أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - خليل عيسى - حانت لحظة الحقيقة أيها اللبنانيّون















المزيد.....

حانت لحظة الحقيقة أيها اللبنانيّون


خليل عيسى

الحوار المتمدن-العدد: 4916 - 2015 / 9 / 5 - 08:53
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


كان المشهد تاريخيًّا بحقّ. ثلّة من الديمقراطيين الثوريين يجلسون القرفصاء على أرضية وزارة البيئة اللبنانيّة، في نهار أوّل سبتمبر/أيلول من سنة 2015، ينادون باستقالة وزير البيئة الذي أقرّ بعجزه عن القيام بمسؤوليته. يدفع المواطنون، ضرائب، عشرات آلاف الدولارات أجرًا شهرياً له، لي يقوم بعمله، لكنه لا يريد أن يفعل ذلك، ولا يريد الاستقالة. يريد أن يعيش طفيليًّا على حسابنا مثله مثل كلّ النواب السابقين، الممدّدين لأنفسهم والفاقدين شرعيتهم الدستوريّة. كان مطلب المعتصمين السلميين استقالة الوزير محمّد المشنوق، وزير البيئة الذي يكنّ حبّا عميقًا للسلاحف البحريّة كما أعلمنا الوزير الفاشل في قيامه بمسؤوليته، في حكومة فاشلة في قيامها بمسؤولياتها في معالجة ملفّ النفايات، أو أيّ ملف آخر، باعتراف رئيسها نفسه.
وهذه المرّة، كان هنالك شيء إضافيّ، فمذ دخول المناضلين إلى الوزارة كانت وسائل الإعلام المحليّة التي تنقل، بالبث المباشر، فيلم التعرّي السياسي البطيء السمج، الذي كان يكشف، ثانية بثانية للجميع، كذب ونفاق وادعاءات أحزاب سلطة تحالف"8-14" آذار في لبنان مجتمعًا، فانْشَدَه المواطنون الذين كانوا يرون مباشرة على الشاشات قلّة من الشجعان تلقّن السلطة درسًا في الديموقراطية، كما يجب أن تكون. طوال النهار، وعلى مدى أكثر من عشر ساعات، شباب وشابات يطالبون، كما يحق لأي مواطن مسؤول، أن يفعل... باستقالة وزير! لكنّ ما رآه اللبنانيون كذلك هو أن النفايات التي تتكوّم على قلوبهم وأمام أنوفهم، وتهدّد صحّة أطفالهم، جبالًا في نهر بيروت الذي تحوّل، أخيراً، إلى مكبٍّ سيفيض وسخا وأمراضًا في أوّل هطول للأمطار مقبلٍ، هذه النفايات ستخسر حتمًا في المنافسة أمام النفايات البشرية التي تسيطر بشكل ديكتاتوري على مقادير اللبنانيين، ولا تريد أن تتحمّل مسؤوليتها في السلطة، أو تقدّم أي حلول لمواطنيها... بل هي "تعالجهم"، المواطنين، بالرفس والضرب والسحل! لا تتردد هذه السلطة، أمام عجزها وتضعضعها البيّن، في أن تضرب، بطرق مهينة، أشجع مواطنيها الذين رفضوا أن يقبلوا الموت ببطء تحت أكوام النفايات والكوليرا والطاعون القادمين. إنه ذنب عظيم ارتكبه هؤلاء المواطنون حقًّا عندما تجرأوا على القول للمسؤول: قم بمسؤوليتك أو ارحل.
بينما كانت الناس تُضرب بوحشية، كانت "كتلة المستقبل"، وهي "كتلة" لم يعد لها صفة دستوريّة إطلاقاً، وباتت انقلابيّة على سلطة الشعب التي انتخبها، تعلن رفضها "الضغط لإقالة أيّ وزير أو مسؤول من منصبه بهذه الطريقة الانقلابية الخطيرة". وقد وصل الصحفي علي حمادة، العامل في تلفزيون المستقبل، إلى حدّ وصف المتظاهرين، في مقالة له في جريدة النهار البيروتيّة في 25 أغسطس/آب 2015 بأنهم "مطية لحزب الله"، و"رعاع يسيّرهم عقل إرهابي". وذلك في تقليد مبهر لتقنيات إعلام النظام السوري، عدوّ الصحفي اللدود. خلال ذلك، كان الإعلام الحربي لحزب الله، هو الآخر، يستقبل خَدَمَه الأيديولوجيين الذين كانوا يتخيّلون، بالبث المباشر المتلفز، رواياتٍ مثيرة للغثيان حول "المؤامرة المشبوهة الأميركية" التي تجري أمام اللبنانيين، بينما كان القادة الأصليون لهؤلاء في إيران، في اليوم نفسه، يمحوْن عبارات "الموت لأميركا" من على حيطان السفارة الأميركية في طهران. وكان مهرّجون آخرون قد كتبوا، قبل شهور، قصائد في مدح مليشيات "الحشد الشعبي" في المستعمرة العراقيّة التي تتفنّن في حرّق الناس وصلبهم، فأصبح هؤلاء أنفسهم، فجأة، يستشيطون غضبًا من الطابع "الطبقي" للمتظاهرين، لانّ أكثريتهم من الطبقة الوسطى التي يكرهونها جدًّا جدًّا، وليس من البروليتاريا التي يموتون حبًا بها، فيقدّرون جدًّا جدًّا من يقتلها بالبراميل المتفجّرة في سورية والعراق (مقالة عامر محسن في جريدة الأخبار البيروتية، 11 مارس/آذار 2015).
كذلك قام ضابط المدفعيّة السابق، ضابطُ مدفعيتنا للأبد، النائب المنتهية ولايته الدستورية، ميشال عون، والممدّد لنفسه بشكل غير دستوري، والذي لديه وزراء في حكومة سلطة الأمر الواقع، والذي يتبنى خِطابًا شيزوفرينيًّا معارضًا للسلطة التي هو جزء منها، بالتعبير عن "مخاوفه" من "مخاطر الربيع العربي إذا ما أتى إلى لبنان"، لأنّ مطالبة المواطنين وزيرًا بالقيام بمسؤوليته في ألّا تصبح النفايات مكوّمة في منازلهم إلى أبد الآبدين، ليست سوى مؤامرة إقليمية دولية، يجب التحوّط منها أيّها اللبنانيّون! لكن، ماذا عن العرّاب نبيه برّي؟ الساحر الذي "أخرج أرنبًا أبيض من كمّه الأسود"، على حدّ قول أحد مدّاحي السلطة فيه. رجل لا يتكلّم كثيراً، لكنه يأتي بالحلول "الإعجازيّة" في المساء، فينكبّ مهرجّو الصحافة التابعة للسلطة، صباح اليوم التالي، على كتابة مقالات مهلّلة تفيض بانبهارهم بقدراته العجائبية على اجتراح "الحلول"، قل الحوارات التي لا صفة لها، دستورية أو قانونيّة، أكثر مما لدى جلسة اثنين في مقهى، وذلك كله بدل أن يتحرّك الأخير في دعوة إلى انتخابات برلمانية مبكّرة، تفيد في تجديد شرعيّة السلطة...لكنّ حظّنا سيئ، فالأخير كان في هذا النهار مشغولًا بضيفه المندوب السامي مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والإفريقية، حسين أمير اللهيان.
على الرغم من ذلك كله، حانت لحظة الحقيقة أمام اللبنانيين، ولم يعد يستطيع أحد أن يوقفها بسبب إصرار إعلاميين، مثل فتون رعد التي تمّ إخراجها بالقوة من الوزارة، وغيرها ممن أصرّوا على نقلٍ مباشرٍ للفيلم المرعب الذين كان يحصل. فيلم عنف السلطة العاري التي أطفئت، في جزئه الأخير، الكاميرات بالقوة، وقصّت شرائط البثّ المباشر لإيقاف المشهد السُوريالي الذي كان يحصل. كان على الظلام أن يحلّ ولو قسًرا، فهو الوقت المفضل لدى جلّادي وزير الداخليّة، نهاد المشنوق، والذي يرتاح فيه هؤلاء في هواية الركل والتعذيب والسحل، سواء حصل الأمر في سجن روميّة أو في وزارة البيئة. تعرفون. إنها "طبيعة العمل". والأفضل أن يتمّ ذلك في العتمة، أيها اللبنانيّون، فعليكم أن تتفهموا المعضلة التي أمامنا هنا: الجلّاد لا يخجل أن يضرب ضحيته وجهًا، لكنّه، في أكثر الأحيان، يخجل من فعل ذلك علنًا،لانّه في اللحظة التي تسبق نزول العضّة على الرقبة، يجب أن تظهر كامل الأنياب المغمّسة بالدمّ حَصْرًا أمام عيني الضحيّة المذعورة. وذلك كله يجب أن يحصل من أجل الحفاظ على "المصلحة العامة" و"مؤسسات الدولة"، أيها اللبنانيون.
عندما تمّ إطفاء البثّ، فهم كلّ مواطن لبنانيّ ماذا يحصل هناك، وفهم، أيضًا، أنّ ذلك هو وجه غول السلطة الأفّاق، "اللِفياثان" الذي يختبئ خلف واجهات التلفاز وبرامج "الحوار السياسي" وباقي الهراء المُعطَّر الذي يريدون لنا، من خلال كتّابهم وخدمهم الأيديولوجيين وحشمهم الببغائيّين ومهرّجيهم الإعلاميين، أن ننسى أنّ ما نعيشه كل يوم ليس سوى كابوس كبير. يُعاقِب فيه أهل السلطة كلّ من يتجرّأ على الحلم بالاستفاقة منه، تمامًا كما تمت معاقبة المخرج لوسيان أبو رجيلي الذي أُلقيَ أرضًا بضلوعه المكسّرة. لكنّ الفيلم أكمل في رؤوس اللبنانيين المشاهدين للشاشة التي أصبحت فجأة سوداء صامتة. العويل، الركل، الصدم، التهشيم، شتائم من كل نوع، دماء تسيل، اللكمات، الرفس، تكسير الضلوع، الهراوات على الرؤوس، الأجساد التي تنحني على بعضها لتحتمي من الضرب الوحشي. كنّا لا ترى شيئًا ونرى كلّ شيء. ولم ينفع قطعهم البثّ المباشر في خداعنا، أيها اللبنانيون، فقد كنّا نرى الأمور أفضل مما لو كان البث المباشر موجودًا.
ربّما نكون، كديموقراطيين لبنانيين، أضعف من أن نوقف الأجندات الخارجية الاستعمارية في باقي الدول العربيّة، لبعض لاعبي السلطة اللبنانية، مثل حزب الله، أو نكون أضعف من وقف استعمال قادة "تيار المستقبل" هذر "المظلوميّة السنيّة" من أجل محاربة كلّ من يطلب ردع نهّابي النيوليبرالية المتوحّشة التي أسّسوها في بداية التسعينات، وأدخل كلّ الآخرين فيها بعد ذلك، وما إلى ذلك من أمور تبدو أوّل وهلة مشاريع فوق طاقة أي حزب تقدّمي في لبنان، أو أي تجمّع صغير من البشر الذي لا يملك سوى كلمتهم وعقلهم على القيام به. لكنّ لنا كل الحقّ بأن نعيش بلا نفايات تقتلنا، وتقتل طبيعة بلادنا ومستقبلنا، وأهمّ من ذلك كله، بأن نطالب وزيراً، مهما كان، لا يقوم بمسؤولياته، بالاستقالة فورًا.
هي لحظة الحقيقة. طالب وزيرًا، مهما كان، لا يقوم بمسؤوليته، بالاستقالة الفورية. وكلّ حقيقة هي ثوريّة. في لحظة الامتحان يكرم المرء أو يُهان، فكيف إذا كان ثورة شخصية لكلّ منا على الأوهام المتكوّمة في رؤوسنا حول ما يسمى ونسميه زورًا بـ"الزعماء" و"الطائفة" و"الظروف الإقليمية"، من أجل أن نتوقف عن تبرير تقاعسنا عن رفض نظام عبوديّتنا اليوميّة أمام ذواتنا: كل واحدّ منّا مسؤول عن خياراته وعن قيامه بواجبه في الدفاع عن حقّه بمطالبة من هم في السلطة بتحمّل مسؤوليتها. إنّه خيط رفيع بين أن نقبل أن نكون محكومين بالبطالة والإملاق، فالهجرة لمن يستطيع إلى ذلك سبيلًا، إلى أن يتحلّل مجتمعنا ويزول، أو نقرّر الإمساك بزمام أقدارنا.



#خليل_عيسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مهمّات ثوريّة أمام اللبنانيين
- -الانتحار- بين العونيّين والبْياليّين
- ملحمة -الصرامي- الثلاث
- وقائع تطهير عرقي كُردي للعرب في سورية
- ميشال سماحة والخيانة والصبّير
- في أطروحة -التفاؤل الأكثري- القاتلة
- الإمبراطور أوباما -مناهضًا الإمبرياليّة-
- أطلقوا سراح فانيسّا وغريتّا! أطلقوا سراح أحرار العالم!
- في مسؤوليتنا التاريخيّة عن استعمار العراق
- ملوك -الريموت كونترول-
- أوباما وخامنئي: غرام وانتقام
- في استفراغ الجمهوريّة-الجثّة اللبنانيّة
- في مديح الذات عند الإمبراطور أوباما
- في أحوال -11 سبتمبر- اللبناني
- بازار الأوهام في الثورات والأحلام
- في ثورة الكرامة اللبنانيّة
- الجراد والترويع وعرسال وحزب الله
- وحدة لبنانية -افتراضية- في ساعة
- عدالة واحدة و’غيرُعادلين‘ متعدّدون
- الاستعمار الأميركي-الإيراني: ’إعلان‘ إمبراطوريّة الشرّ


المزيد.....




- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا
- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - خليل عيسى - حانت لحظة الحقيقة أيها اللبنانيّون