أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عزيز العصا - سميح غنادري في كتابه -المهد العربي-: المسيحية نبتة شرقية أصلانية.. رأت في الإسلام دين عدل -الحلقة الأولى- قراءة: عزيز العصا















المزيد.....

سميح غنادري في كتابه -المهد العربي-: المسيحية نبتة شرقية أصلانية.. رأت في الإسلام دين عدل -الحلقة الأولى- قراءة: عزيز العصا


عزيز العصا

الحوار المتمدن-العدد: 4934 - 2015 / 9 / 23 - 10:15
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


"سميح غنادري"؛ كاتب فلسطيني الأصل والفصل والمولد والنشأة، من مواليد عام 1950، في قرية الرامة التي تقع على عد نحو (25) كليو مترًا شمال مدينة عكا. وهو متخصص في موضوعي الصحافة والأدب العالمي في الفلسفة. لقد خاض "غنادري" غمار العمل السياسي والجماهيري، فَخَبر هموم شعبه وقدّر الحاجة الماسة للأمن والأمان، على مستوى الفرد والمجتمع، وما يتطلبه ذلك من مستوى عال من الوحدة الوطنية والالتحام الديني بما يشكل الركيزة الأساسية، في المحافظة على الهوية الوطنية والقومية لأبناء شعبه، الذي تسعى رياح التهويد إلى اقتلاعه من جذوره الممتدة لآلاف السنين في عمق هذه الأرض التي جبلت، عبر التاريخ، بدماء أبنائها المدافعين عنها دفاع الأبطال.
والآن؛ سوف نتوقف مع "سميح غنادري" وقد وضع بين أيدينا وأيدي الأجيال القادمة عصارة عامين متواصلين من البحث والتمحيص وقراءة السطور وما بينها. فكانت نتيجة ذلك كتابه "المهد العربي: المسيحية المشرقية على مدى ألفي عام والعلاقة المتبادلة مع الإسلام"، كانت طبعته الأولى في العام (2009) قد صدرت عن "دار 30 آذار للنشر"، ثم توالت الطبعات الأخرى حتى الطبعة الرابعة في العام (2012) الصادرة عن "مكتبة كل شئ" في حيفا.
والنسخة، قيد النقاش، هي الطبعة الأولى من الكتاب الذي يتألف من (608) صفحات، توزع عليها خمسة فصول، يسبقها "مدخل" يضم معجمًا يساعد القارئ في فهم عدد من المفاهيم والمصطلحات ذات الصلة بالمحتوى القادم، وتعريفًا بالكتاب وضرورته وأهميته، وينتهي المدخل بتأكيد "غنادري" على أن المسيحية نبتة أصلانية في الشرق وأنها من أهم مكوناته الروحانية. ويتبع "غنادري" فصوله الخمسة تلك بما أسماه "بدل الخاتمة"، ثم شكر لكل من ساعده (ماديًا ومعنويًا وبحثيًا)، وملحق بالخرائط الملونة يضم (31) خريطة تبين المسارات الجغرافية والتاريخية التي تتبعها الكتاب.
وأما الفصول الخمسة فتغطي العناوين الرئيسية التالية، وما يتبعها من عناوين فرعية ذات صلة: 1) القرون الثلاثة الأولى للمسيحية، 2) المسيحية في ظل الإمبراطورية الرومانية-البيزنطية، 3) المسيحية العربية في دولة الخلافة العربية الإسلامية، 4) الصليبية حرب وجريمة غربية بحق الإسلام والمسيحية الشرقية و5) العرب المسيحيون في عهد الخلافة العثمانية، ودورهم التنويري، ومساهمتهم في وضع أسس النهضة الوطنية والحركة القومية العربية الحديثة. ويخصص "غنادري" الثلث الأول من كتابه هذا للحديث عن المسيحية منذ نشأتها الأولى حتى مجئ الإسلام والذي استقبله المسيحيون العرب بما يشبه الحفاوة؛ منهم من انضم إليه، ومن بقي منهم لم يناصبه العداء.
ويحتضن ذلك كله غلاف جميل، عبارة عن لوحة من عمق الفن العربي الإسلامي (مرسومة بالفسيفساء)؛ في إشارة من الكاتب إلى جوهر الكتاب، القائم على أن العرب (مسلمون ومسيحيون) هم من شيدوا، بعرقهم ودمائهم، حضارة تحمل ملامح القوة والاقتدار، التي انفرد بها العرب والمسلمون دون غيرهم عبر الحقبة التاريخية التي يغطيها الكتاب.
لقد قدر لي أن أطالع ما بين دفتي هذا الكتاب، على مدى بضعة أيام. فلم أجد كاتبه مؤرخًا، إلا أن الكتاب يحتوي كما كبيرًا من المعلومات التاريخية، ولم أجده فقيهًا، إلا أن في الكتاب قضايا فقهية؛ إسلامية ومسيحية. وبين هذا وذاك وجدت الكتاب يرتكز على المحاور الرئيسية الآتية.
المحور الأول: المعلومات التاريخية:
لم يكن الكتاب كتاب تاريخ، ولم يرد له المؤلف ذلك، إلا أن "غنادري" بذل جهدًا جادًا من أجل توفير المعلومات التأريخية الدقيقة التي وظفها في النص، للتأكيد على وجهة نظره، وإستراتيجيته في التفكير والتحليل التي احتكم إليها في مناقشة الحراك الذي تعرضت له المسيحية المشرقية على مدى ألفي عام، وعلاقتها المتبادلة بالإسلام.
نظرًا لازدحام هذا المؤلَّف الضخم بتلك المعلومات، ولطول البنية الزمانية للنص؛ الممتدة حتى ألفي عام في عمق التاريخ، ولحجم البنية المكانية للمكان الذي يغطيه الكتاب، والممتد على اتساع ثلاث قارات. فإنني، وأنا أشعر بالتقصير في إيصال الفكرة للقارئ، سوف أكتفي باستعراض المعلومات التاريخية التالية:
أولًا: ما قبل الإسلام:
لقد ولدت المسيحية ونشأت في النصف الأول من القرن الأول للميلاد في مقاطعة فلسطين التابعة لولاية سوريا ضمن الامبراطورية الرومانية، بين فناءين معاديين، هما: الامبراطورية الرومانية الوثنية والمتعددة الآلهة، والدين اليهودي الذي اتخذت مؤسسته الكهنوتية موقف الرفض والعداء للمسيحية منذ ولادتها. وعادى اليهود في العقود الأولى لتبشيرهم ثقافة عصرهم (الهيلينية)؛ باعتبارها ثقافة عبادة أصنام وتعدد آلهة، مقابل عنف ومادية وإباحية ثقافة الإمبراطورية (الرومانية). وقد نشط المسيح وتلاميذه في البلاد المسماة "فلسطين" حاليًا، وعلى ضفتي نهر الأردن، وأما ابن فلسطين المسيح فلم تخط قدماه حدود وطنه فلسطين إلا نحو صور وصيدا. ثم تتوسع الدعوة للمسيحية لتشمل "مصر" التي تصبح المركز الثاني لها بعد سوريا ومدينتها أنطاكيا، وهناك تتشكل الكنيسة القبطية.
المسيحية ثورة، لا دعوة للمهادنة كما يعتقد البعض، والمسيح هو الثائر الأول والشهيد الأول. إذ أن المسيح، الذي ولد يهوديًا لعائلة يهودية ونشأ على تعاليم العهد القديم، دخل أورشليم واقتحم "الهيكل" بشجاعة الثائر مواجهًا القيادة الكهنوتية اليهودية المتحالفة مع الجنود الرومان والمدعومة منهم، ودعا إلى حمل السيف لاجتثاث عالم الظلم والخطيئة . وقد نعت المسيح كهنة اليهود وقادة فرقهم بصفات لا يتسع المجال لذكرها، منها: أولاد الأفاعي، حيّات، زناة، مراؤون، آكلوا بيون أرامل. وفي تصويره لجشعهم وطمعهم، يقول: يصفّون الماء من البعوضة لكنهم يبتلعون الجمل. ويحذر "غنادري" من التيار السياسي الذي ظهر في النصف الثاني من القرن العشرين بإسم "المسيحية الصهيونية"، باعتباره التيار الذي يشوه تعاليم المسيحية التي ترفض التبشير لـ "شعب الله المختار"، وإنما تبشر لجميع الأمم.
أول كنيسة مسيحية في العالم تأسست في القدس، وهي "كنيسة أورشليم" توالى على أسقفيتها (13) أسقفًا خلال (28) عامًا (106-134م)، استشهدوا بغالبيتهم ، كان آخرهم "مرقس" وهو أول أسقف عربي لا ينحدر من أصل يهودي. وقد عانت هذه الكنيسة من الاضطهاد الشديد على يدي "شاؤول"؛ اليهودي المتعصب . وقد تعددت موجات الاضطهاد الروماني للمسيحيين، وتفاوتت في حدتها في القرون الثلاثة الأولى للميلاد، خلال الفترة (54م-275م)؛ بدءًا من نيرون وحتى أورليان . فقدم المسيحيون قوافل الشهداء حتى أطلق على دينهم "دين الشهادة والشهداء".
وفي العام (312م) تنصّر الإمبراطور الروماني (قسطنطين)، وتبنى شعارًا سياسيًا مفاده "إمبراطورية واحدة-إله واحد"؛ لفهمه أن المسيحية الصاعدة مكسب أيديولوجي للإمبراطورية ومرساة لثباتها ووحدتها، عدا عن كونها دينًا يبشر بإله واحد، ثم يرسل أمه "هيلانة"، إلى فلسطين فزارت بعض الأماكن المرتبطة بحياة المسيح، وقامت بتشييد (25) كنيسة، منها: كنيسة المهد في بيت لحم وكنيسة القيامة في القدس.
بعد أن أصبحت الكنيسة ابنة قصور الإمبراطور، تغلبت عليها السلطة الدنيوية، وأصبحت عصا الإمبراطور صاحبة السطوة والقرار عند كيل الاتهامات لقادتها وأساقفتها وبطاركتها، حتى "تنصرت الإمبراطورية وتأمبرطت النصرانية"، وكما حصل مع الكنيسة الأرمنية، عندما "تنصرت أرمينيا وتأرمنت النصرانية". ثم أخذت الانشقاقات تجتاح الكنيسة، ليكون نصيب "الكنائس العربية" أن ينظر إليها على أنها "كنائس هرطقة" .
ثانيًا: الإسلام وما بعده:
كان العرب، يعودون إلى الأصل السامي، وهم موجودون في المنطقة منذ قرون عديدة قبل الميلاد ، وثنيون ويحتقرون حضارة الرومان والفرس، وصلهم التبشير المسيسحي عن طريق التبادلات التجارية، وحتى العقد الثالث من القرن السابع كانت المسيحية تشير، بخطى ثابتة، نحو تنصير غالبية العرب، أينما تواجدوا. وفي سنة (582م) يلتقي الراهب بحيرى بأبي طالب ومعه ابن أخيه "محمد" بعمر (12) عاما، فقال له بأنه يرى في "محمد" علامات النبوة، وعزز ذلك ورقة بن نوفل-المسيحي.
إبان انتشار الدعوة المحمدية، التي بدأت عام (610م) واستمرت لمد (22) عامًا وهي دعوة تعود إلى الحنيفية؛ أي إلى دين إبراهيم القديم الموحد بالله والمسلّم بأمره له، أي أن موسى وعيسى (نبيي اليهودية والمسيحية على الترتيب) هما تجليات تاريخية للوحي الإلهي ذاته. في تلك الحقبة، كانت المنطقة تشهد هناك انشقاقات داخل الكنيسة الأرثودكسية، وكان الفرس يحتلون مناطق من بيزنطا بما فيها فلسطين.
وهكذا؛ يأتي الفتح العربي الإسلامي في أواسط القرن السابع، ليقضي على مملكة الفرس، ويقتطع مساحات واسعة من الامبراطورية البيزنطية"، ليستقر الأمر بتعريب وأسلمة العراق والشام ومصر.، فيصبح حوض البحر الأبيض المتوسط بحرًا لثلاث كتل سياسية، هي: الكتلة الغربية بممالكها، والكتلة البيزنطية، والكتلة العربية الاسلامية (على شرقه) التي تمتد إلى شواطئه الغربية.
ويستطرد "غنادري" في توفير المعلومات التاريخية الخاصة بالأحداث التي يمر عليها، مثل:
1) الإشارة إلى المعلومات الخاصة بكل حقبة من حقب الخلافة الإسلامية المختلفة، التي بلغت مساحة دولتها الإجمالية (12 مليون كيلو متر مربع)، واخترقت ثلاث قارات؛ آسيا وأفريقيا وأوروبا، وامتدت من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهندي وإلى الصين، وتخللها انفصالات وقيام دويلات وممالك محلية شبه مستقلة أو مستقلة كليًا. والتي تتلخص كما في الجدول التالي:
الخلافة الفترة الزمنية عدد الخلفاء
الراشدة 28 عامًا (632-660) 4
الأموية 89 عامًا (661-750) 14
العباسية 508 أعوام (750-1258) 37 انهارت على يد المغول
المماليك (قامت على أنقاض الدولة الأيوبية) 267 عامًا (1250-1517) 47 سلطانًا
العثمانية 400 عام (1517-1918) 38 سلطانًا ورثوا العباسيين والمماليك، واعتمد نظام وقوام جيشهم على الانكشارية؛ وهم غلمان نصارى في الأصل
2) ساهم العرب النصارى في التمدن العربي الإسلامي، عبر الحقب التاريخية المختلفة، علما بأنهم كانوا قبل الإسلام قد نقشوا وكتبوا بالخط العربي، وكانوا قد نظموا الأشعار وبرعوا في الموسيقى والغناء، وعندما جاء الإسلام، وعلى امتداد الخلافات الأربع (الراشدية-العثمانية)، تولى النصارى العرب وغيرهم من أهل الذمة، مناصب عدة، حصرها أحد الباحثين بـ (406) موظفين خلال الفترة (622-1517م)؛ (75 وزيرًا، و31 موظفًا تنفيذيًا كبيرًا، و300 كاتب).
3) ورد في الكتاب معلومات جيدة حول حملات الصليبيين-الفرنجة على بلاد الشام، بما فيها فلسطين، ومن ثم احتلالهم وحكمهم لها لقرنين من الزمن (1097-1291)، وكانت الهدف "المعلن"، الأول والأساسي، لتلك الحملات لعامة الناس "تحرير الأماكن المقدسة، ونجدة الدولة البيزنطية المسيحية".
4) يختلف المؤرخون في عدد الحملات الصليبية؛ فمنهم من يعتقد بأنها خمس حملات، وآخرون يتحدثون عن سبع وغيرهم يتحدث عن ثماني أو تسع حملات. وبالإمكان الحديث عنها كحملة واحدة متواصلة؛ دون خط وفاصل وواضح بين الواحدة والأخرى. وكانت الحملة الأولى في العام 1096م.
5) في 04/07/1187م تقع معركة حطين، التي ينهزم فيها الفرنجة شر هزيمة، وفي 02/10/1187م يتم تحرير القدس من أيدي الفرنجة الذين لم يبق من ممالكهم في بلاد الشام، إلا أنطاكيا وطرابلس وبعض المدن والقلاع الصغيرة، ثم يعاود الصليبيون الكرّة فيحتلون الساحل، بما فيه عكا، ويعقد معهم صلاح الدين صلحًا، يبقو هو بموجبه في الداخل الفلسطيني، وعندما يستصرخ الخليفة العباسي (الناصر لدين الله) فلم ينصره.
6) من بشاعة الفرنجة وسوء أخلاقهم مع المسيحيين، ما قاموا به في العام (1204) في القسطنطينية من اقتحام لكنيسة "آيا صوفيا" التي يختبئ فيها بعض البيزنطيين، ورغم رفعهم للكتب المسيحية تم ذبحهم، هم وكهنتهم، داخل الكنيسة وخارجها. وفي ذلك الشأن يجمع المؤرخون على أنه "لم يأت الصليبيون بالسلام بل أتوا بالسيف.. وهذا السيف مزّق العالم المسيحي".
7) كما يورد "غنادري" معلومات تاريخية حول الصراع بين المسيحيين على الأماكن المقدسة، أيام العثمانيين، وصلت حد الاقتتال العنيف، في السنوات: 1674، و1872، و1893، و1901، فيسقط قتلى وجرحى من الكهنة والرهبان وعامة المؤمنين.
8) يفرد "غنادري" مساحة واسعة للإرساليات التبشيرية الغربية، والامتيازات التي حصل عليها الأوروبيون لدى الخلافة العثمانية، والتي توجت بالمدارس والمعاهد التعليمية، التي تحمل مبادئ الثورة الفرنسية (1789م)، وما فيها من ثورة عارمة مشبعة بالثورة الصناعية وبالحضارة والتمدن والقيم والمثل الأوروبية الجديدة المنعتقة من التخلف. في حين أن التعليم في مناطق الخلافة كان بمستوى "الكتّاب" والدروشة. كما أسست تلك الإرساليات أديرة ورهبانيات خاصة بها، بهدف التبشير بين أرثوذكس الشرق، لا بين المسلمين. ويتطرق كذلك إلى الإرساليات الروسية، في خدمة القيصرية والكنيسة الروسية، ودعمها لحقوق نصارى بلاد الشام .
9) ويختم "غنادري" كتابه هذا بالتطرق للدور الريادي التنويري للعرب النصارى، وأثرهم في النهضة الوطنية والحركة القومية العربية. ويشير "غنادري" إلى أن هناك شيوخًا وعلماء مسلمين كانوا سباقين لذلك أيضًا وفي وقت مبكر من القرن التاسع عشر، كما في مصر ولبنان. مع التأكيد على أن القوميين العرب النصارى اعتبروا الإسلام والحضارة العربية الإسلامية مكونًا مركزيًا؛ تاريخيًا وثقافيًا من مكونات الهوية القومية العربية.
المحور الثاني: الإسلام: دين لم يقم على السيف.. ويبيح للنصارى البقاء على دينهم
نزل القرآن الكريم، فورد فيه ذكر المسيحيين و/أو النصارى، في مواضع مختلفة، حتى أن هناك سورًا حملت أسماء تخصهم، مثل: آل عمران، ومريم، والمائدة، وأن القرآن قيّم المسيحية وقدّرها واحترمها كدين سماوي، وأن المسيحيين واليهود هم أهل كتاب، علما بأنه في مواضع معينة، كما يرد في سورة الفاتحة بوصفهما بـ "المغضوب عليهم والضالين". ويورد "غنادري" أن هناك من يرى أن المقصود بذلك هم الذين لم يهتدوا ولم يلتزموا، وهناك من يرى بأن الإسلام يكفّر من يؤمن بالثالوث وليس من يؤمن بالله، كما أنه يكفّر أصحاب الفرق التي تؤلّه مريم العذراء وتؤلّه المسيح. كما فرض القرآن والسنّة وجوب دفع "الجزية" ويصبحون من "أهل الذمة"، ثم تظهر المذاهب الفقهية الأربعة التي تتفق في قضايا، وتختلف في قضايا أخرى بشأن المسيحية واليهودية.
لقد خصص "غنادري" في كتابه هذا مساحة جيدة للدفاع عن إسلام العقيدة، وتمييزه عن إسلام الدولة (ص: 318-324)، كما تصدى "بقوة" لمقولة "أن الإسلام فرض نفسه بحد السيف والإكراه"، هذه المقولة التي أدت إلى ما يطلق عليه في عصرنا "إسلاموفوبيا"، والترويج لها على أن "الإسلام يشن حرب جهاد مقدسة" تهدف إلى القضاء على الحضارة الغربية وفرض أسلمة على العالم. ويرى "غنادري" انه يقف وراء ترويج هذه المقولة قوة أوروبية صليبية، تبريرًا لأطماع إلى سلطتين؛ سياسية وكنسية تهدفان إلى احتلال الشرق. كما يقف وراء هذه المقولة الجهل الفاضح بالإسلام. ويفند هذه المقولة من خلال الأمثلة والمفاهيم الآتية:
• لم ينشر "محمد" (ص) دينه بالسيف، وإنما من خلال تحدّيه للسيف ومقاومته، بما فيه سيف الوثنيين، ومنهم أبناء قبيلته قريش. ففي العام (616م) أرسل أتباعه إلى الحبشة المسيحية هربًا، وفي العام (622م) يهاجر إلى المدينة هربًا من العنف والسيف. ثم أقام الإسلام إمبراطورية غيرت وجه العالم خلال قرن واحد فقط، وما من إمبراطورية قامت في العالم عن طريق الورود والرياحين.
• أما الجهاد في الإسلام لا يعني الحرب والقتال والعنف لفرض الإسلام على الآخرين, وإنما هو للدفاع عن النفس وعن الحق, وعندها تصبح الحرب ضرورة في نصرة العدالة وتحقيق السلام. كما لم تكن حروب المسلمين, في الردة وفي حروب الفتوحات, حروبا على الكفار لفرض الإسلام بحد السيف. فحروب الردة كانت في الجزيرة ضد قبائل ارتدت في الأساس عن دعم الدولة الإسلامية الناشئة ودفع الزكاة والانصياع لها. وهنالك شعوب ودول اتخذت الإسلام دينًا رسميًا لها، دون أن تطأ قدم مسلم أراضيها .
وبحسب "غنادري"، فإنه لم يسجل في التاريخ أن الإسلام شنّ حربًا على المسيحية و/أو اليهودية كديانتين توحيديتين، وإنما كانت الحروب التي شنها المسلمون، في عهد النبي محمد (ص) إما في مواجهة الوثنيين الذين شكلوا خطرًا على الدعوة، وإما ضد اليهود لأنهم خانوا المعاهدات بخصوص حيادهم في المعارك مع الوثنيين، أو ضد المسيحيين بهدف تأمين طرق تجارية وسلامة قوافل ومسارات استراتيجية؛ لتوسيع سلطة دولة المسلمين باتجاه سوريا والعراق وفلسطين.
ولعل الأمر يصل ذروته بشأن العلاقة الاسلامية-المسيحية في عهد الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، فيما يورد "غنادري"، بأنه في سنة (631م) جاء وفد من نصارى نجران، يضم 40-60 شخصًا، للاجتماع بالرسول محمد (ص)، فدخلوا عليه في الجامع وصلبانهم على صدورهم، وحين تحين ساعة صلاتهم يؤدونها داخل الجامع؛ حسب عرض الرسول (ص) عليهم، وتنتهي المحادثات بدفع المسيحيين النجرانيين الجزية مع بقاء كل طرف على معتقداته.
يتبع/ الحلقة الثانية



#عزيز_العصا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الذكرى -33- لمذبحة صبرا وشاتيلا: أَلَمٌ يتجدد.. وواقع يشي ...
- في الذكرى السادسة والأربعين لحريق المسجد الأقصى: من مرارة ال ...
- نافز الرفاعي في -الخنفشاري-: يعيد صياغة المفاهيم.. ويتجول بن ...
- منى ظاهر في -الأرجوحة-13-: قصص متميّزة مخلصة لفنّ القصّة الق ...
- المتوكل طه في روايته -نساء أويا-: معمار روائي مدهش.. وشخصيات ...
- دينا سليم في -جدار الصمت-: رواية سيرية حزينة.. بنكهة نسوية؛ ...
- عبد الله دعيس في -لَفْحُ الغُرْبَةِ-: يجمع بين الطابون و-الآ ...
- شهر رمضان المبارك في فلسطين: بين عبق العبادة.. وعشوائية الاس ...
- مشهور البطران في روايته -السماء قريبة جدًا-: الوطن ثيمتها.. ...
- حزب البعث وجبهة التحرير العربية يقيمان سرادق عزاء للشهيد -طا ...
- وليم فوسكرجيان في مجموعته القصصية: يستحضر التاريخ.. ويعيش غر ...
- في الذكرى الرابعة عشرة لاستشهاد فيصل الحسيني: المقدسيون في ا ...
- عبد الغني سلامة في مجموعته القصصية -قبل أن نرحل-: قصص بنكهات ...
- من الإسراءِ والمِعراج.. إلى النكبة: -صراع متصاعد على أرض فلس ...
- الوطن العربي يتشظّى.. و-إسرائيل- تتمدد -العلاقات الخارجية ال ...
- رضوى عاشور في روايتها -الطنطورية-: حكاية للنكبة.. تواصل بين ...
- القدس: فيها الداء وفيها الدواء!
- أمير سعد: تركت في جيلك فراغًا.. فمن له إلا أنت؟! بقلم: عزيز ...
- عاصم الخالدي في ذكرياته من باب السلسلة: يتصفح ماضي القدس؛ بف ...
- رغم القَيْد.. الأقصى يدافع عن الأمة! بقلم: عزيز العصا


المزيد.....




- بآخر تحديث للجيش العراقي.. هذه نتائج انفجارات قاعدة الحشد ال ...
- شاهد اللحظات الأولى لانفجارات ضخمة داخل قاعدة للحشد الشعبي ف ...
- فيدان: زيارة السيسي لتركيا ضمن جدول أعمالنا
- الميكروبات قد تحل ألغاز جرائم قتل غامضة!
- صحة غزة: 4 مجازر خلال 24 ساعة وإجمالي ضحايا الحرب تجاوز 34 أ ...
- الحرمان من النوم قد يقودنا إلى الإصابة بـ-قاتل صامت-
- مكمّل غذائي شائع يمنع الإصابة بنزلات البرد والإنفلونزا
- العثور على -بكتيريا مصاصة للدماء- قاتلة متعطشة لدم الإنسان
- -واتس آب- يحصل على ميزات شبيهة بتلك الموجودة في -تليغرام-
- لجنة التحقيق الروسية تعمل على تحديد هوية جميع المتورطين في م ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عزيز العصا - سميح غنادري في كتابه -المهد العربي-: المسيحية نبتة شرقية أصلانية.. رأت في الإسلام دين عدل -الحلقة الأولى- قراءة: عزيز العصا