ ما حلا لي من نصوصٍ، وكنتُ منتبهاً للشارعِ، أعيشُ وقائعهُ وواقعهُ وحالتهُ بشكلٍ كلِّيٍّ. خرجَ معي مجموعةٌ شعريةْ عنونتها بـ [الذكرى أنا والذكرى منسية]، وذلكَ كان في عام 2001، وكانت طبعةً خاصةْ.. ولي معها تجربة بدائية لا أهتمُّ الآن سوى للتجربة ذاتها بعيداً عن تفاصيلها. وكان استمراري في الكتابة، حتى عادت شهوة النشر أواخر العام 2004، لأجمع خمس نصوص طِوال كتبتها في العامي 2001_ 2002، عنونتها بـ[ براءة العتمة ]، صدرت عن دار الماجد للنشر والتوزيعْ_رام الله، لا زلتُ أكتبُ مبتعداً عن "أنا" ذاهباً باتجاه "هو"، وثمّة فرق في أنني حين أكتب ذاتي بـ"أنا" إنما أكتبها ضمن حالتي التي يكون لها السطو الأكبر عليّ، أمّا "هو" فأنا أكتب ذاتي من "فوق"، هذا الاتجاه أنتج مجموعة عنونتها بـ [ لَعَلَّكِ ] التي ما تزال مخطوطة.
#منى_وفيق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حقدا ... عشقا ..وجنونا
-
يموتون تباعا..و كل موت و أنت حي يا ابي!
-
طوبوغرافيا الحزن
-
لوليد بن طلال..تلك شذرات حلميّة
-
قصص قصيرة
-
مونيتا
-
أسهم للبيع.. من يشتري مني كل هذا الحزن؟!
-
سطر في الخواء!
المزيد.....
-
Xiaomi تروّج لساعتها الجديدة
-
خبير مصري يفجر مفاجأة عن حصة مصر المحجوزة في سد النهضة بعد ت
...
-
رئيس مجلس النواب الليبي يرحب بتجديد مهمة البعثة الأممية ويشد
...
-
مصر.. حقيقة إلغاء شرط الحج لمن سبق له أداء الفريضة
-
عبد الملك الحوثي يعلق على -خطة الجنرالات- الإسرائيلية في غزة
...
-
وزير الخارجية الأوكراني يكشف ما طلبه الغرب من زيلينسكي قبل ب
...
-
مخاطر تقلبات الضغط الجوي
-
-حزب الله- اللبناني ينشر ملخصا ميدانيا وتفصيلا دقيقا للوضع ف
...
-
محكمة تونسية تقضي بالسجن أربع سنوات ونصف على صانعة محتوى بته
...
-
-شبهات فساد وتهرب ضريبي وعسكرة-.. النفط العراقي تحت هيمنة ا
...
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|